مجلة الرسالة/العدد 889/حيرة الشباب. . .!
مجلة الرسالة/العدد 889/حيرة الشباب. . .!
حيرة الشباب، أو محنة الشباب، أو مشكلة الشباب، قضية من قضايانا الاجتماعية التي تشغل الأذهان، وما أحراها أن تشغل الأقلام. . . ولقد عرضت هذه القضية في ساحة زميلة صباحية كبرى منذ أسبوعين أو يزيد، ثم عقب عليها قلم واحد، ثم طويت القضية في بلد كل ما فيه يطوى، ونسيت في وطن كل ما فيه ينسى، وكأن الكتاب والمصلحين في مصر قد يئسوا من جدوى الكتابة حين لم يجدوا أذنا تسمع، فمضوا في طريقهم لا يلتفتون. . . ولا يعرجون!
قالت (الأهرام) وهي تعرض لحيرة الشباب باحثة عن دوافع المشكلة وأسباب المحنة: (أية مثل أو قيم أخلاقية يسعى إليها الشباب في بلادنا؟ هذا هو السؤال الذي يدور بأذهان الجميع اليوم، ويحتارون في الجواب عليه، والشباب أعظم حيرة، فإنهم يرون حولهم من الأحداث والحوادث ما هز في نفوسهم كل ما أستقر فيها من مثل وأفكار وقيم، وهذا هو أخطر ما يصيب شباب بلد من البلاد، أن تبهت في نفوسهم ألوان الأشياء، وتضعف في قلوبهم جذوة الحماسة، ولمعة الانطلاق! إن الشباب يرون حولهم قيم الأخلاق تضعف وتضطرب، والسباق من أجل المال والجاه والنفوذ يملأ العقول والإفهام والصدور، ويدمر في سبيلها كل ما هو جليل وسام وأخشى ما نخشاه أن يعديهم هذا السباق، فيحسبوا أنه المقصود بكل ما في الحياة من مثل وقيم وأخلاق. فعلى من تقع التبعة وكيف يكون إعداد شبابنا للمستقبل الذي نرجوه لبلادنا؟
إن الجيل الذي نشأ في سنة 1919 وما قبلها وما تلاها بقليل كانت تسيطر عليه مثل وتجذبه أهداف وتغريه تضحيات. . . كان جيلاً كله إيمان وصبر ورجاء، لم يكن عبد الشهوات ولكنه كان عبد المثل العالية والوطنية الرفيعة. فما هي مثل جيلنا؟ ما هي المثل التي تستهوي شباب سنة 1950، وأية مثل يرونها وأية تضحيات تقر في نفوسهم قيماً عالية لحياتهم كأفراد وحياة بلادهم كمجموع، وحياة العالم كامتداد لحياة الإنسانية جمعاء؟
هذه هي المشكلة الحقيقية وهي مشكلة الجيل كله. . . أين المفكرون والباحثون والدعاة بعهد جديد؟ أين الرواد في حقل التقدم والنظر في المستقبل؟ لكل جيل رواده وأفكاره ومثله، فأين رواد جيلنا وأفكاره ومثله؟ هل نحن أمة ترسم مستقبلها وتعبئ قواها وترسل طلائعها، أم أننا أمة نعيش بالصدفة وللصدفة، تنتظر من الحوادث أن تهزها وتنفي عنها البلاد والسكون؟ وعلى من تقع المسئولية في هذا. . هل تقع على الشباب أم على القادة؟ ومن المسئول عن تحطيم المثل والقيم العالية في هذه البلاد، هل هم الشباب أم القادة والزعماء؟
لقد اشتهر الشرق واشتهرت مصر منذ أقدم عصورها بأنها بلاد القيم الروحية، فأين ضاعت هذه القيم، ومن المسئول عن ضياعها؟)
هذه فقرات مقتطفة من مقال (الأهرام)، فيها تحليل صادق لقلق الشباب وتصوير ناطق بحيرتهم، ومقارنة عادلة وغير عادلة بين جيلين: جيل الأمس القريب وجيل الحاضر المشهود. . . والحق أن الصحيفة الكبرى لم تعد الواقع في كل ما نعتت به هذا الجيل من انحراف عن طريق المثل، وتنكر لمعاني القيم، وتنصل من تحمل التبعات والتضحيات!
