مجلة الرسالة/العدد 832/تعقيبات

مجلة الرسالة/العدد 832/تعقيبات

ملاحظات: بتاريخ: 13 - 06 - 1949



للأستاذ أنور المعداوي

لحظات مع الأستاذ العقاد في كتاب (الله):

جاء في كتاب (الله) للأستاذ عباس محمود العقاد ما يلي: (ولا يرى علماء المقابلة أن عبادة الشمس كانت معدومة في أطوار الديانات القديمة، ولكنهم يقررون أن (ديانة الشمس) لم تنتشر في تلك الأطوار؛ لأنها تستلزم درجة من الثقافة العلمية والأدبية لا نتيسر للهمج وأشبه الهمج في أقدم عصور التاريخ الخ) ص (29)

وإنني لأشذ عن هذا القول، وأعتقد أن ديانة الشمس كانت أكثر انتشاراً من غيرها في العهد البدائي؛ وذلك لعظم تأثير الشمس على حياة الهمج العامة، وبخاصة تأثيرها على الزراعة؛ إذ لا بد أن الهمجي قد لاحظ تأثيرها ولو بطريق الصدفة، ورأى كيف أن نبتة عاشت تحت أشعة الشمس قد زانها الازدهار والنمو؛ بينما الأخرى التي نمت في الظلال قد أصابها الذبول والاضمحلال. أليس في ملاحظة ذلك ما يدعو الهمجي إلى معرفة مصدر الخير وهو (الشمس) فيتجه إليها ويأخذ بعبادتها؟!

هذا من جهة، ومن جهة أخرى فلا أعتقد أن هناك من يستطيع القول بأن الهمجي كان قليل الاهتمام بالطوارئ التي تحدث أمامه؛ فلا يهتم للتغيير الذي تحدثه الشمس عند شروقها وغروبها في طقس إقليمه، بالإضافة إلى كونها هدفاً لأنظار الهمج على الدوام. فلا يعقل أن الهمجي كان يفترش أديم الأرض، وينام ملء جفنيه دون أن يفكر فيما يجري حوله وما يراه وما يحسه من التبديل الطارئ، ثم لا يقارن بين الحالتين: حالة شروق الشمس وما تبثه في الكون من الحركة والنشاط، وحالة غروبها وما يتبعه من سكون وهجوع!

كل هذا يحمل على الاعتقاد بانتشار عبادتها في ذلك الزمان. كما أني لا أرى أن للثقافة العلمية والأدبية تأثيراً في الأمر؛ لأن الإنسان يستطيع أن يعرف حقيقة بعض الأشياء دون معرفة بعلم أو أدب، كأن يحدث ذلك عن طريق الصدفة المحضة أو الإحساس الباطني الذي يتخيل حقيقة الشيء فيدفع الإنسان إلى الإيمان به.

لهذا كله أرجو من الأستاذ المعداوي أن يكشف لنا عن الحقيقة فيما ذهب إليه الأستاذ العقاد وفيما أدليت به من رأي، فقد أكون مخطئاً في اعتقادي وبخاصة إن كان هناك شيء خف عليَّ فلم أتبصره وفانتني حقيقة معناه. . . ودمتم سنداً لمحبي المعرفة وطالبي الثقافة الحقة.

(بغداد - العراق)

عبد الواحد محمد

أستاذ العربية بمدرسة الكرخ الثانوية

أشكر للأستاذ الفاضل جميل ثقته وحسن ظنه، وأجيبه في مجال التعقيب على قول الأستاذ العقاد بأن علماء المقابلة لا يرون أن عبادة الشمس كانت معدومة في أطوار الديانات القديمة الخ. . . أجيبه في هذا المجال بأن هناك فارقاً بين (عبادة الشمس) و (ديانة الشمس) في واقع الأمر وفيما ذهب إليه الأستاذ العقاد وهذا هو الشيء الذي غاب عن السائل الفاضل فلم يتنبه له.

