مجلة الرسالة/العدد 912/البريد الأدبي

مجلة الرسالة/العدد 912/البريد الأدبي

مجلة الرسالة - العدد 912
البريد الأدبي
ملاحظات: بتاريخ: 25 - 12 - 1950


محاضرة للأستاذ ساطع الحصري بك

كان معالي الأمير مصطفى الشهابي قد ألقى محاضرة قيمة في جمعية الوحدة العربية موضوعها ما هي الأمة العربية، ومن هو العربي.

وقد غاص المحاضر في أعماق التاريخ القديم والحديث، رجال بين الآشوريين والفينيقيين وأثبت انهم من العرب كما أثبت أن أقباط مصر عرب أيضاً، ثم استعرض تاريخ كل أمة من هذه الأمم في أسلوب رفيع وعرض بديع ولا على غزارة علمه، وإحاطته بموضوعه وانتقل إلى تعريف العربي فعرفه بأنه هو كل من يتكلم العربية ويشارك الأمة العربية آلامها وآمالها ومصالحها. وقد أدى هذا التعريف إلى نقاش حاد عقب المحاضرة تشعبت نواحيه واشترك فيه عدد من الحاضرين الذين كان من بينهم سعادة العلامة الكبير الأستاذ ساطع الحصري بك، فشخصت إليه الأبصار تسأله التعقيب على المحاضرة، والإجابة عن بعض الأسئلة، وتفصيل ما أجمله معالي الأمير، وتلبية لرغبة الحاضرين تفضل سعادته بإلقاء محاضرته في الجمعية نفسها يوم الثلاثاء 12 ديسمبر.

وقد استهل الأستاذ محاضرته ببيان انقسام الأمة العربية إلى دول عديدة وشعوب مختلفة، واستطرد من ذلك إلى توضيح الفرق بين الدولة والأمة. وفحوى ما قاله في ذلك أن بين العلماء اختلافاً في الرأي على صحة التعبير بالدولة عن الأمة والعكس، ففريق يرى دلالة الكلمتين على معنى واحد، وآخر يرى دلالة كل كلمة على معنى خاص. وبتمحيص الرأيين يتبين أن ما ذهب إليه الفريق الأول يصح بالنسبة إلى بعض الدول التي تنتمي إلى أمة واحدة ولا يصح بالنسبة للدول التي تنتمي إلى أمم متعددة، في حين أن ما ذهب إليه الفريق الثاني يصح بالنسبة لكل الدول، ومثل بولونيا التي هاجمتها ثلاث دول وتمكن المهاجمون من إزالة الدولة البولونية ولكنهم عجزوا عن إزالة الأمة البولونية التي ظلت محتفظة بكيانها.

وانتقل المحاضر بعد ذلك إلى بيان معنى الجنسية فبين أن لها معنيين: الجنسية بالمعنى القانوني وهي التي ينحصر البحث فيها في نطاق الدولة ولا يشمل الأمة. والجنسية بمعنى القومية.

وأوضح أن كلمة في الفرنسية تدل على الانتساب إلى دولة، وقد تدل على الانتساب إلى أمة ولو لم تكن الأمة كاملة الوجود.

وقال إن العلماء الألمان كانوا أصدق تعبيراً من العلماء الفرنسيين في هذه الناحية وأقرب للواقع والحق حين أستعمل الأولون كلمة للدلالة على الأمة، وأخرى للدلالة على الدولة، وطلب من العلماء العرب أن ينهجوا طريق علماء الألمان فيضعوا كلمة للأمة وأخرى للدولة.

وهنا قال إن وضعنا الاجتماعي والسياسي يفرضان علينا أن نضع ألفاظاً وكلمات للتفريق بين هذين المعنيين. ثم واصل الأستاذ حديثه قائلاً يجب أن نميز بين القومية والجنسية ونفرق بينهما فقد توجد القومية حيث لا توجد الجنسية بمعناها القانوني.

وضرب مثلا بالعرب عندما كانوا تابعين للدولة العثمانية قبل الحرب العالمية الأولى حيث كانوا جنسية تابعة للدولة العثمانية ولكنهم من حيث قوميتهم عرب أي قوميتهم عربية واخذ يضرب الأمثلة ويسوق الشواهد، فمثل أولاً بمنطقة ليبيا وما تعاقب عليها من احتلال واستعمار ومحاولات تجزئة. وطبق ذلك على الأمة العربية عندما كانت تابعة للدولة العثمانية قائلاً:

عندما بدأت الحركة العربية كانت حركة عربية محضة لا تعرف الإقليم ولا البلد ولهذا لم تعرف باسم الحركة العراقية أو السورية أو المصرية أو الحجازية، والنادي العربي الذي أسس يومئذ كان يعمل باسم الشبيبة العربية، والثورة العربية نفسها التي أشعلها المغفور له الملك حسين لم تكن ثورة حجازية بل ثورة عربية عامة للعرب كلهم وللأمة العربية جمعاء، ومن أجل هذا لقب المغفور له الملك فيصل عندما حرر جيشه دمشق بقائد الجيوش الشمالية.

