مجلة الرسالة/العدد 839/الأدب والفن في أسبوع

مجلة الرسالة/العدد 839/الأدب والفن في أسبوع

مجلة الرسالة - العدد 839
الأدب والفن في أسبوع
ملاحظات: بتاريخ: 01 - 08 - 1949



للأستاذ عباس خضر

بيني وبين رجل طيب:

تصدى كاتب في مجلة المقتطف لما كنت كتبته في العدد (830) من الرسالة بعنوان (مجمع سلامة موسى للغة العامية) فكتب تحت عنوان (النقد والتعقيب في الصحف والمجلات) متوهماً أنني نقدت في ذلك الموضوع كتاب (البلاغة العصرية واللغة العربية) للأستاذ سلامه موسى، نقداً (إنعدم فيه التجاوب وضاعت الأمانة الواجبة على الناقد. . . الخ) وأنا أبادر أولاً فأقول إني لم أتعرض لنقد الكتاب، وإنما كان مبنى الموضوع على طلب الأستاذ سلامة موسى عضوية مجمع فؤاد الأول للغة العربية، إذ قلت إن الأستاذ دائب الطعن على اللغة العربية وأدبها وثقافتها. والغرض الأول من المجمع هذه المحافظة على هذه اللغة وتنمية أدبها وثقافتها، والأستاذ سلامة يدعو إلى اتخاذ اللغة العامية بدلاً من العربية الفصيحه، وعلى ذلك فهو ليس أهلاً إلا لعضوية مجمع ينشأ للغة العامية، ومن التخليد له أن يسمى المجمع العامي باسمه. واستشهدت على ما قلت ببعض نصوص وردت في كتابه المذكور آنفاً نعى فيها على العربية وثقافتها ودعا إلى اللغة العامية. فهل يعد الاستشهاد ببعض ما جاء في كتاب، نقداً له؟ ولو أنني نقدته حقاً لما ضيعت الأمانة، ولما انعدم (التجاوب) في نقدي ولو أنه في غير صالح الكتاب. ويظهر أن الكتاب رجل طيب مجد مجتهد، كما يظهر نم قوله (وغايتنا من وراء هذا إعلاء مكانة النقد وتنقيته من الشوائب) أنه أيضاً غيور على صالح النقد الأدبي، ولكن كل هذه أشياء غير الأصالة والإصابة، وفقدان هذين هو الذي جر على ما ندبه قلم الكاتب، سامحه الله. وقد صدق الرجل الطيب الغيور في مؤدى قوله: (لقد زعم الكاتب الشاب (الذي هو أنا) أن الأستاذ سلامة موسى يهجم على اللغة العربية ويعيب أدبها ويدعو إلى اللغة العامية وأن آراءه في هذا الكتاب ككل الآراء التي في كتبه وأن رجلاً هكذا اتجاهه لا يجوز أن يحتل مقعداً مع الخالدين في المجمع اللغوي بل إنه ليرشحه لرياسة مجمع يطلق عليه المجمع العامي ويسمى باسمه نعم قلت ذلك ودللت عليه بما جاء في الكتاب، وأزيد عليه الآن ما قاله المؤلف بعد أن ادعي أن السلفية - ويقصد بها الكتابة عن الأسلاف دون هنري فورد وكارل ماركس - منعت الأمة من التقدم الصناعي، قال في (ص12): (لأن المجتمع الصناعي كان جدياً بأن يحدث مجتمعاً مستقبلياً يكتب مؤلفوه بلغة الشعب وتنتقل اهتماماتهم الذهنية من التأليف عن قدماء العرب إلى التأليف عن مشكلاتنا العصرية في الأخلاق والتعليم والاقتصاد ومكافحة الفاقة. وإني بالطبع لا اغفل هنا ارتباط اللغة بالتقاليد والعقائد وأن هذا الارتباط من أسباب الكراهية للتطور اللغوي) وفي الكتاب كثير من أمثال هذا الكلام. على أن عنوان الكتاب نفسه يدل على أن المؤلف يدعو إلى اللغة العامية، فهي المعنية بـ (البلاغة العصرية) لأن الواو الواقعة بينها وبين (اللغة العربية) في اسم الكتاب، تقتضي التغاير بينهما، أي أن البلاغة العصرية شيء مغاير للغة العربية! والرجل الطيب المجد الغيور ينفي عن الأستاذ سلامة موسى أنه يعيب العربية ويدعو إلى العامية، وقد دفعته طيبته إلى الإغضاء عما استشهدت به من اكتاب، وأعمل جده واجتهاده في عرض أبواب الكتاب ومحتوياته التي منها بحوث في (أثر الألفاظ من الناحية السيكولوجية والاجتماعية والخلقية) ولم يدرك الرجل الطيب - لطيبته - أن المؤلف يقصد بذلك ثلب اللغة العربية فهو يقول مثلاً في أثر الألفاظ النفسي ص 146: (في لغتنا كلمات تحمل شحنات عاطفية سيئة تؤدي إلى ارتكاب الجرائم (الدم والعرض في الصعيد). ومن محتويات الكتاب التي أشاد بها الرجل الطيب ما جاء في قوله (ولم يقف مؤلف كتاب البلاغة العصرية عند هذه الفكرات بل ارتأى أن يكون المنطق أساس البلاغة الجديدة (ولا تنس أنها العامية) وأن تكون مخاطبة العقل غاية المنشئ بدلاً من مخاطبة العواطف، وذلك لأن البلاغة العربية تخاطب العواطف دون العقل، وهذا ضرر عظيم) ومعنى هذا أن نلغي الأدب كله لأنه يخاطب العواطف ونعمل بلاغة عصرية عامية تحرر بها العلوم ويكتب بها عن كارل ماركس وهنري فورد من أجل خاطر سلامة موسى الذي ألف هذا الكتاب متأثراً ب (عاطفة) الكراهية للغة العربية! إن النتيجة التي يستخلصها القارئ الفطن من هذا الكتاب - بعد أن (يتجاوب) معه - هي أن اللغة العربية علة تأخرنا في كل شيء. . . ففيها كلمات تفسد الأخلاق كالدم والعرض في الصعيد، وهناك ألفاظ مثل الحريم تهدر كرامة المرأة، وهناك كلمات أرستقراطية تبسط السيادة الطبقية كصاحب السعادة وصاحب العزة، وخلوها من ألفاظ الصناعة أدى إلى تأخرنا الصناعي، كل ذلك إلى ما فيها من مترادفات وما تمتلئ به من كلمات بدوية منحوتة من أصول حسية لا تنفع للحضارة العصرية. لذلك الهذيان كله، الذي يوجع القلب ويذهب الوقت سدى بقراءته، وجب أن نتخذ البلاغة العصرية بدلا من تلك اللغة العربية. . . . والتعبير بالبلاغة العصرية ما هو إلا تزويق وطلاء للفظ (اللغة العامية) إذ ترى الدعوة في الكتاب سافرة إلى الكتابة بلغة الشعب والمجتمع وما إلى ذلك، ليكون (المعلم دبشة) الجزار أمير البلاغة العصرية. . . وكاتبنا ذاك رجل طيب جداً، لأنه يدفع تهمة الدعوة إلى العامية عن الأستاذ سلامة موسى، مع أن هذا يجاهر بها ولا يرى فيها عيباً ويسره أن ينشأ باسمه مجمع للغة العامية أو بعبارة أخرى، مجمع للبلاغة العصرية. وقد خير إلى الكاتب المجتهد بعد أن تعب من عرض أبواب الكتاب (أن ما جاء في أقوال كاتب مجلة الرسالة من أن الكتاب يدعو إلى التهجم على اللغة العربية ويعيب أدبها ويدعو إلى العامية لا يقوم على أي أساس من الصدق والحق، ونخشى أن نقول إنه تشويه متعمد قصد به التشهير وإذاعة الآراء الباطلة، وهذا ما نشجى له كل الشجى). يا أخي لا تغضب ولا تشج فأنا لم أشوه ولم أقصد التشهير، لأني لم أرم الأستاذ سلامة بما يكره، وإذا لم تكن مصدقي فسله أو سل أي أحد ممن لا تأخذهم غفلة الناس الطيبين.