إن القول بأن (ديانة الشمس) تستلزم درجة من الثقافة العلمية لا تتيسر للهمج وأشباه الهمج في أقدم عصور التاريخ صحيح لا غبار عليه؛ وذلك لأن العبادة شيء والديانة شيء آخر. . . وإذا كانت العبادة لا تحتاج إلى شيء من الثقافة العلمية؛ فإن الديانة تحتاج إلى مثل تلك الثقافة كل الاحتياج وأهمها الإحاطة بعض الشيء بالعلوم الفلكية والحسابية. إن العبادة تقوم على أسس من الشعور بالتأليه والخضوع للإله، أما الديانة فتقوم على أسس أخرى هي تنظيم هذا الشعور عن طريق إبرازه في صور شتى من إقامة الشعائر وتقديم القرابين وبناء المعابد والمحاريب.

كلام الأستاذ العقاد إذن عن (ديانة الشمس) صحيح لا غبار عليه إذا قصرناه على الثقافة العلمية لا الأدبية. أما كلامه عن (عبادة الشمس) حين يقول إنها لم تكن معدومة في أطوار الديانات القديمة فليس صحيحاً في جملته. . . إن عبادة الشمس مثلاً في العصر البليوليثي المتأخر لم يكن لها وجود على الإطلاق، وهو العصر الذي عرفته الحياة منذ عشرين ألف سنة على وجه التقريب.

فإذا انتقلنا إلى العصر النيوليثي المبكر وجدنا عبادة الشمس على نطاق ضيق لا يكاد يذكر، وهو العصر الذي عرفته الحياة منذ عشرة آلاف سنة قبل الميلاد. فعبادة الشمس كانت معدومة تماماً في أقدم عصور التاريخ، وكانت شبه معدومة في عصر آخر أقل قدماً، وهذا هو التحديد الذي يؤكده بالدليل المادي (ورثنجتن سميث) في كتابه (الإنسان المتوحش البدائي)، ويؤكده بأدلة أخرى معنوية كل من العالمين الكبيرين (ج. ج. أتكنسون) في كتابه (القانون البدائي) و (هـ. ج. ولز) في كتابه (معالم تاريخ الإنسانية)!

بعد هذا التحديد، نعرض لشيء من التحليل والتعليل لظاهرة انعدام (عبادة الشمس) عند الهمج وأشباه الهمج في أقدم عصور التاريخ كما ورد في كتب هؤلاء العلماء الثقات، لنرد به على الآراء الخاصة التي أبداها الأستاذ صاحب السؤال.

لم يكن الإنسان الهمجي في أقدم عصور التاريخ يعرف لوناً من ألوان التفكير الذي يقوده إلى الكشف عما يجري حوله من ظواهر الكون وأحداث الحياة؛ لقد كان كل تفكيره محصوراً في قليل من الأمور التي تهمه كإنسان يتجنب الخطر حرصاً على حياته ويسعى إلى اجتلاب الرزق ليستطيع أن يعيش. فأفق التفكير عنده كان مشغولاً بمثل هذا الإجهاد الفكري الممثل في طريقة الخلاص من حيوان مفترس قد يعترض طريقه في الليل أو النهار، وفي طريقة الحصول على حيوان أليف يهيئ من لحمه طعاماً يرد به غائلة الجوع!. . . ولقد كان قصوره عن التفكير المتغلغل فيما حوله من ظواهر وأحداث مرجعه إلى قصور اللغة التي تعد في حقيقتها الدعامة الأولى لكل تفكير عميق. إن الرجل الهمجي في العصر البليوليثي المتأخر لم يكن يعرف لغة تعينه مثلاً على أن يفكر لماذا تشرق الشمس في الصباح ولماذا تغرب في المساء، ومن أين جاء ولماذا يعيش؟! لقد كانت لغته هي لغة الحركات والإيماءات، وكان فكره يدور حول تلك الأشياء التي تقع في دائرة إحساسه الساذج الذي لا يفترق أبدا عن إحساس الأطفال؛ لأن اللغة كما يقول (ويلز) هي يد الفكر التي يطبق بها على الأشياء ويختزنها لديه إلى حين!

