مجلة الرسالة/العدد 914/تعقيبات

مجلة الرسالة/العدد 914/تعقيبات

ملاحظات: بتاريخ: 08 - 01 - 1951



للأستاذ أنور المعداوي

صرخة أخرى من العراق

ما أطيب قلبك، وما أكرم معدن نفسك. . لشد ما يعجبني فيك إخلاصك للفن، ونمسكك بالمثل العليا، وتفانيك في سبيل أنبل الغايات. . تخال الدنيا خلقت كما تشتهيها: نبل في الطبع، وحب للخير، وعبادة للجمال!

لقد أثارت في كلمتك عن (الفن الشهيد في العراق) عواطف كثيرة. . وكنت في كل لقاء لي معك أهم بأن أقول لك أنت صرخت صرختك المدوية لإنصاف شاعر واحد، في حين أن هناك عشرات من الأبناء والشعراء يتصارعون مع الحياة القاسية، ويكافحون في سبيل الحرية المسلوبة، ويلاقون في سبيل ذلك أشد العنت وأفظع التنكيل والاضطهاد!

يا أخي: إن المسألة ليست إنصاف شاعر أو ترضيه أديب.

بل هي أعم من ذلك وأوسع شمولا. إنها مسألة الحق المهدود، والمقاييس الخاطئة، والضمائر التي أصابها الفساد فلم تشعر بالتبعية، ولم تعبأ بالمسئولية! أنها قصة كل بلد عربي، المحسوبية فيه فوق كل قانون، والعدالة في أرضه ضرب من الأفلاطونية التي لا تطبق، ومواطنوه درجات ورتب كعهود الرقيق!!.

وحين تكون ذا ضمير نقي ونفس أبية، فقد حكمت على نفسك بالإعدام في أرض غريب عنها نقاء الضمير، عزيز فيها إباء النفس. . إن نقاء الضمير، وإباء النفس، ووفاء القلب، والإخلاص للمثيل العليا، عملة زائفة في سوق أثمن بضاعة فيه أخس صفات الإنسان!

ولا بد من أنك تعرف قصة الإله الذين يريدون أن يمسخوه عبداً، أو العملاق الذي يريدون أن يصيروه قزما. . أنه صاحب القلم!! وذلك الذي يقف في بدء حياته في مفترق طريقين: إحداهما قصيرة مليئة بالرياحين، وأرقة الظلال غنية بالعطور. . إنها الطريق التي يصل فيها الحمقى وفقراء الذمة والمدقعين في الشرف إلى قمة المجد الزائف، حين تدفعهم الجرأة إلى أن يسموا الأبيض أسود، والحق باطلا، والظلم عدالة، والنخاسة ديمقراطية، والرذيلة فضيلة، إلى غير ذلك من قلب للأوضاع وعبث بالقيم. . ولا شك في أنك تجد في كل بلد عربي جمهرة كبيرة من أولئك المهرجين الذين استبدلوا حياءهم بوقاحة، ووضعوا مكان قلوبهم قطعة من النقود!! وإنك لن تجد أديبا مرفها تقبل عليه الحياة مبتسمة، وتظله السعادة بجناحيها النورانيين إلا من هذه الطبقة. . .

أما الطريق الثانية فتلك التي تقود سالكها شيئاً فشيئاً إلى الموت البطيء. . تلك التي تجعله دائماً في عداء مع الحياة! تلك التي تحرمه مما تحل الرأفة للحيوان الأعجم من قوت ومأوى. . وما تستوجبه الطبيعة من رعاية! آه ما أقسى الظروف. . لقد عاهدت نفسي ألا أتحدث عن نفسي. . وأراني اليوم مرغماً على نقض العهد لأن الإناء قد فاض، وامتلأ صدري بما يشبه القيح!

أغلب الظن أنك تعرف قصة حياتي في مصر. . أو قل طرفا منها. وأغلب الظن كذلك أنك تعرف كيف كنت أكافح وحيداً قسوة الحياة الجارفة ومرارة الدنيا العبوس. . وكيف كنت أجهد جهدي لا لأستمتع بنعيم الحياة أو لأنال وطراً من عهد الشباب، بل أقنع بالكفاف لمواصلة دراستي الجامعية. . وكنت دائماً تتهمني بالنشاط. . عجيب أمرك والله!. . كأنك لا تعرف أن القلم مهما خط وسطر وملأ الصفحات فلا يفي بخط يسير من أعباء الحياة!! إذا تنزه القلم عن أن يكون مأجوراً، وأبى الضمير إلا أن يكون أبيض الجبين، وأخلص القلب للثالوث المقدس: الحق والعدالة والحرية!!

