مجلة الرسالة/العدد 90/حياة قرجي ونترز

مجلة الرسالة/العدد 90/حياة قرجي ونترز

ملاحظات: بتاريخ: 25 - 03 - 1935



[عن الشاشة البيضاء]

للأستاذ فخري أبو السعود

بآمالها عاشت وفي ذِّكرياتها ... تَخَيَّلُ أحباباً لها خَطَرَاتِها

تُؤانِس أَشتاَ الطُّيُوف وإنَّها ... لآنَسُ ما تُبْفَى لَدَى خَلَوَاتها

تمُوج بجُلَّى الحادثات حياتُها ... على ضيق مثواها ونَزرِ لِدَاتها

على حُبَّ من يَرْعى هواها مقيمة ... وإن لَجَّتِ الأقدارُ في جَهَلاتها

تُصاحبُهُ في حِلَّهِ ورَحيلِهِ ... وما جاوَزِتْ يوماً مَدَى حُجُرَاتها

وتَبْلُغُ وَهْماً ما اشْتَهَتْ مِنْ وصالهِ ... إذا ضنتِ الدُّنيا بِمُشْتهَياتها

وتصبر عاماً كي تفوزَ بوصْلَةٍ ... فيا شَدَّ ماَ تَلقْى وطُولَ أناتِها

وتمْشي خَيَالاً في مَوَاكب نَصْرِهِ ... إذا أقْبَلَتْ تختالُ في خافِقاتِها

وَتَحْسَبُ مَجْداً نالَهُ مِن فَخَارها ... تقاسِمه إياه في نَشَواتها

وما ساَءها وَهْوَ الوَفِيُّ أَنِ أُغْتَدَى ... جميعُ الورى في حبًّه من عُدَاتها

وقالوا فلم تحفلْ بِقَوْلَةِ لائِم ... وَبِنَّ فَلَمْ تطلُب رِضَى هاجراتها

وكان لها الدنيا وكان لها الوَرى ... وكانت له في ليلها وَغَدَاتها

وزاد هواها رِقَةً ذِكْرُ طِفْلَةٍ ... لها منه يزهو الحُسْن في قَسَماتِها

تُسامُ ابتعاداً عن فتاها وَبنْتِها ... وإنها أدْنى لها من لَهاَتِها

وَتَرْصُدُ أَحيْاناً لِفِلْذَةِ قَلْبِها ... لِتَرْوِىَِ منها الطَّرف في غدواتها

فيا طِيبَ ريَّاها وعذب ابتسامها ... ولطف محياها وسحرَ الْتِفاتها

وطُوبى لها لو تستطيع احتضانها ... وإطفاَء حَرَّ القلبِ من قبلاتها

وتقبيلَ كفَّيْها ولثم ثُغَيرها ... ورشْف نَدِىَّ الحُسْنِ في وجناتها

وإذ كان ذاك الشملُ يَلتامُ بعد ما ... تراَءى بياضُ الشَّيب في شَعَرَاتها

وبَشَّرها بالوصلِ صاحبُ وُدَّها ... بِوَصْلٍ به لا تَتقَّي عاذلاتها

أبى الحَيْنُ ما راما وخَرَّ مُضَرَّجاً ... عَلَى قَدَمَيْهاَ لا يَعي دَعَوَاتها

ودَانُوا بِهِ مِن شَيَّعتْ فيه رُوحها ... ومَن لو أَطاقَتْ لافتدَتهُ بذاته ومرَّ بها في السجن ماضي رُفاَتِهِ ... إلى قبره يُذْكى شَبَا حَسَراتها

تَحِنُّ له في وَحْشَةِ السَّجْنِ لَهْفَةً ... وتُذري عليهوحدها عَبَراتها

وَزَفُّوا إليها العفوَ منْ بَعدِ حِجَّةٍ ... فلم يَلْقَ منها العفوُ غَيْرَ صُماتها

وما هَزَّ قلباً للحياة مُطامِناً ... بأرْزَائِها تَعْتَامُ أو حسناتها

تَسَاوتْ لديها نضرةُ الروض في الضحى ... وأحناءُ ذاك السجن في ظُلُماتها

وهيهات ما مِن صادعٍ لاسارها ... سوى الموت أو من كاشفٍ غمراتها

وراحت تُقَضَّي العمر في فَيْءِ بنتها ... - ولم يَبْقَ منها غيرُ طَيْفِ حياتها

حُطامُ أَمانٍ أَو بقيَّةُ مهجةٍ ... قضت ليس يحيا ثَمَّ غيرُ رفاتها.