مجلة الرسالة/العدد 910/البريد الأدبي
مجلة الرسالة/العدد 910/البريد الأدبي
حول (كلمة غريبة في مقال)
قرأت في عدد 909 من الرسالة الغراء كلمة للأديب السيد عبد الخالق عبد الرحمن من بغداد يعلق فيها على مقال للأستاذ علي العماري بعنوان (دم الحسين) وقد استغرب السيد عبد الخالق وأخذته الدهشة من تطرق الأستاذ العماري إلى رواية تعد من الخزعبلات والأباطيل!! أما الرواية فهي: أن (الفارس الذي منع (الحسين) الماء مات عطشان بالرغم من أنه كان يسقى الماء حتى يبعر ثم يعود فيشرب حتى يبعر وما زال كذلك حتى لفظ أنفاسه) ومنشأ الاستغراب عند السيد عبد الخالق من أنتكون للحسين فضيلة يظهر أثرها في حياة مانعه الماء. وأحسب أن الشك يسري بالأديب المستغرب إلى حديث (الغمامة) التي كانت تظل النبي (ص) وإلى كراع (المعز) التي أشبعت جيش النبي، وإلى عادة هز الكتفين التي لازمت أبا جهل حين كان يسخر من مشية النبي، وإلى حديث (التلباثي) على حد تعبير الأستاذ العقاد، وغير ذلك من الروايات المماثلة التي تعج بها بطون الكتب الدينية والتاريخية. وقد تستفز السيد عبد الخالق هذه المقارنة بين النبي (ص) وبين سبطه الحسين، وأؤكد له أن موقفي حيال هذه الروايات التي تعد خرقاً للطبيعة موقف التشكيك والتأمل، ولكن تصديقي رواية (الفارس) التي ذكرها الأستاذ العماري قد لا يعترضه الشك لا لسبب ديني ولكن لسبب آخر يستند إلى (علم النفس) وحده، فإن قتل الحسين على تلك الصورة التي تحدث عنها التاريخ (المحايد) لم يكن هيناً على المسلمين. ولعل هذا (الفارس) الذي يمنع الحسين الماء قد ندم وشعر بجسامة ذنبه مع ابن بنت نبي المسلمين الذين يزعم (الفارس) أنه منهم، أو أن الضمير الإنساني الذي استيقظ فيما بعد نبهه إلى فظاعة الجرم فانتهى به المطاف إلى الندم الشديد ولكنه ندم لا تستجيب له العقيدة الدينية أو الضمير الإنساني، ثم انتهى به الندم غير المجدي إلى عقدة نفسية وحالة من اللاشعور تدفعه إلى اعتياد شرب الماء فلا يرتوي أو لا يكاد يرتوي حتى يعود إلى الشرب نتيجة للإرادة اللاشعورية.
وهذه الرواية أصدق ما تكون بالنسبة لهذا الفارس لأن الصورة التي طلت ترافقه وتهيمن على ضميره اللاشعوري هي مشهد النهر ومشهد الحسين حين يقترب إلى النهر ليش الماء، ومشهد الفارس يمنعه شرب الماء بالقوة، ولباعث من العقيدة الدينية أو الضمير الإنساني خلق هذا المشهد عقدة نفسية في هذا الفرس ولا يبعد أن تكون هذه العقدة قد أدت به إلى مرض في الجسم لا يشفيه إلا الماء فكلما تذكر المشهد اندفع إلى الماء ليشرب ويبقى يكرر العملية بوعي أو بدون وعي.
وقد أثبت العلم الحديث كثيراً من الحالات الشاذة التي ترجع إلى عوامل نفسية بحتة، تبقى ما بقيت هذه العوامل وتزول متى زالت، كما أن اعتياد بعض الأعمال والإدمان عليها بإرادة أو بدون إرادة كثيرا ما يرجع إلى مرض نفسي وإلى عقدة تنشأ من حادث يمر بحياة الإنسان فيدفعه إلى الشذوذ أو المرض الجسمي، وفي الماضي القريب قرأنا: أن رجلا شفي من مرض السل بعد وفاة حماته بلحظات. وأثبت الطبيب المشرف على علاجه أن مرضه لم يكن إلا نتيجة لعقدة نفسية.
وبعد فإن رواية عطش (الفارس) وعدم ارتوائه لا تدعو إلى الاستغراب والدهشة واستهجان (نخبة ممتازة من الشباب المثقف) ببغداد ولا تستدعي لوم (الرسالة) على نشرها لأنها من الأساطير والخزعبلات!! ما دام (الشباب المثقف) يجد مفتاحا لحل مثل هذه الأساطير والخزعبلات على ضوء العلم الحديث، وقد تنبهت (الرسالة) نفسها فعلقت على الكلمة بقولها: (لعله أصيب بهيضة) وليس بغريب أن يكون ذلك سواء أكان نتيجة لتلك العقدة النفسية التي سببها ذلك المشهد الخطر أم جاء هذا المرض عفواً فرافق حياة الفارس وكان جزءاً من تاريخه.
