مجلة الرسالة/العدد 836/اهتمام الباكستان
مجلة الرسالة/العدد 836/اهتمام الباكستان
بترقية الثقافة العربية فيها
للدكتور حسين الهمداني
(الملحق الصحفي بسفارة الباكستان)
لكل حضارة ومدنية تقاليدها الخاصة يعبر عنها فنها وأدبها وتتمثل في مظاهر الحياة اليومية المحيطة بها. والتقاليد هي التي تميز أي شعب عن شعب، وهي التي تفرق بين قوم وقوم، وهي التي تعطي كل لون من ألوان التفكير في الحياة اللون الخاص الذي يصطبغ به. فالحضارة الإسلامية غير الحضارة الأُوربية، والحضارة العربية غير الحضارة الصينية. وعلى كل تقليد إذا ما أراد أن يحافظ على كيانه، وأن يبقى سليماً من كل شائبة، صامداً ضد كل عدوان أن يعمل أولاً على الاحتفاظ باللغة التقليدية ومن ثم على تقويتها. وأمامنا حضارة الصين التي ترجع إلى خمسة آلاف سنة فأنها بقيت وظلت متماسكة متصلة غير متغيرة بفضل محافظتها على لغتها وعدم التفريط فيمن لها من حق الرعاية.
وبقيام الباكستان أمة تضم شعباً تربطه وشائج الحضارة الإسلامية أصبحت لزاماً عليها أن تفسح للثقافة العربية الإسلامية المكان اللائق وأن تحلها محلها من الاعتبار فالباكستان تريد أن تعيد لهذه الثقافة مكانتها السامية المرموقة، وهي تريد أن تصل ما أنقطع من ذلك التراث. والحضارة الإسلامية ككل حضارة كبيرة أخرى سجلت سطورها في ثبت التاريخ لها تقاليدها ولها كتابها الخاص بها الذي منه تنبثق ينابيع التقاليد الإسلامية العظيمة والذي فيه تتجسم وتتصور الحضارة بكل مظاهرها والذي فيه تتبلور المعاني والأفكار ثم ترسلها إلى الناس منعكسة حقائق ظاهرة ملموسة. هذا الكتاب وهو القرآن الكريم الذي أوحاه الله إلى نبيه محمد عليه الصلاة والسلام والنقطة التي سارت منها مدينة الإسلام؛ لهذا يتطلع إليه المسلمون كافة لأن فيه الوحي بصدق الإيمان والتعبير بصلابة الدين. عرفنا أن القرآن هو المصباح الذي ينير للمسلمين طريقهم ويدلهم على مسالك الخير ويبعدهم عن مهاوي الشر، عرفنا لماذا تريد الباكستان أن تندمج وأن تتصل بحضارة الإسلام، وأدركنا لأول وهلة عزمها على التمشي حسب تعاليمه السمحة مؤملة الفلاح والنجاح. وهي لم تقصر رغبتها هذه على مجرد النية الطيبة أو الادعاء عمدت إلى تضمين هذه الأغراض الشريفة والدوافع الطيبة التي تتمثل في الإسلام دستورها الجديد الذي أقرته الجمعية التأسيسية أخيراً متوخية أن تعطي الشعب بواسطة ممثليه ونواية السلطة والوديعة المقدسة التي في أيديهم مراعين الله في أوامره ونواهيه
وليس اهتمام مسلمي شبه القارة الهندية الباكستانية وتعلقهم بالقران ظاهرة جديدة بل هو أمر يمتد إلى مئات السنين أيام أن غزا العرب هذه الأنحاء ومعهم لغتهم. واللغة العربية كانت وما زالت لغة عنيفة بألفاظها بليغة بأسلوبها عميقة في معانيها وتعبيراتها. ولهذا أصبحت الأداة الأدبية الوحيدة التي تربط سكان هذه المناطق لمدة ثلاث عشر قرناً طويلة. وعلى قصر حكم العرب لهذه الأنحاء المعروفة اليوم بالباكستان بقيادة الفاتح محمد ابن القاسم إلا أنه كان للغة العربية عزها وأثرها. ساعد على ذلك وجود كثرة من المتأدبين والعلماء المتفقهين في الدين والمتشرعين ضمن جحافل الجيوش الغازية. وظل الأدب العربي مزدهراً في هذه الأرجاء وظلت اللغة جزءاً لا يتجزأ من حياة المسلمين بسبب تعلقهم بالدين حتى في تلك الأيام التي حكم البلاد فيها حكام غير عرب. ففي أيام الأتراك والتتار والفرس، وحينما كانت اللغة الفارسية لغة رسمية كان للغة العربية المكان الأول لم تستطع عوادي الدهر أن تمحوها ولا تقلبات الزمن أن تزيل أثرها. وكان المسلمون هناك على اتصال فكري وروحي دائم بالعالم الإسلامي الخارجي، وامتد هذا الامتزاج إلى أيام الغوري. وفي أيام السلطان علاء الدين الخلجي ازدهرت مدن عدة في الهند وأصبحت مراكز للتعليم الإسلامي وقواعد للدراسات الدينية واللغوية ومنها دلهي ولاهور.
