مجلة الرسالة/العدد 908/تعقيبات

مجلة الرسالة/العدد 908/تعقيبات

ملاحظات: بتاريخ: 27 - 11 - 1950



للأستاذ أنور المعداوي

في الأدب والنقد والحياة:

ما إن فرغت من قراءة تعليقك على رسالتي إليك؛ تلك الرسالة المنشورة في العدد (901) حتى سيطر عليّ شعور غريب لا أملك له دفعا، ذلك لأن تعليقك كان عميقا كأشد ما يكون البحر عمقا، وصافيا كأحلى ما يكون صفاء، متشعب النواحي ممتد الشعاب، يستجيب له القلب والقلم، ويتحفزان إلى الإجابة عن كل ناحية من نواحيه وكل شعبة من شعابه. . ولكنهما يحاران فيه حيرة تبعث على الصمت والإعجاب، والتفكير والاكتئاب!

1 - فهنا روح (ناهد) التي تطل علي من عالمها الآخر تشكر لي عاطفة نبيلة أملت علي أن أذكر أختا لي في الأدب والإنسانية ولدت مع الربيع وماتت مع الورد، وكانت حياتها (أقباساً من وهج اللوعة، وفنونا من عبقرية الألم، وخريفا لا يعرف طعم الربيع إلا من أفواه الناس)! لقد تحدث إليها قلبي وناجاها بياني في نفحات معطرة بالشكوى، مضمخة بالنجوى، هبت علي ذكراها من قصيدتي (قمرية تموت) المنشورة في العدد (903) من الرسالة.

ولكن من يدري أن (ناهد) قد ماتت في (هجران) وأن (هجران) قد ماتت في (ناهد)، وأن (قمرية تموت) ما كانت إلا استجابة للحزن الصارخ الجازع الذي يبكي القلب حين يدفن فيه الحب، ويفزع إلى النحيب حين يغيب عنه الحبيب؟ فمن شؤمنا نحن معاشر الأحياء أن نموت فيمن نحب، وأن نتوزع على من ينأى، وأن يعيش معذبين مروعين على نحو ما تعيش الحمائم قد غالت فراخها النسور، وأودت بعشاشها الرياح!

2 - وهنا الشاعرة (المجهولة) التي ظلمت فنها حين قضت أن يظل رهين المحبسين: القلب والدار. ماذا أقول لك يا أنور وقد أثرت بهذه الحقيقة الصادقة نوازع النفس ونوازي الروح، ودفعتني إلى الشعر دفعا فإذا بالنفس تنسكب حسرات، وبالقلب يترقرق عبرات، وإذا بقصيدتي (رهينة المحبسين) تمثل أمامي عبرة صافية، وأنة شافية؟ فإن استطاعت هذه القصيدة أن تصور حال الفتاة وقد أرداها مجتمعها الظالم في هوة فاغرة كالقبر موحشة كالعدم، ملؤها الحرمان والقنوط والسأم والملل، فلأنك وحدك الباعث على هذا التصوير والحافز لهذا التفكير. . ومن أولى منك بالدفاع عن (المرأة الشهيد) التي عاشت طعيناً بسكين من العادة والوهم كما يقول (شوقي) الخالد في مسرحيته (مجنون ليلى) على لسان (ليلى) مخاطبة (قيسا):

كلانا قيس مذبوح ... قتيل الأب والأم

طعينان بسكين ... من العادة والوهم!

أجل! فما هذا الشعر الذي قاله (شوقي) إلا تصوير لهذا المجتمع الآثم الذي أمات المرأة ووأدها وهي حية في دارها كرة وفي قلبها نزلة أخرى، بما فيه من عرف جائر وناس محافظين يعيشون بالعادة والوهم أضعاف ما يعيشون بالعقل والتفكير، ويستجيبون للغضب والشدة والخصام والعرام أكثر مما يستجيبون للأناة والرفق والوئام والسلام.

فيا أخي أنور لا تحسبنها الشاعرة وحدها (المجهولة) التي ظلمت فنها حين قضت أن يظل رهين المحبسين: القلب والدار. . ولكن كل فتاة عربية في هذا الجيل قد أمست رهينة محبسيها: قلبها ودارها، فعاشت تتطلع إلى مجتمعها الظالم من بعيد تنظر ولا تقترب، وتنطوي على نفسها تفكر وتكتئب، وتئن وتنتحب، وتبدع أدبا يتسم بالسأم والملل، ويتشح بالقنوط والحرمان!