ترى من يجادل في هذا كله والشباب يندفعون أمام أعيننا مع تيار المادة، وينغمسون في أعماق الشهوة، ويعيشون لأنفسهم لا للغير، وينظرون إلى الحاضر وليس للمستقبل في تقديرهم حساب؟ أين شعلة الإيمان بالنفس والإيثار للتضحية والأمل في الجهاد. . . من أطفأها في عقولهم وأخمدها في قلوبهم وتركهم يتخبطون في مجاهل الظلام؟ هذا الجيل الذي أحاطت به العواصف فزلزت عقيدته في كل ما هو سام وجميل، كيف اضمحلت قوته فلم يصمد، وانهارت عزيمته فلم يقاوم، واضطربت موازينه ففقد القدرة على الحكم الصائب والنظر الثاقب والتمييز بين ما هو ضار ومفيد؟!
من المسئول عن هذا كما يقول (الأهرام)؟. . . من المسئول عن تحطيم المثل الرفيعة والقيم العالية في هذه البلاد؟ هل هم الشباب أم القادة؟ سؤال ينتظر الجواب، ومع ذلك فالجواب ماثل للخواطر مثول السؤال نفسه، متكشف للإفهام تكشف المشكلة بكل ما يكتنفها من شتى المظاهر والأوضاع! لقد قارنت (الأهرام) بين جيلين وخرجت من المقارنة بتفضيل أحدهما على الآخر: من هذه الزاوية ننظر وعند هذه المرحلة من مراحل المشكلة نقف، لنبحث عن المسئول. أي الجيلين يشرف على صاحبه، وبوجهه، ويرشده إلى الطريق القويم؟ أي الجيلين يمسك بعضا القيادة، ويقبض على دفة الأمور، ويحمل المشعل ليبدد ما تراكم في جوانب النفوس من ظلمات؟ جيل الأمس القريب بلا جدال. . . الجيل الذي تخلى عن تأدية الواجب وتنحى عن تبليغ الرسالة، وأنصرف عن مهمة الأشراف والتوجيه! لو أمسك جيل الأمس بعضا القيادة كما يجب أن تمسك، وحمل مشعل الهداية كما ينبغي أن يحمل، لسارت أمور الشباب كما يشتهي لها المصلحون أن تكون. . . أليس القادة الحقيقيون من ذلك الجيل الذي نعنيه؟ أليس منهم الوالد الذي يضع منهج التربية في محيط البيت، والأستاذ الذي يحدد معاني الخير في رحاب المدرسة، والزعيم الذي يرسم طريق الجهاد في نطاق المجتمع؟ كل هؤلاء قادة، وكل هؤلاء من الجيل المتهم بالتقصير في حق هذا الجيل الذي تلاه. . . وهكذا تبدو النتائج واضحة في ضوء المقدمات!
ولقد قلنا إن المقارنة بين الجيلين كانت عادلة وغير عادلة. . . عادلة من وجهة النظر التي تقول لك: إن جيل الأمس القريب كانت تسيطر عليه مثل وتجذبه أهداف وتغريه تضحيات. ولقد كان ذلك بفضل الجيل الذي سبقه ومهد لوجوده وصهره في بوتقة التجارب ولم يبخل عليه بالتقويم والتهذيب. ولكنها غير عادلة حين نقارن مرة أخرى بيم ما لقي شباب الأمس من رعاية وبين ما قلي شباب اليوم من إهمال. . . وما أفدح التبعة الملقاة على عاتق الفريق الأول حين نحاسبه على تلك الدروس القيمة التي ورثها عن الأباء، ثم نسى أن يدفع بها إلى رءوس الأبناء!!
ومع ذلك فنحن لا نعفي شباب اليوم من التبعة حين يكون لهم من تحملها نصيب. . . ونصيب الشباب من التبعة يتمثل في أعراضهم عن حب القراءة والإطلاع وإقبالهم على فنون اللهو والمتاع. لو كانوا يقرءون لأدركوا في صحبة الكتب ما لم يدركوه في صحبة القادة، من آراء تأخذ بيدهم حين يحتاجون إلى العون وأفكار تسدد خطاهم حين يفتقرون إلى الثقة، وتوجيهات تلهب مسعاهم حين يعوزهم الإيمان. . . ولكنهم لا يقرءون، ولو قرءوا لتطهرت نفوسهم من أدران القلق والحيرة، وتجددت في شعورهم قيم الخلق والكرامة، واستقرت في أعماقهم مثل الحق والخير والجمال
وماذا يفعل المفكرون والباحثون والدعاة بعهد جديد، وأمور المتعلمين تعترض طريق الدعوة المخلصة وتحول بينها وبين منافاة العقول والأسماع؟!
ا. م