وأحمد أباد كان شأنها تماماً كشأن بغداد والقاهرة. واهتمام شبه القارة بتعلم اللغة العربية أمر طبيعي كان على أشده أثناء حكم الإسلام. ولكن كنتيجة لقيام الثورات السياسية والأزمات الاقتصادية وكنتيجة لاستعمار الأجانب لهذه البلاد أفل نجم اللغة وضاع أثرها بين الناس. ولكن كان يقوم بين وقت وآخر رغم قيام هذه المصاعب أفراد يعشقون هذه اللغة فيرفعون منارها ويخصصون لها المعاهد للعلم والدرس. وقد أرادت الباكستان اليوم بعد أن استكملت استقلالها وسيادتها أن تعيد مجدها وأن تحيي تقاليدها القديمة، وتحققت أنها بسبيل هذا لابد لها من إعادة مجد ثقافتها ولهذا قام زعماؤها وأولو الرأي فيها من أول ساعة يمهدون الطريق أمام هذه الفكرة ويبسطون للناس كافة أن عليهم إذا ما أرادوا أن يوثقوا الروابط الثقافية والفكرية والروحية بينهم وبين مختلف البلاد العربية سارعوا لتوحيد اللغة بينهم. ولما كانت اللغة هناك متعددة واستعمال الأحرف العربية يغني عن استعمال أية أحرف أخرى، ولما كان هناك رابطة تربط الناس بعضهم ببعض كما تربط هذا الشعب بغيره من الشعوب وهي رابطة الدين، ولما كانت لغة القرآن العربية فقد هبوا يشجعون على تعلمها واتجهوا نحو مصر منارة العلم والدين حامية الأزهر الشريف حاملة اللواء ذخر المتعطشين إلى الارتواء، فهي تريد الآن أن تتخذ الحروف العربية حروفاً بها تكتب لغتها؛ وهي تريد أن تتخذ اللغة العربية لغة أن لم تكن رسمية فهي إلى الرسمية أقرب؛ وقام الكبراء والعظماء يرعون هذه الحركة ويشجعونها فساعدوا في تأسيس جمعية ثقافية عربية باكستانية أنشئت في العام الماضي بعد مرور شهور قليلة من قيام الباكستان تحت رعاية معالي وزير المعارف السيد فضل الرحمن وكانت فرصة طيبة ومناسبة حسنة للتعرف بأهمية اللغة العربية0 وأهمية الاتصال بالعالم العربي تلك التي أتيحت يوم افتتاح هذه الجمعية فقد شرفها بحضوره فخامة الحاكم العام السيد ناظم الدين وأعلن من فوق منبرها أن أحسن وسيلة لإقامة علاقة متينة وثيقة بالبلاد العربية إنما يكون من طريق اللغة العربية0 وكم كان جميلاً منه أن يقول (أن معرفة اللغة العربية أمر ضروري جداً لكي تتخذ الوحدة الإسلامية صورتها العملية0 وليس في مكنة العالم الإسلامي أن يحكم اتصالاته وأن يدعم روابطه إلا. إذا اتخذ اللغة العربية لغة مشتركة أتقن دراستها. وواجبنا أولاً أن نتخذ الحروف المطبعية العربية حروفاً بها تكتب لغتنا؛ لأننا بهذا نتفادى الاختلاف والتعقيد ونتوخى الحصول على أقصر ما يمكن من التماثل والسهولة والتقرب بين المعاني والافكار0 فعلى العالم الإسلامي أجمع أن يخطو هذه الخطوة وأن