أرأيت يا أخي أنور إلى هذه الأزمة المستعصية، أزمة الفتاة، وإلى غمتها التي ما تنجلي، وإلى إسارها الذي لا يطاق؛ وإلى حياتها التي تضج بالحرمان والعذاب؛ من مهد الصبا والشباب إلى مهد البلى والتراب؟ ألا تفوق هذه الأزمة أزمة القراء ومشكلة الكتب؟ وهل مثل هذه الغمة غمة يجدر بالأقلام أن تتساند على كشفها وتتساعد في جلائها؟ فهلم يا كاتب الأداء النفسي وثر على هذا العصر واصرخ في وجه هذا المجتمع وزحزح ناسه المحافظين الناقمين على المرأة أن تستنشق هواء الحرية، وأن تتذوق معنى الحياة وأن تلخص من أشواك العرف والعادة والوهم، وإسار القلب والدار!

هلم يا كاتب الأداء النفسي واجل ببيانك غمتها وعالج بتفكيرك أزمتها، وادع الكتاب والكاتبات إلى معالجة أزمة المرأة وغمة الفتاة، كما دعوتهم من قبل إلى معالجة شئون الأدب والأدباء، ومشكلة الكتب وأزمة القراء، فعسى أن يكون في انكشاف هذه الأزمة وانجلاء هذه الغمة ما يعين على تلافي أزمة القراء ومشكلة الكتب، بإنقاذ نصفنا الآخر الذي يعيش ليشقى، ويتألم لينقى، ويتعلم ليبقى!

3 - إن من حق أزمة القراء أن تصرفك عن التفكير في إخراج كتبك إلى الناس، هؤلاء الذي زهدوا في عصير الذهن ورغبوا في عصير الليمون كما تحدث من قبل صديقك الأستاذ توفيق الحكيم، في حواره النادر الذي أداره على صفحات (أخبار اليوم) بينه وبين عصاه، وعلقت عليه (الرسالة) في تعقيبات العدد (887)، وأنحى فيه باللائمة على المدرسة لأنها لم تستطع إلى الآن أن تغرس في الطالب ملكة المطالعة ومحبة الإطلاع اللتين ستلازمانه في كل حين وتجعلان منه رجلا نافعا وأداة صالحة.

وأرى أن المدرسة أو الجامعة تزهد الفتى والفتاة في المطالعة بما يرهق الفكر ويتعب العقل من ضروب الثقافة وصنوف المعرفة التي تضجر بكثرتها الكاثرة، وتدفع النفس حين تخلص من محنتها ونقمتها أن تستجم وتستريح إلى فنون من اللهو والعبث والحياة الرخيصة، وألوان من الابتذال لا تثمر إلا بالكسل والسأم وإضاعة الوقت والمال. ذلك لأن المناهج لا تزال تحرص على الكمية أكثر من حرصها على الكيفية، ووظيفة الجامعة في هذا الزمن العجيب أن تسأل: كم قرأت؟ دون أن تسأل: ماذا أفدت؟! إن حشو الذهن بالمعلومات يؤذي خارج الجامعة أضعاف ما يؤذي داخلها؛ فهو بثوبه الثقيل وظله البغيض يصرف النفس صرفا عن المطالعة، لا لأنها لا تريدها ولا تحبها بل لأنها ملتها واجتوتها، ورأت في خلاطها ما يؤذي وفي صحبتها ما يضجر وفي الانصراف إليها ما يضيع رونق العمر وبهجة الحياة. إن الجامعة تنفر الطالب من القراءة لأنه تقتله قتلا بالقراءة. فلا يتخرج من الجامعة إلا بعد أن يذبل عينيه ويمحو رواء وجنتيه بمعلومات لا تغني غناء ولا تجدي جداء، والويل له إن قصر ويا خسره إن تأخر! فهل للجامعة بعد هذا كله أن تستجيب لنداء الأستاذ الحكيم: (فتعلم طلابها حب القراءة، وتمرن عضلاتهم الفكرية على هضم أغذية العقل، ثم تدفع بهم إلى الحياة ليزدردوا ثمرات الذهن. . إن الإنسان يولد زبونا بالفطرة لعصير الليمون، ولكنه لا بد أن يعد إعدادا ليصير زبونا لعصير الذهن)!

