مجلة الرسالة/العدد 824/البريد الأدبي

مجلة الرسالة/العدد 824/البريد الأدبي

ملاحظات: بتاريخ: 18 - 04 - 1949



كلمة أخيرة في نيتشة وفاجنر:

حين قارب نيتشة الثلاثين كان كما قال في كتابيه زرادشت - وما وراء الخير والشر - قد مر بالمراحل التي مرت بها الإنسانية في تفكيرها، إذ كان قد عب بشراهة ونهم شديدين من الفنون والفلسفات قديمها وحديثها. وكان الفيلسوف في السن التي اتصل فيها بفاجنر أستاذاً في أرقى الجامعات الأوربية؛ فهو في صلته بالفنان رجل له مكانته الفكرية ومركزه الاجتماعي، لا شاب ناشئ كما يريد أن يصوره الأستاذ المعداوي منساقاً مع قول رومان رولان المتعصب لبيتهوفن كل التعصب حيث مجده في كتاب سماه بيتهوفن الخالق - وإن محاضرات الفيلسوف (الناشئ) ودراساته في تلك السن لا زالت أهم المراجع فيما عالجته من موضوعات - وقد كانت الفلسفة الإغريقية وعلى الأخص أفلاطون أهم الينابيع التي استقى منها نيتشة، إذ يصور نفسه في إحدى رسائله3 إلى فاجنر في ذلك الحين جالساً بين عدد من كتب هذا الفيلسوف يكاد يحجبه عن الرائي - ولا أظنه بهذا يتملق الفنان أو يدّعي - أما في الفلسفة الحديثة قد تتلمذ على شوبنهاور حتى رفعه إلى الدرجة العليا التي رفع إليها فاجنر في عالم الفن. (انظر كتابيه - شوبنهاور المعلم - والفاجنرية الكاملة) وكان قد أستوعب أيضاً فلسفة ماركس وله عنها تنبؤات صدقت بشكل يدعو إلى الدهشة - إذ أن نيتشة هو الذي تنبأ في كتابه ما وراء الخير والشر لفلسفة ماركس بالذيوع، وعين بالذات الدولة التي ستحمل مشعلها وهي روسيا في وقت كان لا يتصور هذا أحد؛ لأن روسيا كانت ترزح تحت حكم القياصرة الحديدي - وقد صح ما تنبأ به نيتشة فاحتضنت روسيا الماركسية الألمانية وحملت مشعلها - وقد كان هذا العصر الذي ضم فاجنر وشوبنهاور ونيتشة يموج بأحداث جسام. فقد حدث أن اهتزت أوربا كلها لموجة فكرية عنيفة كان لها ما للقنبلة الذرية في عصرنا من وقع، بل ربما أكثر، فهذه جاءت في عصر ألف فيه الناس العجائب وكانت القنبلة منتظرة منذ سنوات.

أما ذلك الحدث الخطير فقد كان مفاجأة عنيفة. . . وذلك هو نظرية التطور لداروين 1859 التي زلزلت الأفكار في أوروبا بل العالم طيلة النصف الثاني من القرن التاسع عشر. ولما أوشك نيتشة أن يكمل الحلقة الرابعة من عمره كانت نفسه تجيش أعظم جيشان عرفته نفس مفكر. . . إن نفسه التي امتلأت بفلسفة الإرادة عند شوبتها وعالم المُثل عند أفلاطون وألهبتها روائع موسيقى فاجنر أخذت تنتفض انتفاضاً شديداً. . . إنها تتمحض عن مولد فجر جديد قد يغير مجرى التفكير الإنساني كله! وظل فكره في هذا الميلاد قرابة عقده الخامس. لقد بدأ داروين حبل الخليقة من الخلية إلى الإنسان فجاء نيتشة (حين أحس بأنه امتلأ كالنحلة التي ملّت حمل عسلها) وتهيأ للرسالة، فمد يده وتناول الحبل من داروين ليعبر به قنطرة الإنسان الحالي إلى السوبرمان. . . ومن هو السوبرمان؟! إنه الهدف الذي تسعى إليه البشرية في تطورها. . . (وكما صار الفرد بالنسبة إلى الإنسان فسيصير الإنسان بالنسبة إلى سوبرمان. . .)!

