مجلة الرسالة/العدد 909/الأدب والفن في أسبوع

مجلة الرسالة/العدد 909/الأدب والفن في أسبوع

مجلة الرسالة - العدد 909
الأدب والفن في أسبوع
ملاحظات: بتاريخ: 04 - 12 - 1950



للأستاذ عباس خضر

ردوا على الأزهر كرامته:

كادت كلية اللغة العربية في هذه الأيام الأخيرة أن تتسم بطابع وزارة المعارف ومن علامات هذه الظاهرة عقد مسابقات لقبول الطلبة الراغبين في الانتساب إليها تحت إشراف الوزارة، وتعديل منهاج التعليم على النحو الذي أقرته في كلية دار العلوم.

ورسالة الأزهر (كما نعلم جميعا) هي المحافظة على كيان العلوم الإسلامية، والعمل على نشرها في جميع بقاع العالم على لسان أبنائه الأزهريين، أو بأقلامهم السيالة المؤمنة. ولا يخفى ما للغة العربية من أثر في تأدية هذه الرسالة على وجهها. إذ هي الأداة الوحيدة في فهم لغة السماء المقدسة، وفي هدى النفوس الحائرة في ضباب الأوهام والجهالة، وتصحيح معتقداتها الإلهية؛ وفقد الأزهر لكلية اللغة العربية ليس إلا فقد دعامة متينة من بنيانه مما يخل بتأدية هذه الرسالة المقدسة، واندراجها له تحت إشراف وزارة المعارف في الوقت الذي ينادي فيه بعض ذوي الرأي من رجالات التعليم بوجوب انفصال الجامعة المصرية عن الوزارة، واعتبارها هيئة قائمة بذاتها، إذ أن في وضعها الحالي غضا كبيراً من كرامتها كدار يدرس فيها لأرقى أنواع الطبقات المثقفة في مصر.

وإذا كان الطلاب الأزهريون يرضون عن هذه الأوضاع الراهنة بغض الطرف عما يترتب عليها من نتائج غير مرضية لأنهم إنما ينظرون بعين المادة، فما الداعي لرضاء أولي الأمر فيه.!! والقائمين عليه. .!! الأمر الذي يوشك أن يحرم الأزهر من حرمته وقدسيته؟

أنا لا أفهم الأزهري النابه ينسلخ هكذا من أزهريته، ويتمرد على أزهره، وإنما أفهمه يترنم بمجده وشرفه، وينادي بتدعيم بناء مكانته العلمية والأدبية، ويطالب في إباء وشمم أولياء الأمر من أساتذته الأزهريين بتعديل أساليب الدراسة، ومنهاج التدريس كما يتفق وروح العصر، ومسايرة العالم في تطوراته وأحداثه، ويجأر أكثر مما يجأر بتدريس اللغات الأجنبية دراسة وافية عميقة.!! ومتى اكتملت للأزهر الشريف هذه المقومات استطاع بجدارة أن يشغل مكانة ممتازة بين الهيئات العلمية المختلفة. وأن يؤدي رسالته المقدسة بكل لسان في كل مكان. .!! إن عقد مسابقات للقبول بكلية اللغة العربية معناه حرمان كثير من ذوي الميول الطبيعية، والاستعدادات الفطرية، من تمكينهم من تغذية ملكاتهم وتنمية مواهبهم. .!! وعقده تحت إشراف رجال الوزارة معناه طعن رجال التعليم الوزاريين الصريح في كفاية الأزهري ومقدرته العلمية، ودراسات أزهره، واعتراف رجال الأزهر بذلك، معناه فقد الأزهر جزءاً حياً من أجزائه. وهدم ركن شديد من بنيانه. .!!

إن الأزهر ليستصرخ باسم الدين الغيورين من رجاله أن يردوا عليه كرامته؛ وأن ينقذوه من هذا الجمود البغيض، ويسايروا به مواكب الحياة العلمية المتوثبة، وتقدم العصر المطرد ويومئذ يستطيع الأزهر أن يحمل بجدارة مشاعل العلم والنور والحرية. .!!

كلية اللغة العربية

نيازي علي مرزوق

وردت هذه الكلمة بعنوانها المثبت على رأسها، وهي كلمة حق، والموضوع الذي تعرض له موضوع خطير، لأنه يتعلق بكيان الأزهر الذي يجب أن يبقى مستقلا بمقوماته وخصائصه، ذلك الكيان الذي نراه مهدداً بالتيارات التي تحدث عنها الأديب الفطن نيازي علي مرزوق.

والواقع الصريح أن أصل الموضوع هو عدم ثقة وزارة المعارف بحسن إعداد الطلبة في كلية اللغة العربية، لأنها ترى أسس التعليم في الأزهر غير متمشية مع طرائقها التربوية، وهي في الوقت نفسه تحتاج إلى خريجين لتدريس اللغة العربية والدين الإسلامي بالمدارس وهؤلاء الخريجون أنفسهم يطالبون بذلك. فالوزارات تريد أن تطمئن إليهم في تأدية هذا العمل على الوجه المرضي، فهي تعمل على المشاركة في إعدادهم وامتحانهم.

