مجلة الرسالة/العدد 823/الأدب والفن في أسبوع

مجلة الرسالة/العدد 823/الأدب والفن في أسبوع

مجلة الرسالة - العدد 823
الأدب والفن في أسبوع
ملاحظات: بتاريخ: 11 - 04 - 1949



للأستاذ عباس خضر

شعر المناسبات:

قلت في العدد الأسبق من (الرسالة) بصدد الكلام على قصيدة (موكب الأبطال) للأستاذ علي محمود طه: (وبعد فقد قام شاعرنا الكبير بحق البطولة على الشعر وجاءت قصيدته عملاً ممتازاً ينبغي أن ينظر فيه الشعراء الذين يؤثرون الهرب من المجتمع والانطواء على عواطفهم الشخصية وخيالاتهم البعيدة عن مضطرب الحياة. . .) الخ

قال لي صديق من الشعراء، وقد قرأ ذلك: أتدعو إلى شعر المناسبات؟

شعر المناسبات؟ تلك كانت قضية أثارها بعض الكاتبين منذ زمن، فأزروا بمن يحملون أنفسهم على القول فيمل لا يشعرون به بدافع المجاملة أو الملق أو حب الظهور أو غير ذلك من دوافع النظم الذي يخلو من حرارة التعبير الصادق.

ولكن قل لي بالله أيها الصديق: إذا جاءت مناسبة قومية أو اجتماعية فخالجت نفس المشاعر أو هزت مشاعره واستجابت لها شاعريته، أنقول له: امسك عليك لسانك فهذا شعر مناسبات؟

المسألة ليست شعر مناسبات وغير مناسبات إنما هي شعر صادق وشعر متكلف، وكما يكون كل منهما في شعر المناسبات يكون في غيرها، فكم من شاعر يتملح بالحب والوجد والهيام وهو لا يعرفها غير ألفاظ!

حقاً إن كثيرين من المتهافتين على مائدة الشعر يكثرون من التزييف في المناسبات، ولكن الصيرفي الحاذق يميز الصحيح من الزائف، فلا يرفض النقود كلها لأنه هناك مزيفين كثيرين.

فلم محمد على الكبير:

درست وزارة الشؤون الاجتماعية موضوع إخراج فلم عن حياة محمد علي باشا الكبير يصور مختلف مراحل حياته وأعماله العظيمة وفتوحاته المجيدة، ليكون ضمن مظاهر الاحتفال بمناسبة مرور مائة عام على وفاته. ويرجى أن يكون هذا الفلم دعاية لمصر لم سيعرضه من روائع تاريخها في تلك الفترة التي وضع فيها أساس مصر الحديثة، إلى أنه العمل الفني الذي يعتبر الأول من نوعه في مصر التي لو سئلت الآن عن إنتاجها من الأفلام الثقافية لصمتت صمتاً يخرجها منه فلم محمد علي المنتظر.

وقد أرسل معالي وزير الشؤون إلى دولة رئيس الوزراء مذكرة بنتيجة دراسة هذا الموضوع، وهي تتلخص في أن اللجنة المؤلفة لإعداد المشروع قد انتهت من وضع مشروع القصة وقدرت نفقات إنجاز الفلم باللغات العربية والفرنسية والإنكليزية بمبلغ 80000 جنيه وقد أبدت شركة مصر للتمثيل والسينما استعدادها لتنفيذ هذا المشروع، على أن تعاونها الوزارات التي يحتاج الفلم إلى معاونتها فيه وأن تمنحها الحكومة إعانة مالية قدرها 30000 جنيه، تردها إلى الحكومة إذا بلغ إيراد الفلم مقدار نفقاته.

هذا وقد كتبت بعض الصحف تشير إلى أن يستعان ببعض الأجانب في تأليف قصة الفلم وكتابته (السيناريو). وهو رأي لا أراه على شيء من الصواب، لأنه فلم قومي ولا بد أن يشتمل على نواح قد تصطدم برضاء بعض الدول الاستعمارية التي كانت تناوئ مصر وتعمل على إحباط مساعي محمد علي، كما حدث في حرب المورة وإرسال الأساطيل إلى الإسكندرية.

