مجلة الرسالة/العدد 889/البريد الأدبي

مجلة الرسالة/العدد 889/البريد الأدبي

مجلة الرسالة - العدد 889
البريد الأدبي
ملاحظات: بتاريخ: 17 - 07 - 1950



ذكرى جبرائيل تقلا باشا

انطوت سبعة أعوام منذ مات المغفور له جبرائيل تقلا باشا، ومن عجب أن تطوى ذكرى هذا الرجل العظيم معه، فلا يجرى ذكره اليوم حتى على ألسنة الذين أحسن إليهم وبوأهم من الشهرة مكاناً عليا.

والحق أن تقلا باشا كان من الرعيل الأول الذين خدموا الصحافة العربية، وإذا كان قد سبقه رجال عظام من أمثال المرحومين الشيخ علي يوسف ومصطفى كامل باشا وأمين الرافعي بك، فقد كان جل اعتماد هؤلاء الأعلام على صحافة الرأي، أما الصحافة الخبرية فلم ينهض بها أحد مثل تلك النهضة التي أضطلع بها تقلا باشا.

ولقد وقفت النهضة الصحفية عند الحد الذي تركه هذا لم تتقدم خطوة واحدة، وكل الذي حصل أن القارئين لم يعودوا يعتمدون على صحيفة واحدة يطالعونها، ومن ثم لم يعد في وسع صحيفة بعينها أن تقول إنها الصحيفة الأولى. وإذا كان هذا ما عناه تقلا باشا في ثورته الصحفية فقد أحسن، فليس من مصلحة القارئ ولا مصلحة المحرر أن تستبد بهما صحيفة واحدة تلمي على الأول آراءها وتدفع في ذهن الآخر أن ليس لم مرتزق فيما سواها.

ولقد كان في وطاب الرجل مستحدثات أخر، أعجلته الحرب عنها فأرجأها حتى حين، ثم طواه الردى فماتت بموته إلى حين.

ولقد كان تقلى باشا صحفياً حتى أخمص قدميه، وكان يعرف كل شيء عن الصحافة، كما كان بصيراً بالصحفيين يكاد يحصي أسماءهم جميعاً ويحيط علماً بكل واحد منهم ويدرك مدى نشاطه أو خموله فهو قد أحاط بهذه المهنة ودرسها من كل أقطارها.

كان يعمل ساعات الليل الأخيرة، يسأل عن هذا المقال، ويبحث هذا الخبر، حتى إذا اطمأن أوى إلى فراشه قرير العين. واذكر أنني جالسته مرات فكان يقول لي: ماذا لا تكتب في موضوع كذا؟ أو لماذا تركت النقطة الفلانية في موضوع كذا؟ وهذا دليل على أن الرجل كان أديبا فوق زعامته الصحفية.

وأذكر أنه عتب عليّ إذ كنت أتناول الموضوعات الإسلامية في صحيفته بشيء من التحفظ، وأحسب أنه قال لي: إذا كنت أنا مسيحياً فإن جريدتي إسلامية.

ولعل الناحية الإنسانية أو الناحية الشخصية مغتمضة في رجل على غرار تقلا باشا لأن الناس لا يعرفون عنه سوى الناحية العامة، ولكن الإنسان إذا تبطن هذا الجانب من حياة الرجل فسوف يلقى عجباً.

وحسب الإنسان أن يدرك أنه ابتنى - وهو مسيحي - مسجداً في ضيعته بالمنوفية، وإذا قلت له في ذلك، قال إن الأجير الذي يتقي الله ويتعبد له لابد أن يخاف الله في عمله، فلا يعمل إلا بما يرضى الله.

ويحضرني الساعة أن سيدة جليلة من قريباته ماتت في الإسكندرية في مطلع عام 1940، فذهبت إليه أعزيه، ثم رأيته بعد أيام في الإسكندرية فإذا هو مشغول الذهن بأشياء لم أدر كهنها، ولكن لم يمض غير بعيد حتى عملت أن تقلا باشا ورث مالاً جليلاً من قريبته التي قضت، بيد أن شيئاً من هذا المال لم يدخل جيبه ولم يحتجزه لنفسه، وإنما فرقه بين الجمعيات الخيرية في الثغر، غير مفرق بين جنسياتها ولا بين أديانها ما دامت رسالتها - واحدة - هي رسالة الخير.