يتخذ اللغة العربية لغة له) وقد استجابت الباكستان لهذا الدعاء فقامت تنشئ الجمعيات وراحت الحكومة تنفذ كل مشروع يرمي إلى هذه الغاية ويهدف إلى هذا الهدف. ومن ذلك أن الحكومة تنشر مجلة عربية اسمها (البشير) تحاول بواسطتها أن تنقل أفكارها وتعرف بأحوالها وتتعاون مع شقيقاتها مؤمنة بأن إصدارها لهذه المجلة خطوة موفقة نحوه التآخي والتآلف الذي تنشده.
ولقد ترك الاستعمار الأجنبي الطويل لشبه القارة الهندية الباكستانية تركة ثقيلة كريهة من نظم التعليم لا تتصل بثقافة الناس ولا تناسب مع ظروفهم وحيلتهم ولا تتوافق مع بيئتهم0 فأما الباكستان والحال كذلك صعوبات جمة لتزيل هذا الأثر ولا سيما وأن الجهل متفشي بين غالبية الناس؛ فهي تجاهد اليوم لأن توفق بين سياسة التعليم وبرامجه وميول الشعب واستعداده مدفوع في ذلك بتاريخها الطويل وثقافتها متوخية في ذلك مقتضيات العصر الحديث واضطرار التقدم في مناحي الحياة. وقد عقد بكراتشي سنة 1948 مؤتمر تعليمي نصح الباكستان أن تهتدي في سياستها التعليمية بالمثل العليا الإسلامية التي تنادي بالإخاء والتسامح والعدالة، والباكستأن بسبيل تنفيذ هذا، تسهم بقسطها بسير القافلة الدولية فتشارك في تبادل الأساتذة والطلاب وفي تبادل المطبوعات وفي إرسال بعثات إلى الخارج. وقد وقف معالي فضل الرحمن وزير المعارف في إحدى اجتماعات الجمعية الثقافية العربية الباكستانية وقال: (كثيراً ما نوهت بضرورة اتصالنا بالبلاد العربية المختلفة والعمل على ربط ثقافتنا بثقافتهم. واليوم أكرر القول بأن علينا ألا نقف مكتوفي الأيدي أمام مجرد رغبتنا بالاحتفاظ بتراث ديننا القويم، بل علينا أن نسعى بإخلاصلأننعيد المجد الغابر وأن نقوي علاقتنا الثقافية والدينية التي تكمل فيها روح الإسلام وفلسفته، وتحقيقاً لهذا الاقتراح أن تصبح الحروف العربية وسيلة لكتابة لغتنا بها حتى يصبح سهلاً على الباكستان أن تتقرب من هذا الطريق نحو البلاد العربية الأخرى. فاللغة هي طريق الاتصال الفعال بين أمة وأخرى. ونحن أن سلكنا هذا السبيل فتحنا الباب على مصراعيه أمام تبادل التفاهم والمعرفة وتبادل الأفكار كما أننا في نفس الوقت نتيح لشعبنا الفرصة كي ينهل من معين الثقافة العربية المجيدة)
حسين الهمداني
مكتبتك الخاصة
للأستاذ إليا حليم حنا
1 - المكتبة الخاصة ضرورة لازمة:
