مجلة الرسالة/العدد 860/الأدب والفن في أسبوع

مجلة الرسالة/العدد 860/الأدب والفن في أسبوع

مجلة الرسالة - العدد 860
الأدب والفن في أسبوع
ملاحظات: بتاريخ: 26 - 12 - 1949



للأستاذ عباس خضر

افتتاح مؤتمر المجمع اللغوي:

احتفل مجمع فؤاد الأول للغة العربية يوم الاثنين الماضي بافتتاح دورة المؤتمر السادس عشر، وقد جرى على أن تكون جلسة الافتتاح حفلا يدعو إليه جمهرة من رجال العلم والأدب، وقد امتلأ المكان بهؤلاء إلى جانب أعضاء المجمع من مصريين وأجانب شرقيين وغربيين. افتتح الجلسة معالي رئيس المجمع بكلمة وجيزة رحب فيها بالعضوين الجديدين، وذكر من توفي من الأعضاء بالثناء والترحم. وبعد ذلك ألقى المراقب الإداري للمجمع كلمة معالي وزير المعارف التي حيا بها الأعضاء وأشاد بما يبذلون من الجهد في النهوض باللغة العربية، ومما جاء في هذه الكلمة قول معالي الوزير: وقد يطرق مسامعكم حينا بعد حين، دعوة يصيح بها صائح من وراء الجدران السامقة، يريد أن يحملكم على شيء من التسامح والرفق في علاج بعض مشكلات اللغة، بتقبل بعض العامية في معاجم الفصحى، أو بمحاولة تفصيح بعض الكلمات الأعجمية، ولست أشك - وأنتم بالمكان الرفيع بين أهل العلم والفن والأدب - أنكم حين تستمعون لمثل هذه الدعوة ستضعونها تحت مجهر البحث والتحقيق، لتلائموا بين حق اللغة في وجوب حياطتها والمحافظة على سلامتها، وبين مقتضيات التطور الطبيعي في التعبير بهذه اللغة عن حاجات الحياة دون أن يكون لذلك أثر في سلامتها وفي خصائصها، فأنتم هنا حماة الفصحى وأنتم سدنة معبدها المقدس.

ثم ألقى الدكتور منصور فهمي باشا كاتب سر المجمع، كلمة أجمل فيها أعمال المجمع في عام، وقد قدم لها بمقدمة اعتذر فيها من إملال هذا السرد الذي يتكرر في كل عام، فكانت هذه المقدمة بمثابة إنذار. . . ولكنه لم يطل في ذلك بل أسرع إلى التعليق خشية أن يكون ذلك السرد كالرغيف يؤكل بلا أدام، والشطيرة تؤخذ دون أن تدهن بالزبد، كما قال، وقد كان الأدام أو الزبد تصويره لجهود المجمع ببعض التشبيهات التي منها أن هذه الجهود مثل طاقة الكهرباء في فعلها وأثرها مع فارق ملحوظ هو أن الكهرباء تؤثر في الأطوال البعيدة والأعراض الممتدة في لحظة يسيره ويصل تيارها إلى غاياته في لمح البصر، أما المجرى الذي يسير فيه التفكير اللغوي فتتكون مادته من نفوس الناس التي لا تتجانس كما تتج الأسلاك الموصلة، أي أن أعمال المجمع يعوقها اختلاف الناس عن سرعة السريان. . وقد سلك هذا السبيل الطويل لتبرير بطئ المجمع في أعماله! وقد أدركنا بعد ذلك أن سرد أعمال المجمع لم يكن مملا. .

وألقى الدكتور إبراهيم بيومي مدكور كلمة عن جهود المجمع في خمسة عشر عاما، أي منذ إنشاءه إلى الآن، وقد رض أهم الموضوعات التي تعرض لها المجمع وما أنجزه من الأعمال. وهو وإن لم يسلك سبيل الخيال الذي سلكه منصور باشا إلا أنه طول الكلام وعرضه في بعض المسائل الشكلية، وقد اتفق كلاهما في دفع ما يتهم به المجمع من البطيءوالتكاسل وضرب المثل بالمجمع الفرنسي في ذلك.