ثم انتقل المحاضر بعد ذلك إلى الدول العربية القائمة اليوم شارحاً الظروف التي قامت فيها، وكيف حددت مساحاتها، وأعلنت حدودها الموجودة الآن فقال: إن هذه الدول العربية المختلفة لم تقم رعاية للأمم العربية، ولا محافظة على حقوقها، بل قامت لأسباب سياسية أو بتعبير أدق باتفاق الدول الكبرى الاستعمارية. وألمع المحاضر للاتفاق بين بريطانيا وفرنسا وروسيا على تقسيم ميراث الدولة العثمانية بينها عقب الحرب العالمية الأولى بل في أثنائها، ثم الاتفاق بين بريطانيا وفرنسا على تقسيم العراق وسوريا وكانت فلسطين يومئذ جزءاً منها يعرف باسم سوريا الجنوبية - إلى مناطق نفوذ واستعمار، وهذا الاتفاق هو الذي عرف فيما بعد باتفاق سايكس بيكو وأقر في مايو سنة 1916.

ويؤيد هذا أن مواطن الاتفاق الأربعة بين فرنسا وبريطانيا زاد منطقة خامسة هي الأردن، ولذلك لم يتجاوز الفرنسيون عند استيلائهم على سوريا خط العرض المتفق عليه بينهم وبين حليفتهم كما أدخلت بريطانيا فلسطين في وعد بلفور وأخرجت الأردن من حدود هذا الوعد الظالم.

أما حدود الدول العربية الفاصلة القائمة اليوم فقد فرضتها الدول المستعمرة أيضاً وعدلتها وفق رغباتها الاستعمارية ومن ذلك الموصل التي كانت في اتفاقية سايكس بيكو تابعة للنفوذ الفرنسي فطلبت بريطانيا من حليفتها فرنسا أن تتنازل لها عنه مقابل أن تطلق بريطانيا يدها في سوريا، فوافقت فرنسا على ذلك، وأصبح الموصل الآن جزءا من العراق وكان السبب في هذا اهتمام بريطانيا بالقطر العراقي.

فهل يعقل أن يعتبر السوري أو المصري أو العراقي حدود بلاده القائمة اليوم حدوداً للأمة العربية؟ بالطبع الجواب بالنفي، فالأمة العربية أمة واحدة لا تعترف بهذه الفواصل الجغرافية التي خلقها الاستعمار تنفيذاً لأغراضه السياسية. وقد يقول إخواننا المصريون هذا صحيح بالنسبة للدول العربية التي قسمت إلى مناطق نفوذ بين بريطانيا وفرنسا فماذا تقول في مصر وعروبتها وحدودها؟ والجواب أن حدود مصر الشمالية تنتهي بخط بين رفح وخليج العقبة، فمن الذي قرر هذا الحد لمصر؟ ويسترسل المحاضر في هذه الناحية فيقول:

لو رجعنا إلى عصر رأس الأسرة العلوية محمد علي باشا الكبير لوجدناه قد بسط سلطانه على سوريا مدة كبيرة ولم يتركها إلا مكرهاً، ولو لم ينسحب منها لظلت مصر وسوريا دولة واحدة منذ 120 سنة إلى اليوم. فإذا تركنا عهد محمد علي وعدنا إلى الوراء في عهد المماليك وجدنا أن سوريا والحجاز كانتا تحت حكمهم بالإضافة إلى مصر. ومعنى هذا أن مصر كانت وحدة مع سوريا والحجاز في عهد المماليك، وفي عهد الأيوبيين قبلهم كانت مصر وحدة مع البلاد العربية كما كانت كذلك في عهد الفاطميين.

ولم نجد مصر تنكمش في حدودها الحالية إلا في الآونة الأخيرة. فإذا أضفنا إلى وحدة مصر السياسية مع البلاد العربية تكلمها باللغة العربية، وتبوأها أسمى مكانة في الناحية الثقافية ظهر لنا جلياً أن مصر ليست عربية فقط، بل عريقة في العروبة. إن كل الشعوب التي تتكلم العربية هي شعوب عربية، وكل إنسان ينتمي إلى أحد هذه الشعوب عربي ينتمي إلى الشعب أو الشعوب المختلفة التي هي أجزاء من الأمة العربية الواحدة. وكانت آخر نقطة في المحاضرة الحركة القومية وعوامل تكوين الأمة فقال:

