مجلة الرسالة/العدد 865/الأدب والفن في أسبوع

مجلة الرسالة/العدد 865/الأدب والفن في أسبوع

ملاحظات: بتاريخ: 30 - 01 - 1950



للأستاذ عباس خضر

هل تقدم الأدب في ربع القرن الأخير:

أشرت في الأسبوع الماضي إلى المناظرة التي جرت في القاعة الشرقية بالجامعة الأمريكية، وكان موضوعها (تقدم الأدب تقدماً مرضياً في ربع القرن الأخير) أيد الرأي الدكتور أحمد أمين بك ومعالي الدكتور طه حسين بك، وعارضه الدكتور محمد عوض محمد بك، وكان يدير المناظرة ويقوم المتحدثين الدكتور محمد صلاح بك وزير الخارجية. ولا شك أن حرص الوزيرين على حضور المناظرة - وكان ذلك اليوم الثاني لتأليف الوزارة - كان مثلا رائعاً للشعور بالتبعية الأدبية. ولك أن تعتبر اشتراك وزيرين في مناظرة أدبية عامة دليلا مؤيداً للرأي وهو تقدم الأدب في هذه الفترة.

بدأ الدكتور أحمد أمين بك فعرض الموضوع عرضاً حسناً وفصله تفصيلا شافيا، استعرض أنواع الإنتاج الأدبي وقارن كلا منها بما كان عليه قبل هذه الفترة وما صار إليه، فالمقالة كانت إما مترجمة بتصرف أو بغير تصرف، أو مقالة إنشائية يغلب عليها البديع اللفظي، وبعض المقالات كانت على حالة شبة بدائية، وحتى الكتاب المعاصرون كانوا لم ينضجوا بعد ولو قارنا بين ما كانوا يكتبونه وبين كتابتهم الحالية وجدناهم خطوا خطوات واسعة نحو التقدم؛ والآن قد أصبحت المقالة ناضجة، غرزت معانيها وتدفق أسلوبها.

والقصة: لم تكن موجودة، شاهدنا تمثليات شوقي وقصص تيمور والحكيم وناشئة الأدب. وقد كانت القصص كلها مترجمة فصار لنا قصة مصرية تتعرض لمشاكلنا وتتحدث عما يجري في حياتنا.

وأما الشعر فإنه يقال إنه انحط ولم نعد نرى مثل شوقي وحافظ ومطران، ولكن الحق أن شعر أولئك الشعراء الراحلين على جودته ووفاه بأغراضه في عصره أصبح غير ملائم لهذا الزمن. وقد جد بعدهم شعراء لم يبلغوا بالشعر ما يرجى ولكنه ساروا على نهج آخر، فلا مديح ولا هجاء، يتغنون للعواطف لا للمعدة، وقد التزموا وحدة القصيدة، وتحرر بعضهم من التزام القافية؛ فإذا لم يكن من الوليد ما يرضي فحسبنا أن نودع شيخاً ونستقبل وليدا.

وأما الدراسة الأدبية فهي وليدة الجامعة المصرية، كانوا يترجمون للشعراء والأدباء، كما يترجم (الأغاني) وغيره، ثم صارت الدراسة تحليلية نقدية فيها جانب من العلم وجانب من الأدب.

وأما الأغاني، وهي نوع من الأدب، فأذكر أني كنت أهذب إلى تياترو ألف ليلة لسماع توحيدة، وكنت أتخفى إذ كنت طالباً معمماً من طلبة القضاء الشرعي، فكنت أسمع منها كما كنا نشمع من غيرها أصواتا جميلة ولكن لا معنى للأغنيات نفسها، لم يكن فيها شيء كالذي نسمعه الآن من أم كلثوم وعبد الوهاب ولا أبالغ إذا قلت إن الأغاني كانت كالموسيقى الصامتة.