المكتبة الخاصة ضرورة لازمة من ضرورات كل منزل في هذا العالم المتجدد المتغير0 والكتب أداة قيمة لإحكام الصلة بيننا وبين تيارات الفكر الحديث والقديم، في صفحاتها ننصت إلى أصوات نتحدث معها من خلال العصور0 ولا غنى لإنسان يشعر أنه عضو نافع في المجتمع عن الكتب الحافزة للشعور المقوية للنفوس التي تعالج موضوعاته المحببة إلى نفسه وتعينه على أداء أعماله ومشروعاته الهامة وتحل له مشاكله وتوقفه على ثمار العقل البشري في نواحي النبوغ المختلفة العديدة حتى لا يتخلف عن قافلة الزمان0 قال ماكولى الناقد العظيم والكاتب المؤرخ الكبير: لو طلبوا مني أن أصبح ملكاً بتاج على رأسي وقصر فخيم أسكن فيه ومآكل ومشارب فاخرة، وملابس مزخرفة وحدائق وعربات وخيول ومئات من الخدم - لكن بدون كتب أقرأها - فأني ارفض أن أكون ملكاً؛ لأني أفضل المسكين الساكن في كوخ حقير يقرأ ما لديه من الكتب على الملك الذي لا يحب أن يقرأ.
وقال أوجستين برل (يوجد مكان واحد في العالم يمكن للشخص أن يكون فيه سعيداً، أنه المكتبة.)
والقراءة هواية مفيدة فأنة بين كتب مكتبتك تدفن آلامك وأتعابك بعد العمل المضني تختار الكتاب الذي يلائم تفكيرك وشعورك0 يقول العالم الكبير السرجون هرشل (لو تضرعت إلى الله وكانت دعواتي مضمونة الإجابة من أجل موهبة تكفيني مؤمنة تقلبات الظروف وتبدلات الأحوال، وتكون نبع سعادة وسرور لا ينضب، وعدة اتقى بها سهام الأيام، ودواء يشفيني من كل سقام، لكانت تلك الموهبة محبة الكتب والرغبة في المطالعة.)
2 - كيف تكون مكتبتك؟
الناس مختلفون في أذواقهم وثقافتهم، متفاوتون في مواهبهم. وبنسبة هذا الاختلاف يتباين تذوقهم للكتب وتقديرها. لذلك كان تكوين المكتبة لا يخضع لقواعد ثابتة ونواميس معينة , فكل يختار كتبه بما يتفق وعقليته وشعوره وذوقه وعمله.
يقول (أوجستين بريل) جميل أن ترث مكتبة ولكن الأجمل والأفيد من ذلك أن تجمع أنت كتب مكتبتك واحداً بعد الآخر؛ فالمكتبة لا تجمع دفعة واحدة , ولكنها تنمو حسب ذوقك وحاجتك النفسية العابرة وتأملاتك وخوالجك ومشاكلك وأبحاثك وعملك. دع الظروف التي تمر بك تدفعك إلى شراء الكتاب وبذلك يكون بينك وبين كتبك اتصال روحي وفكري. نظرة واحدة خاطفة إلى كل منها وهو على رفه ترجع بك إلى وقت شرائه والفكرة التي كانت تخامرك في ذلك الوقت، وما يحوي بين دفتيه من أفكار وآراء. ولا يفيد أن تكون مكتبتك بشراء كتاب تلو الآخر أن لم تفرغ من قراءة كل كتاب قبل أن تشتري غيره؛ فإن تكديس الكتب بدون قراءة يجعل المكتبة قليلة الفائدة لصاحبها. ولكن هناك كتباً يجب أن تزود بها المكتبة الخاصة دفعة واحدة؛ لا يستغني عنها القارئ المثقف الذي يطالع للإلمام بأنواع المعارف المختلفة، أو القارئ الأديب الذي يقرأ للاستلهام، وهي المعاجم ودوائر المعارف باعتبارها مراجع، وكتب النحو والصرف والبلاغة والنثر الفني والدواوين الشعرية للتمكن من اللغة وفنونها ومفرداتها وتراكيبها.