وألقى معالي السيد محمد رضا الشبيبي كلمة موضوعها (بعث العربية) تحدث فيها عن عصور التأخر اللغوي ومرحلة النهوض الحديث، والموضوع وإن كان مطروقا إلا أنه أتى في ثناياه بما أكسبه بعض الجدة وشيئا من القيمة. وقد قال بعد أن ذكر المجامع العلمية واللغوية واهتمام مجمع فؤاد الأول بتأليف المعاجم - قال: يجب أن نرى بين معجمنا الحديث المنشود وبين معجماتنا القديمة اختلافا بينا في المادة والجوهر، وفي كيفية التكوين والتأليف، فإن معجما يوضع لسد حاجة هذا الجيل وما يليه من أجيال لهو غير المعجمات القديمة، بل نحن نذهب أيضاً إلى أبعد من ذلك فنقول إن معجمنا الحديث يجب أن يختلف أيضاً عن هذه المعجمات الحديثة التي وضعها المعاصرون في مصر ولبنان والشام. نريد معجما يوضع على غرار أحدث المعجمات اللغوية المصنفة في اللغات الأوربية الحديثة من حيث الدقة والإتقان والاستيعاب. نريد معجما يعني واضعوه بتاريخ الكلمة وكيف تحولت مدلولاتها بتحول العصور على أن تكون عنايتهم معززة بالشواهد والنصوص المقتبسة من آداب لغتنا العربية في مختلف عصورها، على النحو المتبع في المعجم الإنجليزي المعروف بمعجم اكسفورد.

وكانت الكلمة الأخيرة للأستاذ ماسنيون وكان موضوعها (خواطر مستشرق في التضمين) وقد صاغها على طريقته لمعروفة في التعبير الرمزي، ومما استطعت أن أعيه من عبارات هذه الكلمة قوله: التضمين هو نوع من نبض الفكر لاستخلاص الجوهر من الأصول اللغوية الثلاثية المثبتة في المعجمات، وإن من فضل اللغات السامية، وبخاصة اللغة العربية، تعدد المعاني واكتنازها في أصل لغوي واحد، واجتهاد الكاتب في أن يتعمق في هذه المعاني لإحكامها وإخضاعها لأقدم معنى يصل إليه. وهذا النوع من الهجرة العقلية في خلوات التأمل. ومن عباراته أيضاً أن المستشرقين المحدثين يشبهون وجوب الإصلاح في اللغة بالاغتراب في الزواج لأنه لا فائدة من استعمال حجاب الكلمات مع ذوي الأرحام.

قال لي صاحبي ونحن نستمع إلى الأستاذ ماسينيون: يظهر أن مذهب (السريالزم) قد وصل إلى اللغة!

فلم الأسبوع

هو فلم (بنت العمدة) الذي عرض في الأسابيع الأخيرة بسينما الكورسال، وهو من تأليف وإخراج عباس كامل، وتمثيل هاجر حمدي وكمال الشناوي وهدى شمس الدين وآخرين. وتتلخص القصة في أن الدكتور عادل (كمال الشناوي) شاب تخرج حديثا في كلية الطب ويعمل في عيادته الخاصة مكبا على عمله؛ يأوي إلى زوجته القروية (هاجر حمدي) وهي ابنة عمه العمدة، وتبدو هذه الزوجة منهمكة في أعمال البيت من طبخ وكنس وغسل وغيرها منصرفة بذلك عن العناية بنظافتها وزينتها حتى لا يكاد زوجها يشم منها غير رائحة الثوم والبصل. تقتحم عليه العيادة الرقاصة لولا (هدى شمس الدين) لعلاج خدش في ركبتها فتغريه بها حتى يندفع معها إلى آخر الشوط. ويهمل زوجته بل يضيق بها ويعما على إبعادها إلى القرية مرارا لخلو له الجو. وأخيرا تكشف الزوجة الأمر، وعندما ترى الرقاصة توشك أن تستلب منها زوجهاتهرع إليها وتهددها وتحملها على أن تتفق معها على حيلة تقومان بها. تظهر عزيزة راقصة في المرقص الذي تعمل به لولا، ويراها زوجها الدكتور عادل فيفتتن بها وهو لا يعرفها، وتصل بينهما لولا فيبثها هواه، وتمعن هي في الأغراء والدلال حتى تطلب إليه أن يتزوجها ويطلق زوجته ثم تبين له أنها هي زوجته، فيعتذر إليها ويستأنفان حياتهما سعيدين.

