مجلة الرسالة/العدد 879/الأدب والفن في أسبوع
مجلة الرسالة/العدد 879/الأدب والفن في أسبوع
للأستاذ عباس خضر
معركة القزويني في الأزهر:
هي معركة طريفة بين أستاذين من أساتذة كليه اللغة العربية بالجامع الأزهر، هما الشيخ عبد المتعال الصعيدي والشيخ محمد عبد المنعم خفاجي، وتدور رحا المعركة على كتاب (الإيضاح) في علوم للخطيب القزويني. وذلك أن للأستاذ الصعيدي شرحاً لهذا الكتاب بتداوله الطلاب منذ سنين، فجاء الأستاذ خفاجي ووضع له شرحاً آخر أخذ طريقه أيضاً إلى أيدي الطلاب، فأصدر الشارح الأول كتاباً اسمه (تنوير الطلاب) نقد فيه مسلك الشارح الثاني في وإخراج الكتاب تعليقاته عليه، وقال: أنه عنى بنقل عبارات الحواشي ومما حكاتها اللفظية بأسلوبها الذي لا يليق بعصرنا. . فهب الشارح الثاني يدفع الغرة بمثلها، فأصدر نشرات تحمل عناوين مثل (بيني وبين الناقد العالمي البروفسير الأستاذ الصعيدي) و (بيني وبين زعيم المجددين في البلاغة) وقد ذهب في هذه النشرات إلى أن الأستاذ الصعيدي خشي من منافسة شرحه الذي كان الميدان خالياً له من قبل. ومما قاله: (والطريف حقاً أن ناقدنا الكبير يرى أن الإيضاح ملك له وأنه كان حجراً محجوراً على سواه أن يتناوله بالشرح والتعليق، لأن عمل الناقد فيه معجزة الأجيال ولأنه قد فرضه على الطلاب المساكين فرضاً وحمله إليهم حقيقته صباح مساء)
وتعودات النشرات والحملات بين الأستاذين الحليلين، بعضها في التجريح الشخصي، وبعضها في مسائل (العلم) من نحو إستاد ليت من الشواهد إلى غير قائله أو تحريف فيه أو توجيه لقول (المنصف) ومما اختلفا عليه: هل مقدمة (الإيضاح) مقدمة كتاب أو مقدمة علم! وكم في ذلك من نظر!
ويقول الأستاذ الصعيدي: (ويا ويل الأزهر في عصر الذرة إذا علم الناس أنه لا يزال يبحث في متعلقات الفعل، آلامها مكسورة أم مفتوحة) فماذا يقول الناس إذن إذا علموا أن أساتذة الأزهر - في عصر الذرة - لا يزالون يستنفدون جهودهم في العراك على إيضاح القزويني؟ وليت الأستاذين الفاضلين بذلاً هذه الجهود في تأليف بلاغة أخرى غير بلاغة الإيضاح، تجدي على الطلاب في تنمية ملكاتهم الأدبي على البحوث التي يحويها الإيضاح وأمثاله مماحكات لفظية وأنها لا تليق بعصر الذرة، فلم إذن يشغل نعسه بشرحها والتعليق عليها والعراك من أجلها؟
والعجيب أن يضيع الأستاذ ذلك وله نشاط معروف في الكتابة والتأليف؛ ولكن يظهر أن المؤولين عن مناهج الدراسة في الأزهر هم المسئولون عن ذلك، فإن التمسك بتلك الكتب جعل الأساتذة - حتى المنتج منهم - يدورون حولها ثم يتنازعون عليها، وكان الأولى أن تصرف هذه الجهود في العمل المنشود لإحياء التأليف الملائم للعصر بالأزهر.
ويبدو لي أن تلك المعركة لا يفضها إلا أحد أمرين، الأول أن تلغى دراسة الإيضاح من الكلية، فيرفع (اللحاف) من بين المتنازعين عليه، وبهذا تخلص العقول الجديدة من تنافره وتعقيده. الأمر الثاني أن تبلغ مجلتنا (الرسالة) إلى (قزوين) حيث يعلم بالأمر أحد أحفاد الخطيب القزويني. . فيطالب بحقه في (الإيضاح) الذي ألفه جده الكبير. . .