وقبل وفاته بأيام، زرته في مكتبه فإذا هو ينوء بأثقال من الهم، عرفت مظاهرها من وجهه، وغابت عني بواطنها، وإذ سألت في ذلك صفيه وخليله المغفور له أنطون الجميل باشا لم يحر جوابل، ولكن حين مات الرجل عرفت أن هذا الرجل العظيم كان يرهق نفسه في العمل، وهو واقع تحت ظروف شخصية لا يكاد يحتملها بشر.

ولا احسبني بصرت برجل يحترم معاونه ومساعده في عمله، وينزله من نفسه منزلة سامية، كما بصرت بتقلا باشا مع صديقه أنطوان الجميل باشا، فإنه لعمري ما كان يقدم على عمل دق أو جل حتى يستشير أنطوان باشا ويتلقى موافقته ومباركته، ولقد حدثني أنطوان باشا غداة موت هذا الرجل العظيم بأنه لم يختلف معه على أمر قط. ومما ساقه مساق المثل على مبلغ ما كان بينه وبين تقلا باشا أن وفداً من جمعية القرش زاروه - أي زاروا تقلا باشا - وطلبوا إليه أن يتبرع بمبلغ لمشروع مصنع الطرابيش فسألهم: بكم تبرع أنطون باشا؟ قالوا بجنيهين. فأجابهم: إذن فأنا أتبرع أيضاً بجنيهين.

ولو أن التقاليد الصحفية التي أستنها تقلا باشا بقيت لما أشتكى (قادة الرأي) من حيف لحقهم أو ظلم طاف بساحتهم. ولكن المؤسف المحزن أن هؤلاء الصحفيين الذين يجأرون اليوم بشكايات الناس ويطالبون بإصلاح الحال، هم أول الشاكين الذين تنو بظلاماتهم صحائف صحفهم!

ويوم مات تقلا باشا رأيت أنطوان الجميل باشا يتنزى ألم ووجيعة وكأنه المهجة الدامية والعاطفة الحرى، وقال يومها لمن عزاه من الناس: لقد فقدت صديقي الذي استخلصته من الدنيا وكذلك كان تقلا باشا من الآحاد الذين قل أن يجود بمثله الزمان.

منصور جلب الله

أفلامنا والرذيلة:

أعتقد أنني لا أكون مبالغاً إذا قلت أن كثيراً من أفلامنا تدعو للرذيلة وتحصن على الابتذال وأن الرجل الحريص على أخلاق أهله يجب أن يحول دونهم ومشاهدة مثل هذه الأفلام الخليعة.

ولا سيما هؤلاء الذين هم في دور التكوين وسن المراهقة حيث تتأثر العقول وتخفق القلوب حينما تظهر على الشاشة تلك المواقف المثيرة. . . عناق. . . وضم. . . وقُبلَ. . . وأغاني أقل ما يقال عنها أنها تحريض صريح للفجور. . . وأظن أننا لا ننسى أغنية مطرب كبير حيث يقول (كل شيء ممنوع في الدنيا إلا الحب). . ولقد روى لي مدرس أنه دخل السنة الثالثة الابتدائي فوجد الطالبات يرقصن ويرددن أغنية حديثة حيث تقول إحدى مطرباتنا فيها (رايداك والنبي رايداك). . . وقس على ذلك من (حموده فايت يا بنت الجيران) لغيرها من هذا القبيل. وفي أفلامنا يكشف البطل عن الطرق التي يستطيع أن يوقع فتاه في حباله كما تستطيع البطلة أن تكشف الحيل التي تستطيع بها أن تغافل أهلها لتخرج لمقابلة عاشقها وهكذا. . .

فما دامت شركات الأفلام لا يهما إلا ما تكسبه ولو كان ذلك على حساب الأخلاق. . . وما دامت الحكومة لا تعتبر هذه المناظر والأغاني خارجه عن حدود الفضيلة فإننا نتجه إلى الآباء الحريصين على أخلاق أولادهم وبناتهم ليتخيروا الأفلام الملائمة حتى لا نلقنهم عن طريق الأفلام طرق الرذيلة وحتى لا نعود فنندم حيث لا ينفع الندم إذا أنحرف الشاب أو انحرفت الفتاة تحت تأثير أفلامنا وأغانيها. . .

أنور عبد الملك

كلية الحقوق - جامعة فؤاد