أما إذا لم يكن هناك تفسير لمثل هذه الروايات فإني مع المستهجنين الذين لا يرون في نشرها إلا تضليلا للعقول واستثارة للعواطف الدينية.
القاهرة
عراقي
أيها اللاجئون. . .
أقبل الشتاء أيها اللاجئون: وعلى وجهه ظلمة القبر، وفي قلبه قسوة الكفر، وعلى شفتيه صيحة الذعر، وعلى راحتيه ألف زوبعة وزوبعة. . .! أقبل الشتاء أيها اللاجئون: وحشو كسائه الأعاصير الهوج، وستر أعضائه السحائب السود، وبصيص عينيه بورق وامضة، وملء جبينه رعود قاصفة، لها في الأسماع ألف قرع وقرع، وألف طنين وطنين!
أقبل الشتاء أيها اللاجئون بارز الناب والمخلب، طويل النصل والسوط. ولكنه - بالغة ما بلغت لذعات سياطه من القسوة والشدة، وكائنة ما كانت نصال ظباه من المضاء والحدة - ليس شرا مما عانيتم وقاسيتم، وليس أسوأ مما كابدتم وجاهدتم، وهل رأيتم موقداً أخشن من الجوع والفاقة، ومورداً أكدر من الضعة والحاجة، ومتكأ أقسى من الذل والهون. .؟!
أقبل الشتاء أيها اللاجئون: وقد بدلتم بالقرار الفرار، وبالمنازل النوازل، وبالرحاب الخراب. .!
أقبل وقد بدلتم بالتسويد التشريد، وبالنعمة النقمة، وبالعلاء البلاء. .! أقبل وأمركم بين يدي حريص ومضيع، وفي وعاق، ولكم الله بين هذا وذاك. .! فماذا ترجون. .؟! والقوم قد ضاقت بكم حدودهم، كما ناءت قبل ذاك جنودهم. .!
ماذا ترجون وقد ركنوا إلى أحاديث يذيعونها، وأهوال يسوقونها (وقلوب يهبونها) بعد أن غدرت بهم قلة الذخيرة، وأضلتهم متاهات الأطماع، وأودت بهم قذارات النفوس. بل ماذا ترجون سوى أن يزجوا إليكم كل يوم قولا واهياً وأملا خابياً، ووعداً كاذباً. .!
ولا بأس أن يطالبوا بأن تفرحوا وتستبشروا، وتبتهجوا ولا تبتئسوا، ألم يقل أحدهم إن قلوبهم معكم، وإنهم حريصون على تدبير المستقبل لكم؟ وهل هناك أغلى من القلوب؟ وقد منحتموها، أو أثمن من الأفئدة؟ وقد وهبتموها. فلتتلمسوا فيها الدفء والغذاء والكساء، ولتتحسسوا فيها السلوى والعزاء والدواء. .؟ وماذا يضرهم بعد هذه الهبة الرائعة لو متم جوعاً وظلماً؟ وماذا عسى يضيرهم بعد تلك المنحة الرفيعة، لو هلكتم فريسة الفقر والعنت والإملاق بل ماذا يهمهم لو عشتم في الحاضر البائس المميت - أشباه موتى أو أشباه أحياء - حتى يدبروا لكم المستقبل الباسم السعيد. .؟ ألا ما أكرم هؤلاء السادة. .؟ فحذار أن تنسوا هذا الكرم فإن ذلك يتنافى مع إخلاص البائسين. .؟ وحذار ألا تتمنوا لهم أطيب المنى، وأهدأ الأحلام. أي إخواننا: إن كانت الصهيونية تطلق على كل من كان سبباً في طرد فرد أو أفراد من مقارهم، وإن كنتم سميتم باللاجئين لأنكم أخرجتم من مطرح إلى مطرح، فإبليس إذن أول الصهيونيين، وآدم إذن أول اللاجئين وأبو اللاجئين: فعزاء به واقتداء، وليعلم كل عربي أنه لاجئ في وطنه، وغريب في بلاده، مهما حاول أن يؤكد غير ذلك بأغلظ الإيمان، حتى تندمل جراحكم، وتلتئم قروحكم، ويقضي الله أمراً كان مفعولاً. .
أحمد قاسم أحمد
خطآن: مطبعي وقلمي
خطآن وقعا في مجلة الرسالة الغراء بالعدد 909: مطبعي في مقال الأستاذ الزيات إذ وردت به هذه العبارة (وإذا وقع على مجلة في الطب أو مقالة في العلاج أو إعلاناً عن دواء. . .) والصواب إعلان بالكسر.
وقلمي في مقال الأستاذ حبيب الزحلاوي إذ وردت به هذه العبارة (وكان لا يطيع أمر الطبيب ويعصاه). وكان الأستاذ قد التبس عليه الأمر في قوله (يعصاه) لأن الماضي (عصى) بفتح الصاد، أو كأنه ظن أن (يعصاه) مثل ينهاه وينعاه. والصحيح (يعصيه) كما ورد ذلك في التنزيل الحكيم.
عبد الحميد عمر