مجلة الرسالة/العدد 858/لغة المسلمين
مجلة الرسالة/العدد 858/لغة المسلمين
للأستاذ محمد حسن الأعظمي
جهاد عشرين عاما متواصلة لا أفاخر به ولكني أحمد الله عليه وأستزيده التوفيق منه.
قال مستر غاندي يوما: (إن من الخير لسكان الهند أن لا يلجأ إلى اللغة لأنها تكتب بأحرف القرآن، وهو كتاب المسلمين وحده. وعلينا أن نختار اللغة المحفوظة عن الأمهات فقط وهي اللغة السنسكريتية، وما كدت اطلع على هذا في صحف الهند العامة حتى أسرعت في اليوم التالي إلى الإجابة، وقلت لمستر غاندي: (إن المسلمين ليس لهم أمهات سوى أزواج نبيهم عليه افضل الصلاة والسلام، وهن أمهات المؤمنين، ولغة أولئك الأمهات هي للسان العربي المبين) ولما أذاع المستر غاندي نداء يدعوا فيه إلى توحيد اللغة بين المسلمين والهنود أجبته بأن ذلك لا يمكن إلا بأن نتعلم لغتكم السنسكريتية مع لغتنا العربية وعليكم أن تسلكوا إلى الوحدة هذه السبل نفسها ثم تكون النتيجة الحتمية لهذا. هي العودة إلى الأردية مرة أخرى، فهي مزيج من اللغتين معا إلا قليلا من الفارسية والتركية. وإذا لم تصنعوا ذلك ولن تصنعوا فماذا أنتم فاعلون إذا اصطدمتم بلغات تربو على المائتين بين العشائر الهندوكية المتناثرة في أقطار الهند؟ النتيجة الحتمية لهذا التعصب ضد العربية والأردية هي الاعتماد على اللغة الإنكليزية - لغة أعدائكم - في التفاهم والمكاتبات. وهذا هو الذي حدث فعلا. فقد تخلص هؤلاء من الاستعمار العسكري ليقعوا تحت السيطرة الروحية من نسيج هذه اللغة الأجنبية عنهم. فإن كنت في ريب من هذا أيها القارئ فادخل إحدى السفارات الهندية لدى أي الحكومات أن شئت، فأنت واجد فيها بين أفرادها سلطان اللغة الإنكليزية حاكما على قلوب الموظفين فأنفذ الكلمات في أذواقهم وحديثهم ومخاطباتهم؛ وأنها لهي عبودية الروح في غشاء رقيق من حرية الجسد.
أما أنا فقد رأيت أن أمشي على سنن الطريق مسترشدا بيقيني وبما أني واثقا من أنني فيما ادعوا إليه سألاقي النصر والفوز. وتركت الجدل الكلامي وأخذت أنشئ الجمعية العربية العامة في الهند، واتبعتها بإنشاء مدارس ليلية شبيهة بالمدارس والوحدات الليلية التي يعرف الجميع نشاطها بمصر. وكنت ومن معي من المؤمنين بفكرتي مثالا من النشاط الذي لم تكن فيه اقل من الغيورين على محاربة اللغة العربية واستبدال حروفها وإخراج ألفاظها.
ولكي نستبعد فكرة التعصب القبلي دعونا إليها كلغة القرآن والإسلام. أما الآثار الأدبية لهذه الحركة المباركة فقد كان منها كتاب المعجم الأعظم الجامع بين اللغتين العربية والأردية إلى جانب عشرات من الكتب المدرسية. وكانت حيدر أباد الدكن مركزا هاما إلى ذلك الحين لنشر العربية، إذا كان بحيدر أباد مائة ألف أو يزيدون من العرب أو من أصول عربية، فلقيت الدعوة تشجيعا وإقبالا رائعا. وقام على رياسة هذا النشاط أحد سلاطين المكلا العرب، وما كدنا نقطع من مراحل الزمن سنة حتى انتشرت المدارس الليلية في جميع مناطق المدينة وشكلت الفروع المختلفة في الضواحي والأقاليم المتاخمة. وأنشأت كلية اللغة العربية في العاصمة لتقوم بتعليم على أسس دراسية قيمة. ولكي يقطع هذا النشاط مدى بعيدا قررنا إلقاء محاضرات أسبوعية في حفلات متنقلة بين أحياء المدينة، وكنا نرى إقبال الجمهور المتزايد ويجعل الأمكنة تضيق بزوارها. وكانت تلك الحفلات أدبية مشجعة على مواصلة الكفاح العلمي والأدبي ثم رأينا أن تجري مسابقات دورية تمنح فيها المكافئات والجوائز. ومما يثير العجب أن عدد الفائزين في أخر مسابقة باللغو مائة من بينهم خمسة وسبعون من الفتيات. وقد جرت المسابقة في الكتابة الإنشائية وفن الخطابة والإلقاء. وحاولت أيضاًفي سبيل تيسير هذا التعليم أن ادعوا إلى استبدال خط النسخ العربي بالخط الفارسي بالأردية.