إنني لأذكر تلك الأيام والدموع تملأ قلبي؛ فقد كانت شديدة القسوة، ثقيلة الوطأة، عظيمة التكاليف. . وفي سماء حياتي الحالكة تسطع مصر الكريمة كنجم منور: فإنني مهما كنت قليل الحظ من الوفاء فستظل لمصر منزلة أعظم بها من منزلة، فقد أخذت بيدي من حيث نبذني وطني، وأشفقت عليّ من حيث لم أعرف من وطني إلا غلظة القلب، وخشونة الجانب!

وطني!. . تلك الأغنية الحبيبة التي كنت أرددها في ليالي السهاد. . وتلك الكأس التي تنعش روحي كلما أصابها جفاف الحياة. . لقد كنت أذكر وطني دائماً، وأجاهد لأرفع سمعته، وأعرف الناس بالشعب الذي أنا منه. . ومع ذلك فوطني شحيح عليّ، ضنين بكل ما يثبت أن العراقيين متساوون في الحقوق!!

وفي كل سنة أذهب إلى بغداد لأنال ما يقره القانون لي من حق كطالب علم، غير أن الأبواب تغلق في وجهي، ويحال بيني وبين حكم القانون، وأرجع إلى مصر خاوي الوفاض إلا من تلك العزيمة على مجابهة الحياة ومجالدة الأيام!

إن الحيرة لتشدد عليّ الخناق! أأنا لا أستحق مقداراً ضئيلاً من المال أستعين به على طلب العلم، في الوقت الذي تغدق فيه الأموال من غير حساب لغير وجه الحق؟!. . وهل أنا دون أولئك الذين تغدق عليهم الأموال باسم العلم وهم بين كؤوس الطلي ومهرجان الرذيلة؟! أحق أنني لا أستحق بعض ما يناله أصحاب الكروش والذين يحسبون الحياة امتلاء معدة حتى التخمة، وإراقة الأموال على أقدام الغانيات وتفريغ الجيوب على الموائد الخضراء؟!

لا يا صديقي. . لقد أثرت شجني وملأت صدري بكوامن الهموم، أنا الذي أحاول دائماً إن أنظر إلى الحياة على أنها فصل قصير من رواية ساخرة. . لا أطيق اليوم أن ابتسم وقلبي يشرق بالدمع، وصدري يعصف فيه الألم الحاد، ونفسي فريسة للأحزان!

إنني أكتب إليك هذه الرسالة لا لترفعها إلى معالي وزير المعارف في العراق. . بل هي هزة ألم اعترت كياني فسطرتها لك. لأن المرء قد يجد نفسه في بعض الأحيان أمام قوة هائلة تدفعه من الداخل إلى أن القول. . إلى أن ينشد لحناً حزيناً. . إلى أن يفضي ببعض ما في نفسه!

إنني جئت إليك لا لأتظلم عن نفسي. . فغدا سوف أدخل المستشفى، ومن يدري؟!. . فقد أشهد خاتمة المهزلة. . . مهزلة الحياة. . وأنا معلق بين السماء والأرض. . ولكن جئت لأتظلم عن كثير ممن يقضون حياتهم على مضض، بعيداً عن رحمة الحكومة وحماية القانون!!

يا صديقي. إنها قصة الظلم وليست شكاة التأثر، لأن النقمة تتحول في نفسي إلى معدن كريم. . هو الجهاد! ذلك الغذاء الروحي لنفوس حرمها الناس من الغذاء المادي. . وهو أدنى درجات الحياة!!

وتقبل من أخيك كل احترام وتقدير

(القاهرة)

غائب طعمة فرمان

أنا من الذين يتقبلون الظلم راضين عنه مطمئنين إليه، إذا كان فيه شيء من المساواة بين الناس. إنك حين تظلمني وتظلم سواي ولو بغير حق، فظلمك للجميع إن لم يكن في منطق الفكر عدلاً فهو عدل في منطق الشعور والوجدان! وفي مثل هذه اللحظات التي تروع بأسر القيد وتلوح بوخز الجراح، تكون المشاعر الإنسانية هي صاحبة الحكم الأول على رواسب الظلم في قرار النفوس. . أريد أن أقول لك إننا نحتكم في مثل هذه اللحظات إلى العقل أقل مما نحتكم إلى العاطفة، ولنا الكثير من العذر إذا نحن خضعنا لمنطق الشعور وسرنا حسب هواه، وفهمنا الظلم على أنه عدل مطلق ما دام مقترناً بالمساواة!