3 - ماذا يجب أن تحتوي مكتبتك:
يجب أن تحتوي مكتبتك الكتب التي تنمي قواك العقلية جميعها نمواً متناسباً. ويمكن حصر هذه الكتب فيما يلي.
(أ) كتب تتعلق بعملك:
أول ما يجب أن توليه عنايتك من الكتب هو الأبحاث التي تتعلق بمهنتك. ويلزم أن تتابع كل ما يكتب عنها في اللغات التي تعرفها وبذلك ترقى بعملك وتكون حجة ومرجعاً فيه وتراه شيقاً متجدداً دوماً بإدخال عوامل التحسين التي سبقك إليها الخبراء. وهذا يعود عليك بأحسن النتائج الأدبية والمادية فأنة أفضل ما تفعله لتنجح مالياً هو إتقان عملك وبلوغ الغاية فيه فتصل إلى المال دون أن تقصد إليه مباشرة.
ومن الجهل أن يعتقد الشاب أن الكتب القليلة التي درسها في حياته المدرسية كافية لتسيره في عمله، ومن ثم لا يقرأ شيئاً يتعلق به فيركد ويتضاءل، ولا يرفعه عمله بل هو ينزل بعمله إلى مستوى دون المطلوب فيجرم في حق المجتمع ويحرم وطنه من موهبة كامنة فيه كانت تظهر لو أنه تمشى مع الزمن وضاعف معلوماته ووقف على آخر ما جد في عمله في تقدم فتعظم شخصيته ويكسب ثقة نفسه وغيره في مهنته.
اقرأ وادرس واطلع على أحدث ما جد في عملك وتابع سيره ونموه حتى ترقى به ويرقى هو بك.
(ب) كتب تتعلق بهوايتك:
وهناك الكتب التي تتعلق بهوايتك التي تلجأ إليها في أوقات فراغك لتعالج الملل الناتج عن عملك وتجدد نشاطك وتعيد لنفسك اتزانها وتعطيك مهارة عقلية أو يدوية أو الاثنين معاً.
هوايتك هذه يجب أن تتفقدها لتنمو، ويجب أن تقف على أفكار وآراء وأعمال الآخرين فيها حتى تكون ناضجة تعطيك لذة أكبر وفائدة أوفر فتشعر بالسعادة في التطور والتجدد والنمو والتوسع:
وقد تصبح الهواية يوماً عملك الذي تعيش به وترزق منه وتظهر فيه مواهبك الكامنة أكثر مما تظهر في مهنتك أو حرفتك. ويساعد الاطلاع على كل ما يختص بهوايتك من كتب ومجلات ونشرات ومطبوعات دورية على نبوغك فيها وتنمية شخصيتك وترقية ذهنك.
(ج) كتب تختص بالمرأة والأطفال:
يغفل كثير من المثقفين نصيب المرأة والأطفال في المكتبة الخاصة ولا يهتمون إلا بنواحيهم وما يتعلق بهم وحدهم بينما يجب الاهتمام إلى حد كبير بركن المرأة والطفل في المكتبة الخاصة وتغذية هذا الركن بأحدث الكتب التي تبحث في شون المنزل وإدارته وتربية الأطفال وتنشئهم وكل ما يتعلق بالمرأة والفنون النسوية وتكون الزوجة والأم والمواطنة العاقلة الكاملة في خلقها ومثلها العليا.
وهذا الركن في المكتبة الخاصة أكبر معين للوالدين على تربية أبنائهم وتعويدهم حب القراء بوضع ما يلفت نظرهم ويناسب مداركهم وأطوار نموهم العقلي بين أيديهم وأمام ناظرهم. ويجب أن يحوي هذا الركن معجماً صغيراً يستخرج منه الطفل ما يصب عليه فهمه من المعاني بإرشاد أحد والديه، ودائرة معارف مبسطة بجانب الكتب التي يرى الوالدان أنها موضع أسئلة الطفل وميوله
أن ما يعرفه الطفل بهذه الطريقة لا يمكن أن ينسى علاوة على أنه يتعود القراءة ومحبة الاطلاع بالتوجيه الحسن وتأثير هذا الوسط المنزلي الثقافي الراقي فيه.
