مجلة الرسالة/العدد 858/البريد الأدبي

مجلة الرسالة/العدد 858/البريد الأدبي

ملاحظات: بتاريخ: 12 - 12 - 1949



أخي الاهواني

فما الإغراب على بابي ولا من زادي. وغيرك ناسياً ذكرت، فإنا وإياك لعلي ماتة بارث من العربية، ما اكثر دقيقاته، وأدق خفيانه. ورأيت الناشئة على اللين الهين تراد، ومن الجزال الرصين تنفر. وأحسست البائنة بين وروث ووارث، وخفت الضيعة له ولنا. فرغبت في الذي أشرت غير مكثر، أخص فئة واعية واقية، تحمل الأمانة مؤداة، حتى لا تنفصم عروة، أو تنحل عقدة، فنضل ماضينا بما أنتج.

وقولتك النقل مغناي عن إسهاب، فما ظنك بمن هم همك، ومد إلى القديم يدا فارغة إلا مما خف، واتجه إليه بعقل لا يسيغ المشكل، ولا يقوى للمعي. أتراه قادرا قدرتك ومالكا ملكك.

أخوف ما أخاف أن تفاجأ غدا بجيل يلزم أحدهم بتحرير نقل قديم فيعيا به، وأن تنظر إلى هذا التراث مركوما في عيبات لا يحل وكاء، ولا يكشف عنها غطاء.

فتراني لهذا اقدر القديم قدره، وأحبب أليه، فهو دون الجديد بمظنة نسيان، وعلى حافة ترك. وما أنا عن الجديد بمرغب، فالحضارات من هذا وذاك. وما لك حيا ترى التحول فناء، والتغير يلي، وعلى أي رأي كنت، فما الجديد إلا تحول من القديم، وامتداد له، وما مضمومات ذاك الأمور من مضمومات هذا. والرأي من الرأي، والشيء للشيء تبع.

وتجرني إلى حديث أطول من ليل العليل، واعقد من ذنب ضب. فعن أي نفس أنت مدير الحديث؟ أهذه النباتية ذات التولد، أم تلك الحيوانية ذات الحركة الإرادية، أمالإنسانية ذات الأفعال الفكرية، أو أنت عند النفس مع قول الجنيد أنها من مستأثر الله تعالى، أو مع المتكلمين في القول باشتباكها بالبدن اشتباك الماء بالعود، أو مع الفلاسفة في أنها لا جسم ولا عرض متعلقة بالبدن تعلق تدبير وتحريك.

ودعاك التشابهان بنية، المختلفان حركة، إلى أعمال فكرة. واليك يساق الحديث. فالنون والفاء والسين - كما يقول ابن فارس: اصل وأحد يدل على خروج النسيم كيف كان من ريح أو غيرها.

وقول القائل (نفس الله كربته) من ذاك، لأنفي خروج النسيم روحا وراحة. وإذا قيل للماء نفس، فذلك لأن قوام النفس به قولهم (شئ نفيس) أرادوا أنه ذو نفس، بالتحريك.

ثم جاءت (النفس) بالإسكان في شتى معانيها. وأخال اسبقها الروح، وهل هي إلا أنفاس؟

وإذا كان (النفس) بالتحريك، ما تعلم، فهو بالشمومات الصق، والعنبر أو المسك أزكى محمولا عليه وأطيبه. وما أنت بمنكر بعدها حمل (النفس) محمولا، على العنبر أو المسك، محمولا عليه. كما لست بمغيب عليك أن يصف واصف المتصل الجرية بطول النفس والمنقطعة بانقطاعها.

قدم معاوية من الشام فدخل على أبيه أبي سفيان، فقال له يا بني، إن هؤلاء الرهط من المهاجرين سبقونا وتأخرنا عنهم. فرفعهم سبقهم وقصر بنا تأخرنا، فصرنا اتباعا وصاروا قادة. وقد قلدوك جسيما من أمرهم، فلا تخالفن أمرهم، فإنك تجري إلى أمد لم تبلغه، ولو قد بلغته لتنفست فيه - يريد الاستراحة بعد بلوغ الغاية.