هذه هي مظاهر التقدم في الأدب، أما أسباب هذا التقدم فكثيرة، أهمها أن الأدب ظل الحياة الاجتماعية، كما يقول تين، وقد تقدمت الحياة الاجتماعية في الفترة الأخيرة تقدماً ظاهراً فمن الطبيعي أن يتقدم ظلها وهو الأدب، ومن هذه الأسباب أن أدبنا يعتمد على الأدب العربي والأدب الغربي، وقد أكثرنا من نشر كتب الأول وزاد الاطلاع عليها، كما ازداد الاتصال بالآداب الغربية، ولذلك زادت ثقافة الأديب، ومما زادت هذه الثقافة ونماها علم النفس وعلم الاجتماع.

وبعد ذلك وقف الدكتور صلاح الدين يقدم الدكتور عوض فعبر عن إشفاقه عليه لوقوعه بين الأديبين الكبيرين المؤيدين، وقال أنه يذكر العبارة المأثورة عن المجمع اللغوي (شاطر ومشطور وبينهما طازج) وكان جديراً بصلاح الدين بك أن يذكر أن هذه العبارة مما تندرت به بعض المجلات الهزلية على المجمع وليست مأثورة عنه.

وقف الدكتور عوض فقال: يظهر أن منظمي المناظرة بحثوا عمن يستطيع أن يقف معارضاً أمام هذين الفطحلين فلم يجدوا كبشاً غيري فقدموني فداء. . . وإذا كان (السندوتش) شاطرا ومشطورا بينهما طازج فإن بينهما الآن قطعة من الجبن ثم دخل في موضوع المناظرة فرد على بعض النقط، قال: إن المتحدث الأول أتى بالشعر في الآخر مع أن الشعر له المكان الأول في الأدب العربي، وأشاد بشعر شوقي وأشار إلى بعض القصائد مما لم يقل أحد مثله من بعده، وحبذ التزام الوزن والقافية، ومما قاله أن أدبنا الحديث أخذ ينمو منذ عصر إسماعيل ثم وقف في العصر الحاضر. وأخيراً قال: إن المقال شيء قصير ليس فيه مجال للطاقة الأدبية، وهو مع ذلك لم يتقدم، اذكروا كاتباً ممن تقرؤون لهم الآن وتعجبون بهم: هل هذا الكاتب من إنتاج الزمن الماضي أو الحاضر، فالعبرة بالمنتجين لا بالإنتاج.

وهذه تأتي مناظرة في هذا الموسم أرى فيها الدكتور عوض بك في الجانب الضعيف مضحيا بنفسه. . . وقد يستحق الثناء على هذه (التضحية) ولكني ألاحظ أنه لا يبذل مجهوداً يذكر في تقوية هذا الجانب، بل هو يزيده ضعفاً بالتفكه والدعابة في غير صالح جانبه، فيبدو ظريفاً كما يبدو موضوعه ضعيفا. وأظن أن مما يحفظ التوازن في المناظرات أن يتوخي في اختيار المعارض أن يكون لديه باعث المحامي الذي يحرص على أن يظهر كفايته في القضية التي يتصدى للدفاع فيها عن جانب يحتاج إلى مجهود.

ثم نهض الدكتور طه حسين بك، وكان يبدو متعبا، وكان هذا طبيعياً لعنائه فيما لا بس ابتداء عهد الوزارة في ذلك اليوم، ولكنه مع ذلك تحدث حديثاً طيباً ممتعاً كعادته، قال إن وجود عوض نفسه ينقض ما قاله، لأنه حديث وليس ممن أنضجهم العصر الأول، فهل هو ينكر نفسه؟ إذا كان يفعل فنحن لا نوافق لأننا نقر له ما يعجبنا؛ وقد مضى الوقت الذي كان يؤرخ بالحوادث والمهمات وإن شوقي بعد عودته من أسبانيا واستلهامه صور جديدة جعل الشعر العربي لغة للتمثيل، وهذا من ثمرات ربع القرن الأخير. إننا نجد في هذه الفترة جديداً لم يكن، نجد تيمور وتوفيق الحكيم، ونجد كثيراً من الأدباء المعاصرين الذين يشغلون حياتنا الأدبية وهم من إنتاج الفترة الأخيرة. وقد نضجنا حقاً كما قال الدكتور أحمد أمين وتطورت أنواع إنتاجنا. كانت حياتنا محدودة الآفاق مفقودة الحرية. ولا أقصد الحرية الخارجية عن الإرادة من ضغط ورقابة وتقييد، بل أقصد حرية العقل حين تتسع آفاقه فلا يخشى من نفسه حين يفكر فيما يريد وقد شذ عن مقتضيات البيئة أمثال البارودي وشوقي وحافظ