شكوى شاعرين من (الشاعر)
شكا إلى شاعران من مجلة (الشاعر) التي يصدرها الزميل الكريم الأستاذ محمد مصطفى المنفلوطي، وهما الشاعر العراقي الأستاذ إبراهيم الوائلي والشاعر السوداني أبو القاسم عثمان. يقول الأول: (جاءني ذات يوم صديق شاعر وطلب مني أن أسهم في عدد خاص من مجلة اسمها (الشاعر) وقال لي: إن العدد الخاص سيكون عن الربيع، فاستجبت لرغبة الصديق بقطعة عنوانها (ربيع النيل). وجاءني العدد الخاص فإذا القصيدة قد حذف أجمل ما فيها، فتمزقت وحدتها. وقال لي صاحبي: إن صاحب المجلة فعل ذلك لأن الصفحة الذي خصص للقصيدة لم يتسع لها، فكان الحذف والبتر)
ويشكو الثاني نفس الشكوى فيقول: إن قصيدته كانت ثلاثين بيتاً أسقط منها أربعة، لأن الصفحة لم تتسع لأكثر من ست وعشرين، ويقول: (ولما لم يكن هناك عذر في عدم نشر القصيدة كلها إلا ضيق المقام فإن ذلك عجيب من مجلة تحمل أسم (الشاعر) ذلك الاسم العظيم الذي لا يعرف الحدود ولا القيود)
وظاهر من كلام الصديقين الشاعرين أن المجلة عمدت إلى ذلك التصرف محافظة على نظام الصفحات. . ولاشك أن وقوع ذلك من مجلة خاصة بالشعر غريب، فإن أعز ما يتمسك به الشاعر العصري هو تسلسل معانيه وارتباطها، وإذا اقتضى بعض التنظيم الصحفي تحيف الموضوعات لتظهر الصفحات على نسق معين، فإن ذلك لا ينبغي أ، يكون في المجلات الأدبية التي يراعي فيها الموضوع قبل الشكل ولا أخال الأستاذ المنفلوطي - وهو الشاعر صاحب (الشاعر) - إلا ملاقياً عتاب زميليه الشاعرين وتعقيبناً بقبول حسن.
على أنني مع ذلك لا أخفي شمتي بالشاعرين فيما جرى لشعرهما الذي قالاه في هذا الربيع لزعوم في مصر. ولو لم تكن قصيدة الوائلي عنوانها (ربيع النيل) لفهمت أنه يعبر عن إحساسه بجمال الربيع في العراق؛ أما أبو القاسم فلا أدري أين شاهد الربيع، وليس في السودان ربيع غير الشتاء الدافئ، فهناك الآن الحر اللافح، كما أن هنا الآن في مصر تقلب الجو الذي حيرنا بين التخفيف والتثقيل، ونالنا من شره قذي في العيون وبرد في الأجسام مختلف الألوان. وعلى رغم كل ذلك لا يزال إخواننا الشعراء في مصر مصرين على التغني بالربيع!
المسرح المدرسي:
أتيح لي في هذا العام أن أكون على مقربة من النشاط المسرحي في المدارس الثانوية بالقاهرة، وأن أشهد الحفلات التي أقيمت لنيل كأس وزارة المعارف في المباراة المسرحية. وقد رأيت فرق المدارس تبذل غاية وسعها في هذا السبيل، كما لمست الجهد البارز الذي تبذله مراقبة المسرح في الإشراف على هذا النشاط وتوجيهه، وهو جهد مثمر ولكنه محدود وقليل الوسائل.
وقد اختير للمباراة في هذا العام مسرحية (عزة بنت الخليفة) للمرحوم إبراهيم بك رمزي، وهي رواية تاريخية تقع حادثتها بمصر في عهد الخليفة الحافظ الفاطميين، ولا يقصد منها وقائع ولا حقائق تاريخية وإنما هي قصة تحليلية إنسانية تدور حول عزة بنت الخليفة التي فقدت بصرها وهي صغيرة، ويحبها أمير من الشام إذ يرى جمالها ونبالة نفسها، ولا يغض من حبه أن يعلم أنها ضريرة، وفي القصة أيضاً عاطفة الأب الذي يحنو على ابنته ويبتئس لفقد بصرها ويعمل جاهداً على إرجاعه إلى عينيها. وقد لاحظت أن الطلبة لم يبلغوا الشأو المطلوب في المسرحية لأنه يحتاج إلى أكثر من شباب يتمرن، كما لاحظت أنهم - على وجه العموم - لا يجيدون في الروايات التاريخية مثلما يجيدون في الروايات العصرية، فقد قدمت الفرق المدرسية إلى جانب تلك الرواية مسرحيات أخرى مختلفة. وذلك يرجع فيما أرى إلى ضعف التحصيل التاريخي مما يصعب عليهم معه الاندماج في بيئة الرواية ويرجع كذلك إلى ضعفهم أيضاً في النطق العربي وقلة مرانهم على الإلقاء الفصيح.