وهكذا خرج زرادشت نبي نيتشة بإنجيل دينه الجديد. دين السوبرمان الذي لا بد أن تصل إليه البشرية (في زعمه) محطمة في طريقها كل شيء يعوق هذا المسير فوجب إذن أن نتسلح بالقوة والعنف - وهكذا تطورت فلسفة الإرادة عند شوبنهاور إلى إرادة القوة عند نيتشة وسقط شوبنهاور المتشائم أمام سوبرمان نيتشة المتفائل وتحطم إ له المسيحية الشفوق الحنون بما فيه من مشابه من أفلاطون (ليست المسيحية إلا الفلسفة الأفلاطونية ختمت بخاتم إلهي) 4 لأن الشفقة والحنان أخطر العوائق في طريق السوبرمان. . . وأصبحت موسيقى فاجنر التي كانت تحلق بنيتشة في سماء الفكر لا تستطيع اللحاق به في آفاق السوبرمان.

وهكذا هوت الآلهة من سمائها في نظر نيتشة تلك الآلهة التي طالما قرب إليها قرابين العبادة وتسابيح العبودية. . ومن أفلاطون الآن؟ ومن شوبنهاور؟ ومن فاجنر؟ بل من هو الشعب الألماني كله الذي رماه نيتشة بأقسى النعوت؟ كل هذا لا شيء ما دام لا يؤمن بالسوبرمان. . . وهل للقرود (الإنسان الحالي) قيمة في نظر السوبرمان؟ هذه قصة تحطيم نيتشة لآلهته الأولى. . . قد يكون هناك بعض الأسباب التي عجلت بعضها قبل الآخر كزوجة فاجنر مثلا إن كان حقاَ لها كل هذا الأثر، ولكن التحطيم كان آتياً لا محالة. فهذا هو حكم التطور في عقلية الفيلسوف الذي بينا خطوطه البارزة بقدر ما تطيقه عجالة في مقالة. . .

ويؤسفني بعد هذا أن أناقش الأستاذ المعداوي في التوافه التي وقف عندها كل الوقوف وركز فيها هجومه. . . ليس لكلمة في الإنكليزية كلها إلا هذه المعاني:

' '

ولادة - خلق - سفر التكوين - لا الإخراج - (أي خلق العالم) فكيف يصدق أي عقل ترجمتها بلفظ إخراج؟! أما الجملة الأخرى فمنصبة على خلق الكتاب (مولد التراجيديا) أي على القائم بخلقه وكلا الوضعين يؤيد ترجمتي. أما تملق الفيلسوف الشاب للفنان الكبير ليأخذ بيده في طريق المجد، فهذه وصمة لا تليق بالأستاذ المعداوي، فكيف تليق بنيتشة العظيم؟!

تقول (إن العبقري يولد وبذور العبقرية في دمه؟ كيف تعتقد أني لا أقرر هذا؟ لكن هذه البذور ألا تحتاج إلى هواء وإلى شمس وتربة تمد فيها جذورها؟! إنها بغير هذا تظل بلا شك بذرة عبقرية لا عبقرية. . والشمس والماء والهواء لا تحيل البذرة يا سيد (سروحي) إلى شمس أو إلى ماء أو إلى هواء، وإنما هي عوامل مساعدة على التفتيق والإنبات وهكذا كل تأثير في العبقرية يا صديقي. ونقول: (ما كان لهذا المفكر الجبار أن يتأثر أو يستمد وجوده الفلسفي من أي إنسان مهما تكن مكانته في الحياة الفنية). إن هذه الحياة الفنية هنا شأنها شأن أي حياة. ليس العبرة بنوع التأثير بل بوقوعه على أي وجه. ثم أنك تقول إن زارا قال لرفاقه وأنصاره ماذا يهم زارا من جميع المؤمنين به؛ إذ عليكم أن تجحدوني لتجدوا أنفسكم. . . والصواب أن تقول هذا للأستاذ المعداوي الذي ينكر أي إيمان سابق لنيتشة بفاجنر ما دام قد جحده أخيراً، ويرى ذلك كان تملقاً متحدياً كل حقيقة! مع أن نيتشة ظل يمجده فاجنر حتى أواخر عقده الرابع.