فإذا قيل أن من نختارهم للعمل في الفلم من الأجانب سيعملون تحت إشرافنا وإنهم لن يستطيعوا أن يشوهوا مفاخرنا، أقول: كيف نحملهم على تزويد الفلم بالحرارة القومية التي لا يشعر بها إلا المصريون؟

إن إعداد الفلم وإخراجه بأيد مصرية يكسب الحياة ويلبسه الروح الوطني المنشود ولو جاء غير مستكمل لأسباب الكمال الفني ثم هي فرصة طيبة لتجربة الجهود المصرية وتدريبها في هذا المجال.

بيان وتعقيب:

التقيت بالأستاذ عبد الرحمن الخميسي على أثر ما كتبته عن قطعتين له هما (فليا يافليا) و (حلم الزواج الساحر) وكان قد اتصل بي بالتلفون قبل اللقاء كما ذكرت في الأسبوع الماضي وتحدثنا بالموضوع فأفضى إلي بوجهة نظره فيه، هي تتلخص في أن تينك القطعتين من (أوبريت الأرملة الطروب) التي قصد بترجمتها إلى العربية نقل فن من الموسيقى الغربية إلى الأسماع الشرقية لتتعود هذا النغم، عسى أن يؤدي ذلك إلى ترقية الموسيقى العربية، وأنه حين ترجم القطعتين كان في جو تلك الموسيقى العالمية، فكان يساير نغماتها، وينظم مقاطع موافقة لها وإن كانت مخالفة للأوزان العربية، إذ كان غرضه أن يوافق على النغم ويؤلف مقاطع للغناء لا شعراً للقراءة. وقال الأستاذ: إنه لا يعرف من أين جاءت كلمة (الواج) التي لا معنى لها في قوله:

لو أنني في الواج ... أغلقت قلبي بالرناج

ولا يذكر لها أصلاً. أما (لو) في قوله:

أواه لو تكن معي ... حبيبتي ضياء عيني

فأصلها (إن) وقد حرفت في الطبع

وأنا لا أوافق الأستاذ الخميسي على ما ذهب إليه في إخضاع تأليف الأغنية للنغمات الغربية، وللأستاذ مذهبه وذوقه في الموسيقى الغربية، أما ذوقنا في موسيقى الشعر وغنائه فهو منطبق على الأوزان العربية، ولست ممن يستسيغون ذلك الذي يسميه النغم العالي، ثم هل يصح أن نؤلف كلاماً غير مفهوم لينسجم مع لحن ما؟ إننا إذن نحتاج إلى إعادة النظر في أن (كلامنا لفظ مفيد كاستقم) لنرى هل نستثني بعض الكلمات لغرض موسيقى، من كلامنا المفيد. . .

استقلال مجلس الإذاعة:

يتضمن قانون الإذاعة الجديد الذي تبحثه الجهات المختصة أن تمنح الإذاعة استقلالاً ذاتياً فيما يتصل بالأعمال الفنية. ولكنها تخضع في ميزانيتها العامة لوزارة الشؤون الاجتماعية وألا يكون مدير الإذاعة عضواً في مجلس إدارة الإذاعة وله أن يحضر جلساته بصفة مستمع فحسب، وكذلك المستشار.