(ء) كتب للثقافة العامة:
وتأتي أخيراً الكتب التي تتناول الثقافة العامة في كل ما بذلك قراءته وما تدفعك إليه حاجتك النفسية ومشاكلك وذوقك وما يجب أن تقف عليه من أنواع المعارف والثقافات التي بدونها تكون متخلفاً عن عصرك الذي تعيش فيه. ومن الخطأ أن تهمل التراث القديم وكتبه الخالدة التي عاصرت كل الأزمان والحضارات؛ فالكتاب النفيس الخالد كما قال ملتون هو دم الحياة الثمين المتقطر من روح كبيرة، محنطاً ومحفوظاً لحيات بعد الحياة ويخطئ الشاب الذي نال القليل من التربية المدرسية عندما يندب سوء حظه الذي لم يتح له الحصول على الثقافة المدرسية اللازمة فأن أمامه فرصة التثقيف الذاتي؛ فأنة بين مجلدات مكتبته يتصل بأذكى العقول في أرقى الأمم ويصل إلى درجة عالية من الثقافة يحسده عليها حائزوا أرقى الشهادات الذين لا يقبلون على القراءة ويكرهون الكتب. يقول (ارنولد بنيت) لا أرى سبباً يمنع أي رجل متوسط الذكاء بعد أن يقضي عاماً في القراءة المتواصلة أن يصبح قادراً على الهجوم على أسمى ما أنتجه الإنسان من البراعات في التاريخ أو الفلسفة.
في ركن الثقافة العامة هذا تلم بأحسن ما سبق التفكير فيه ثم تبدأ أنت نفسك فتفكر في حل ما يصادفك في الحياة من المسائل في الآداب والفنون والسياسة والدين والمسائل الدولية والعلاقات المنزلية.
4 - فلسفة شراء كتاب: عند شراء كتاب ضع أمامك الاعتبارات الآتية:
عندما تدخل مكتبة لشراء كتاب كون لنفسك فكرة سريعة عنه بملاحظة العنوان والمؤلف ومكانته ومؤلفاته الأخرى التي تعرفها والناشر ومركزه الثقافي والسنة التي طبع فيها الكتاب ثم المقدمة والفهرس وطريقة عرض الموضوع.
2 - خابر دور النشر المشهورة لترسل إليك نشراتها وقوائمها عن أحدث مطبوعاتها في المعارف المختلفة لتكون على اتصال بآخر التيارات الفكرية في الموضوع الذي تخصه بالدراسة الدقيقة وتكرس له جهودك.
3 - اهتم بالمراجع اللغوية والفنية والتي تتصل بنوع عملك والموسوعات المختلفة فهذه عون كبير لك في تسهيل أبحاثك وجعل مادتها ميسورة في متناول يدك.
4 - الكتب الملخصة لا تصلح أن تكون مكتبة ذات أثر ثقافي عميق ولكنها نواة لشراء الكتب الأصيلة الدسمة في نفس الموضوع. أنها أداة للتثقيف السطحي فقط.
5 - لا تشتر أكثر من واحد في المرة الواحدة؛ ولكن إذا وجدت عدة كتب متممة لناحية من نواحي ثقافتك أو لبحث تشتغل بإعداده فضعها في برنامج قراءتك اليومية في أقرب فرصة وإلا فستجد في يوم من الأيام صفوفاً من الكتب على الرفوف لم تقرأها وقد لا يسعفك الوقت بأن تقرأها بعد ذلك.