إن وظيفة المطالعة أن تغني الذهن أولا، وأن تقتل السأم والملل ثانيا بما تفرغه على النفس من نعمة النسيان ولذة الغرق في أيام سود كوالح، ناهيك بمتعة المعرفة التي تخلق التجاوب بين الكتاب والقراء فيستجيب الفكر للفكر ويخلد الرأي إلى الرأي، وينشأ من ذلك أدب جديد يستنير بأضواء الكتاب وأقباس المؤلفين يعالج ما عالجوا وينقد ما نقدوا يسايرهم مرة ويغايرهم مرات. ذلك لأنه يحرص في أداء رسالته الجديدة على الصدق والحقيقة والخير، فالشعر يهيج الشعر والكلام يثير الكلام. ولله ما أصدق أكتب كتاب العربية أبا عثمان الجاحظ حين يقول: (كل شيء إذا ثنيته قصر إلا الكلام فإنك إذا ثنيته طال)!. وكذلك الشأن في التأليف فإنه يدفع إلى التأليف، كما أن القراءة تلهم الكتابة.

ومن حقنا أن ننصف حين نعالج الأمور، فليس عدلا أن يكون الذنب ذنب الجامعة وحدها بل هناك ذنب العصر الذي نشأنا فيه، فلقد غمرنا بعلل نفسية وأدواء اجتماعية بتنا أساراها نعانيها ولا ندري طريق الخلاص منها، فالعصر مضطرب هائج بالويلات، والثبور مائج بالفتن والحروب، والنفوس لا تستقر على حال من القلق كأنها الريشة في مهب الرياح كما يقول أبو الطيب المتنبي. . ولقد (قذفت الأمهات المضطربات هذا الوجود بسلالة شاحبة عنيفة مستعرة الأحشاء، نشأت على دوى القذائف ورائحة البارود وغبار المعارك، ففقدت إرادتها وأضاعت اتزانها وعاشت للسأم والملل) كما يقول (موسيه) في اعترافات فتى العصر!

وأحسب أن الحضارة قد قتلت (الكتاب) وأن المدنية قد خلقت أزمة القراء. فهذا هو المذياع قد قرب البعيد ويسر الممتنع وجعل العالم بين إصبعيك فما أطقت أيها الإنسان الملول الضجر أن تستمع إلى أخبار العالم ملخصة في أسطر، وما صبرت على الأديب يتحدث في دقائق معدودات حتى يتم حديثه، ولا على الشاعر حتى ينهي قصيده، ولا على المغني حتى يتم أغنيته، وأخذت بين إصبعيك العالم بأسره تبحث عن شاطئ السلام فلا تجده، وتفتش عن مرامك فلا تظفر به، وأنت لا تعرف على التحديد ما تريد، ولا تعلم على التحقيق ما تبتغي، وتظل رهين قلقك أسير ملالك حليف أساك. . وحين ملت أذنك السماع وفرت لك (الشاشة) النظر فعرضت لك الحوادث مصورة والأنباء مجسدة والوقائع ناطقة، فأشاحت العين بعد أن نفرت الأذن، ورغبت كلتاهما عن السماع والنظر.

لقد قتلت القصة الشعر كما صرعت المقالة الكتاب، وعفت الشاشة على القصة والشعر والمقالة والكتاب. وها هو ذا الإنسان يسأم النظر إلى الشاشة ويعاف سماع المذياع، لأنه ابن عصر قلق ضجر ورث عنه قلقه وضجره. فهل لأطباء النفوس أن يعالجوا داءه ويصفوا دواءه وينجوه من العلل والأزمات فيخلص من عذاب لا يطاق وعناء لا يحتمل؟!

لقد كانت أديبتنا المطبوعة السيدة وداد سكاكيني صادقة كل الصدق حين زارتك في وزارة المعارف لتسألك عني ولتقول لك فيما قالت وأنتما تتحدثان عن أزمة القراء: (لو كنت تعلم منزلتك في الأقطار العربية عامة وفي سورية على الأخص، لما تأخرت في أن تقدم إلى قرائك ما لديك من كتب). . إنها كلمات من قبيل الحقيقة التي يؤيدها الواقع، فأنت أديب واسع الآفاق تملك من القراء والمعجبين بك ما لا حد له، ولكنك ستمنى بما مني به الأستاذ توفيق الحكيم من قبل، حين أرخص أثمان كتبه لييسر للناس اقتناءها فلم يقتن هذه الكتب إلا عشاق فنه وأحباب أدبه، فهم في نقص الثمن مثلهم في ارتفاعه، فهل هو حتم على الأديب أن يسكب نفسه في كتابه ليقدمه إلى الناس بالمجان، أو يهديه إلى قرائه إهداء كي ينتصر على أزمة الكتب ومشكلة القراء؟!