أتقبل الظلم على هذا الأساس راضياً عنه مطمئناً إليه، ما دمت أنظر إلى من حولي على أنهم أقران لي ونظراء. . كلنا في الضيم قلب إلى قلب، وكلنا في الظلم روح إلى روح. . أما أن تفرق بيننا في الحقوق فتعطى باليمين حين تسلب بالشمال، فهذه هي اللحظات الأخرى التي تنحدر فيها الضمائر وتنطمس المشاعر، وتنمحي من سفر الإنسانية أجمل ما فيه من سطور وأفضل ما فيه من كلمات!!

أقول هذا وأنا أقدم إليك هذه الرسالة التي أوقدت بين جنبي شعلة الأسى وألهبت بين يدي شباة القلم. . وتترنح الألفاظ على فمي وأنا أستعرض مرحلة أخرى من مراحل الكفاح، الكفاح المقدس في سبيل العلم. نعم، مرحلة أخرى. . فقد كانت المرحلة الأولى هي تلك التي حدثتك عنها على صفحات الرسالة: إنها محنة تتبعها محنة، وصرخة تعقبها صرخة، ومأساة تلحق بها مأساة. . ويارنة الأسف للعراق الشقيق ويا رحمة الله للشباب الشهيد!

بالأمس عاش (الناصري) غريباً في وطنه وغريباً في باريس، واليوم يستشعر (غائب) لدغ الغربة في القاهرة بعد أن لفحته بنارها في بغداد. . وذنب الأديب والشاعر أن كليهما آثر العلم وآمن به، وأحب العراق وأخلص له، وأراد أن يقبس من وهج المعرفة ليعكسها على وطنه فنوناً من الضياء. ولكن رياح الظلم قد أطفأت مصباح الأديب فبقي في الظلام، وطوت جناح الشاعر فكف عن التحليق. . وذلك هو حكم العراق العادل حين يتطلع المخلصون إلى عدالة الأوطان!

وبعد هذا تسمع من يقول لك إن الشباب قد كفروا بالقيم، وسخروا من المثل، وانحرفوا عن الطريق. . وماذا يفعل الشباب وهم يرون القيم الفاضلة تداس بالإقدام، والمثل العالية تمرغ في التراب، والطريق القويم والأشواك؟ ماذا يفعلون وقد عصفت الأهواء بكل ما بقي في نفوسهم من أمن وبكل ما استقر بين جوانحهم من إيمان! هذا الشاعر المكافح يحال بينه وبين العلم لأنه ليس من أصحاب الثراء، وهذا الأديب المجاهد تغلق في وجهه الأبواب لأنه ليس من أقارب الوزراء. . ويصل الذين قد عمرت منهم الجيوب واقفرت العقول، وقضوا حياتهم وهم ضيوف على موائد الملق والجهل والنفاق!!

وأنا والله أكاد أكفر بالضمير الإنساني لولا بقية من أمل. . بقية أحتفظ بها للغد القريب أو الغد البعيد، الغد الذي قلت عنه من قبل أنه قد يرف الربيع إلى جفاف الغصون، ويطلق الأحرار من زوايا السجون، ويحمل خمرة السلوان إلى ندامى الشجن. . الغد الذي قد يأتي بقلوب غير القلوب، وعقول غير العقول، وقادرة غير الفادة، وعندئذ يجد الشباب المحيرون ذلك الظل الوريف الذي يحميهم من وقدة القيظ ولفح الهجير!

ماذا أقول لهذا الصديق الذي كنت أرقب خطواته في طريق العلم، وجهاده في ميدان الأدب، وصبره على تحبهم الأيام؟ ماذا أقول له وقد ترك الجامعة إلى المستشفى، وحرم رؤية الأستاذ ليشقي برؤية الطبيب، وهجر دنيا القلم ليصبح وهو طريح الفراش يا أخي صبرا. . صبرا ولو كان هناك إنصاف وإجحاف، ورعاية وإهمال، وإغداق وحرمان! حسبك أن النقمة تتحول في نفسك إلى معدن كريم هو الجهاد وحسبي أن أسمع منك هذه الكلمة وهي صادقة وهي درع الأمان لكل محارب يتلقى الضربات، وهي شاطئ النجاة لكل زورق يواجه العاصفة!!

