مجلة الرسالة/العدد 81/الكتب

مجلة الرسالة/العدد 81/الكتب

ملاحظات: بتاريخ: 21 - 01 - 1935



كتاب تتمة اليتيمة للثعالبي

نشره وقدم له الأديب عباس إقبال

مررت بباريس قبل سبع سنين، فزرت الأديب العلامة محمد بن عبد الوهاب القزويني لأفيد من علمه الغزير، لقيت عنده الشاب الأديب عباس اقبال، وكنت قرأت في كتاب للعلامة القزويني أن الثعالبي أكمل اليتيمة في كتاب سماه تتمة اليتيمة، وأن نسخة منه في مكتبة باريس؛ فتكلمنا يومئذ عن الكتاب، وعزمت أن أشير على لجنة التأليف والترجمة بطبعه. ثم ضرب الزمان ضرباته حتى ذهبت إلى طهران هذا العام فإذا صديقنا الأديب عباس إقبال قد طبع التتمة في جزءين صغيرين طبعاً متقناً وجاء يهديها الي، فسررت كل السرور بطبع هذا الكتاب القيم، وأثنيتعلى جهد الأديب إقبال وهمته

وإني لراج أن يذيع الكتاب بين الأدباء ليكمل به نقص اليتيمة

وفيما يلي ترجمة المقدمة الفارسية التي كتبها الأديب النابغة عباس إقبال لهذا الكتاب:

الأمام أبو منصور عبد الملك الثعالبي النيسابوري (350 - 429هـ9) أديب من أدباء إيران النابغين، أمضى معظم عمره، أواخر القرن الرابع الهجري وأوائل الخامس، في تأليف كتب كثيرة في فنون شتى من الأدب واللغة والتاريخ وكتب مؤلفاته كلها باللغة العربية اتباعاً لسنة ذلك العصر، إذ راجت سوق هذه اللغة واستأثرت بالعلوم واتسعت وعمت. ونحمد الله على أن أكثر مؤلفات الثعالبي، وبعضها رسائل صغيرة ذات أوراق قليلة، لم تذهب بها الحادثات

من كتب الثعالبي كتاب يعد من أجل كتبه، واليه يرجع أكثر صيته، وهو كتاب يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر. كتب الثعالبي نسخته الأولى سنة 384، ونسخته الآخرة بين سنتي 402 و407. وأودعه من آثار الشعراء المعاصرين والذين تقدموا زمانه بوقت قصير، وضمنه بعض أخبارهم

قسم الثعالبي كتاب اليتيمة أربعة أقسام: القسم الأول في محاسن أهل الشام والجزيرة، القسم الثاني في محاسن أشعار أهل العراق، القسم الثالث في محاسن أهل الري وهمذان واصفهان والجبل وما يتصل بها، القسم الرابع في محاسن أهل خراسان والكتاب لا يعني كثيراً بأخبار الشعراء الذين ترجم لهم الثعالبي في الأقسام الأربعة كما يعني بذكر أشعارهم، ونبذ من منثورهم أحياناً، ولكنه مع هذا يشتمل على كثير من الفوائد التاريخية المهمة، ولاسيما في القسمين الثالث والرابع اللذين يتضمنان تراجم الشعراء الذين عاشوا في إيران وما يتصل بها. وهو من هذه الجهة يحوي فوائد قيمة، وبعض الشعراء الذين ترجم لهم الثعالبي في هذين القسمين ممن عرفوا في عُرف ذلك العصر بالشعراء ذوي اللسانين: أي الذين نظموا بالعربية والفارسية. وقد أثبت في مواضع ترجمة بعض شعرهم الفارسي، وفي موضع أو اثنين نماذج من شعرهم الفارسي أيضاً. وهذه النبذ على قلتها ذات خطر يجعل اليتيمة من المنابع المهمة، لتحقيق تاريخ إيران وتاريخ الأدب الفارسي في القرنين الرابع والخامس

وقد ذيل اليتيمة كتاب آخرون، ساق كل منهم الكلام من حيث انتهى الثعالبي إلى زمانه هو. وأكثر هذه الذيول انتشاراً كتاب دمية القصر لعلي بن الحسن الباخرزي تلميذ الثعالبي. ويُعتبر ثاني اليتيمة في القيمة والفوائد التي ذكرنا.

ويؤسفنا أن الدمية على مكانتها الأدبية لم تطبع حتى اليوم: والطبعة الناقصة المشوهة التي طبعت في حلب قبل بضع سنين لا تعدل فلساً. وأول من ذيل اليتيمة فأكمل نقصها بذكر الشعراء الذين نسبهم المؤلف أو لم يظفر بشيء من أشعارهم وأخبارهم حين التأليف، أو نبَهُوا بعد انتشار الكتاب، هو الثعالبي مؤلف اليتيمة نفسه. ويؤخذ من مقدمة النسخة النهائية للمجلد الأول من اليتيمة أنه جد منذ نشر النسخة الأولى سنة 384 في تكميل اليتيمة والزيادة عليها. حتى تسنى له أن ينشر النسخة الأخيرة بين سنتي 402 و 407، وأهداها إلى الأمير أبي العباس مأمون أبن مأمون خوارزمشاه المتوفى سنة 407 في سن 32

وبعد ما يقرب من عشرين سنة من انتشار النسخة الأخيرة من اليتيمة ألف الثعالبي كما يقول هو في مقدمة النسخة التي بأيدينا كتاباً لطيفاً على نسق اليتيمة وترتيبها سماه تتمة اليتيمة، أراد أن يرفع نقص اليتيمة ويجبر كسرها وان يكون ضميمة للكتاب الأصلي تبلغ به اليتيمة الحد الذي بلغه جهد الثعالبي.

