مجلة الرسالة/العدد 893/تعليقات على فعال

مجلة الرسالة/العدد 893/تعليقات على فعال

عهد
مجلة الرسالة - العدد 893
تعليقات على فعال
ملاحظات: بتاريخ: 14 - 08 - 1950



المغول في مصر وقوانينهم

للأستاذ أحمد بك رمزي

الأستاذ الدكتور محمد صالح بك من أساطين أساتذة القانون في

مصر كتب مقالاً عن قوانين المغول في مصر نشرته الأهرام

في عددها الصادر في 27 - 7 - 1950 وقد تضمن أراء

ناضجة رأيت أن أعلق عليها بما يأتي مع تقديري لعلم الأستاذ

ومكانته.

- 1 -

جاء في هذا المقال (اشترى الملك الصالح نجم الدين أيوب جماعة من هؤلاء المغول سماهم البحرية ومنهم من ملك ديار مصر وأولهم المعز أيبك)

والمعروف أن العمز ايبك تركماني والمظفر قطز خوارزمي وكانا من اشد أعداء المغول جنسا، أما البحرية فأصلهم من أتراك روسيا التي كان يسكن الجزء الجنوبي منها قبائل القفجق وسلالتهم القوزاق وسكان روسيا وجزء من رومانيا وإليهم ينتسب الظاهر بيبرس وقلاوون وخلاصة أمراء الدولة التركية بمصر وقد سببت غارة أبناء جينجيز خان على جنوبي أوروبا تشتيت وهجرة هذه العناصر التركية وكان مجيء هؤلاء لمصر عن طريق البحر موانئ (بحر أزوف) (بحر الأزرق) فسمو بالبحرية لذلك ولو أن المقيزي يقول أن التسمية نسبة لجزيرة الروضة حين كانت قلاع الملك الصالح.

ويحاول بعض الكتاب المعاصرين الزج بالمغول في حياة مصر الإسلامية رغبة في الإقلال من شأنها وللحط ومن كرامتها. والحقيقة أن العناصر التركية خدمت مصر والإسلام أجل الخدم واعترف المؤرخون المعاصرون بذلك وكان ابتداء اتصال الأتراك بمصر من أيام المأمون والمعتصم والمتوكل ثم استقل بها آل طولون ثم آل الأخشيد وهما دولتان قام على شجاعة وكفاية رجلين عظيمين وكلاهما من وسط آسيا التركية.

ولما دخل المعز لدين الله الفاطمي مصر تأثر بما سمعه المشرق عن شهرة الأتراك في الحروب وله كلمة مع قائده جوهر (راجع الخطط صفحة 107 جزء 2) ولما ظهر العزيز بالله على هفتكين التركي اصطنعه سنة 380 وضم بعد ذلك منجوتكين ونشأت فرق من الأتراك في الجيش الفاطمي.

أما المغول الذين خدموا مصر فمعروفون في التاريخ من سلاطين وأمراء وقواد وأهمهم السلطان كتبغا الذي حارب في معركة شقحب مع الناصر محمد ضد بني قومه وجئ به للحرب محمولا على محفة وكل من أسلم من المغول حسن إسلامه وهم الذين نشروا الإسلام في ربوع الروسيا (جاء في السلوك صفحة 716) وصلت (لمصر) رسل تدان منجوبن طوغان بن باطو بن دوشي بن جنجبز خان ملك القيجاق بكتاب بالخط المغعولي يتضمن أنه اسلم ويريد أن ينعت نعتا من نعوت الإسلام.

- 2 -

وجاء ذكر وقانين المغول وأهمها السياسة في كتب المؤرخين المسلمين كما يأتي: المعروف عن جنجيز خان أنه صحاب (الترواً) و (اليسق) ويقول صاحب النجوم وهو تركي (إن التورا باللغة التركية المذهب واليسق هو الترتيب: والأصل في الياسة أو السياسة أن سي بالعجمي ثلاثة ويسا بالتركي الترتيب وعلى هذا مشت التتار من يومه إلى يومنا هذا وانتشر ذلك في سائر الممالك حتى ممالك مصر والشام ويقولون سي يسا فثقلت عليهم فقالوا سياسة على تحاريف أولاد العرب في اللغات الأعجمية).

والغريب أن هذه الكلمة شائعة بالريف في مصر فقد سمعت من يقول (احكم بالعدل يا فلان أنت شرع وسياسة) أي أنه يحل معضلات الأمور بالشريعة والسياسة وهو لا يعلم منشأ الكلمة في الأصل.

