مجلة الرسالة/العدد 884/رسالة الشعر
مجلة الرسالة/العدد 884/رسالة الشعر
التخنث
للمغفور له الأستاذ مصطفى صادق الرافعي
وهذه قصيدة أخري لنابغة الأدب السيد مصطفى صادق
الرافعي رحمه الله لم تنشر في ديوانه نتحف بها قارئ الرسالة
الغراء.
أبو ريه
أفي الشبان قد مسخ الشباب ... أم الدنيا اعتراها الانقلاب
غصون في رياض العلم تنمو ... وتثمر بعد ذلك بما يعاب
فلا يغرنك شكل العود وانظر ... فإن لناره صنع الثقاب
أمما علموا أن يستكينوا ... لدهرهم ودهرهم غلاب
أمما علموا أن يستميتوا ... على كسل ودنيانا اكتساب
أمما علموا أن يستهينوا ... بما قد أخطئوا وبما أصابوا
لنا دين يقوم به كتاب ... وغيهم كل ذي رأي كتاب
وقد جمعوا العلوم وقد أجيزوا ... وقد زاروا مواطنها وآبوا
ومنهم من أتانا مستضيئاً ... كما يهوي ليحترق الشهاب
(شهادات) ولا عمل يزكى ... كأن حضور حاضرهم غياب
وإن خبرتهم الأعمال يوماً ... رأينا السيف تكسره الرقاب
أرى قفلاً على باب كبير ... ولكن خلفه أرض خراب
فما علم الحساب وهم قعود ... وما الوقت عندهم (حساب)
وما علم اللغات وهم بلاء ... على اللغة الكريمة بل مصاب
وما نفع اليقين بما علمنا ... وفي الآداب شك وارتياب
وأفضل من علوم المرء خلق ... تحب به الفضيلة أو تهاب بأي معلم في الطير هذا ... حمام يستمر وذا غراب
بنفسك لا يعلمك أنت منا ... وأنت لنا ثواب أو عقاب
ألا إن الشراب له إناء ... فإن دنسته دنس الشراب
وألين ما يكون زمان قوم ... إذا احتملته أخلاق صلاب
لكان الليث أسهل ما ركبنا ... إذا لم يحمه ظفر وناب
ألا يا قوم للفتيان فينا ... وزينتهم وما حمدوا وعابوا
رأيت لبعضهم أمراً عجاباً ... وليس كمثله أمر عجاب
يسيل تخنثاً ويذوب لطفاً ... فهل في أرضنا رجل مذاب
(ولان) كأنه فينا اعتذار ... تقدمه حوادثنا الصعاب
(وهذبه) الزمان لمصر شعراً ... رقيقاً منه بينهما عتاب
على خديه للمرآة نور ... فهل في الحسن بينهما انتساب
ويحملها المخنث أين يمشي ... وبين الشكل والشكل اصطحاب
ويطرح وجهه فيها سؤالاً ... ليأتيه (على الوجه) الجواب
وفيه من الذكورة نوع حسن ... يتم به أنوثتها الكعاب
ومطمحه الذي يرنو إليه ... من (العمياء) نافذة وباب. . .
وهمته الثياب فليس يمشي ... إذا ما سار بل تمشي الثياب. . .
ملونة مصبغة لوجه ... له في لونه منها اقتراب
ولا عجب فذا قمر المعالي. . . ... (تسفل) والثياب له سحاب
يسائلني أتم الزي حسناً ... وظرفاً قلت بل نقص النقاب. .
كأن بلادنا قفر فمنهم ... ومن أثوابهم فيها سراب
كأن فحار مصر عاد أنثى ... قعيدة بيتها ولها حجاب
فأسودهم. . وأحمرهم حمال ... فذا كحل لمصر وذا خضاب
وما يمشي الفتى مغروراً منهم ... لأمر في عواقبه ثواب
تراهم تابعين لكل أنثى ... وبين الشبه والشبه انجذاب. . .
إذا طلعت طلوع الصبح فيهم ... بدا من برد وجوههم ضباب ومدوا في (حلاوتها) لحاظا ... أخف طبيعة منها الذباب
وفي أفواههم لفظ خبيث ... وهل أفعى وليس لها لعاب
إذا كان التراب قذى لعيني ... فبعض القول في أذني تراب
أذى أفعال من ولدته أم ... وهل أخطي وفي بيتي الصواب
أما في هذه الدنيا أمور ... سوى الشهوات تحرزها الطلاب
أما في هذه الدنيا أسود ... كما في هذه الدنيا كلاب
أما خافوا الطبيعة في صعار ... ستورثها الطبيعة ما استعابوا
وكم طفل يعاقب عن ذويه ... ولم ينفعه أن ذويه تابوا
كما خبثت أصول واستطابت ... كذلك فروعهم خبثوا وطابوا
وأية ذئبة ولدت خرافاً ... ومن أي النعاج أتت ذئاب
رويداً يا بني مصر رويداً ... وكونوا خير من شبوا وشابوا
متى ذهب الشبان سدى أقامت ... معائبه فليس لها ذهاب
طفولتكم لمصركم ديون ... وعهد وفائها هذا الشباب
مصطفى صادق الرافعي