ظهر في أواسط القرن التاسع عشر نظريتان مختلفتان، نظرية ألمانية وأخرى فرنسية، تقول الأولى إن القومية كائن حي وليست مما يقرره الأشخاص، وهي قائمة على اللغة بوجه خاص، على حين تقول الثانية إن القومية مبنية على الإرادة. وعند تمحيص هاتين النظريتين نجد النظرية الأولى أقرب للصدق والواقع والمنطق، فألمانيا بنت وحدتها وتكوينها وقوميتها على وحدة اللغة ولما رأت فرنسا خطراً عليها من هذه النظرية جاءت بنظريتها. والواقع يؤيد نظرية الألمان ويهدم نظرية الفرنسيين لأن إرادة الأمة لا تأتي عفواً بل نتيجة عوامل متعددة، ولأن الإرادة ليس لها مقياس ثابت إذ يجوز أن تظهر وتختفي فلا يجوز اعتبارها أساساً للقومية. واعترافا بضعف النظرية الفرنسية وقالوا ليست كل إرادة أساساً للقومية بل الإرادة القومية الطويلة الأجل. وعلت نبرات الأستاذ إذ يقول: عندما تتكلم الأمة بلغة واحدة فإن أفرادها يتفاهمون ويتفقون ويتماسكون ويتجهون نحو الوحدة الشاملة وتشعر الأمة أنها واحدة فتريد، فالإرادة تأتي بعد تكوين الأمة لا قبلها. إن أساس تكوين الأمم يقوم على اللغة، وحياة الأمم تقوم على اللغة أيضاً، أما شعورها فيقوم على التاريخ، وإذا زال التاريخ وظلت اللغة أمكن أن تتكون الأمة ويبقى وعيها، أما إذا فقدت الأمة لغتها فقد فقدت حياتها واندمجت في الأمة التي تتكلم بلغتها. ولذلك أقرر أن كل الأمم التي تتكلم العربية أمم وشعوب عربية وعندما نستعرض قضايا التاريخ لا يبقى فينا من يقول أنا مصري أو عراقي أو فلسطيني بل عربي ولا شك أن الكل سيقول آخر الأمر العروبة فوق الجميع!

كامل السوافيري

تصويبات لغوية يقع في مقالات كثير من الكتاب بعض الأخطاء اللغوية التي لا يمكن السكوت عليها لوقوعها ممن لا يستساغ وقوعها منه.

فمن ذلك ما جاء في (وحي الرسالة): (. . ليحمل إلى الناس رسالة الزهور. .) وهذا خطأ. لأن (زهرة) لا تجمع على (زهور) فقد جاء في (محيط المحيط): (الزهرة والزهرة النبات ونوره الأصفر منه والجمع زهر وأزهار وأزاهير والعامة تقول زهور).

وجاء في كتاب (في منزل الوحي) للدكتور (محمد حسين هيكل) ما نصه (. . إن العمل الصالح يخلع قدسيته. .) والصواب (قداسته). (والقداسة) الطهارة كما جاء في (المنجد).

وجاء في (ما قل ودل) للأستاذ (الصاوي) لفظة (عريظة) والصواب (عريضة) فلا يوجد الفعل (عرظ) حتى يؤخذ منه (عريظة) ولكن يوجد (عرض) بمعنى أظهر وجاء في مقال بالهلال للدكتور (بنت الشاطئ). تحت عنوان (صور من حياتهن). (. . وهي تعجب للصدفة. .) والصواب (للمصادفة)، جاء في (المنجد):

(الصدفة لفظة مولدة بمعنى المصادفة والاتفاق). والمولدون - كما هو معلوم - لا يحتج بكلامهم:

وجاء في كتاب (رجعة فرعون) للدكتور (بنت الشاطئ) ما نصه (. . كامل المعدات الجنائزية. .) والصواب (الجنازية) برد المجموع إلى مفرده ثم النسب إليه.

وجاء في كتاب (ساعات بين الكتب)، للأستاذ (العقاد): (ولعلني أدري السبب. .) وكان الصواب أن يقول (ولعلي) - بلا نون وقاية -، قال ابن مالك:

وليتني فشا وليتني ندرا ... ومع لعل اعكس. . الخ

ولم تأت (لعل) في القرآن الكريم إلا بغير النون كقوله تعالى - حكاية عن فرعون - (لعلي أبلغ الأسباب).

وجاء في ص 351 (. . لكن أين هي الكتب. .). وإني أذكر أن الدكتورة الفاضلة (بنت الشاطئ) قد أخطأت مثل هذه العبارة في مقال سابق لها بالأهرام عند نقدها كتاب (ثقافة الناقد الأدبي) للدكتور (محمد النويهي) فقد خطأت قوله (ما هو حظ شبابنا) إذ رأت ألا موضع للضمير هنا، ولعل الذي دفعها إلى هذا ما توهمته - وتوهمه كثير من الناس - من ضرورة وقوع ضمير الفصل بين معرفتين وإلا كان ذكره خطأ. والصواب أنه يجوز وقوعه بين معرفتين أو معرفة ونكرة تشبه المعرفة في عدم قبولها أداة التعريف - كما هنا - وعلى هذا فلا خطأ في العبارتين.

وقد فشا الآن استعمال لفظ (عضوة) وهذا خطأ والصواب (عضو) - بلا تاء - للمذكر والمؤنث. لأنها اسم جنس وأسماء الأجناس لا تلحقها (التاء) إلا سماعاً، ولم يسمع.

وبعد: فهذه هنات يسيرة كان يمكن تجاوزها والسكوت عنها، لو أنها وقعت من غير المشهود لهم بالكفاءة والرسوخ في اللغة العربية.

أحمد مختار عمر