مجلة الرسالة/العدد 852/البريد الأدبي
مجلة الرسالة/العدد 852/البريد الأدبي
المازني في يافا:
كانت يافا العربية وقتئذ مركزاً هاماً للنشاط الأدبي والفكري في فلسطين، ففيها الصحافة، وفيها الأندية، وفيها محطة الشرق الأدنى للإذاعة العربية.
وفي سنة 1945 دعت محطة الإذاعة الأستاذ إبراهيم عبد القادر المازني تغمده الله برحمته ليحل ضيفاً عليها لمدة أسبوعين يبث في أثنائها وجهات نظره إلى المذياع.
فحدثنا - رحمه الله - في مواضيع شتى أذكر منها (رسالة الشباب) و (فن الترجمة) و (هل للأدب رسالة اجتماعية) و (التعاون الفكري بين البلاد العربية).
ورحبت بمقدمه أندية يافا مثل النادي العربي، والنادي الأرثوذكسي، والنادي الرياضي الإسلامي، والمعهد البريطاني، وألقى فيها محاضرات قيمة في الأدب والاجتماع.
وأذكر أن حدث للأستاذ المازني في يافا حادث عجيب، فقد جاءه بعد ظهر يوم وفد يمثل نادي الشبيبة الإسلامية، وكان الأديب الكبير ينزل في (كليف أوتيل) وطلب مقابلته، فأخبره صاحب النزل بأن الأستاذ يتناول دواء بعد كل غذاء وينام مدة ساعتين على وجه التقريب، وقد منع كل مقابلة له في هذه الأثناء، فأصر الوفد على مقابلته، وعلا الهرج والمرج في القاعة، فاخترقت الأصوات باب حجرة الأستاذ وبلغت مسمعيه مصحوبة بترديد اسمه فنهض متدثراً في قميص النوم، وفتح الباب مستوضحاً الخبر، فقال له رئيس الوفد: يؤسفنا جداً أن نزعجكم في مثل هذا الوقت، فأعضاء نادي الشبيبة الإسلامية مجتمعون في ناديهم للاحتفاء بكم، ويسرهم أن تقوم فيهم خطيباً.
فقال: إنني لم أعتد الخطابة بعد الظهر، وهو وقت راحتي واستجمامي. . . لكنني لن أرد لكم طلباً، فأذنوا لي بدقائق معدودات لأغير لباسي.
واستقل الأستاذ المازني والوفد سيارة إلى النادي.
لقد توقع الضيف الكريم أن يرى وفداً آخر عند مدخل النادي، ومرحبين يبتدئ طرفهم بأول درجة من درجاته وينتهي الطرف الآخر بالحفل. . . ولكنه لم يلتق بأحد، فامتقع وجهه قليلا، وتبلبل الوفد المرافق.
وولج الأستاذ المازني القاعة، وكان هواء البحر يداعب ستائرها، فوجدها خالية إلا من قيم مكتبة النادي الذي دهش لمرأى الأستاذ المازني في الثالثة بعد الظهر فهرع إليه بقول: أستاذنا الكبير. . . أهلا بأديب العربية. . . ما هذه المفاجأة السارة؟. . . لقد كنا نود أن تشرفونا بزيارتكم في وقت غير هذا الوقت. . . فالأعضاء متغيبون، ومع ذلك فأهلا بكم!
فوقف الأستاذ المازني حائراً، ووقف الوفد مشدوهاً.
وبدأت الاعتذارات ممتزجة بتصبب العرق وفرك اليدين، وساد النادي صمت رهيب، ولم ينقذ الموقف إلا فرقة من الكشافة قد عرجت على النادي مصادفة لتستريح قليلاً من عناء رحلة شاقة فعلمت بوجود الأستاذ المازني في النادي وراحت تشق عنان السماء بالهتاف: يعيش المازني. يا. . يا يعيش!. . نريد كلمة من المازني!
ووقفت الكشافة في صفين متقابلين، فاستعرضهم الأستاذ المازني، وألهب نفوسهم بخطاب وطني جارف. . وترك النادي بين هتافاتهم وتصفيقهم الحاد.
فلما روى لي رحمه الله هذا الحادث العجيب، سألته مداعباً: أترون في الأمر سوء تفاهم أم (مقلباً)؟. .
فأجاب وهو يضحك: والله لا أدري. . ولكنه حادث طريف يصلح للكتابة!. .
ليماسول (قبرص)
نجاتي صدقي
ماذا؟
في البريد الأدبي في العدد 847 من الرسالة قرأت من الأستاذ راجي الراعي رداً على سؤال وجه إليه. . كان السؤال معقولاً ولكن الرد كان عجيباً. . لم يفهم الأستاذ دسوقي حنفي معنى لنداء بعثه الأستاذ الراعي إلى الشمس فقال لها (يا ابنة الله) ثم (يا عين الله) وأراد الأستاذ الراعي أن يجيب ولم يكن ثمة داع للإجابة. . قلم شط في التعبير وكان الله غفوراً رحيما. ولكنه قال لنا إنها لغة غير لغة الناس. . . إذن فقد كنت في السماء مع الشمس. . . أو هكذا يقولون هناك! غير لغة الناس يا سيدي. فأي لغة هي؟ حسبنا الله الواحد الأحد لم يولد ولم يلد. . . هكذا نقول نحن الناس. . . فهو إذن والد في لغة غير لغتنا. . . أستغفره لهذه اللغة وأسأله لها الرحمة والتوبة والهداية.
أما أن الشمس هي عين الله فهذا ما أراد أستاذنا الراعي أن يدلل عليه فقال إنها النور وإنها إحدى عيون الله التي ترعى الخلق. خسأت الشمس عيناً له جل جلاله. . . أتبلغ عين الله من الضعف والهوان هذا الدرك. . . أي عين الله تلك التي أذودها عني بستارة أسدلها أو خشب نافذة أقفله. . . إن عيون الله يا سيدي. . . أي عين له لهي أحد من ذلك وأقوى. . . رحماك يا أستاذنا الراعي اعتذر فقد أخطأ من قبلك كل جليل وإن الحق قديم. . . هكذا يقول الناس.
ثروت أباظه