وليس من شك في أن الرجل الهمجي في ذلك العصر لم يؤت درجة من التفكير تهيئ له نعمة التمييز بين ما هو جماد وبين ما هو حي. . لقد كان يرهبه منظر النهر إذا ما تدفق وفاض، وتخفيفه رؤية الظلام إذا ما أطبق بجناحيه على الكون، ويعصف بجلده وشجاعته زئير حيوان مفترس أو حدوث رؤيا مزعجة تقض مضجعه. وكل تلك الأمور في وهمه أعداء يخشاها كل الخشية ويأتي من الأعمال ما يستجلب به رضاها عنه وعطفها عليه!

ولدينا من الأدلة المادية ما يثبت أن تفكير الهمج في العصر البليوليثي لم يكن يتيح لهم بحال من الأحوال أن يستشفوا ما وراء الظواهر الكونية؛ فرسوم الإنسان حتى التي تنتسب منها إلى العصر البليوليثي المتأخر لا تقدم لنا أية إشارة إلى أنه كان يهتم أدنى اهتمام بالشمس أو القمر أو النجوم أو الأشجار. . . لقد كان كل تفكيره مركزاً في الحيوان والإنسان دون غيرهما مما يقع تحت حسه وبصره من شتى الصور والمرئيات!

ولقد يسأل سائل: ألم يكن هناك نوع من العبادة يحتل مكانه من نفوس الهمج في ذلك العصر من التاريخ؟ ونحن نجيبه بأن هناك نوعاً من العبادة كان له أبعد الأثر في حياة الإنسان البدائي في العصر البليوليثي وهو (عبادة الرجل المسن). . . لقد كانت خشية الرجل المسن وأثرها العميق في نفوس أهله وعشيرته هي مقدمة الشعور الديني عند الهمج البدائيين كما يؤكد ذلك (جرانت ألان) مقتفياً أثر (هربرت سبنسر) في كتاب (تطور فكرة الإله) هذا الشعور الديني الأول كان مبعثه إجلال الأهل والعشيرة للرجل المسن، حتى لقد كان يحرم على كل فرد أن يلمس رمحه أو يجلس في مكانه! ومما كان يبث هيبته وخشيته في النفوس، ويبعث على احترامه وتقديره ذلك الدور الذي كانت تقوم به الأمهات في توجيه شعور الأبناء نحو هذا الهدف المقدس!

هذا في العصر البليوليثي، فإذا ما انتقلنا إلى العصر النيوليثي لمسنا بعض التطور في عقلية رجاله من الهمج وأشباه الهمج. . .

لقد بدأت مرحلة الرعي البدائي الذي يتطلب الترحل من مكان إلى مكان، ولقد أجبر الراعي النيوليثي المترحل بحكم هذه الحياة الجديدة على أن يشحذ فكره ليدرك الاتجاهات المختلفة وانبساط الأرض كما أجير على أن يهتم بالشمس في النهار وبالنجوم في الليل لأنها كانت أشبه بموازين يزن بها الوقت وتهديه إلى الطريق وترشده في تنقلاته ورحلاته. من هنا نبتت في نفسه بذور لون من الشعور الديني يختلف عما سبقه من شعور عند الإنسان البليوليثي. . . إن توقير (الرجل المسن) هناك قد تحول هنا إلى توقير هذه الظواهر الكونية ممثلة في اعتقاده بأنها أجسام ذوات أرواح وشخصيات تقدم له من الهداية والعون ما كان يقدمه الرجل المسن إلى أهله وعشيرته! ولكن عبادة الشمس على الرغم من هذا كله لم تحظ بنصيب وافر من عناية الرجل النيوليثي حيث وجه جل عنايته إلى عبادة النجوم؛ لأنها كانت في رأيه أثبت دليلاً من الشمس! هذا من جهة، ومن جهة أخرى فقد كان للثعابين أثر كبير في نفسه ترتبت عليه أن اضمحلت عبادة الشمس أو كادت لتحل محلها (عبادة الثعبان)، وبخاصة في تلك المناطق التي كان فيها للأفعى أهمية عملية خطيرة في الحياة الإنسانية!

