مجلة الرسالة/العدد 821/البريد الأدبي

مجلة الرسالة/العدد 821/البرَيدُ الأدَبي

ملاحظات: بتاريخ: 28 - 03 - 1949



بين نيتشه وفجنر

كتب الأستاذ أنور المعداوي في عدد (الرسالة) رقم 819 في باب (التعقيبات) كلمة تحت عنوان (أدعياء الأدب في الصحافة اليومية) يرد بها على الأستاذ الخميسي فيما كتبه بجريدة المصري عن موسيقى فاجنر وأثرها في الفيلسوف نيتشه خاصة والشعب الألماني عامة. فحمل حملة شعواء على الخميسي لا داعي لنقلها فقد طالعها القراء. . . وإني أقول للأستاذ المعداوي كلمة هادئة. . . ترفق يا صديقي فما هذه بلهجة ناصح مرشد، وإنما هي لهجة مصارع جامح. . . وحتى لو كان الحق في يدك والباطل في يد غيرك فلهجتك تشوه جمال حقك. . . فما بالك إذا لم يكن معك كل الحق، وليس مع غيرك كل الباطل؟!

إن ما قاله الأستاذ الخميسي عن تأثير نيتشه بموسيقى فاجنر حق لا شك فيه، وقوله (إن موسيقى فاجنر فتقت أكمام العبقرية في نتيشه) يدهشني بصدقه ودقته؛ هذا التعبير الذي جعله الأستاذ المعداوي هدفاً لأمرً سخرياته. وإليك الدليل يا أخي (الأستاذ) بقلم نيتشه نفسه من كتاب (رسائل الصداقة بين نيتشه وفاجنر) وهو سفر يقع في حوالي مائتي صفحة من القطع الكبير منه طبعة بدار الكتب بالقاهرة - وهو حافل بآيات الإعجاب والإشادة التي طالما أهداها الفيلسوف إلى صديقه الموسيقار العظيم. ونحن نكتفي منه بمقتطفات من إحدى هذه الرسائل - على سبيل التمثيل لا الحصر - (صفحة 85) كتبها الفيلسوف يهدي معه نسخة من أول كتاب (تفتقت عنه عبقريته) إلى صديقه الموسيقار وقد سماه: (مولد التراجيديا من خلال روح الموسيقى).

وهذا المؤلف بالذات تناوله البروفيسور ليشتنبرجر في أبدع فصوله من مؤلفه القيم عن نيتشه - إنجيل السوبرمان -.

ويفتتح نيتشه خطابه بهذه العبارة الشائعة في خطاباته لفاجنر:

أيها الأستاذ العظيم التبجيل:

لعل هذا العمل (يقصد كتابه الجديد) يكون ولو إلى حد ضئيل رداً لجميل عنايتك الفائقة التي أوليتنيها في خلقه

وإذا كنت أعتقد أنني به قد أصبت الحق فليس لذلك سوى معنى واحد هو أنك في فنك ع حق مدى الزمن والخلود - في كل صفحة من صفحاته تجد شاهداً ناطقاً يشكري على كل ما أوليتنيه؛ ولكن يعروني الجزع لشكي المخيف - إلى أي مدى استطعت أن أظهر نفسي أهلاً لنفحاتك؟! سأكون قادراً على إبداع أعمال أخرى أفضل في مقتبل الأيام وأقصد بمقتبل الأيام ذلك الزمن الذي يكون فيه فن بايروت (يقصد فن فاجنر) قد طار صيته.

وفي نفس الوقت أشعر بالزهو إذ أحس بنفس إذ أحس بنفسي كجمرة تضطرم؛ لأنني من الآن فصاعداً سيقترن اسمي باسمك إلى الأبد.

مدينة يال في 2 يناير 1872 ف. نيتشه

ألا ترى يا أستاذ معداوي أن نيتشه يعترف صراحة بأثر فاجنر وفنه في أول كتاب تفتقت عنه عبقريته؟ فكل صفحة من صفحاته شاهد ناطق بذلك كما يقول الفيلسوف نفسه!! وإن نجاح نيتشه في كتابه ليس إلا برهانا على نجاح تأثير الموسيقار وفنه؟ بل إن الفيلسوف ليؤجحه الشعور بالزهو والفخر إذ شعر باقتران اسمه باسم الموسيقار العظيم إلى الأبد! مسكين أيها الخميسي الدعي! يا من تتناول مشكلات الأدب والفن هذا التناول الذي يبعث على الضحك والعجب والإشفاق!

إن (المثقفين يا أستاذ في كل مكان يعلمون حقاً أن موسيقى فاجنر قد لقيت من قلم نيتشه أعنف وأبشع ما قليته موسيقى فنان من قلم فيلسوف) ولكن هؤلاء المثقفين أنفسهم يعلمون أيضاً أن هذه الموسيقى بالذات قد لقيت من قلم نيتشه أسمى آيات المديح. إنها حقيقة ذات وجهين يعرفهما كل مثقف في كل مكان! فهل أظهرت يا أخي أحد الوجهين وأخفيت الآخر متعمداً لترخي لقلمك العنان في سخرياته من الخميسي الدعي الذي يصدم الخيال والواقع ويخالف منطق الحياة والأحياء هو وأمثاله (على حد قولك) حين يكتبون؟! أم أنك كنت بالوجه الثاني لتلك الحقيقة على غير علم؟! إنني أترك لك اختيار إحدى الحالين. . . ولست أغبطك على هذا الموقف. . . الذي لا يبعد كثيراً عن ذلك الذي أراد أن يتمسك من الآية القرآنية بعبارة (لا تقربوا الصلاة. . .) وترك الباقي لغاية في نفسه وإن كنت شخصياً أنزه ناقداً مثلك عن هذه الغايات!