ومعنى هذا أن كتاب اليتيمة ناقص بدون هذه التتمة؛ وقد عرف ذلك الثعالبي نفسه. ذلكم بأن الذيل الحاضر، يحتوي على أسماء كثير من الشعراء الذين أغفلتهم اليتيمة أو نبه شأنهم بعد انتشارها. فضلاً عن أنه يعين على إكمال تراجم عدة من الشعراء الفضلاء الذين ذكروا في اليتيمة. فالتتمة ذات خطر كبير ولاسيما قسمها الرابع الذي يتضمن أخبار أركان الدولة وأعيان الحضرة أي المنشئين والمستوفين والأدباء والشعراء الذين التفوا حول الملوك الغزنويين. هذا القسم يعد أعظم أقسام هذا الكتاب من حيث إنارَتُه مواضع مظلمة من تاريخ إيران وآدابها، واشتماله على أنباء كثير من الوزراء والمنشئين والشعراء والأدباء النابهين

ألف الثعالبي كتاب التتمة في أيام السلطان مسعود الغزنوي ما بين سنتي 424 و 428 وثَبَتُ هذا أن سنة 424 وردت مرتين في هذا الكتاب (ص114 و 145)، وأن شمس الكفاة خواجه أبا القاسم أحمد بن حسن الميمندي وزير السلطان مسعود كان قد توفي حين تأليف الكتاب، ووفاته كانت سنة 424. (ارجع إلى صفحة 146 و155) فلا يمكن أن يكون تاريخ التتمة مقدماً على هذه السنة، والمؤلف مات سنة 429؛ فتأليف الكتاب محصور بين سنتي 424 و429. وتتمة اليتيمة، كاليتيمة، اشتهرت منذ عهد المؤلف وصارت مرجع الأدباء. وقد اطلع عليها ياقوت الحموي ونقل عنها فقرات في كتابه معجم الأدباء. وحاجي خليفة يقول تحت عنوان اليتيمة إن للكتاب ذيلاً ألفه الثعالبي، ويذر اسمه صريحاً، ولكن هذا الاسم (تتمة اليتيمة) حرف إلى (يتيمة اليتيمة) في كشف الظنون المطبوع. وابن خلكان كذلك اطلع على هذا الكتاب وذكره في ترجمة أبي محمد عبد المحسن بن محمد الصوري (ج1 ص428 - 429 من طبعة باريس)، وقد نقل قطعة من الشعر نسبها الثعالبي في التتمة إلى أبي الفرج بن أبي حصين القاضي الحلبي (راجع ص68 من هذا المتن) ثم اعترض على مؤلف التتمة وقال هذه الأبيات لعبد المحسن الصوري، رأيتها في ديوانه، وأخطأ الثعالبي في نسبة أشياء إلى غير أهلها فيحتمل أن تكون هذه الفقرة منها

قلنا إن كتاب التتمة كان في يد ياقوت الحموي. وقد نقل منه ياقوت فقرات بعينها، ومن ذلك نبذة في ترجمة أبي العلاء المعري (ج1 ص172)، وأبي علي بن مسكويه (ج2 ص9) والسيد المرتضى (ج5 ص175)، وأبي جعفر محمد بن إسحاق البجاثي (ج6 ص412) وغير ذلك. وليس خروجاً عن الموضوع أن أنبه هنا إلى مسالة: ينقل ياقوت في معجم الأدباء (ج1 ص172) أبياتاً رواها الثعالبي لأبي العلاء المعري، ثم يقول: قال وأنشدني لنفسه: (لست أدري ولا المنجم يدري) إلى أخر القطعة

وهذه القطعة، كما يتبين من هذا الكتاب (ص10) لأبي القاسم المحسن بن عمرو بن المعلى الذي يذكره الثعالبي في التتمة بعد أبي العلاء المعري بلا فاصل لا لأبي العلاء المعري. وراوي القطعة المذكورة أبو يعلى البصري لا أبو المحسن الدلفي المصيصي الذي يروي عنه الثعالبي ويتبعه ياقوت، أخبار المعري وأشعاره. فيفهم من هذا أن نسخة التتمة التي كانت في يد ياقوت فيها نقص، أسقط كاتبها بعد أخبار أبي العلاء المعري اسم أبي القاسم المحسن بن عمرو بن المعلى. وقد رأيت هذه الإشارة جديرة بالذكر هنا لتصحيح هذا الموضع من معجم الأدباء المطبوع

النسخة بأيدينا صورة من نسخة مخطوطة وحيدة في مكتبة باريس مكتوبة بخط نسخ جميل. وهي ملحقة بأجزاء التتمة كلها في جلد واحد يحوي 591 ورقة أي 1182 صفحة ورقمه (3308 وتشمل أقسام التتمة الأربعة من صفحة 498 إلى 591. وقد طبعناها في جزءين لأسباب نذكرها بعد

نسخة باريس مؤرخة 17 صفر سنة 989؛ وإذا استثنينا أغلاطا كتابية وسقطاً قليلاً، فالنسخة في نهاية الجودة والصحة

ثم ختم كلامة بقوله: والمرجو أن تقع هذه الخدمة الصغيرة موقع القبول عند الأدباء وينظروا إليها بعين الرضا والأنصاف

عبد الوهاب عزام.