أما سؤلك عن تأثير بتهوفن في جوته يا أستاذ معداوي فهو مثل معكوس لأن جوته الفيلسوف كان يكبر بتهوفن بمراحل، بينما نيتشة كان مع فاجنر فتي ناشئاً يخطو أولى خطواته كما تقول. ومع هذا لا نستطيع أن نحكم بعدم تأثير موسيقى بتهوفن في تفتيق عبقرية جوتة عن بعض المعاني. ونيتشة بالذات ذو سليقة موسيقية لأنه شاعر لا ناقد - يا أستاذ معداوي - إذ هو القائل: (إن كتابي زرادشت أنغام موسيقية صدحت في داخلي فأصغيتُ إليها وسجلتها)!

أما استشهادك بالناسخ والمنسوخ في القرآن فإننا نقول بوقوع التأثير في عبقرية نيتشة والتأثير وقع أيضاً في فترة ما بفضل الآيات المنسوخة قبل نسخها، فمثلا في آيات الخمر قد شرب الخمر بعض الصحابة فعلا بمقتضى إباحة الآيات المنسوخة قبل وقوع النسخ وهذا ما يؤيد لقولنا أيضاً. . . أما كلمة خلق العبقرية التي ذكرتها فلا محل لها مطلقاً في المناقشة؛ وشتان بين الخلق والتفتيق! يا أيها الأستاذ الناقد!

أما ما جاء في مقالك من لغو فنمر عليه كراماً. . .

محمد فهمي

في تفسير الإمام محمد عبدة:

جاء في تفسير جزء (عم) للأستاذ الإمام - رحمه الله - عند تفسير أول سورة (الليل) ما يأتي:

(والليل إذا يغشى) يبتدئ في هذه السورة بأن يقسم بالليل وهو الظلمة لأنها الأنسب بما به السورة السابقة من الدمدمة وإطباق العذاب. . .

والإمام يعني بالسورة السابقة سورة (الشمس) التي آخرها (فكذبوه فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها، ولا يخاف عقباها) والمعلوم أن سورة الشمس سابقة لسورة الليل في الترتيب لا في النزول إذ أن سورة الليل نزلت بعد سورة الأعلى - وبذلك يكون لا محل هنا لذكر المناسبة التي ذكرها الإمام.

أما المناسبة؛ فلما كان المقسم عليه هو تقرير اختلاف سعي الناس في الحياة اشتملت صيغة القسم على أشياء مختلفة لتركيز المعنى المقصود في عقول المخاطبين. . . فقد أقسم بالليل والنهار في قوله (والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى) وهما مختلفان - كما أقسم بخالق الذكر والأنثى في قوله: (وما خلق الذكر والأنثى) وهما مختلفان أيضاً، كأنه يريد أن يقول لهم: إن اختلاف سعيكم في الحياة مؤكد تأكيد اختلاف الليل والنهار والذكر والأنثى ذلك الاختلاف الذي لا يتطرق إليه أدنى ريب ولا تستطيعون إنكاره.

محمد عبد الله السحاق

مدرس بمدارس الإسلام الكبرى الابتدائية بالجيزة

أبن دفن الاسكندر: ورد في مقالة الأديب كاظم المظفر عن (إيوان كسرى) أن الاسكندر المقدوني توفي في المدائن وحمل تابوته إلى الإسكندرية لأن أمه كانت تقيم فيها. والتاريخ يقول غير ذلك إذ يقول إن الإسكندر توفي في مدينة بابل وتابوته لا يعرف له مقر حتى الآن وأمه عند وفاة ابنها الإسكندر تقيم في بيللا مسقط رأس الإسكندر.