6 - لا تشتري الكتب لاقتنائها بل للانتفاع بها0 وأجعل أساس شرائها حاجة نفسية أو عملية حاضرة كأن تحل لك مشكلة أو توجهك وجهة صحيحة في عملك أو تكمل لك بحثاً علمياً أو أدبياً حتى تقبل على قراءتها بلذة وشغف بمجرد شرائها. ولكن عندما يعجبك كتاب لرغبة عارضة لا ترمي إلى هدف، فأنك تتوانى في قراءته وتتكدس لديك الكتب دون أن تؤدي غرضها المقصود.
7 - اختر من الكتب ما يجعلك أكثر تعلقاً بأملك، ويعطيك آراء جديدة في الحياة تجعلك اكثر صلاحية لتعيش وتخلق في نفسك الحماس وتجعلك أكثر إصراراً على الاندفاع نحو هدفك. وأبتعد عن الكتب التي تغذي المثل الدنيا الحقيرة والتي تقلب غرائزك ولا تسمو بها فأنها تهدد مستقبلك وتحطم أملك وتخلق منك أنساناً مسلوب الإرادة ضعيف الشخصية.
5 - احتفظ بكتبك ورتبها:
لا تكدس كتبك بعضها فوق بعض بل ضعها على رفوف أو في خزائن ورتبها بحسب موضوعاتها بطريقة يسهل عليك تناولها بسرعة حتى لا تضيع وقتاً في البحث عن كتاب تريده فتضطر أن تقلب كل كتبك رأساً على عقب فتفقد الدافع وتخسر الحماس الذي تشعر به لقراءته أو تفوت عليك فرصة الاطلاع عليه للاستعانة به في بحث تعده.
لا تكن ممن يلقون بالكتاب لأنك فرغت من قراءته أو لأنك لم تتذوقه. أن الكتاب الذي لم يحز إعجابك في وقت من الأوقات قد يصبح مدار اهتمامك بعد ذلك عندما يفيدك للاستنارة به في موضوع يشغلك أو يوضح لك رأياً غمض عليك أو يحل لك مشكلة تقلقك. والذي لا تهضمه اليوم قد تهضمه غداً عندما ينمو ويزداد زادك العقلي.
6 - الألوان في حجرة المكتبة:
للألوان أثر كبير في نفسية الإنسان، فمنها ما يرتاح إليه ويجعل الراحة والهدوء يسريان في جسمه ونفسه. ومنها ما يجعله منقبضاً متململاً0 فالأزرق والأخضر المائل للزرقة والرمادي تدعو للراحة وتبعث في النفس الارتياح. والأزرق الغامق والرمادي الغامق يدعوان للوجوم والانقباض.
وللألوان أيضاً أثرها في امتصاص وانعكاس الضوء وفي جعل الحجرات تبدو ضيقة أو متسعة. فإذا كانت حجرت مكتبك ضيقة كثيرة الضوء فاستعمل الألوان الزرقاء أو الرمادية أو الخضراء أو الخضراء الضاربة للزرقة فأن هذه الألوان تمتص الضوء وتجعله مريحاً للأعصاب فضلاً عن أنها تشعر الناضر أن الحجرة فسيحة.
وإذا كانت النوافذ في الجهة الشمالية فأن ضوء الشمس لا يدخلها إلا قليلاً جداً، وأيضاً إذا كانت الحجرة قليلة النوافذ وجب أن تستعمل فيها الألوان الزاهية مثل الأصفر والبرتقالي والأخضر الضارب إلى الصفرة والقرنفلي الفاتح والخوخي الخافت فهذه الألوان تعكس الضوء ولكنها تجعل المكان يبدو ضيقاً.
وإذا سقط نور المصباح على ألوان زاهية كالأحمر والأصفر والبرتقالي فأنه يعكس هذه الألوان على جدران الحجرة؛ أما الألوان الباهتة مثل الأزرق والأخضر والرمادي فأنها تخفف من حدة الضوء الطبيعي فيرتاح له النظر والنفس.
(أسيوط)
إيليا حليم حنا
مدرس أول اللغة الإنجليزية والآداب
مدرسة النهضة الوسطى.
الأبيض. سودان