مجلة الرسالة/العدد 813/النزاع في البلقان

مجلة الرسالة/العدد 813/النزاع في البلقان

ملاحظات: بتاريخ: 31 - 01 - 1949



للأستاذ عمر حليق

من بين القرارات الرئيسية التي اتخذتها الجمعية العمومية في اجتماعها الأخير بباريس مشروع جديد لإعادة السلم في البلقان، والسعي لتصفية الحرب الأهلية في اليونان.

وقرار هيئة الأمم هذا يطلب إلى جارات اليونان الثلاث: ألبانيا وبلغاريا ويوغسلافية، الامتناع عن تزويد الثوار اليونانيين بالأسلحة والمساعدة المادية والمعنوية، ويوصي اللجنة الدولية التي أنشأتها هيئة الأمم لفض النزاع في البلقان بمتابعة أعمالها. وقد خولها هذا القرار صلاحيات جديدة من شانها إذا نفذت أن تضع نهاية مرضية لهذا الصراع المؤسف المزمن الذي ابتدأ بين اليونان وجاراتها منذ أن وضعت الحرب العالمية الأخيرة أوزارها.

وهذا المشروع الذي نحن بصدده هو من وضع الصين وبريطانيا وفرنسا وأمريكا مشتركين. وقد نال أصوات جميع أعضاء هيئة الأمم باستثناء روسيا وحلفائها في دول أوربا الشرقية

وكان رأي الروس لحل مشكلة البلقان يرمي إلى وقف أعمال لجنة البلقان الدولية التي ألفها مجلس الأمن في السنة الماضية، وسحب الجنود الأجانب من جميع الجنسيات من اليونان، ثم حمل الدول المتنازعة على الدخول في مفاوضاتلإيجاد تصفية نهائية.

وطبيعي أن هدف الروس في هذه الدعوة هو إقصاء الجنود الأمريكيين والبعثات العسكرية الانجلوسكسونية التي تدير الجيش النظامي اليوناني، وترك الحالة مرهونة بالقوة الكامنة لدى الثوار اليساريين اليونان والتي ترعاهم حكومة موسكو في شكل لا يتخذ صورة المساعدة العلنية التي يقوم بها الأمريكان في اليونان وتركيا، والتي تتخذ شكل السيطرة السياسية والاقتصادية التامة، خصوصا في اليونان وقد كبت هانسون بولدوين المعلق العسكري لجريدة النيويورك تايمس الأمريكية منذ مدة يقول إن انتصار روسيا في حرب البلقان يكشف عن وسيلة الصراع التي تدفع فيه روسيا الولايات المتحدة إلى حرب اقتصادية تستنفد القوى الاقتصادية الأمريكية وتعقد العلاقات والتيارات الاقتصادية والتجارية في عالم ما بعد الحرب. وقد عد هذا الكاتب عمليات روسيا في اليونان انتصارا لأن مضي عام على احتلال الأمريكان مكان الإنجليز في اليونان، وإنفاقهم 250 مليو دولار بموجب شريعة ترومان خلال السنة المنصرمة، قد أنتج عكس ما كان يقدر له صناع السياسة في أمريكا. فقد زاد عدد الثوار اليونان من 10 آلاف إلى 25 ألفا، وتراكمت على الإدارة الأمريكية التي تتولى تنفيذ شريعة ترومان في اليونان أعباء مالية جسيمة اضطرتها إلى أن تطلب من الكونغرس تخصيص ضعف هذا المبلغ (500 مليون دولار) للسنة الحالية. أضف إلى ذلك أن اليساريين اليونان قد تمكنوا من التركز في مواقع ستراتيجية جديدة تتوغل في الأراضي التي كانت تسيطر عليها الحكومة اليونانية في السنة الماضية.

ولنعد إلى محاورات هيئة الأمم:

لقد رفض المشروع الروسي بأكثرية ساحقة، وكانت حدة النقاش بين الروس وحلفاء الغرب بصدد المشكلة البلقانية في جلسات هيئة الأمم من أعنف ما شهدته هذه المؤسسة من نقاش. فقد حمل المسيو فيشينسكي وهو قانوني ضليع وخطيب مصقع على لجنة البلقان الدولية وطالب بحلها معددا الأخطاء والتحيز الذي بدا منها بفضل ما سماه (مهزلة التدخل) الأمريكي في أعمالها وتوصياتها وفي سعيها لتوطيد الملكية اليونانية إمام مقاومة ما سماه فيشينسكي العناصر التقدمية الشعبية.

ولعل من الطريف مقارنة فيشينسكي في تعداده أخطاء لجنه البلقان بدفاع زميله ومواطنه يعقوب مالك المندوب الروسي الدائم في مجلس الأمن عندما تعاقب المندوبون العرب بالخطب وبالمذكرات على الكشف عن تآمر وأخطاء لجنة التقسيم الدولية بفلسطين ولجنة مراقبة الهدنة. . .

وحاول المندوب الروسي أن ينفي التهم عن حلفائه البلغاريين والألبانيين واليوغسلافيين فقال إن أزمة النزاع في اليونان ليس مبعثها تدخل جارات اليونان، ولكن مبعثها فساد النظام والإدارة السياسية في حكومة أثينا، وأن أية محاولة لتعزيز هذه الحكومة لن يضمن استقرار السلم في البلقان وهي منطقة في مسيس الحاجة إلى الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي، وهو إصلاح لا يتم إلا بتوطيد السلم الحقيقي. أما أجوبة اليونان عن ادعاءات الروس فإنها تشير إلى أن اليونان فريسة عدوان منظم من جاراتها الشيوعية، وهذا العدوان يتخذ شكل اعتداء حربي مسلح يشترك فيه الجنود البلغاريون والألبانيون واليوغسلافيون مع الثوار اليونان برعاية حكومة موسكو ومساعدتها المادية والمعنوية. ولذلك فإن مأساة الصراع في اليونان ستنتهي حتما إذا امتنعت روسيا وأعوانها عن تغذية الثوار اليونانيين. ويقول ممثلو حكومة اليونان في هيئة الأمم إن الشعب اليوناني في منطقة الحكومة وفي منطقة الثورة على السواء يرغب في السلم، ولن يتم له تحقيق هذه الرغبة إلا يوقف تدخل الدول المجاورة.

ويعزز رأي اليونان أصوات سادة هيئة الأمم المتحدة وهم الانجلوسكسون، وقد استطاعوا إقناع أعضاء الهيئة بتخويل اللجنة الدولية في البلقان صلاحيات جديدة يعززها من الخلف نفوذ لايك سكسس عسى أن يستقر السلام في تلك المنطقة التي هي برميل البارود في حروب أوربا الشرقية.

ويقول تقرير نشر في لايك سكسس مؤخرا إن اللجنة الدولية المذكورة معززة بقرار الجمعية العمومية قد نجحت مبدئيا في تقريب وجهات النظر بين الحكومة اليونانية وجاراتها على أسس جديدة قد تسفر - إذا استمر هذا الجو الهادئ نسبيا الآن في البلقان - عن خطوات عملية جدية لتصفية نهائية. . . .

(نيويورك)

عمر حليق