مجلة الرسالة/العدد 81/من روائع الشرق والغرب

مجلة الرسالة/العدد 81/من روائع الشرق والغرب

مجلة الرسالة - العدد 81
من روائع الشرق والغرب
ملاحظات: بتاريخ: 21 - 01 - 1935



الوحدة

'

لشاعر الحب والجمال لامرتين

استسلم لامرتين بعد فجيعته في حبيبته (جواليا) إلى الهم، وأستأنس بالوحدة، واستكان للعبرة، وخلا إلى الحزن في خلوات (ميلي) ومن هناك بعث إلى صديقه (فريو) بهذه القصيدة في 24 أغسطس سنة 1818 وهي:

جلست محزون القلب، مستطار اللب،

على قلة الجبل، وتحت ظُلة السنديانة

العتيقة، أشيع شمسي النهار وهي تغرب،

وأسرح بصري في وجوه السهل وهي تتغير

فهنا النهر صخاب الموج، جياش

الزبد، ينساب في جوف الوادي، ثم يضل

في ظلام البعد! وهنا البحيرة راكدة

السطح، راقدة الماء، تتراءى في جوانبها

نجوم الليل!

والطفل لا يزال يلقي على رءوس

الجبال الشجراء ومضا من شعاعه، وملك

الليل قد أخذ يصعد إلى عرش السماء في

محفته الندية، فأشرقت جوانب الأرض،

وازدهرت حواشي الأفق

وناقوس الكنيسة الغوطى قد أخذ

يقرع الهواء برنينه الديني، فكف الفلاح

عن العمل، ووقف السائر عن المسير،

واختلطت هذه الأرانين المقدسة بما بقي من ضوضاء النهار وصخبه!

ولكن نفسي كانت من كل هذا

خلية، فما تبعث فيها هذه المناظر الجليلة،

ولا تلك الصور الجميلة، نشوة ولا بهجة!

لقد كنت أتأمل الأرض وكأنها ظل

منتقل أو خيال طائف!

إن شمس الأحياء لا تدفئ الموتى!

فكنت أنقل عيني من الربى إلى

الجبال، ومن الجنوب إلى الشمال، ومن

ظلمة الغسق إلى حمرة الشفق، وأنفض

السهل والوعر، والمأهول والقفر، عسى

أن أجد لنفسي سعادة في مكان، أو أتوسم

لقلبي راحة في إنسان، فلا أعود بطائل!

وما تصنع لي هذه الوديان والأكواخ

والقصور، ما دمت لا أجد لجمالها في عيني

روعة، ولا لسحرها في قلبي فتنة؟؟

أيها الأنهار والأحجار والغابات

والخلوات العزيزة علي!! إن غيبة مخلوق

واحد من ربوعكن جعل عامركن خرابا،

ورد أنسكن وحشة!!

سواء علي أتطلع الشمس أم تغرب،

وتصحو السماء أم تغيم، ويظلم الليل أم

ينير الصبح، فليس لي بغية في اليوم ولا

رجية في الغد

وحينما أرسل عيني تتبعان الشمس في مدارها الرحب القصي، لا أبصر في كل

مكان غير الفراغ والخلو! لا حاجة لي إلى من

تظله السماء، ولا رغبة فيما تنيره الشمس!

ولكن من وراء هذا الفلك الدائر

وهذه الشمس الساطعة أمكنة أخرى

تسطع فيها الشمس الحقيقية! فلو أتيح

لنفسي أن تخلص من قفصها لرأت في تلك

السموات حبيبها الذي طالما بكت عليه،

وحنت إليه!

هنالك انتشى من رحيق الغبطة،

وأظفر بالأمل والمحبة، وأنعم بما تاقت إليه

نفسي من مُتَع لا تمر على سمع ولا تدور بخلد

ما أعجزني أن أطير إليك وأنا مثقل

بقيود المادة، خاضع لجاذبية الأرض!!

وليت شعري لماذا قضى الله أن أبقي إلى

الآن في أرض المنفى وما تربطني بها رابطة،

ولا تصلني بأهلها صلة!!

إذا ما ذوت الأوراق في المرج،

وأسقطها قر الخريف في الوادي، هبت

عليها الشمال فذهبت بها أباديد! وأنا بهذه

الأوراق الذابلة أشبه! فاحمليني أيتها الريح

كما حملتها، وانثريني في وجوه الفضاء كما

نثرتها، فما بعد الصباح إلا المساء، وما بعد

اليأس والوحدة إلا الفناء!

الزيات