مجلة الرسالة/العدد 88/من هنا ومن هناك
مجلة الرسالة/العدد 88/من هنا ومن هناك
العلم والسياسة
كثر حديث الصحف البلجيكية والفرنسية أخيراً عن نظريات العلامة الاقتصادي البلجيكي هنري دي مان؛ ويعتبر هذا العلامة من أقطاب الاقتصاد السياسي في العالم، وكان إلى ما قبل عامين يتولى تدريس الاقتصاد السياسي في بعض الجامعات الألمانية، ولكنه عزل منذ قيام الحكومة الهتلرية؛ فعاد إلى وطنه يبشر بنظرية جديدة في السياسة؛ خلاصة رأي دي مان أن السياسة الدولية الحاضرة تقوم على الاقتصاد، وأن الأزمة الاقتصادية هي في الواقع أساس كل الانقلابات السياسية العنيفة التي وقعت في العهد الأخير؛ ولم يكن قيام الفاشستية في إيطاليا، وقيام الهتلرية في ألمانيا إلا من أثر الأزمة الاقتصادية؛ وليس هناك وسيلة لحماية النظم الديموقراطية ومقاومة الطغيان أفضل من ترقية الاقتصاد القومي ومقاومة الأزمات الاقتصادية. ولنظريات هنري مان أثر كبير في بلجيكا، وله نفوذ عظيم في الأوساط الاشتراكية والديموقراطية
جوكي يصبح شاعراً
أزيح الستار في وستمنستر مؤخراً بحضور الدوق أوف يورك عن النصب التذكاري الذي أقيم تخليداً لذكرى لندساي جوردن شاعر استراليا القومي
وقد أسهبت الصحف والمجلات بهذه المناسبة في الكلام عن حياة هذا الشاعر، الذي أسندت إليه أمارة الشعر في أوستراليا بعد موته وبعد حياة عجيبة حافلة بالمغامرات
ولد لندساي في سنة 1833 والتحق في شبابه بالمدرسة الحربية في (ودلريتش) وهناك عرف شارلوس غوردون الذي عرف فيما بعد باسم غوردون باشا
وأغرم لندساي بالألعاب الرياضية، وامتاز في مباريات الملاكمة والسباق وركوب الخيل، وعندما بلغ التاسعة عشرة من عمره ركب أحد جياد السباق واشترك به في إحدى المباريات على الرغم من أنف صاحب الجواد، وفاز بالجائزة الأولى، ولكن صاحب الجواد كان قد أبلغ الشرطة فألقى البوليس القبض عليه وكانت المدرسة الحربية قد ردته، وضاق أبوه به ذراعاً، فرحل إلى أوستراليا؛ ومع أنه كان مزوداً بخطاب توصية إلى حاكم أوستراليا الجنوبية إلا أنه لم يستغل هذا الخطاب، وانضم إلى فرقة البوليس الراكب؛ ول حدث في أحد الأيام أن طلب إليه ضابطه أن ينظف حذاءه، فغضب لندساي واعتقد أنه أهين فترك خدمة البوليس واشتغل (جوكياً) واشترك في كثير من المباريات، وسقط عن ظهر جواده مراراً وأصيب برضوض أقعدته عن العمل مدة
وفي سنة 1864 توفي أبوه، فورث عنه بضعة آلاف من الجنيهات. وتزوج بابنة فندقي كانت قد عنيت به في مرضه
وفي هذه الأثناء اشتغل لندساي بقرض الشعر، ونشر ديوانه في سنة 1867، ولكن الديوان لم يلق رواجاً، ولم يبع منه أكثر من مائة نسخة، فغضب لندساي على الشعر كما غضب قبلاً على خدمة البوليس
وفي سنة 1870 كان لندساي يعاني أزمة شديدة، لأن المرض أقعده عن ركوب الجياد، وماتت ابنته الوحيدة وضاقت الدنيا في وجهه. فقصد إلى غاب قريب، وهناك أطلق الرصاص على نفسه فمات منتحراً وهو لا يزال في السابعة والثلاثين من عمره. ولم يشترك في تشيع جنازته غير بضعة أفراد
ولم تكد جثته توارى في التراب حتى شرع بعض الأدباء في استعراض قصائده. وما لبثت أوستراليا أن وجدت فيه شاعرها القومي. ولا يوجد الآن تلميذ في مدارس أوستراليا لا يحفظ عن ظهر قلبه قصيدته المشهورة (الفارس المريض)
(الجريدة السورية اللبنانية)
ذكرى علامة ألماني