والفلم من أفلام هذا الموسم التي توالى ظهورها أخيرا جاعلة همها اجتذاب الجمهور بعرض الرقص والفكاهة والغناء، إلا أن به موضوعا هو تصوير الزوجات اللائى لا يعنين بمظهرهن أمام أزواجهن الذين يضطرون إلى التماس المتعة في الخارج. ولكن الموضوع لم يوجه توجيها حسناً ولم يعالج على نحو طبيعي، وقد سيقت الحوادث كما أرادها المؤلف المخرج رغم طبيعتها، فقد جعل الأبطال يتصرفون وفق رغبته في حبك القصة، لا كما تقضي طبائع الأمور؛ فهذه الزوجة القروية الساذجة التي يتبرم بها زوجها ويمعن في احتقارها فلا تدرك تغيره ولا تشعر أن شيئا غير عادي وقع له حتى تفاجئها الحقيقة سافرة - هذه الزوجة نراها قد انقلبت بقدرة المؤلف رقاصة من طراز غربي مرة واحدة! وامتدت هذه القدرة كذلك إلى خادمها الفلاح عبد الموجود (عبد الغني السيد) الذي أحضرته من القرية، فجعلته شابا (مودرن) يغني لها وهي ترقص! وعلى أي أساس اتفقت لولا وعزيزة على تلك الحيلة؟ وكيف رضت الأولى وهي التي تعمل على استخلاص الزوج لنفسها؟ لأن عزيزة هددتها بالمسدس! كان يكفي أن تتخلى الرقاصة عن الزوج إزاء تهديد الزوجة، ولكن قدرة المؤلف المخرج فوق الطبيعة، فقد أبت إلا أن تجعلها تدبر لها لتعيد إليها زوجها. . . ولم يتعذر على المخرج أن يجعل الزوج لا يعرف زوجته وهي في دور الراقصة؛ فحسبه أن يضع على عينيها عصابة سوداء تشبه النظارة، وتتسرب القدرة الفائقة إلى عقل الزوج فتجعله - وهو الذكي المثقف - تخفى عليه شخصية زوجته لأنها لبست حلة الرقص ووضعت على عينيها منظاراً أسود!

وقد رأينا الدكتور عادل يقع سريعا في حب لولا الرقاصة مع أنه ظهر في البدء مستقيما مجدا في عمله، دون أن يتنبه ضميره فيتردد ولو قليلا فيكون هناك شيء من الصراع النفسي، ولكن الجهد منصرف بسرعة إلى مواقف الرقص فليس هناك وقت لمثل هذا التحليل.

وكان ظاهراً أن الغاية من مناظر القرويين الإضحاك بالمفارقات بين أوضاع المدينة والقرية، وما في ذلك بأس على أن يكون في حدود المعقول، ومن المقبول في ذلك منظر العريس وبيده كرنبة يأكل أوراقها ويقشر رأسها في حفلة الزفاف؛ ولكن هناك مناظر بولغ فيها إلى درجة غير مقبولة، مثل منظر عزيزة بنت العمدة وزوجة الدكتور تهبط من سيارة عامة فيحملها أحد الفلاحين ويركبها حمارا ثم يبلغ بها الحمار إلى حيث اصطف لاستقبالها تلاميذ المدرسة الإلزامية بقيادة الناظر في شكل مزر، ولست أدري أين يقع مثل هذا! ومما لا يقع أيضا أن ترقص بنت العمدة شبه عارية أمام الرجال في عرس قريبها إلا أن تكون هاجر حمدي ويكون هناك مخرج يحرص على تهيئة مواقف ترقص فيها. . . وقد تكررت هذه التهيئة في غير موضعها. وقد أفسد هذا الاتجاه إلى الاستعراض الكثير من المواقف وأدى إلى الاضطراب والتناقض في تصوير شخصية عزيزة، فآنا لم ندر أهي فتاة قروية ساذجة أم هي هاجر حمدي (الأرتست) الرقاصة. . . فقد كانت تنقلب من الأولى إلى الثانية بدافع الرغبة الشديدة في (الاستعراض) دون التفات إلى ما ينبغي من مراعاة المنطق الطبيعي لتسلسل الحوادث. وكان التمثيل لا بأس به على العموم، فكانت هاجر حمدي موفقة في تصوير شخصية الفتاة القروية، غير أنها كانت في موقف تتكلم بلهجة قاهرية وفي آخر تنطق بلغة قروية دون داع إلى هذا الاختلاف. أما هدى شمس الدين فهي فتاة جميلة ولكن تمثيلها قليل الحظ من الحيوية والتعبير، وكذلك كمال الشناوي. وقد مثل عبد الغني السيد شخصية الخادم الفلاح عبد الموجود فأحسن كما أحسن في الغناء الريفي، ولكنه عاد في المرقص إلى غنائه العادي الذي تسمعنا إياه محطة الإذاعة ومن الشخصيات الفكاهية الظريفة محمد كامل في دور الممرض وعبد الحميد زكي في دور العمدة.

عباس خضر