فهل ذلك الاتجاه من صالح الأزهر باعتباره جامعة لها كيانها وكرامتها ومقوماتها الأصيلة؟ لا شك أن خريجي الأزهر وطلبته الذين يريدون الخروج عن النطاق الأزهري وغزو البيئات الأخرى، هم الذين يدفعون بالأزهر إلى ذلك الوضع. ولأنفسهم يمنون الخير، وهم يريدون بلوغ غايتهم، والأزهر يقف بهم عند حدوده، فهم ينتقلون بالأزهر إلى ما يريدون، ورؤساء الأزهر يسيرون مع تيارهم، لأنه تيار جارف لا يستطيعون الوقوف في سبيله والواقع الصريح كذلك أن كثيراً من طلبة الأزهر نشئوا فيه بغير إرادتهم، وكثير منهم يضيقون به عندما تلوح لهم مظاهر الحياة المصرية التي يعزلهم عنها الأزهر، فيتلمسون أي سبيل للخروج منه، كما يتلمسون أي صفة أخرى تغطي على أزهريتهم، وذلك بعض المتخرجين الذين لحقوا بمعهد الأوا فيه أاأأأاا ' تنببتراتنلافثلرعتلاافبعتلرلابىأ

تربية وتخرجوا فيه، تراهم يحرصون على أن يكتبوا تحت أسمائهم الصفة الجديدة فقط. ولا بأس بالاستطراد إلى أمر آخر يجرنا إليه هؤلاء الضائقون أزهريتهم، وهو ما يقول به بعض المصلحين من الأزهريين وغيرهم، من قصر التعليم على الكلمات واستمدادها الطلبة من التعليم العام، فإني أرى أن الطالب الذي يتجه إلى الأزهر، أعني الكليات، يتجه إليه برغبة، ويختاره عن عقيدة؛ فيكون الأزهري المقتنع بأزهريته، بل المعتز بها.

ونعود بعد هذا الاستطراد القصير إلى موضوعنا الأصلي، فنحرر المسألة على الوضع التالي: لا بد لخريجي الأزهر أن يلوا ما يناسبه من وظائف الدولة، وخاصة إن هذه الوظائف تحتاج إليهم، ولكن ليس معنى ذلك أن يفقد الأزهر شخصيته، ويمحو بيديه صبغته، وأعتقد أن ما حدث كان لا بد منه، فلم يكن هناك من سبيل غيره لإقناع وزارة المعارف، ولكن أعتقد كذلك أنها كانت مرحلة انتقال، يجب الآن إنهاؤها. والدور الآن على رؤساء الأزهر، فواجبهم أن يردوا عليه كرامته، على حد تعبير السيد نيازي، فيعملوا على إصلاحه وتقويمه بحيث يقتنع الجميع بأنه قوي بذاته وأن أهله أهل لما يناسبهم من الأعمال دون مشاركة أحد في إعدادهم.

وحين يبلغ الأزهر ذلك المبلغ الذي نرجوه له، لا نرى خريجي الأزهر يطالبون - مثلا - باللحاق بمعهد التربية لأن تخصص التدريس في الأزهر ليس أقل شأناً من معهد التربية، ولا نرى - مثلا أيضا - كلية اللغة العربية تطالب كلية دار العلوم بأن ترد عليها الهاربين منها، بتوحيد امتحان القبول في الكليتين واقتسام الناجحين، لأن كلية اللغة العربية لن تكون أقل إغراء من دار العلوم.

تأبين عجيب:

احتفلت نقابة الصحفيين يوم الخميس الماضي، بتأبين الكتاب الصحفي المرحوم الأستاذ عبد الحميد حمدي. وقد أبنه جماعة من الزملاء الصحفيين هم الأستاذ حافظ محمود ومحمد مصطفى حمام وحسين صبحي وعبد الرحمن العيسوي وعبد العزيز السكري والسيدة منيرة ثابت. أما الأستاذ حافظ محمود فكانت كلمته مناسبة ووفت بحق الفقيد من حيث جهوده الصحفية ومودته لزملائه، وإن كان قد أساء إلى الخليل وسيبويه وغيرهما من علماء النحو واللغة، بالإضافة إلى الأخطاء. وأما الأستاذ حمام فقد جرى على عادته في كتابة أبيات الرثاء على علبة السجائر قبل إلقائها بدقائق معدودات. ومن الأبيات التي ألقاها في الفقيد:

مضى لم تدلله الحياة فلا تقل ... (لكل مجد في الحياة نصيبه)

ولعله لهذا لم يجد في إعداد قصيدة للرثاء.