أما حيدر أباد ومراكز الهند الأخرى بعد التقسيم فهي في ستار مغلق دونيالآن - فقد وليت وجهي شطر الوطن الإسلامي الباكستاني - ولقيت فيها الدعوة مكانا خصبا. فلعلي استمد هذا الروح نحو تعليم العربية من أيمان شعب الباكستان الذي تشرف فيه الحكومة نفسها على الجمعية العامة للغة العربية. واصبح خط النسخ العربي رسميا في مكتبات الدولة وأعمالها العامة.
واللغة العربية مادة إجبارية في مواد التعليم الثانوي. كما خصص ركن من إذاعة اللغة العربية. وحضرات أصحاب المعالي الوزراء في باكستان وفي مقدمتهم صاحب المعالي وزير المعارف العمومية فضل الرحمن مقبولون بأنفسهم على تعلم هذه اللغة.
ولعل بعض القراء يذكر أن فخامة حاكم البنجاب السردار عبد الرب تشتر - هو الذي يرأس أكثر الحفلات العربية ويلقي فيها خطبه المرتجلة في عبارات سليمة واضحة.
وليس هذا كل شيء، فإن الخطوة المباركة الحقيقية هي وصولنا إلى ذلك القرار الحكيم الذي وافق عليه مؤتمر العالم الإسلامي الدائم وهو اعتبار لغة القرآن لغة عامة للمسلمين جميع، وكتابة لغات العالم الإسلامي بخط النسخ العربي. كما ألقيت اكثر خطب المؤتمر في كراتشي باللغة العربية. وإذا كنا نحن الباكستانيين قد بذلنا هذا الجهد المتواضع لتعميم العربية الفصحى وأحياء تراثها المجيد، فإني أهين بالناطقين بالضاد إلى المماليك العربية أن يجعلوا واجبهم الأول تعميم اللغة العربية الفصحى وأحياء تراثها المجيد، وأن لا يقصروها على مكاتباتهم في دواوين الحكومة، وعلى أعمدة الصحف. فعلى كل من يجيد العربية أن يخاطب بها غيره في المكتب والطريق وفي الأندية والأسواق وفي التعامل التجاري وفي التبادل الثقافي. وسيقول قائل أن الطريق شاق والمطلب عسير، فأقول لهؤلاء ليس بين العامية الدارجة والعربية الفصحى سوى تصحيح كلمات وإعراب جعل وصدق في توجيه قبل كل شيء. وما هو إلا قليل من التدريب يتلوه النصر القريب.
كثيرا ما رأيت طلاب البعثات الوافدة إلى مصر والأزهر يعودون مزودين باللغة العامية، وما هجروا أوطانهم إلا للغة العربية السليمة الفصحى!
وقد بدأنا نحصل الغرامة المفروضة من أعضاء المؤتمر الإسلامي على كل من يلجا إلى غير العربية الفصحى أثناء كلامه. ويتجه نظريالآنإلى الكعبة العلمية الإسلامية اعني (الأزهر الشريف) ليبدأ هذه الخطوة من جانبه بين أساتذة المعاهد وطلابها، فهل يتحقق أملي؟
محمد حسن الأعظمي
عميد كلية اللغة العربية في الباكستان