هدى:

هو الفلم الجديد الذي يعرض بالقاهرة في سينما ريفولي، أخرجه حلمي رفلة، ووضع قصته نقولا بدران، وكتب حواره بديع خيري، وقام بتمثيل البطلين فيه نور الهدى وكمال الشناوي، واشترك معهما في التمثيل حسن فائق ومحمد كمال المصري (شرفنطح) وآخرون. (هدى) اسم الفتاة التي بنى الفلم على تقديم شخصيتها (مثلتها نور الهدى) تظهر في أول منظر بمنزل والدها فتحي بك (حسن فائق) مدير شركة التصوير والتوريد ببور سعيد، وهي تستذكر دروسها استعداداً لامتحان التوجيهية. ثم تنجح في الامتحان، وما تكاد تفرح بنجاحها حتى تحزن لزواج أبيها من نعيمة الموظفة عنده بالشركة، ويسوئها أن تحل نعيمة، وهي من بيئة سيئة، محل أمها المتوفاة، ولكن والدها يسترضيها وزوجته تحسن معاملتها في أول الأمر تملقاً للوالد الحدب على ابنته، ثم تتغير عليها تغيراً شنيعاً وتذيقها ألوان الهوان حتى يصل الأمر إلى أن تحاول تزويجها من أخيها عاشور الذي كان بائعاً على عربة يد ثم أصبح مديراً للمخازن بشركة صهره فتحي بك، وكانت هدى قد عادت من القاهرة حيث كانت تقيم مع خالتها وقد لحقت بكلية الحقوق طالبة فيها، ولما كانت في القاهرة عرفها شكري (كمال الشناوي) أخو زميلة لها في الكلية، فغازلها وهم بإغرائها، ولكنها أعرضت عنه وصفعته. وشكري ضابط بحرية يعرف والد هدى من تردده على ميناء بور سعيد، فذهب إليه يخطبها منه، فعارضت نعيمة زوجة الأب وأصرت على تزويج هدى من أخيها عاشور. فهربت هدى وقصدت إلى الأستاذ عبد الصبور الموسيقى الذي عرفته في حفلة بمنزل زميلتها بالكلية، وأفضت إليه برغبتها في الاشتغال بالغناء فرحب بها ومهد لها السبيل إلى الغناء بأحد الملاهي وتستبد نعيمة بزوجها فتحي بك وتمكن لأخيها عاشور في الشركة، فيدأب على سرقة البضائع وتهريبها حتى تسوء حال الشركة ويفلس فتحي بك. ويذهب شكري مرة إلى الملهى فيرى به هدى التي تأبى مقابلته، فيتصل بأبيها ويخبره فيحضر فوراً، ثم نرى في المنظر الأخير شكري وهدى عروسين. والفلم يعتمد - في موضوعه - على تقديم هذه الفتاة المكافحة التي أصرت على أن تحيا حياة كريمة شريفة، فكان ما أرادت رغم ما اعترضها من عقبات وشدائد. ولكنه في الوقت نفسه كلفها معجزات، فقد كانت تقوم، عدا ما قدم في تلخيص القصة، بأعمال (بوليسية) في بور سعيد لكثرة البضائع التي سرقها عاشور، واقتضاها ذلك أن تسقي عاشور وشركاءه الخمر في إحدى الحانات، حتى عرفت منهم وهم سكارى موضع البضائع. وقد أدى ذلك إلى زحمة الفلم بالحوادث الثانوية إلى جانب إرهاق هدى بما ليس في الإمكان المعتاد، فهي طالبة بالحقوق ومطربة بالقاهرة و (أرسين لوبين) في بور سعيد ألم يكن في الإمكان تصوير هذه الشخصية دون وقوع المتناقضات في حياة فتاة نشأت في منزل محافظ ودرست في الجامعة، نراها تحذق سقاية الخمر واللعب بعقول رواد الحانات. .؟ وقصة الحب في هذا الفلم وضعها عجيب، الفتى يحب الفتاة من أول نظرة وهي لا تعيره أية نظرة حتى النهاية حيث نراهم عروسين. نعم هو حاول إغرائها وهي فتاة شريفة، ولكن هذا الوضع؟ لم نر ما يبرره غير أن نشاهد الفتاة معرضة عنه لتتزوجه برغبتها أخيرا. . وقد اضعف ذلك مركز كمال الشناوي في الفلم وأظهره في مظهر تافه رغم أنه الفتى الأول فيه، وقد طغت عليه شخصية حسن فائق حتى تحول مجرى الفلم من قصة حب بين فتى وفتاة إلى قصة بنت وأبيها. ونور الهدى ممثلة بارعة، معبرة في التمثيل وفي الغناء، وقد قام نجاح التمثيل في الفلم عليها وعلى حسن فائق، فقد أبرزا الحياة فيه ممثله في روعتها وظرفه. ويمتاز الفلم بما اشتمل عليه من مشاهد الفن والجمال الخالية من الإسفاف والتهريج، وقد وجه المخرج عناية كبيرة إلى برنامج الملهى الذي كانت تغني فيه هدى، ومن روائع هذا البرنامج منظر قطع فيه بيت شوقي المشهور:

نظرة فابتسامة فسلام ... فكلام فموعد فلقاء

ولا تحسبن تقطيعه على (فاعلاتن مستفعلن) بل جسم كلا من النظرة والابتسامة و. . . الخ في هدف تحمله بنت ويرمي إليه السهم وتمر هدى بكل منها وتغني له غناء يشرح القصة الخالدة من النظرة إلى اللقاء.

عباس خضر