أنني لا أشك لحظة في أن العاهل المغولي صاحب التورا واليسق وهما قانون المغول ولكن هل هذه القواعد استعملها الترك قديما في بواديهم؟ وأن الذي جمعها جنجيز خان وألزمهم بصفته الخان العظيم بأتباعها؟ يحتاج الأمر إلى دراسة وتدقيق قبل إصدار حكم قاطع.

أما كلمة (سي ياسة) فيخيل لي أنها استعملت قبل مجيء المغول للمشرق سنة 618 هجرية.

ولقد كنت معنيا ببحث هذه النقطة بالذات عقب اطلاعي على نص غامض في كتاب الروضتين جزء أول صفحة 187 عن حوادث 566 هجرية وظهور جنجيز خان كان حوالي 168 بآسيا الإسلامية فيكون بينهما نصف قرن وأكثر وهذا هو النص:

(لما بلغ نور الدين وفاة أخيه قطب الدين وملك ولده سيف الدين بعده واستبداد عبد المسيح بالأمور وكان يبغضه لما يبلغه من خشونته والمبالغة في إقامة السياسة. . .)

وأني اعتقد بأن النص أن صح كما ورد يحتمل أن السياسة كان معمولا بها قبل مجيء المغول غير أن المبالغة والإفراط في تنفيذ أحكامها كان مكروها لدى نور الدين الذي غلبت على طبعه التعاليم الإسلامية فأصبح ليناً رقيقاً. إن الأنابكة وهم من أتباع السلاجقة لابد أنهم نقلوا عوائد الترك وأنظمتهم في أواسط آسيا. وهذه العوائد خاصة بأنظمة الجيوش والاقطاعات ولا تمس الدين والمعاملات بشيء وقد جاء في صبح الأعشى جزء 4 ص 5 (واعلم أن الدولة الأيوبية لما طرأت على الدولة الفاطمية وخلفتها في الديار المصرية خالفتها في كثير من ترتيب المملكة وغيرت غالب معالمها وجرت على ما كنت عليه الدولة الأنابكية)

ويظهر مما كتبه ياقوت عن بلاد الترك أنهم كانوا أهل مدينة وأنظمة فهو يصف العمران في خوارزم وقرثمانة واشروسنة وما يطلق عليه الآن تركستان الصينية وتركستان الروسية وهو يقرر ويكتب ما رآه بنفسه ويقول أن خراب هذا العمران جاء بعد أن تملك خوارزم شاه البلاد وقضى بإجلاء السكان سنة 600 وإن إخلاء البلاد سهل على المغول القضاء على خوارزم شاه في سنة 617 فتخرب الباقي. فليس بمستبعد أن تكون لهم قواعد لضبط النظام بين الجيوش وأخذ الجنود بالشدة وإلا فما معنى قول ياقوت

(وهم أعظم الناس طاعة لكبرائهم وألطفهم خدمه لعظمائهم) ويقول صاحب النجوم الزاهرة ص 288 جزء 6

(ولما تسلطن الملك الظاهر ركن الدين بيبرس البندقداري أحب أن يسلك في ملكه بالديار المصرية طريقة جنجيز خان هذا وأموره ففعل ما أمكنه - واستمر أولاد جنجيز خان في ممالكه التي قسمها عليهم في حياته وعلى طريقته في (التورا) و (اليسق) إلى يومنا هذا) وعليه بأن دخول النظام المغولية على يد أقوى خصوم المغول.

- 3 -

وقد أطلعت في السنوات الأخيرة على بعض الأبحاث التي نشرت حديثا - والتي يحاول أصحابها لأسباب غير معروفة ولا مفهومة الحد من قيمة الخدمات التي أدتها مصر الإسلامية للعالم وخصوصاً الإقلال من شأن دولتي المماليك في مصر والشام وانتقاص قدر السلاطين العظام والطعن في شخصيتهم من ذلك قولهم عن دولتي المماليك أن السلاطين أوقفوا العمل بالشريعة الإسلامية بإيجاد نظام حجوبية الحجاب فتعدى الحاجب حدوده وأخذ يحكم في المواريث متخطياً ولاية القاضي الشرعي. وهذا غير صحيح إذ أن سلاطين مصر ضربوا مثلا رائعاً في احترام رجال القضاء الإسلامي ونزلوا على أحكامهم حتى فيم يخص صميم عمل الدولة وهي صفحة رائعة. أما نظام الجند وترتيب أمور الإقطاع وتدريب المستجدين من المماليك وجنود الحلقة فيحتاج لكثير من الشدة والعدالة وتوقيع العقوبات الرادعة وهذا ما أخذ به هؤلاء الملوك والقادة منذ قيام دولة آل سلجوق ووجدنا بيبرس يأخذ بنظام جنكيز خان ويطبق الشدة والعدالة لينتصر بنظام جنيكز خان ضد أولاده وأحفاده من المغول. وهكذا سارت الأمور إلى نهاية الدولة المملوكية.