وبعد، فأحذر حذرك، وفهم غير فاهم، من قول القائل،

أخا النفس نفسنا وللنفس نفسها ... ونفسك فاشحذها أو النفس فاسفك

إبراهيم الأبياري

إلى الأستاذ أنور المعداوي

جاء من عدد الرسالة رقم 855 في تعقيباتكم بأنكم تسلمتم رسالة من الأديب عبد الله نافع (عطبرة سودان) وفيها يرمي زميله السوداني سيد أحمد فنأوي بأنه يبعث إلى (الرسالة) بأقاصيص منسوبة إلى الإنجليزية حينا وإلى الفرنسية حينا أخر، مع أنه لا يجد هذه ولا تلك، فهذا حق؛ إذ أن تلك الأقاصيص التي تصلكم للنشر ليست من ترجمته ولا من أسلوبه. وأنا أزيح الستار عن الحقيقة فأذكر لكم أنني عثرت يوما على مجلة (قصص الشهر) الصادرة في سبتمبر سنة 1945 فرأيت فيها قصتين إحداهما للقصصي الإنجليزي فيرنيك مولتار وهي قصة (اكسير الحب) ويؤلمني أن أذكر أن هذه القصة نشرت بمجلة الرسالة بالعدد نمرة 760 بتاريخ 26 يناير سنة 1948. إمضاء الأديب الفاضل، والأخرى للكاتب الإنجليزي هانسفورد جونسون وهي قصة (الوحدة) وهذه بدورها نشرت بمجلة (الرسالة) عدد 766 الصادر بتاريخ 8 مارس سنة 1948.

والعجيب أن الأديب قناوي لم يكلف نفسه أي مشقة ولم يحدث أي تغيير في الفكرة أو في الأسلوب بل كل ما فعله هو تغيير العنوان فبدل (الأعتزال) (الوحدة) وبدل (أكسير الحب) (قوة الحب) فأيقنت عند ذلك أن كل قصصه الباقية لم يترجمها إلا على هذا الأساس، وهو يظن بأن أمره سيظل مكتوماً. ولكن رسالة الأستاذ عبد الله نافع دفعتني إلى جلاء هذه الحقيقة فأني أنتهز هذه الفرصة لأقدم جزيل شكري له لأن الفضل راجع إليه

ص. م. ت

عطيرة سودان

رسائل كبار العلماء:

بين شيوخ الأزهر الإجلاء طائفة ممتازة يطلق عليها - هيئة كبار العلماء - وقد اشترط القانون لنيل عضوية هذه الهيئة الموقرة شروطا منها بل من أهمها أن يكون الراغب فيها ذا مكانة علمية سامية، ثم يتقدم بين يدي رجالها الأوائل بكتاب مستقل أو بحث خاص من تأليفه، فإن حاز الرضا قبل صاحبه عضوا به وأنزل منزلة رجالها الأدبية ومنح رواتبهم المادية. وهذا نهج لاعوج فيه ولا غبار عليه، لأن العلم يجب أن يكرم بتكريم أهله وإنزالهم المنازل اللائقة بهم. وإذا كان يجب تكريم هؤلاء العلماء الأفاضل فإن عليهم واجبات يؤدونها للعلم وأهمها نشر مؤلفاتهم القيمة ورسائلهم الفذة التي أهلهم لنيل الشرف بانتمائهم لهيئة العلماء.

إن تقديرهم الحق لا يكون إلا عن هذا الطريق. ومما يكبرهم لدى الخاصة ويعلي أقدارهم لدى المثقفين أن يرى هؤلاء وأولئك أثارهم العلمية مزدانة بها المكاتب تردد الألسن الإشادة بها والثناء عليها لما تحويه من دقائق البحث وطرائف الفكر وسعة الإدراك للموضوع ولما يشع من جنباتها وتنطق به صفحاتها من نور الحق وضياء اليقين، وأنه لمؤلم أن لا تجد هذه الرسائل طريقها إلى الحياة، ومؤلم كذلك أن تموت في مهدها وتلف في أقماطها لفة البلى والفناء.

(الأقصر)

علي إبراهيم القنديلي