أما سبب ذلك الانقلاب من النقيض إلى النقيض للفيلسوف على صديقه الموسيقار فيعزوه المثقفون أو بعضهم على الأقل إلى علاقة غرامية أحس بها الفيلسوف نحو زوج صديقه الفنان. . . حين كان يتصل بالزوجين اتصال المعجب ويخالطهما مخالطة الصديق. . . وللحب سلطان فوق كل سلطان يا صديقي - ولما عرف الزوج السر وقعت الجفوة بين الصديقين. . . وإنك لتعرف أيها الأخ أن نيتشه لا يعرف في العواطف أنصاف الحلول. . فإما الصداقة الجارفة وأما العداوة الصارخة، وهو في فلسفته أيضاً كذلك. . . فهو إما هدَّام مدمر كأعنف ما يكون الهدم والتدمير، وإما بان كأضخم ما يكون بناء بنَاء. . . ومن كتبه التي تشهد بذلك - زرادشت - ضد المسيح - شفق الأصنام -. . .

ولقد سبق لينتشة أن رفع شوبنهاور وفلسفته إلى عنان السماء ثم عاد وذمهما أشنع الذم. . ثم حملته العنيفة التي شنها على المسيح والديانة المسيحية. . إن ما قاله مالك في الخمر هو بعض ما قاله نيتشه في المسيح. والعجيب أنه كان يعد أولاً ليكون من رجال الكنيسة. .!! ويقل نيتشة في كتابه - ما وراء الخير الشر - وربما يعلل بهذا القول تقلباته العنيفة - إن المفكر عندما يبلغ الثلاثين يكون مر بجميع الأدوار التي مرت بها الإنسانية في تطورها.

كنت أحب أن أنتهز هذه الفرصة لأستطرد في بحث عن نيتشة الفيلسوف العجيب الفذ، ولكني أرجئ هذا إلى فرصة أخرى. وأشكر للأستاذ المعداوي أن أتاح لي إنصاف الحق وأحب أن أقول له مخلصاً. . والله لولا حرمة الحق ما حركت قلمي في هذا الموضوع - وإذا كان الخميسي صديقي فالحق عندي أعز من كل صديق. . وفي النهاية أهمس في أذنه: إنها جولة كسبها منك الخميسي لأنك لم تسد الثغرة حين سددت الضربة. . . وعسى أن توفق في جولة أخرى. . على أن كاتباً مثلك ينتظره مستقبل باهر عليه أن يبذل غاية الجهد ليحفظ قلمه بعيداً عن آفة الهوى. . .

محمد فهمي

(الرسالة) تلقينا رداً آخر للأستاذ الخميسي فاكتفينا برد الأستاذ

فهمي لاقتصاره في النقل ووفائه بالغرض.

كلام الجوهر والدرر:

في ص 1350 من عدد (الرسالة) 804 يقول كاتب المقال: (ترجمة الأوزاعي لابن حجر العقلاني).

عنَ لي أن أحقق هذا فرجعت إلى كتاب (الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ للسخاوي) الذي نشرته مكتبة القدسي بالقاهرة فوجدته في ص 120 يسرد ما ألف من التواريخ في أفراد مخصوصين، قم يحيل على كتابه (الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر) فرجعت إلى النسخة المصورة في دار الكتب المصرية فعثرت في خاتمته على جريدة حافلة في ذلك، يقول فيها: وسيرة أبي عمرو الأوزاعي جمعها الشهاب أحمد بن محمد بن زيد الدمشقي الحنبلي أحد من أخذت عنه، في جزء سماه (محاسن المساعي في مناقب أبي عمرو الأوزاعي).

وقد ترجم السخاوي لابن زيد هذا في تاريخه (الضوء اللامع لأهل القرن التاسع) المطبوع بمصر، وذلك في الجزء الثاني منه وذكر في ثبت مؤلفاته كتابه هذا (محاسن المساعي).

ثم رجعت إلى الباب الخامس من (الجواهر والدرر) المعقود لمؤلفات ابن حجر العسقلاني، وهو في 18 صفحة كبيرة، فلم أجد فيه ذكراً لكتاب في هذا الموضوع للحافظ. ولو كان له مصنف في ذلك لما خفي على تلميذه الأثير شمس الدين السخاوي وترجم له ابن العماد في (شذرات الذهب في أخبار من ذهب) في أربع صفحات، وسرد من أسماء مؤلفاته 71 كتاباً، ليس منها هذا الكتاب.

وقصدت أيضاً إلى (الضوء اللامع) فوجدت للحافظ ترجمة فيه، ليس فيها شيء من ذلك أيضاً.

وعلى هذا فالنسخة الموجودة في دار الكتب من (محاسن المساعي) المنسوبة إلى الحافظ ابن حجر هي للشهاب بن زيد قطعاً.

محمد أسامه عليبه