مجلة الرسالة/العدد 840/رسالة النقد
مجلة الرسالة/العدد 840/رسالة النقد
الوزراء العباسيون
تأليف الأستاذ محمد أحمد برانق
بقلم الأستاذ محمود رزق سليم
تحتاج الدول إلى رجال، من أفذاذ أبنائها، ليعاونوا ولي الأمر فيها، على الاضطلاع بمسئوليتها، والقيام بأعباء الحكم فيها، على الاضطلاع بمسئوليتها، والقيام بأعباء الحكم فيها، وتنفيذ مشروعاتها الإصلاحية، والسهر على حياطتها، والعمل على الترفيه عنها، وإشاعة الأمن والعدل فيا، وراعية الدولة، وتثبيت أركانها، وتدعيم بناينها. ويختارون - عادة - ممن حصفت عقولهم، وصفت أذهانهم، وبلغوا من الثقافة الواسعة حداً متازاً، وأوتوا من الرأي صائبه، ومن النظر ثاقبه، ومن الحيلة نافذها، ومن الدعاء أوسعه - هذه مؤهلاتهم الأولى - وإن اشترطت مؤهلات ثانية في العصر الحديث - التي ترشحهم لأسمى منصب في بلادهم، وهو معونة السلطان على رعاية ملكه وشعبه.
ومن هؤلاء طبقة الوزراء. عرفتها الدول الإسلامية، منذ بنى بنو العباس ملكهم المجيد ودولتهم العتيدة. وقد كان الخليفة حينذاك هو الدولة. وكثير ما كان يلقى بأمور دولته إلى وزيره. ومن هنا كان الوزير - في الحق - هو الدولة، وأن كان المفروض أنه يسير في تصرفاته وفق مشيئة أميره. ومن هنا أيضاً كانت سيرة الوزير جزءاً هاماً من تاريخ عصره، بل ربما كان لعمل الوزير أثر فيما يلي عصره من العصور.
لهذا، كانت دراسة حياة وزراء الدولة، أمراً حيوياً ضرورياً لفهم حياتها واتجاهاتها وتصرفاتها. وتاريخهم من أبرز أجزاء تاريخ دولتهم. وهو يلقي أضواء وهاجة على حوادثها، ويكشف الخبيء من أحوالها، والمستتر المكنون من وقائعها. وذلك لمكانة الوزير من صاحب السلطان.
ومنصب الوزارة - عادة - من المناصب التي إليها تتواثب الآمال، ومن حولها تصطرع الرجال. يسعون للوصول إليها، ويجاهدون لاحتيازها. ولهذا تكثر حولها الدسائس والمؤامرات، وتنشط الشباك وألاحابيل. وهنا تتكشف الأخلاق والنفوس والنيات، وتشت المغامرات. ويتألف من هذا كله، قصص من قصص الحياة، ممتعة، فيها كثير من العضات والعبر.
ونقرأ كثير من أخبار وزراء الدول الإسلامية في كتب التاريخ العام، وفي كتب التراجم وكتب الأدب العربي، وهي كثيرة واسعة، غير إنها على رحابتها وامتداد آفاقها، مبعثرة متفرقة، تحتاج إلى مستوعب يستوعبها، ومؤلف يجمع شتاتها، وملائم يلم شعثها، ومنشيء يسبع على عرضها ثوباً جديداً من أساليب الإنشاء، ويضفي عليها من جميل رأيه، وحصيف نضرته، ما يوضح للقارئ خفي أمور فيها، وغامض الحوادث من بينها.
وقد فطن صديقي وزميلي الأستاذ النابه (محمد أحمد برانق) إلى ذلك كله، فوجه عناية محمودة إلى الدولة العباسية وهي الدولة الحافلة بحوادثها، الآهلة بعظيم الأمور. وهي أولى الدول الإسلامية التي جعلت (الوزارة) منصباً من أبرز مناصبها. حتى كاد الوزير سنيها أن يكون المهيمن على أقدارها، والموجه الفرد إلى مسالكها - فطن صديقي إلى ذلك، فأتخذ سير وزرائها وسيلة إلى دراسة تاريخها، وإلى دراسة هذا التاريخ في أعلى مكامنه وأغلق جهاته. وعنى بخاصة بعلاقات الوزراء بالخلفاء وقصورهم. وكشف الغطاء عن كثير مما يحاك في الخفاء، بعيداً عن الدهماء فكان الأستاذ في هذه الدراسة موفقاً ورشيداً.