وكثير من نظار المدارس يتخذون من هذه الحفلات مجالاً للإعلان عن أنفسهم، فيزحمون البرنامج بالخطب، فإما أن يخطب الناظر معدداً مفاخره. . في إدارة نواحي النشاط بالمدرسة! وقد عمدت إحدى المدارس إلى (إخراج فلم) يصور الناظر يستعرض (الطوابير) أو يتفقد المطعم ويفحص (الحلل. .) وهكذا نرى عين عزته على كل شئ في المدرسة. . . كما قال المدرس الذي كان يصاحب العرض بصوته.
ومهما يكن من شئ فهناك حقيقة مهمة، وهي التربية المسرحية الفنية في بيئات المدارس، وهي الغاية التي يتجه إليها الأستاذ زكي طليمات مراقب المسرح في وزارة المعارف، فإننا نجد الطلبة مقبلين على هذا الفن بشوق ونشاط، سواء في ذلك المشتركون في التمثيل والمشاهدون. وذلك يدل على طواعية هذا الجمهور الناشئ وصلاحيته للاستفادة من المسرح الذي هو مجمع للفنون المختلفة من أدب وتمثيل وتصوير من توجيه اجتماعي وثقافي وتربية وطنية وخلقية. ولا أحسب وزارة المعارف إلا مقتنعة بهذه الفوائد، وخاصة في عهد وزيرها الحالي الأديب الفنان. ولكن يبقى بعد ذلك أن نلاحظ أن ما تبذله من العناية في هذا السبيل لا يساوي ولا يداني ما ينشد من غايته، وهو لذلك يقصر دونها، فقد رأينا الفرق المدرسية يعوزها المدربون الفنيون الأكفاء، وهذا العدد القليل من خريجي معهد التمثيل لا يكفي، على أنهم يعاملون بالمكافأة المادية القليلة، وهم يعملون على هامش النظام المدرسي، فليسوا موظفين دائمين، بل تصرف لهم المدرسة مكافآتهم الزهيدة من مال النشاط المدرسي. فمالها الدولة لهؤلاء الشبان الفنيين جزء من عدم عنايتها بالمسرح على وجه العموم. على أن كل ذلك المجهود المحدود قليل الوسائل إنما هو في مدارس القاهرة، أما بقية مدارس القطر فإن الإشراف الفني على النشاط المسرحي يكاد يكون معدوماً فيها وهذه الظاهرة المسرحية المدرسية توازي الظاهرة المسرحية العامة فليس في مصر فرق تمثيلية يعتد بها غير القاهرة.
إنني أعتقد أ، وزارة المعارف هي التي تستطيع أن تغذي أو تبعث النهضة المسرحية في هذه البلاد، وذلك بتربية الجيل الناشئ على تذوق الفن المسرحي وحبه، وبإعداد المشتغلين بالفن من الشباب المتعلمين، ولكنا نراها مع الأسف تسير في ذلك سير السلحفات، والمظهر الجدي الوحيد لاهتمام الوزير بالتمثيل هو معهد التمثيل العالي. أما مراقبة المسرح فهي مدمجة في إدارة عامة أنشئت حديثاً اسمها إدارة النشاط الاجتماعي والرياضي، فكأن الوزارة بهذا الوضع تعتبر فن التمثيل أحد أنواع هذا النشاط الذي لم نر منه إلى الآن إلا رحلة في الصيف إلى الإسكندرية ورحلة في الشتاء إلى الأقصر. . . وهذه الإدارة جديدة لا يزال موظفوها يكتبون المذكرات ويضمون الخطط، ونحن نرجو لها التوفيق في خدمة الشباب، ولكن هذا كله غير فن التمثيل الذي توضحت معالمه وأرسى القائمون به قواعده.
عباس خضر