وقد كان ذلك القانون مثار جدل وأخذ ورد بين إدارة الإذاعة وبين الجهات التشريعية في الحكومة، وكانت الإذاعة حريصة على المطالبة باستقلالها لتكون بعيدة عن التيارات الحزبية السياسية، وقد نالت هذا الاستقلال في الجانب الفني من أعمالها. ولكن هناك استقلالاً أهم من ذلك وأبعد أثراً في تأثير هذه الناحية الفنية وهو استقلال مجلس إدارة الإذاعة عن موظفيها من المدير والمستشار والمراقب وغيرهم نرى مجلس الإذاعة يجتمع وينفض، وتنشر الصحف ومجلة الإذاعة أنباء اجتماعية والموضوعات التي نظر فيها والقرارات التي اتخذها، وإذا هي لا تكاد تخرج من علاوات الموظفين وترقياتهم وتحديد أجور الفنانين ومبنى الإذاعة الجديد. وكأنها صيغة معدة أو قطعة محفوظة أو (شريط مسجل) يذاع على إثر كل اجتماع وكأن هذه البرامج التي أجمع الناس على سخفها ليست من اختصاص مجلس الإذاعة.

والواقع أن موظفي الإذاعة (الفنيين) يقدمون من يشاءون ويؤخرون من يشاءون، ويتملقون الكبير ويخطبون النافع حتى أصبحت الأمور في الإذاعة تجري وفق الاعتبارات الشخصية اكثر من الاعتبارات المصلحية. وترفع الأوراق إلى مجلس الإذاعة للموافقة، فيوقع الأعضاء بالموافقة، ثم ينظرون في علاوات الموظفين ومبنى الإذاعة الجديد. . . الخ

وقد تضمن القانون الجديد أيضاً أن يؤلف مجلس الإذاعة من أحد عشر عضواً، ستة من الوزارات وثيقة الاتصال بأعمال الإذاعة، وخمسة من كبار المشتغلين بالأدب والثقافة. وحسن جداً أن لا يكون المدير أو المستشار عضواً في هذا المجلس كما ينص القانون الجديد ليتم للمجلس استقلاله، فيبحث كل شيء، ويناقش كل ما يجري، وليضع خطة وهدفاً يشرف على تنفيذها بحيث لا يحيد عنهما أحد.

وكما تحرص الإذاعة على استقلالها لتكون بمنأى عن الحزبية السياسية، فإن مجلس الإذاعة يجب أن يكون مستقلاً عن الموظفين ليكون هو أيضاً بمنأى عن حزبيات موظفي الإذاعة واعتباراتهم الشخصية.

من طرف الأسبوع:

زرت الأديب الكبير إبراهيم ناجي في مكتبه بمستشفى الخازندارة، والدكتور الأديب هو مدير المستشفى، فبادرني قائلاً: اسمع لما أقول لك. ليس هنا أدب، ولا فن. هنا طب وأطباء فقط. ثم أخذنا في حديث الأدب والشعر! ولم اخرج من عنده حتى اتفقنا على تعريف الأدب (بلغة الطب) بأنه داء لا برء منه.

ومما أطرفني به الدكتور أبيات قالها لصديقه الأستاذ عبد الحميد عبد الحق وزير التموين عندما ذهب إلى معاليه في الوزارة ولقى هناك ما لقى من السكرتير، فكتب الأبيات وطلب من السكرتير أن يوصلها إلى معالي الوزير، وانصرف. والأبيات هي: لم أنس في باب الوزير الذي ... لقيت من رَكن ومن لطع

وعسكري قائم دونه ... كالسيف في طول وفي قطع

وللأفندي نفخة مرة ... ذممتها ما شاء لي وسعي

وكيف أنسى مرة موقفي ... عندك بين السيف والنطع

ومن طرف الأسبوع أيضاً أن الآنسة أماني فريد قدمت قصيدة إلى جامعة أدباء العروبة لتلقيها في الحفل الذي أقامته الجامعة للاحتفاء بأبطال الفلوجة، وأول القصيدة:

أأبصرتمو العاصف المرعدا ... أأبصرتمو الضبع الأسودا

ولما عرضت القصيدة على معالي الأستاذ إبراهيم دسوقي أباظة باشا، واطلع عليها، وردت على خاطره قصيدة الأستاذ علي محمود طه التي أولها:

أخي جاوز الظالمون المدى ... فحق الجهاد وحق الفدا

فقال معاليه: إما أن يأتي الأستاذ علي طه فيلقي بنفسه وإما لا!

عباس خضر