مجلة الرسالة/العدد 866/البريد الأدبي
مجلة الرسالة/العدد 866/البريد الأدبي
حول ترجمة قصيدة بودلير:
في مقالنا (الحب دوحة الأدب) ترجمنا كلمة وهي عنوان قصيدة بودلير - بكلمة ضميمة. ولفت الدكتور عبد الرحمن بدوي نظرنا إلى أن هذه الكلمة لا تعني هنا ما قصدنا ترجمته إلى العربية، وانما تعني التفكير أو التأمل وأشار علينا أن نترجمها بكلمة تأمل مباشرة.
وراجعت هذه الترجمة فوجدت أول الأمر أن القواميس أشارت إلى معنيين لهذه الكلمة. وهما الضم أو الجمع، والتفكير أو الانطواء على النفس في حالة التأمل. بيد أن الشاعر لم يقصد إلى المعنى القاموسي الثاني مباشرة لأنه كان يريد أن يستلهم ما في الكلمة من روح دينية صوفية. ولذلك نستطيع أن نقول إن فيها تأملا وتفكيراً واستبطاناً وتركيزاً لعمليات الدماغ ولكنها ليست شيئاً من ذلك كله على حدة.
وحينما ترجمتها بكلمة ضميمة فقد كنت أريد أن أشير بذلك إلى عملية استكناه الذات التي يقوم بها الصوفي وحالة الارتداد إلى النفس التي يكون عليها المتأمل عندما يستجمع تفكيره ويقوم باستلهام فؤاده واستشعار ذلك الإحساس الغريب بالطمأنينة والسلام الداخلي وقت التهجد. ومن أبرز خصائص هذه العملية هو استجماع المدارك وضم المشاعر ولصق كل من اليدين بالأخرى على نحو ما يفعل المصلي المبتهل.
فلم أخطئ كثيراً حينما ترجمت هذه الكلمة على ذلك النحو. وإذا شئنا دقة أكثر فإننا نستطيع أن نترجمها بكلمة (تهويمة) ففي هذه الكلمة التي اهتديت إليها بعد التفكير الطويل كثير من روح الكلمة الفرنسية كما قصد إليها بودلير. ونلاحظ بهذه المناسبة أن الكلمة نفسها بالفرنسية غير واضحة المعنى تماماً.
وعلى كل فنحن نشكر للدكتور بدوي جميل عنايته وحسن توجيهه.
عبد الفتاح الديدي
ذكرى الجارم بك
في اليوم الثامن من فبراير الماضي فاضت روح الشاعر العالم علي الجارم بك وشعره يتلى على مسمع منه رثاء للمغفور له محمود فهمي النقراشي باشا.
فنحن الآن على ميقات الذكرى من رجل أحيا تراث العربية وشدا بأمجادها، حاكى في قصيده الأولى من أهل البيان الصحيح وكان من الرعيل الأول الذين ظفر بهم مجمع فؤاد الأول للغة العربية وكان لي حظ معرفة الرجل عن كثب حين كنت في عداد موظفي المجمع، فأدركت مبلغ غيرته على العربية وثورته من أجلها إذ كان لا يطيق مبدأ الترخص في ألفاظها أو في نحوها أو في صرفها.
وكان - رحمه الله - على شدة بصره باللغة وفهمه لآدابها شديد التواضع في العلم يبحث عن المعرفة في مواطنها، ويأخذ الحكمة من كل لسان، يبدو له الرأي الخمير فيعرضه علينا نحن تلاميذه الصغار. ويناقشنا فيه ويستدرجنا إلى القول؛ حتى تتأدى له الحقيقة حرة خالصة من كل شيب!
نقول إننا على ميقات الذكرى الأولى لهذا العالم الكبير، فهل فعلنا شيئاً لتخليد ذكراه، بل هل صنعنا شيئاً حتى لا ننساه؟ جواب هذا عند المجمع اللغوي وعند الذين تهدوا بهدي الجارم وتأدبوا بأدبه.
ولقد كنت منذ أيام أزور مدينة رشيد مسقط رأس الشاعر العظيم، فإذا هي كابية حزينة ذهب رواؤها القديم وعفى الزمان على تليدها وطارفها وبقيت بلدة تعيش على هامش الحياة. وسألت طائفة من المثقفين من أهل رشيد: أما زلتم تذكرون الجارم الذي خلد اسم مدينتكم في شعره وتحدث عن نخيلها وبحرها ونيلها. فقالوا لم نعد نذكر من أمجاد رشيد سوى اسم الجارم، وليس لنا من العزاء إلا أن رشيداً ذكرت في شعر الجارم بعد أن ذوت وأهملت إهمالاً لم تنحط إليه مدينة من مدائن مصر جميعاً.
وقيل لي إن طائفة من أعيان المدينة اقترحوا أن يسمى شارع (السوق) باسم (علي بك جارم) فأهمل مقترحهم. ولعل مرد ذلك أن أهل العلم والأدب أمست بضاعتهم مزجاة لا تستحق الخلود ولا تصبر على أحداث الزمان؟
كتاب الدرة لابن البيطار
أخرج الأستاذ محمد بعد الله الغزالي أمين مكتبة منطقة الإسكندرية التعليمية كتاب (الدرة البهية، في منافع الأبدان الإنسانية) لمؤلفه ضياء الدين أبي محمد عبد الله بن البيطار المالقي الأندلسي المتوفى سنة 646 من الهجرة.
وقد عثر الأستاذ الغزالي على النسخة الخطية لهذا الكتاب النفيس يوم أن كان مدرساً في الحرم الملكي بالحجاز، فنشر منذ عشر سنوات موجزاً لها باسم (مفردات ابن البيطار) أقبل عليه الأطباء المحدثون وأدخلوا كثيراً من أعشابه في (تركيباتهم) الأمر الذي حذا بالناشر على التوفر على النسخة الأصلية مرة أخرى فطبعها كاملة، وأردفها بالمصطلحات الطبية في اللغة اللاتينية. ثم عقب على (الدرة) بتعليقات قيمة عن تجاربيه وتجارب الأطباء لأنواع النبات التي ذكرها ابن البيطار، وخلص من ذلك إلى نصائح جمة أزجاها إلى الشباب لحفظ أبدانهم من التلف.
وقد ذكر لنا أكثر من طبيب من فضلاء الأطباء الإفرنج أنهم استفادوا كما استفاد مرضاهم من كتاب ابن البيطار، ولا مشاحة في أن الأستاذ الغزالي بذل جهداً يستحق عليه الثناء
الرمل
منصور جاب الله