وقد أصدر الأستاذ من كتابه الكبير (الوزراء العباسيون) الجزء الأول. وقد صدره بمقدمة حافلة واسعة المدى رحبة الأفق طاف فيها طوفة كبرى بالأمة العربية في جاهليتها، وأثبت كيانها السياسي. والاقتصادي. وعنى علي من يفرضونها أمة مغلقة الحدود ضئيلة الصلات بمن حولها من الأمم، تافهة النظم، محرومة من كل نشاط سياسي أو اقتصادي.
وقد دلل ذلك بأدلة كثيرة قاطعة، قذف بها في وجوه بعض المستشرقين ومن لف لفهم من أدباء الشرق، ممن يرمون العرب بالجهل والتفكك ونحو ذلك، في عصرهم الجاهلي،
وتحدث عن الملكة العربية ونظمها في عهد النبوة وما بعدها حتى جاءت الدولة العباسية، فاتخذ خلفائها لأنفسهم وزراء يعينونهم في شؤون دولتهم. وقد شرح المؤلف، كيف قامت الدولة العباسية، وركز حديثه بصفة خاصة في ثلاثة رجال من الأعاجم، وهبوا لها الرأي والنفس، حتى أقاموا عمودها ونشروا بنودها، وهم أبو مسلم الخرساني، وأبو مسلم الخلال، وخالد بن يرمك. وقص قصة كل رجل منهم وما لابس حياته من حوادث وأهوال، مشيراً إلى موقف كل خليفة من وزيره. ومن رجاله، وأدى إلى ذلك الموقف من حوادث، وما أدى إليه هذا الموقف من نتائج.
وعلى نمط من هذا، درس حياة عدد من وزراء الدولة العباسية، منهم: أبو أيوب المورياني والربيع بن يونس وأبو عبيدة ومعاوية أبن عبد الله، ويعقوب بن داوود، والفيض بن صالح، وإبراهيم أبن ذكوان الحراني
ونود لو عنى الأستاذ في أبحاثه بأن يزيدنا علماً بمنشأ كل رجل من أعلامه، وأن يقدم لنا شيئاً عن سني حياته الأولى، مما يكون له أثر - بلا ريب - في تكوينهه وتوجيهه. نقول ذلك لخلو بعض التراجم منه.
على إنني لحظت أن كثير من دراسات هذا السفر القيم، تركزت في حوادث شخصية. فردية. واعتقد أن الأستاذ الفاضل بجوار ذلك، لو عنى بالحوادث العامة وصلتها بالوزير وصلة الوزير بها، لكان حديثه أرفه وأمتع.
ثم أني أحسب الوزراء في الدول العربية الأولى إنما أختيروا لفرط أدبهم وسليم منطقهم ورائع لفظهم وجامع حكمتهم. وهذه ناحية لم تتضح وضوحها المرجو في كتاب ككتاب صديقنا الأستاذ برانق، وهو من تعرفه علماً وأدباً. وإني لواثق كل الثقة أنه سيعير هذه الناحية عناية في أجزاء الكتاب التالية.
وأخيراً، كنت أحب أن يعقد الأستاذ نبذة بين نبذ تصويره الطويل، يتحدث فيها عن منصب (الوزارة) من الناحية التاريخية، ومن اختصاصات الوزير، والفرق بينه وبين غيره كالحاجب، وبلغ تقلب هذه الاختصاصات في الدول الإسلامية ودرجة سمو منصب الوزير، أو صفته في كل منها. إلى غير ذلك مما يتصل بهذا المنصب الهام ولعل الأستاذ أن يلم بها الموضوع في مناسبة من مناسبات بحوثه القادمة.
وبعد فقد سد هذا الكتاب فراغاً ملحوظاُ في المكتبة العربية الإسلامية. من أجل ذلك نزجي لمؤلفه الفاضل الثناء الجم والشكر المتصل وجزاه الله عن العربية والإسلام خير الجزاء
(حلوان)
محمود رزق سليم مدرس الأدب بكلية اللغة العربية