إن عصرا هذه محنه وعلله، وجامعات هذه برامجها ومناهجها وإن نصفنا الآخر وما يقاسيه من إسار وحرمان واحتباس في القلب والدار، كل أولئك كفيل أن يقضي على الكتاب ويزيد في أزمة القراء، ويقودنا إلى نكبة كبرى من جفاف العقل ومحول التفكير ونضوب الذهن وخلو القلب والروح. فإن رأيت أن تهدي كتبك إهداء لمن يطلبها على غرار ما صنع الشاعر عزيز أباظة في ديوانه الأول (أنات حائرة) أنهيت أزمة الكتاب على خير حال وأيسر منال، ولو ذهب المال إثر المال!!

4 - أما عن هذا الباب الذي فتحته من قبل وهبت منه رياح العصبية الإقليمية وسرك أن أطرقه بهذه الكلمات: (إنني أمقت من ينتصف لبيئة بعينها دون غيرها من البيئات، ووطن بعينه دون غيره من الأوطان، لأنني أرى الفن وطنا وأحب أن يتلاقى الناس في هواه) فإنه ليسرني (أن أسمع هذه الصيحة من كل قارئ وأديب في مصر ولبنان وسورية والعراق، وكل وطن تربطه بالعروبة أواصر وأسباب، وأحب للكتاب أن ينظروا إلى أسمائهم وهي مجردة من أثواب الوطن الصغير ليلفها علم واحد هو علم الوطن الكبير. . عندئذ تختفي من الأذهان هذه العصبية البغيضة التي تنتصف لعلي محمود طه في مصر لأنه مصري، وتقف إلى جانب أبي ماضي في لبنان لأنه لبناني! إن كليهما في رأيي رأي الحق شاعر (عربي)، وهذا هو العنوان الصحيح الذي يجب أن تدرج تحته أسماء أهل الفن هنا وهناك). لقد قلت أنت هذه الكلمات، ولكن ما بال مجمعنا اللغوي يعمم جوائز اللغة والأدب على مستحقيها من أدباء العرب، ثم يقصر جائزة الشعر على مصر كأنه يخصها دون سواها بهذا الخير، والشعر لا يقصر على قطر دون قطر، وإنما يترك فيه للمجلي الأمر، وفي التخصيص تضييق، وفي التعميم غنم كبير للشعر وهو في إبان ازدهاره وأوان إثماره؟! فهل لك يا كاتب الأداء النفسي أن تعمل على إغلاق هذا الباب الذي هبت منه رياح العصبية الإقليمية التي تتمنى على الشعر ألا يفارق أرجاء مصر؟ لقد فات المجمع أن (شوقي) الخالد إنما استمد خلوده لأنه ملك العرب والعروبة، كتب شعره ببيانها فنطق بلسانها وأعرب عن أفراحها وأحزانها!