ثم قال الدكتور طه: هذا كله شيء والرضا عن الأدب الحالي شيء آخر، فالحياة الأدبية أخص ما يميزها أنها لا ترضى عن نفسها وليس أخطر على الأدب والفن من الرضا، فإذا نظرنا إلى الآماد

التي أمامنا لا ترضى عن أدبنا، ولكني أرضى لأننا في الطريق وإن كنت لا أقنع بالأدب الحاضر.

التقدم في الفنون الجميلة:

وكانت مناظرة هذا الأسبوع بالقاعة الشرقية أيضاً موضوعها (ما حققته مصر من التقدم في الفنون الجميلة) واشترك فيها محمد حسن بك وسليمان نجيب بك والدكتور محمود الحفني والأستاذ عبد الرحمن صدقي. ولم تكن مناظرة بالمعنى المعروف بل كانت حديثاً موزعاً، إذ اختص كل منهم بالكلام على التقدم في ناحية من نواحي الفنون الجميلة. فتكلم محمد حسن بك عن التصوير والنحت، قال إن مصر أحرزت تقدماً محسوساً في ربع القرن الماضي في هذه الناحية، فلم يكن يهتم بها إلا القليل، وكانت مادة الرسم ثانوية في برامج التعليم فأصبحت أساسية، وصار في المعارض داخل البلاد وخارجها، وسما الإحساس الفني لدى الجمهور فاقبل على ارتياد المعارض الفنية، وأشار إلى المناصب الفنية، التي كان يشغلها الأجانب كالعمداء والأستاذ فاصبح هؤلاء مصريين.

وتحدث سليمان نجيب بك عن التمثيل والسينما أو كان المفروض أن يتحدث عنهما، ولكنه شغل الوقت بالحديث عن التمثيل في عهده الأول أيام الشيخ سلامه حجازي وجورج أبيض حتى وصل إلى مسرح رمسيس ونجيب الريحاني، وكل ما قاله عن التمثيل في ربع القرن الأخير أنه تقدم في فن الإخراج.

وتناول الدكتور الحفني الموسيقى فقارن بين حاليها في ربع

القرن الأخير وما قبله، فقال أنه لك يكن هناك فن موسيقي

يختص به موسيقيون محترمون، فكنت تقرأ على دكا في

شارع محمد علي (دخاخني وموسيقى) وعلى دكان آخر

ببولاق (فطاطرى وعواد) وكان أكثر الموسيقيين متشكعين،

ولم يشذ إلا بعض الأفذاذ. وكانت الموسيقى تذكر مقرونة

باللهو والفساد فأين أمس من اليوم؟ لقد صار بالبلاد معاهد ومدارس خصصت للموسيقى ودراسة علومها وفنونها وآلات

عزفها، واعترفت الدولة بمكانة الموسيقى، وأصبحت من مواد

الدراسة في مختلف المدارس، وصار لها مراقبة عامة في

وزارة المعارف، وتعددت المصنفات والمجلات الموسيقية،

وبين الدكتور الحفني آثار الأفلام والتسجيل الصوتي والإذاعة

في نشر الموسيقى وتيسيرها لكافة الناس.

