مجلة الرسالة/العدد 837/من أدب رمضان

مجلة الرسالة/العدد 837/من أدب رمضان

ملاحظات: بتاريخ: 18 - 07 - 1949



للأستاذ أحمد مصطفى حافظ

(. . . ورياضة للنفس بالتجرد، وثقافة للروح بالتأمل، وتوثيق لما وهن بين القلب والدين؛ وتقريب لما بعد بين الرافه والمسكين. . . ونفحة من نفحات السماء تفعم دنيا المسلمين بعبير الخلد وأنفاس الملائكة!. . . فالبيوت الباقية على العهد تتقرب إلى الله بالذكر والصدقات، والمساجد المقفرة طول العام تعج بالوعظ والصلوات. . . والمآذن الحالية بالمصابيح الشادية بالتسابيح ترسل في أعماق الأبد نور الله وكلمته!)

(الأستاذ أحمد حسن الزيات)

عن ابن مجير، قال: أصاب النبي جوع يوماً، فعمد إلى حجر فوضعه على بطنه، ثم قال: (ألا ربّ نفس طاعمة ناعمة في الدنيا، جائعة عارية يوم القيامة. ألا رب مكرم نفسه وهو مهين لها! ألا رب مهين نفسه وهو مكرم لها) فانظر - عافاك الله - إلى إنسانية سيد الخلق العليا، فهو يضرب أروع الأمثال لكي تتأسى به أمته من قبل ومن بعد. . . وهو الذي خير أن يكون له مثل (أحد) ذهباً فقال: (لا يارب، أجوع يوماً فأدعوك، وأشبع يوماً فأحمدك!) فالسواد الذي تراه في فقره هو السواد الحي، سواد الليل حول الروح النجمية الساطعة، كما يقول الرافعي الخالد. وبعد فالغرض الأسمى من صوم رمضان المبارك إن هو إلا العمل المصمم على إضعاف الحيوانية، وكسر شرة الهوى، وكفكفه النفس عن الشهوات والأهواء، بالحرمان والمجاهدة فتتحرر الروح من ربقة الأسر في الجسد، وتتطهر من الأدران المخجلة، وتسمو إلى مراتب الإيمان العالية. . . فتتهدى إلى جلال ربها، وتدرك ما كانت عليه من زيغ وغفلة، فتتذكر الموت وهوله، والقبر وسؤاله، والبعث وأهواله. . فتخشع وتخضع وترجع إلى طاعة ربها راضية مرضية. . .

ما لذة الأيام تتعاقب على استواء حالة واحدة؟. . . بل كيف يصنع المرء إزاء الدهر وتقلباته، وضرباته وهجماته. . . أن لم يتزود بذخيرة من الصبر والجلاد؟. . .

ولقد فاضت كتب الدين، وخطب المصقعين، تحض على التآلف والإخاء، والتمسك بأهداب الشرائع السماوية المقدسة، ولكن كل ما كان ويكون لها من أثر لا يقاس بأثر الردع والأديب الإلهي، الذي تحس وقعهما في أعصابك وحلقك وأحشائك. . . وسعار الجوع هو الذي يدع الخيال يصنف للمعدة معاني متجددة متعددة للطعام. . . فلا تنفك تستشعر - على التضور - آلاماً لذيذة ولذات أليمة!. . .

وليس يطرب صوت الماء منحدراً ... كما ترى وقعه في سمع ظمآن!

وترى الغني المترف المتنعم وقد ردعه الضمير، وأدبه الدين. . فلديه ما لذ وطاب ولكنه يصبر ويصابر، ويتذكر أنه يسأل عن النعيم. . .

ولا صيام للنمامين والمغتابين؛ فعن ابن مسعود، قال: كنا عند النبي فقام رجل، فوقع فيه رجل من بعده. . . فقال النبي : (تخلل) قال: مم أتخللّ؟ ما أكلت لحماً. . .) قال: (إنك أكلت لحم أخيك!). . .

أحمد مصطفى حافظ

محرر بمجلة المدينة المنورة

(السويس)