عزيز خانكي

جمع غيور:

جمع غيور على غيورين صحيح على مذهب الكوفيين لأنهم لا يشترطون في الصفة التي تجمع جمع تذكير ألا يشترك فيها المذكر والمؤنث سواء كانت على وزن فعول أم لا بخلاف البصريين وقس عليه نظائره ولا يخفي أن هذا الجمع المألوف المشهور، أخف وألطف من جمع التكسير (غُير) الغريب المهجور.

علي حسن هلالي

بالمجمع اللغوي

سويا بمعنى معا:

اطلعت على ما كتبه الأستاذ كامل محمود حبيب تحت عنوان (فتى الريف) في عدد الرسالة 820 فأعجبني الأسلوب القوي والتركيب المتين والبلاغة المتدفقة في كلامه ولكن رأيت في ثنايا تعبيره جذبت نظري.

ففي ص 233 يقول على لسان هذا الفتى (وهؤلاء رفقائي نغدو معاً إلى الأزهر ونروح سوياً إلى الدار. . .

واستعمال سوياً في هذا الموضع بمعنى معاً خطأ شائع على الألسنة لأن لفظ سوي بمعنى مستو.

قال في اللسان ورجل سوي والأنثى سوية أي مستو فأرجو التنبيه على فساد هذا الاستعمال في مجلتكم الزاهرة التي تدعو دائماً إلى رفع الثقافة العربية والأساليب البارعة في مختلف الأقطار العربية.

عبد العليم علي محمود

قلم صنع لا صناع:

ورد في المصباح المنير في مادة صنع ما يلي (ورجل صنع (بفتحتين) وصنع اليدين أيضاً أي حاذق دفيق. وامرأة صناع (وزان كلام). . . الخ).

وعليه نقول: قلم صنع؛ لا صناع كما جاء في عرض الأستاذ العجمي لكتاب (وميض الأدب بين غيوم السياسة) في عدد الرسالة (820) إذ قال: وبهذا القلم الصناع تناول. . . الخ).

هدى الله الأقلام، فصيح الكلام.

إسماعيل أبو ضيف

(المنصورة)

تاريخ الأزهر:

(لفضيلة الأستاذ الجليل الشيخ أبو العيون)

الجانب الذاتي في تناول التاريخ هو الذي يعطر جوه؛ ويشيع الدفء في أنفاسه؛ ويبعث الحياة والنشاط والتأثير في جسمه. وهنا يغدو الجانب الموضوعي وهو الهيكل العظمي مكسوا باللحم والدم. وعمل كاتب التاريخ هو تقديم صورة واضحة لما يعالجه. وهذا ما يحسه القارئ لهذا العمل الذي قام به فضيلة الأستاذ الشيخ محمود أبو العيون في التأريخ للأزهر وإلقاء الضوء على تلك البيئة الفاطمية التي ولد بين أحضانها الأزهر. فشهدنا ميلاده ووقفنا على الآمال التي كانت معقودة على هذا الوليد، ثم تطوره حتى صار جامعة إسلامية كبرى. ثم يعطينا فكرة عن مواد الدراسة فيه، ويقدم لنا شيوخه الذين تولوا قيادته، ويقف بنا غير طويل ليعرفنا بأشهر رجاله، ويمرج بنا على نظام الدراسة قبل النظام وبعده؛ ثم بين تلك الأطوار التي مرت عليه حتى استقر به المقام في هذه المرحلة الأخيرة وما يطبعه من سمات فكرية وروحية. وهذا عمل قيم جاء في وقته؛ فتاريخ الأزهر الحافل لم تكن صورته واضحة محددة إلا في أذهان القلة القليلة من المثقفين؛ وما عداهم فهي مهمة مطموسة وجراحة.

وقد غدت بفضل هذه الدراسة واضحة للعيون مستقرة في الأذهان. ولعل هذه الدراسة الموجزة تكون فاتحة لدراسات مستفيضة دقيقة تتناول كل ناحية من نواحيه. وبعد فلا أظن أن أستاذنا في حاجة إلى تقديم آثاره في نواحي الجهاد السياسي والأدبي والديني لا تزال رائعة خصبة.

محمد عبد الحليم أبو زيد