وكان حمام موفقاً صادقاً في قوله:

وأمتعها من مستطاب بيانه ... وما أمتعه بالذي يستطيبه

فهذا ينطبق على المساكين أصحاب الأقلام في هذا البلد، يشبعون الناس أدبا وبيانا ولا يجدون لقاء ذلك مكافأة وتقديرا، وقد يتركون من بعدهم من يدعي إلى الاكتتاب لهم، كما حدث في هذا الاحتفال، إذ أعلنت ذلك السيدة منيرة ثابت عطفا على ابنة الفقيد!!

وجاء أكثر العجب بعد ذلك، فقد اتهم الأستاذ العيسوي الفقيد بأنه كان داعية للإنجليز! وقال أنه أفضى إليه مرة بألمه من ذلك. . وقد كان الأستاذ عبد الحميد حمدي رئيس الترجمة بالسفارة البريطانية.

وقد أصلح الأستاذ حسن صبحي ما قاله العيسوي، إذ وجه علاقة عبد الحميد حمدي بالإنجليز، بأن خدماته للسفارة كانت في وقت تتعاون فيه مصر مع بريطانيا وكان الجو بينهما مشبعا بروح الصداقة.

وأما الأستاذ السكري فقد هنأ الفقيد بوفاته. . وحمل عل الحياة وتمنى للأحياء أطيب التمنيات بمفارقتها!

وأما السيدة منيرة ثابت فقد أشادت بجهود الفقيد في مناصرة النهضة النسوية والدفاع عن حقوق المرأة، ونوهت بأن ذلك كان أيام الصبا والجمال! وهذا تواضع منها، فهي لا تزال!!

وحضر الحفلة طائفة من السيدات ومتزعمات الحركة النسوية، وقد لوحظ أنهن انصرفن قبل قراءة القرآن الكريم في الختام، فما قال القارئ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، حتى نهضن منصرفات. . وأنا استحلفهن بحق الانتخاب، هل كن يقمن لو اختتمت الحفلة بشكوكو.؟

من أدب المجلس:

في مكتبة الكيلاني ينتدي - يوم السبت من كل أسبوع - جماعة أكثرهم من المشتغلين بالشؤون السياسية، وهم مع ذلك لا يتحدثون في السياسة. . . كأنهم جاءوا إلى هذه الندوة ليريحوا عقولهم من ذلك العناء، فلا تسمع إلا طرفة من هذا وملحة من ذاك، تتبين في تفكيرهم خواطر الأدباء، وفي حديثهم طلاوة الأدب، وإن لم تدركهم الحرفة. . . يتوسطهم المحدث اللبق الأستاذ كامل كيلاني، يدير عليهم كؤوس السلاف من حديثه الممتع، إلى جانب أكواب القرفة والتمر الهندي. . .

وفي الجلسة الماضية حلا للقوم موضوع الجرس المرافق للمعنى في أدب العرب، واشترك في الحديث الأساتذة مفتي الجزايرلي باشا وجمال الدين أباظة بك وأحمد حلمي باشا والحاج أمين الحسيني وحقي العظم بك وسامي العظم بك ومحمود حسيب بك والأستاذ الكيلاني. روى راويهم قول ابن الرومي:

من بنات الروم لا يكذبنا ... لونها المشرق عن منصبها

فهي حسب العين من نزهتها ... وهي حسب الأذن من مطربها

وإذا قامت إلى ملعبها ... كمهاة الرمل في ربربها

سألت أردافها أعطافها ... هل رأت أوطأ من مركبها

- إن الألفاظ تتماوج وتختال كأنها تكون صورة متحركة لتلك (البنت) الرومية.

- استمع إلى الموسيقى الغاضبة في قول ابن الرومي أيضاً:

ويح القوافي ما لها سفسفت ... حظي كأني كنت سفسفتها

ألم تكن ميلا فقومتها ... ألم تكن عوجا فثقفتها

إلى أن يقول:

حرمت في سني وفي ميمتي ... قراي من الدنيا تضيفتها

لهفي على الدنيا وهل لهفة ... تنصف منها إن تلهفتها

- كذلك في قول الله تعالى: (أم منْ هذا الذي هو جندُ لكمْ ينصركم من دونِ الرحمن) أين من هذه المقاطع القوية أن يقال: من ينصركم من دون الرحمن؟ - مما يتصل بحسن النسق بين الأجزاء قول الشاعر:

مرت بنا في قرطق أخضر ... يعشق منها بعضها بعضا

ولم أر أبدع في التناسق من أن يعشق كل عضو عضوا

روى جمال الدين أباظة بك عن الدكتور طه حسين بك أنه فسر (القرطق) ب (الشمزت)

- ليت شعري ماذا كان يقول الشاعر لو رأى من عندنا من لابسات (الشمزت) الحديث؟

- لم يكن يقول شيئا. . فقد ألفنا كثرتهن حتى أصبح منظرهن شيئا عاديا لا يحفز على التغزل فيهن!

عباس خضر