5 - أما عن سر إعجابي بشعر عزيز أباظة وأنور العطار فمرده إلى أن الشاعرين يغترفان ألفاظهما وأخيلتهما وقوالبهما من المنبع نفسه الذي كان يغترف منه (شوقي) الشاعر الخالد. . وما أحب للشعر العربي حين يتحرر في أفكاره أن يتبذل في قوالبه وأساليبه ولا أن يتجهم للغة ويتنكر للبيان. وإني لأرى في شعر علي محمود طه من تحرر الفكر ومتانة الأسلوب ورصانة البيان ما يفتن ويبهج، كما أرى في شعر خليل مطران من قوة الحبك ودقة النسج والحرص على النهج العربي المبين ما يعجب حقا ويفتن صدقا. ولكني لا أرى مثل هذا في شعر أبي ماضي. فهو يبدع في فكرته ويسف في لغته وأسلوبه، ويرتكب من الأخطاء اللغوية والنحوية ما يجعل الفكرة بالية في ثوبها المهلهل وقالبها الرديء، وأسلوبها الذي يتنكر للبيان العربي تارات وتارات. . وكذلك أنظر إلى قصيدة (يوسف حداد) إن كان في الأرض شاعر بهذا الاسم لم ينظم سوى قصيدة واحدة كانت (فلته من الفلتات التي يصعب أن تتكرر من حين إلى حين). وأغلب الظن أن يوسف حداد إن هو إلا شاعر من شعراء (العصبة الأندلسية) في المهجر، شاء أن يختفي وراء هذا القناع لتظل جائزة الشعر وفقاً عليه تنطلق منه إليه! على أني أكذب الفن وأنحرف عن جادة الإنصاف إن قلت إن قصيدة يوسف حداد خلو من الشعر أو هي براء من الخيال المجنح العجيب الذي يهز النفس هزاً ولكنه لا يظفر بقسط كبير من الإعجاب، كما أن في شعر عزيز أباظة وأنور العطار ما يعجب النفس أشد الإعجاب ولكنه لا يهزها هزاً إلا في لمحات عابرة وبدوات مشرقة وما أندرها وما أقلها! إن في هذين اللونين من الشعر ما يرضى عنه (الأداء النفسي) كما تقول، فهل يتاح للشعر العربي شاعر مجنح عظيم يغترف صوره وأفكاره من (جبران) المنطلق الرحب، ويشيد قوالبه وأساليبه من نسج (الرافعي) المحتشد الرصين؟ عند ذلك تتطلع الأرواح والقلوب إلى (أبي الطيب) الجديد الذي يصبح أرث الخلود وهوى النفوس وشغل الزمان!

لا يا أخي أنور، إني ما شممت من كلامك رائحة اختلاف في الرأي، ما أحسب أنا اختلفنا في أمر وإنما نحن على ائتلاف في وجهات نظرنا إلى الأدب والأدباء ومشكلة الكتب وأزمة القراء. . وبحسبك أن تعلم أن هذه الأبيات التي قالها شوقي على لسان ابن ذريح برغم ما فيها من تحريف في البيت الأول اقتضاه المقام، إنما كان لسان حالي ويسرني أن أسجله مرة ثانية فأقول:

اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية

وبعد فما أحسب هذه المطالب متعبة وما أراها مضجرة، لأنها ستظل أبدا جزءا من تعقيباتك ولعلها تصبح تعقيباتك كلها في الغد القريب، فإن قلمك سينشط بعد هذا اليوم للدفاع عن المرأة التي صدها مجتمعها عن ولولج بابه والسير في رحابه والوصول إلى محرابه، حتى تنجلي أزمتها وتنكشف غمتها وما أنا إلا إحدى الحبيسات الشهيدات. والله يتولاك برعايته كفاء دفاعك عنا إحسانك إلينا.

دمشق

هجران شوقي

أعتقد أن الشاعرة السورية المطبوعة الآنسة هجران شوقي توافقني على إرجاء التعقيب إلى الأسبوع المقبل، لأن رسالتها المطولة قد طغت على الصفحات الأربع المخصصة للتعقيبات. . . وأعتقد مرة أخرى أن القراء سيلتمسون لي بعض العذر إذا ما شغلت عن أسئلتهم حول كثير من شؤون الأدب والفن، بالجواب عن هذه الرسالة في العدد القادم، ذلك لأن الشاعرة الفاضلة قد طرقت أبوابا جديدة تقف خلفها أكداس من الخواطر والمشاعر بعضها في الأدب، وبعضها في النقد، وبعضها في الحياة!

ويبدو لي أنني سأختلف مع الآنسة هجران حيث ينبغي أن نختلف وسأتفق معها حيث يجب أن نتفق، لأنها تصيب الهدف في كثير من الدقة والإتقان، ثم ينحرف قلمها قليلا فتخطئ التصويب في بعض الأحيان! أما عن قصيدتها (رهينة المحبسين) فلها مني خالص التهنئة ولشعرها كله مثل هذه التهنئة الخالصة، وموعدي معها في الأيام القليلة المقبلة إن شاء الله.

أما عن الجزء الأخير من رسالتها فقد رأيت ألا أثبته حتى أتلقى منها ما يلقي بعض الضوء على زاوية خاصة، وجهت منها الحديث إليها في رسالة خاصة منذ بضعة أيام. وأنا في انتظار هذا الضوء الذي يبدد من حول حياتها حجبا من الظلام!

أنور المعداوي