احتفل المعهد العلمي الألماني أخيراً بذكرى العلامة المخترع فرتز هابر الذي توفي منذ نحو عام في برلين، ودفن في صمت مطبق. ولهذا الاحتفال الذي يقيمه اعظم معهد علمي في ألمانيا، يجمع أقطاب العلم الألماني كله، مغزى مدهش. ذلك أن فرتز هابر يهودي تنكره ألمانيا الهتلريه، وتنكر كل جنسه، ولكن فرتز هابر هو أيضا اعظم كيماوي ومخترع ألماني ظهر في العصر الأخير، وهو الذي اخترع (غاز) الحرب الخانق، أمد ألمانيا خلال الحرب بأعظم سلاح استطاعت أن تصمد به لخصومها أعواماً، وقد لبث هابر عميد المباحث الكيماوية الألمانية حتى قام الطغيان الهتلري في ألمانيا، ونظمت مطاردة اليهود المعروفة، فاعتكف العلامة الشيخ في شبه اعتقال، وتوفي بعيداً عن كل تكريم وضجة، ولكن ألمانيا الهتلرية تحاول اليوم أن تعيد صرح العسكرية البروسية القديمة، وهي لا ترى اليوم بأساً من أن تكرم ذكرى قطب من أقطاب الاختراعات الحربية، ولا بأس أن يجمتع أكابر العلماء الألمان برغم النظريات الجنسية لتكريم زميلهم وعميدهم الراحل الذي استطاع أن يستخرج (الآزوت) من الهواء، وأن يخترع (غاز) الحرب، وكذلك أقنعة النجاة الواقية من الغاز؛ وخطب عدة من أكابر العلماء بينهم بعض الرجال الرسميين في تمجيد ذكرى العلامة الراحل وذكرى وطنيته ونبوغه؛ وأكد العلامة بلانك والكولونل كيرث أن فرتز هابر يستحق لقب (العالم المجهول) وأنه لولا اختراعاته لما استطاعت ألمانيا أن تتابع الحرب منذ سنة 1915، وذكر الخطباء كيف وفق هابر إلى اختراع (الغاز) في أبريل سنة 1915 وأشرف بنفسه على أول هجوم استعمل فيه الغاز في منطقة (ايبر)؛ وأنه لو تقتصد ألمانيا في حرب (الغاز) لكان ظفرها في الحرب مرجحاً
ومع أن السلطات الرسمية صرحت بإقامة هذا الاحتفال، فإنها حظرت على الصحف أن تنشر عنه شيئاً؛ ولم يعرف إلا مما نشرته الصحف الأجنبية لمراسليها
وهكذا تعيش ألمانيا النازية في غمر من المتناقضات!
بعثة أثرية في الهند تعثر على اكتشاف غريب
عثرت بعثة أثرية إنجليزية في الهند على آثار قديمة يرجع عهدها إلى خمسة آلاف سنة. وقد تضاربت الآراء في هذه الاكتشافات الغربية التي وجدها هؤلاء إذ أنها تتألف من تماثيل متباينة الأشكال والأوصاف
فقد وجد رجال البعثة فيما وجوده قاعتين كبيرتين تحت سطح الأرض امتلأت الأولى بهياكل شبان طوال القامة، والثانية بهياكل متلاصقة الأجسام من رجال ونساء. فحار المكتشفون في هذه الهياكل وظلوا ينقبون ويعلمون حتى عثروا على لوحات كتبها المؤرخون القدماء أماطت اللثام عن سر الغرفتين الذي يعد في التاريخ أبرز حادث للتبذل والقساوة
وهذه اللوحات تشير إلى كاهنة شابة تدعى (لبيسوبامو) كانت تتمتع بنفوذ الملوك والملكات. وهذه الكاهنة كانت محبوبة من الشعب ومقدسة منه ولكن حدث لسوء الحظ أنها أحبت شاباً من عامة الشعب فحنق أخوها على هذا الشاب وقتله. وغضبت الكاهنة وتبدلت أخلاقها واستحالت من فتاة محتشمة إلى امرأة متبذلة؛ وصارحت أخاها الذي قتل عشيقها الأول دفاعاً عن عرضها بأنها ستقدم نفسها إلى كل عابر، وأنها ستحب الرجال جميعاً وتنتقم منهم جميعاً
ومضت الكاهنة في حياة التبذل حتى أصبحت فضائحها حديث الناس. وعندئذ خطر لها أن تلتمس الحصانة بإيهام الناس أنها ارتفعت إلى مصاف الآلهة. ونجحت في ذلك، ولم تذكر لنا اللوحات كيف نجحت
ضمت الكاهنة إليها عدداً كبيراً من أجمل البنات أطلقت عليهن اسم (حاشية العذارى) واشترطت عليهن أن يحذين حذوها في التغرير بالرجال والتنكيل بهم، وتوعدت بالموت كل فتاة تحب رجلاً وتخلص له
وهكذا كانت الفتيات يرتدين الغلائل الرقيقة التي تكشف عن تقاطيعهن الجميلة وينطلقن في شوارع المدينة ليلاً لاصطياد الفتيان، ثم يعدن بهم إلى القصر حيث يقضي الجميع الليل كله في التبذل واحتساء الخمر وتعاطي الأفيون حتى إذا أقبل الفجر وضعت كل فتاة في كاس فتاها قطرة من سم عجيب لا تذكر بجانبه سموم يورجيا ودي مدسيس، وبعدئذ يأتي العبيد فيحملون الرجال إلى غرفة خاصة يقضون فيها نحبهم قبل أن يفيقوا من نشوة الخمر
وكان يتفق في بعض الأحيان أن تحب الفتاة أحد أولئك الرجال فتؤثر أن تموت معه، وتضع السم في كأسها وكأسه، فيحمل العبيد الاثنين إلى الغرفة الثانية الخاصة بالعاشقين
ولم تذكر اللوحات التي عثر عليها رجال البعثة كيف كانت خاتمة تلك الكاهنة المتألمة المبتذلة
(الأرز)