والغريب أن النزاع بين الحجوبية والقضاء الشرعي لم يسمع به في الوقت الذي كانت أنظمة الظاهر بيبرس معمولاً بها ظهر حين تراخت الأحكام وتعذر تنفيذ العدالة وحصل التساهل في أخذ الجند والمماليك بالشدة اللازمة لهم وهو نزاع لا يفهم من قيامه أن الحجوبية أتت للقضاء على شرائع الإسلام.

- 4 -

ويفهم من مقال الدكتور محمد صالح بك أن نظام الحجومية أنشئ لجماعات المغول التي أتت لمصر واختلطت بأهلها مع أن الحجومية نظام قائم للجند أساسه فض المشاك الناشئة عن توزيع الإقطاع لأن الإقطاع ليس ملكاً للأمير يتصرف به تصرف المالك فلا يورث عنه وإنما هو منحة ليقوم الأمير بالجهاد في سبيل الله فعليه أن يستعد بجنده وسلاحه وممالكيه لهذا الواجب فإذا مات صاحب الإقطاع لزم السلطان أن يقوم بالمحافظة على حقوق الجند والمماليك الذين قام في الأصل الإقطاع على أسلحتهم ودمائهم فبقدر ما تطبق العدالة في تصريف هذه الشئون بقدر ما تكون جيوش المسلمين على أهبة للجهاد. وبقدر ما يسود الظلم وتعم الفوضى بقدر ما يفقد الجيش روح المقاتلة والكفاح. فالشدة توجد النظام والعدالة توجد القوة المقاتلة التي تبذل الدماء فلم يتحدث في تلك الأيام وبعد إدخال هذه الأنظمة أن زلت مصر أمام الصليبين أو ولى جنودها الأدبار في معركة قائمة أمام المغول أو غيرهم وإنما كان تاريخ مصر حلقة مستمرة من الانتصارات المجيدة ولذلك دهشت من مقال الأستاذ الذي يضع عهدا إسلامياً عظيما ويحشره بين عهود الرومان والبطالمة والأغارقة ثم يقحم بالعرب وسط هذه الشعوب الظالمة وأننا نؤمن بأن العروبة ومصر صنوان لا يفترقان فالعناصر التركية والمغولبة ذابت في بوتقة المصرية لأن مصر إسلامية عربية كما ذابت العناصر العربية في بوتقة الأتراك لأن تركيا إسلامية فلا محل إذن لوضع العرب وأمراء الإسلام وملوكه مع غيرهم.

- 5 -

جاء في المقال اسم بيرا وصحته (البيرة) بكسر الباء وسكون الياء وهي قلعة في البر الشرقي من الفرات وموقعها في تركيا واسمها الآن (بيرة جك) وجاء في التعريف (ولها منعة وعسكر) وكانت داخل أقاليم حلب في الدولة المصرية ولها حاكم وجند من مصر أما الحدود فكانت شمال ملاطية عند قلعة دريدة وقد جاء في صبح الأعشى أن نيابة البيرة تقدمة ألف وتوليتها من الأبواب السلطانية بمرسوم شريف.

- 6 -

تركت هذه الأنظمة الإقطاعية ألفاظا معينة في مصر منها كلمة عزبة ولا اختلاف على معناها وكلمة الوسية التي اختلف المفسرون على معناها جاء في السلوك (وفيها انتقل سعر الفول من ديار مصر من خمسة عشر دينار إلى ثلاثين دينار المائة إردب بحكم المشتري لعلوفة الوسية العادلية خمسون ألف إردب سنة 588هـ.)

وجاء في حاشية الدكتور زيادة (الوسية لفظ مشتق من اللفظة التركية أوسي ومعناها الدار وكل ما يتبع صاحبها من حاشية وحشم وحيوان) نقلاً عن بلوشيه ص 112 ويقول دوزي في قاموسه (الوسية هي المرعى المشاع) والصحيح الوسية نسبة إلى الوسي القبيلة الكبيرة أو مجموعة الشعب وتطلق على الاقطاعات المشاعة أو أراضي الشيوع أي التي تبقى مشاعاً بين الأمراء والجند فلا تدخل في إقطاع أحداً بل تبقى بيد السلطان لمساعدة من ينقص إقطاعه وقد استعملت إلى اليوم بالأرياف في مصر للدلالة على الأرض التي تبقى بذمة المالك فلا يزرعها أحد من المزارعين).

أحمد رمزي

مراقب عام التشريع التجاري والملكية الصناعية