مجلة الرسالة/العدد 877/يا حياتي!

مجلة الرسالة/العدد 877/يا حياتي!

ملاحظات: بتاريخ: 24 - 04 - 1950



للأستاذ إبراهيم محمد نجا

ألا يا حياتي مللت الشبابا ... فهلا طويت الشباب اقتضابا

وعفت خداع الأماني الكذاب ... فردي إليك الأماني الكذابا

وهاتي المشيب، لعلي به ... أبدد من عالمي الاضطرابا

فيقمر نفسي هدوء رحيب ... وينساب في خلجاتي انسيابا

ويذهب عني نزوع عجيب ... إلى كل سر دعاني وغابا

وشوق إلى عالم ذي حجاب ... أريد لأكشف عنه الحجابا

حلمت به في ليالي السهاد ... رؤى باهرات، وفنا وعجابا

فلما انتبهت، وبي نشوة ... من الحلم، طابت لقلبي وطابا

وأبت إلى عالم عفته ... تمنيت أني عدمت الإيابا

وحب ظمئت إلى وردة ... ليسقني، فسقاني السرابا!

وسر طواني، ولم أطوه ... وعذبني، فاحتملت العذابا

شربت المرارة من كأسه ... فيا للمرارة صارت شرابا!

وسرت به في رحاب الحياة ... غريبا، فضاقت حياتي رحابا

ويحرق روحي لظى عاتيا ... ويمتد في أفق عمري ضبابا

أحدث نفسي به خاليا ... أكتمه حين ألقي الصحابا

رماني به قدر صارم ... فيا ليته إذ رمى ما أصابا

وكنت ولي رغبة في الحياة ... فلما رماني. . . ثكلت الرغابا!

وكانت لقلبي مني حلوة ... فذابت دموعا بقلبي، وذابا

وها أنذا قد ألفت البكاء ... فأرسلت قلبي دمعا مذابا

بكيت حياتي وغنيتها ... وبعض الغناء يكون انتحابا

وكل يترجم عما به ... ويكشف عما لديه النقابا

ولو كنت أملك سر الغناء ... لأرسلته نغما مستطابا

ولكنما ملكتني الشجون ... فأرسلنني شجنا واكتئاب نصيبي الذي أطلقته الحياة ... فحوم في أفق عمري غرابا

زرعت بعمري ورود المنى ... فلما جنيت. . . جنيت اليبابا!

وأسأل نفسي السؤال الرهيب ... وإني لأعرف عنه الجوابا

أقول لها: كيف أجني العقاب ... ولم أجن ذنبا، وما قلت عابا؟

لعلك أذنبت في عالم ... بعيد، فهلا احتملت العقابا؟

إذن سوف أحمل ما تكرهين ... وأرضي بما تفكرين. . . احتسابا

وأجعل عمري أسى كله ... وأملؤه وحشة واغترابا

وأنثر في الأرض زهر المنى ... فأشعر أني نثرت الشبابا

وأجني من العمر شوك الضنى ... كأني زرعت بعمري الصعابا

وأمضي بلا رغبة في الحياة ... أرود الوهاد، وأطوي الهضابا

على الشوك أمشي ولا أشتكي ... وفوق الرمال تشع التهابا!

لعلي أرى الموت مستعلنا ... بقربي، فأزداد منه اقترابا

أناديه: حتى متى الارتقاب؟ ... أما ضاع فيك الشباب ارتقابا؟

طلبتك إذ عذبتني الحياة ... فحسبي عذابا، وحسبي طلابا

حياتي قشور، وأنت اللباب ... ويا موت إني أريد اللبابا

فأسمع صوتا كرجع الصدى ... يقول - وما قال إلا صوابا: -

لقد آن يا موت أن يستريح ... وفي دينه، واقتضينا الحسابا

وكل إلى أصله صائر ... فقل (التراب): ستغدو ترابا

إبراهيم محمد نجا

  • * * نقص * * *