مجلة الرسالة/العدد 856/الخطر إليه ودي
مجلة الرسالة/العدد 856/الخطر إليه ودي
بروتوكولات شيوخ صهيون العلماء
(إلى أستاذي الجليلين العقاد والزيات والأستاذ الفاضل نقولا
الحداد أهدي هذه الصفحات).
م. خ. التونسي
أما قبل، فمنذ لاحت في أفق السياسة الدولية نذر اعتزام إليه ود إنفاذ خططهم التي دبروها لتأسيس دولتهم في فلسطين - عمدت أكثر الصحف العربية إلىنشر مقالات ونُبذ تفضح فيها نيات إليه ود ومؤامراتهم وأغراضهم القريبة والبعيدة من إنشاء دولتهم، وتفنّد حججهم في استحقاقهم تأسيسها في فلسطين.
وخير ما كتب في هذا المجال وبعد دراسات علمية صحيحة المقالات التي كتبها الأستاذان الكبيران عباس محمود العقاد ونقولا الحداد، وقد نهضت بالعبء الأكبر في ذلك (الرسالة) مجلة العروبة القائمة على نشر ثمرات عقولها، الموثقة بين شعوبها، الزائدة عن كيانها وكرامتها، وقد كانت من الصحف الذي عجز إليه ود عن استصناعها أو إسكاتها كطريقتهم مع الصحف وأصحابها وكتابها مما يعلمه قليل ويجهله كثير.
فأما الأستاذ العقاد فقد عقد على صفحات (الرسالة) وصفحات (الأساس) فصولاً للكشف عن العقلية إليه ودية والخلق إليه ودي منذ موسى حتى الآن مستشهداً بأقوال العهد القديم وأحداثه وما تلاه من حوادثهم، وبين الصلة بين الصهيونية والشيوعية، وبينهما وبين إليه ود وبعض التيارات الحاضرة التي تسعى إلىتخريب العالم وتسلط إليه ود على البشرية.
وأما الأستاذ نقولا الحداد فقد قام بمثل ذلك وأفاض فيه كما أفاض في بيان الصلة بين إليه ود والماسونية والشيوعية، واستشهد لذلك بنصوص العهد القديم والتلمود وكتاب ثالث لم يشر إليهغيره مع خطره البالغ في التعريف بهم وبمؤامراتهم وسياستهم إزاء العالم أجمع ولا سيما الأمم المسيحية، لأن الشعوب التي تعتنقها هي الشعوب التي في أيديها مقاليد حكم البشر، وهذا الكتاب الثالث هو: (بروتوكولات شيوخ صهيون العلماء) وهو كتاب يفضح ما لا يفضحه كتاب آخر من سوء نياتهم وفظاعة خططهم لتخريب العالم وإفس نظمه وآدابه وقيمه توصلا إلىإقامة مملكة يهودية أوتقرا طية لحكم العالم جميعاً يجلس على عرشها ملك من نسل داود.
وكانت النصوص التي نقلها الأستاذ الحداد خلال مقالاته كثيرة، وكانت تمهيداته لها وتعليقاته عليها كثيرة أيضا جليلة المنفعة، عظيمة الطرافة لدى قراء العربية.
وقد كانت أحد الأسباب المباشرة التي حملتني على ترجمة الكتاب كله إلىالعربية تمدها أسباب كثيرة مباشرة وغير مباشرة حفزتني على ترجمته، فلما أطلعت أستاذي الكبير الزيات على رغبتي في نشر الترجمة تحقيقاً للغرض الذي أنشده وهو تعريف قومي بما يدبر إليه ود من مؤامرات لتخريب العالم وبخاصة بعد أن صاروا إلىجوارنا يتهددوننا بطرق مباشرة وغير مباشرة - لما أطلعته على ذلك قبل مشكوراً نشر ما تيسر منها على صفحات مجلته الزاهرة.
وأما بعد فهذه البروتوكولات منشورة أمام القراء وأني لأرجو أن يتبينوا آثار خططها في سياسات العالم جميعاً، وأن يميزوا شواهدها فيما مر، وما يمر، عليهم من أحداث، وفيمن يصادفهم من صنائعها، وكثير ما هم بين الرجال والنساء.
وألفت النظر إلىأن كل محاولة لتلخيص البروتوكولات محاولة بتراء تضل أكثر مما تهدي، وأنه لمن الخير أن نقرأها جميعاً، فكل فقرة بل فصل فيها لا يدل على أكثر مما فيه لا على ما في المواثيق كلها، ولا على خلاصتها، وهي أحوج ما تكون إلىدرسها وتوضيح شواهدها فيمن يمرون علينا وما يمر علينا، وتعرف اتجاهاتها بدقة وسداد. وهي تدل على خطة واسعة شاملة تتضمن آلاف الخطط في كل نشاط بشري لتخريب العالم.
وهي تدل على معرفة صحيحة بالمجتمع البشري وما فيه من ضعف، ووسائل استغلال كل قوة وضعف فيه، ولا تنحرف إلا عندما يعميها الغرض فتفوتها أشياء تجري تحت عينيها، ولولا إغراضها لما خفيت على ذكائها النفاذ وملاحظتها الدقيقة، وهي من أجل ذلك تدرك من المعرفة شيئاً صحيحاً وتفوتها أشياء، ويصدق عليها قول أبي نؤاس الشاعر في النظام الفيلسوف المتكلم.
(فقل لمن يدعي في العلم فلسفة ... حفظت شيئا وغابت عنك أشياء).
