مجلة الرسالة/العدد 853/الجناح المهيض

مجلة الرسالة/العدد 853/الجناح المهيض

ملاحظات: بتاريخ: 07 - 11 - 1949



للأستاذ إبراهيم الوائلي

دعيني وتهويمة الشاعرين ... ونجوى الطبيعة في معزل

فإني - متى شجع السامرون - ... بغير الهواجس لم أحفل

أراك ووحشة هذا الظلام ... تزيدين من هَّمي المثقل

فهل تعلمين بأني شربت ... أمر من الصاب والحنظل؟

وأني أذبت بقايا الفؤاد ... ترانيم تصخب كالمرجل

سلي الشهب عن سهري في الدجى ... تجبك متى شئت أن تسألي

خطوب يعج بها حاضري ... وأخرى تهدد مستقبلي

وفي كل يوم أرى نَبوة ... من الزمن القلّب الحوَّل

أنا اليوم لست كما تعهدين ... وكاليوم شأن غدي المقبل

وما بات يخفق في أضلعي ... حنين إلى عهدي الأول

دفنت الشباب وأحلامه ... وما فيه من متع حُفّل

وودعت أمسى بين الصخور ... فذاب على الشوك والجندل

وماتت بقلبي تلك الرغاب ... كما يحصد الزهر بالمنجل

دعيني وألحان المعولات ... تنوح على الأرغن المعوِل

تريدين مني زفيف الطيور ... وأين الزفيف من الأعزل؟

فلا زغب في الجناح المهيض ... أهوَّم فيه على منهل

تفيض الينابيع عن جانبي ... وأُحرم من مائها السلسل

وأدرك في الروض معنى الجمال ... وأُمنع من نضرة المجتِلى

وأشتاق أن أرد الضفتين ... فتُحجبُ عني رؤى الجدول

وأهوى سنا الفجر خلف الغيوم ... فأقبع في ليلىَ الأليل

وأهتاج أنسامه الحالمات ... فيرتد عني سُرى الشمأل

وأصغي لعل طيور الفضاء ... تطارح أنشودة البلبل

فأمضي ولا صوت في مسمعي ... يرن سوى خفقة الأجد تريدين مني غناء الطيور ... وليس سوى القفر من موائل؟

حشدت الصخور إلى جانبي ... وشوك الطبيعة في محفلي

وصوّبتُ في جنبات السهول ... وصعدتُ في قمم الأجبُل

وهممت للوحش في غابه ... وغمغمتُ للنعم الُجفَّل

وعدت ولا شيء غير الرياح ... متى أرها في الدجى تعول

ضللت الطريق. . . وكم تائه ... أراح على جذوة المصطلى

وأبصر في خلجات السماء ... نجوماً تُغوَّر أو تعتلى

ولكنن لم أزل حائراً ... أجوب الرمال على الأنمل

تواكبني خطرات الدجى ... ثقالاً ينوء بها محملي

فمن هيكل سابح في الطريق ... يلوح أمامي إلى هيكل

ومن شبح مدبر يستفز ... خيالي إلى شبح مقبل

تريدين مني انطلاق النسيم ... على الروض في ثوبه المخمَل؟

وإشراقة الفجر بين الحقول ... وفوق أفانينها الميَّل

وما أنا. . . يا هذه. . . إنني ... برمت بعالمك الأمثل

دعيني وما بي. . . فلولا الشجون ... تثير الحمائم لم تهدل

(القاهرة)

إبراهيم الوائلي