ثم جاء دور الأستاذ عبد الرحمن صدقي فقال أنه يتكلم على الفنون باعتباره فرداً من الجمهور يقول كلمته في مواجهة أصحاب الفنون. وانصبت فكرته على أن تقدم الفنون في الكم أكثر من الكيف، وذلك أنه لا يوجد في هذه الفترة أستاذة في الفنون لهم خصائص بارزة كما كان في العهد الماضي، وأن ذلك يرجع إلى أن الفنانين يتجهون إلى الجمهور بحكم انتشار الروح الديمقراطي، فلا نراهم يحرصون على الإتقان الفني المثالي بمقدار ما يحرصون على إرضاء أذواق الجماهير. ولا علاج لهذه الحال إلا بما يرجى من تقدم التعليم وانتشار الثقافة حتى يرتفع المستوى الذوقي لدى الجمهور.

وفيما عدا كلمة الأستاذ عبد الرحمن صدقي تجد أن حضرات المتحدثين وجهوا كل همهم إلى الشكليات ولم يبينوا جوهر التقدم في الفنون، وإن كان الدكتور الحفني ألمع إلى شيء من ذلك في الموسيقى.

جمعية مصر - الباكستان:

يفكر بعض الشخصيات المصرية والباكستانية بالقاهرة في إنشاء جمعية (مصر - الباكستان) تعزيزاً وتوطيداً لروابط الأخوة بين البلدين، وتكون مركزاً لالتقاء ألوان الثقافة والتعاون العلمي بينهما، ومن الشخصيات المصرية البارزة التي رحبت بالفكرة محمد حسن العشماوي باشا وصالح حرب باشا ومحمد علي علوبة باشا والأستاذ جلال حسين. والفكرة جديرة بالترحيب ففي مصر جمعيات مماثلة شكلا كرابطة (مصر - أوربا) وكان بها في أيام الحرب الاتحاد المصري الإنجليزي. ولا شك أن أغراض هذه الجمعيات حقيقة بالاهتمام بها والاتجاه إليها، بصرف النظر عما لابس الاتحاد المصري الإنجليزي من اعتبارات لم تكن في صالح الجانب المصري.

ومهما يكن من شيء فإن الروابط بين مصر والباكستان باعتبارهما أمتين إسلاميتين كبيرتين أقوى من صلات مصر بأمم الغرب، وهذه حقيقة ثابتة في النفوس ولكنها تحتاج إلى تعهد وتنظيم، ويرجى من الجمعية المنشورة أن تكون أداة لذلك وأن تتخذ من النشاط الثقافي دعامة التوطيد والتدعيم.

ويرى أصحاب الفكرة - وهم على حق فيما يرون - أن الهيئات الرسمية مصرية وباكستانية ينبغي لها أن ترعى هذه الجمعية وتعينها على أهدافها ومن الإنصاف أن نذكر في هذا الصدد الجهود الموفقة التي تبذلها السفارة الباكستانية ومكتب صحافة الباكستان بالقاهرة في النواحي الاجتماعية والثقافية، وأقد بذلك الاجتماعات والاحتفالات التي تقيمها في المناسبات الإسلامية والتي يتجلى فيها شعور المودة ويشاد فيها بالمثل الإسلامية التي تجمع الشمل وتوحي بالتعاون لتحقيق الغايات. ويؤسفني أن اذكر تواني وزارة المعارف والأزهر في الاستجابة للرغبات الباكستانية التي تقدم بها سعاد علي بك باشا سفير مصر في باكستان إلى الحكومة المصرية، إذ كتب منذ عام تقريراً ذكر فيه إقبال الباكستانيين على تعلم اللغة العربية والثقافة الإسلامية وأنهم يعدون العربية لغة ضرورية لفهم القرآن الكريم والأحاديث النبوية وللتخاطب مع الأمم الإسلامية والعربية. واقترح في تقريره وسائل تحقيق ذلك وهي تنحصر في العون العلمي من وزارة المعارف والأزهر. وقد قضت هذه المقترحات عاماً من عمرها في الكهف. . . وأرجو ألا يطول بها السبات

عباس خضر