وهي تعنى أكثر ما تعنى بتبين نواحي الضعف البشري، وتعمل على استغلاله إلىأقصى الحدود، متجاهلة، أو جاهلة، نواحي القوة البشرية، فترسم الخطة وكأن كل النواميس البشرية عدا النواميس المتمشية مع أهدافها - قد تعطلت بفعل ساحر، ومن أجل ذلك كثر إيغالها في الأحلام التي تدل على المقت الذي ينوء باحتماله أي قلب من لحم ودم ولو كان قلب وحش كاسر، ولكن تلك الأحلام لا تدل من أي وجه على إمكان تحقيق شيء جدي منها. ولذلك ألفت النظر إلىأن فيها كثيراً من المبالغات الدجلية الخادعة التي لا يمكن تحقق شيء منها، وخير ما نقابل به تلك المبالغات هو معرفة زيفها والثبات أمامها، إذ ما من خطر حقيقي لها إلا التهويلُ الكاذب لإضعاف العزائم، ونشر الفزع والرعب لتهويش المجتمع، كي يتوهم لليهود ما ليس لهم من القوة والنفوذ، أو يغفل عما لهم من القوة والنفوذ في الحقيقة.
ولقد كانت هذه البروتوكولات من أسرار إليه ود التي يحرصون على إخفائها أشد الحرص، ثم افتضح أمرها منذ نصف قرن تقريبا إذ وصل خبرها إلىأحد وجوه الروس في عهد القيصرية وهو سرجي نيلوس وهي مكتوبة بالروسية، فقام بطبعها في سنة 1905 وكتب لها مقدمة وتعقيبا لابد من قراءتهما لما فيهما من فوائد جليلة، ويحملنا ضيق المقام هنا على القناعة بمقتبسات ملخصة من المقدمة نعرف منها كيف تأدت إليهوماذا صنع بها. فقد ذكر أن صديقا دفعها إليهقبل وفاته سنة 1901، أكد له أنها ترجمة صحيحة لأوراق مخطوطة سرقتها سيدة من أحد رؤوس الماسونيين الأحرار في نهاية اجتماع ماسوني عقد في باريس، وقد تمت السرقة في فرنسا في خلية من خلايا الماسونية إليه ودية (الخاصة باليهود).
وقد نشر الأستاذ نيلوس هذه الوثائق الخطية في سنة 1905 مطبوعة بعنوان (بروتوكولات شيوخ صهيون) وأشار إلىأنها ليست بالدقة نصوص محاضر الاجتماعات السرية التي عقدها هؤلاء الشيوخ، بل إنها تقرير وضعه شخص قوي وقسمه أقساما لا تطرد منطقيا على الدوام، وهي بذلك تبعث على الظن بأنها جزء منتزع من وثيقة أهم قد ضاعت بعض فقره، بيد أن أصل الوثيقة يتكلم عن نفسه في هذا الجزء.
ويسلم الأستاذ نيلوس بالعجز عن الحصول على دليل كتابي أو شفوي على صحة هذه المؤامرة أو على شيء بكشف زعماءها متلبسين بإمساك خيوطها الدموية، ويكتفي بشواهد الملابسات والقرائن القوية التي تكفي لإقناع (من لهم آذان للسمع) وهي تُلتمس من الظروف الجارية في العالم؛ وفيها مقنع لكل باحث محترم.
وبعد عام من طبع البروتوكولات بالروسية (1905) وصلت نسخة مطبوعة إلىالمتحف البريطاني فكتب عليها قيد تسلمها وتاريخه وهو 10 أغسطس سنة 1906. وبقيت هذه النسخة في المتحف دون أن يتنبه إليه اأو يعرف خطرها حتى عثر عليها الأستاذ فكتور مارسدن مراسل جريدة (المورننج بوست) في روسيا خلال الحرب العالمية الأولى التي وقع خلالها الانقلاب الروسي الذي مكن للشيوعيين من السيطرة على روسيا، وكان لليهود نصيب عظيم في تدبير هذا الانقلاب وهم الذين استطاعوا أن يستغلوه لمصلحتهم قبل غيرها من وراء ستار حينا وجهارا حينا، وحاولوا هناك تطبيق مذهب أخيهم كارل ماركس بالنار والدم، ونجحوا في بسط سلطانهم هناك حتى اليوم، ومن العجيب أن الأستاذ نيلوس تنبأ بهذه المؤامرة إليه ودية ضد روسيا - وطنه - في سنة 1905 كما أشار إلىذلك في المقدمة، ومن العجيب أن تشير (البروتوكولات) نفسها إلىمحاولة إليه ود نشر مذهب ماركس إليه ودي المتنصر (أنظر الميثاق الثاني).
وكان الأستاذ فكتور مراسل (المورننج بوست) يعرف الروسية، فأكب على ترجمة الكتاب من الروسية إلىالإنجليزية في المتحف نفسه، ثم نشرت جمعية الطباعة البريطانية الترجمة الإنجليزية، وأعادت بعد ذلك طبعها مرات، وهذا الكتاب مجهول حتى بين علية المثقفين.
والكلام المفصل في الشواهد التي تدل على صحة المواثيق وأنها من عمل إليه ود - يستغرق عشرات الصفحات، وخير ما كتب باللغة العربية في هذا الصدد مقالات الأستاذ الحداد في الرسالة، وفيها بلاغ (راجع العدد 771 وما تلاه) ولنا إلىهذا الموضوع عود أن شاء الله بعد أن تصير النصوص في المتناول لتسهل المقارنة والاستنباط. فإلى المواثيق لفهمها وتدبرها، ولكل نبأ مستقر.
محمد خليفة التونسي
(البروتوكولات من العدد القادم)