وهكذا ظلت عبادة الشمس شبه معدومة حتى أَواسط العصر النيوليثي، ولم يقدر لها أن تنتشر إلا يوم أن تكتل البشر في مجموعات إنسانية تنتظم دولاً مميزة المعالم موحدة الكيان، هناك حيث توطدت أركان عبادة الشمس وديانة الشمس في كل من مصر وبابل وفارس والهند واليابان.

وسيط هيئة الأمم وعدالة الديمقراطية الأمريكية:

يقولون إن في أمريكا ديمقراطية، ويقولون إن من مبادئ هذه الديمقراطية الأمريكية تلك المساواة بين رعاياها في الحقوق والواجبات. . . إذا لم تصدق هذا الذي يقال فاقرأ معي هذين الخبرين اللذين طالعتهما في الصحف منذ أيام:

(حجز معهد الشرق الأوسط في أمريكا حجرة في فندق بارك لإجراء مباحثات خاصة بين خبراء شئون الشرق الأوسط غير أن خادم الفندق ما كاد يرى الدكتور رالف بانش بين هؤلاء الخبراء حتى انبرى له ومنعه من الكلام لأنه أسود، ثم قررت إدارة الفندق إلغاء حجز الحجرة وإعادة النقود التي دفعت لذلك إلى المعهد، لأن الدكتور بانش زنجي لا يسمح له بارتياد مثل تلك الأماكن)!

هذا هو الخبر الأول الذي طالعته في (المصري).

وإليك الخبر الثاني الذي طالعته في (الأهرام):

(صرح الدكتور رالف بانش لمندوب مجلة (كوليبزر) الأمريكية بأنه رفض منصب مساعد وزير الخارجية الأمريكية الذي عرضه عليه الرئيس ترومان لأنه (أي بانش) لا يستطيع الإقامة مع أسرته في واشنطن حيث يلقى الزنوج اضطهاداً شديداً على أيدي البيض)!

رالف بانش وسيط هيئة الأمم المتحدة في المشكلة الفلسطينية هذا الشاب العظيم المثقف الإنسان الذي خلف الكونت برنادوت عقب أن اغتالته الأيدي اليهودية القذرة، هذا السياسي الممتاز الذي عرض عليه الرئيس ترومان منصب مساعد وزير الخارجية لكفايته ومواهبه؛ رالف بانش هذا تحول بينه الديمقراطية الأمريكية في شخص خادم وبين الكلام لأنه زنجي، وتحول بينه الديمقراطية الأمريكية في أشخاص أبنائها البيض وبين المنصب الخطير لأنه زنجي. . . ترى كم علامة من علامات التعجب تكفيني لأثبتها في ذيل هذا التعقيب؟ أغلب الظن أن مئات الألوف منها لا يمكن أن تكفي لتعبر عما يجيش بنفسي من شتى الخواطر والانفعالات!

لقد كان الأمريكيون ينفقون من ميزانيتهم في خلال الحرب ملايين الدولارات ليقنعوا الشعوب المضللة بتلك الحقيقة الفذة، وهي أن الألمان برابرة متوحشون، لماذا؟ لأنهم يضطهدون جنساً يستحق الاضطهاد، ويشردون جنساً يستحق التشريد، ويحتقرون جنساً يستحق الاحتقار، وأعني به تلك الفئة من حثالة المخلوقات البشرية في كل زمان وكل مكان!. . . قالوا هذا عن الألمان وهم يمثلون نفس المأساة، وما أبعد الفارق بين جنس وجنس في حساب الإنسانية وحساب الخلق والضمير، نعم ما أبعده بين موسى شرتوك ورالف بانش في مجال التمثيل بالفرد الواحد للألوف والملايين!!

دكتاتورية حين تصدر عن الألمان وديمقراطية حين تصدر عن الأمريكيين. . . وصفقوا ما استطعتم للديمقراطية الأمريكية المزيفة!

أنور المعداوي