عودة إلى مشكلة القراء:

تتبعت تعقيباتك عن أزمة القراء وأنها - والصدق يقال - لعين القين. إن قراء الكتاب في هذه الأيام فئة قابلة للنقصان لا للزيادة، ولن يمر عدد من السنين - مع بقاء الأحوال الأخرى ثابتة كما يقول الاقتصاديون - إلا ويصبحون في خبر كان. . وأما عن قراء المقالة المحترمة يا سيدي فنظرتي إليهم أيضاً سوداء، والفئة الوافرة العدد هم قراء المقالة التافهة التي تنشر مذكرات فلانة الممثلة بقلم الكاتب التافه فلان، وكأن مثل هذه السفاسف ومثل هذا المجون خليق بأن ينشر يقرأ!

إن ذلك الذي هجر تجارة عصير الأذهان إلى تجارة الفواكه لرجل بعيد النظر، لأنه لم يجد الجو بارقة أمل لاستصلاح القراء في مصر، وإلا فما رأيك أنني لم أر في كلية التجارة بجامعة فاروق طالبا يحمل كتاباً أدبياً طوال ثلاث سنوات قضيتها في هذه الكلية وكأن حرمها على الكتاب؟! وقد يقول قائل إن أبحاث الاقتصاد قد سدت من دونه المسالك، ولكن الأسف فهي الأخرى في المكتبة لا تجد المخلص الذي يزورها إلا ما قد ندر!

الطلبة يا سيدي يريدون الحصول على الشهادة بأقصر طريق مشروع، فالكتب تختصر، والمذكرات تختزل، وهكذا دواليك إلى تنتهي إلى البرشامة الشهيرة،. . إن رؤيتي أحمل كتابا أدبياً لكفيل باسترعاء أنظار الطلبة، ما بين ساخر مني وبين مشفق على لإضاعة الوقت في هذا الهراء بدلا من التمتع به متسكعا في محطة الرمل على سبيل المثال. . وإني لأعرف من الجامعين من لا يشتري حتى الجريدة اليومية، فبأي سلاح يتوجه هؤلاء إلى الحياة؟!

ولكن لا أحملهم وحدهم عبء الاتهام، بل أشرك معهم المدرس الابتدائي والثانوي في تحمل التبعة، فأغلب المدرسين ولا أقول كلهم قد هجروا الكتاب وتركوه ظهريا وكرسوا وقتهم وجهدهم في إعطاء الدروس الخصوصية التي هي كارثة التعليم بلا مراء. إن الطالب مرآة أستاذه وما تلقاء من الطالب فهو إرث انتهى إليه من الأستاذ!

أي مستقبل حالك السواد ينتظر الثقافة عموما في مصر، ولكن ما ذنب عشاق العلم والأدب الذين يحرمون دون ما ذنب اقترفوه من مؤلفات كاتب مثلك، يعلم الله مكانته في قلبي وقلوب قرائه؟! إنك لا تتصور يا سيدي لهفتي ليوم الأحد من كل أسبوع كي أحصل على الرسالة ويكون أول باب أقرؤه هو (التعقيبات)!

ولكن يا سيدي ألا تضيف إلى فئة القراء فئة متعهدي النشر في تعقيد هذا المشكل؟ وما رأيك في أنني ذهبت لشراء (رسائل الرافعي) للأستاذ محمود أبو ربه فوجدته بأربعين قرشا، مع العلم بأن ثمنه المعروف في كل مكان هو ثلاثون قرشا؟!. . أروى لك هذا منتظرا منك التعليق.

الإسكندرية

كمال عبد المنياوي

هذه الظواهر العجيبة التي يذكرها الأديب يذكرها الأديب الفاضل حول مشكلة القراء قد عرضت لها بالبحث والمراجعة فيما كتبته قبل ذلك من فصول، وبخاصة عندما تحدث عن ثقافة الطلبة الجامعين في هذه الأيام. . وإذا كان الأديب الفاضل يقص علينا بعض مشاهداته في جامعة فاروق، فأراد أن أقول له إن الحال لا تختل كثيرا في جامعة فؤاد. ولا في جامعة إبراهيم، ولن تختلف في جامعة محمد علي إن شاء الله!

إن ثقافة الجيل بوجه عام أمر يدعو إلى الأسف ويبعث على الرثاء، وليست أدري ما هي المعجزة التي يمكن أن تحدث حتى يقرأ الناس في نصر، سواء كانوا جامعيين أم غير جامعيين. . أشهد أن لي صديق يشتغل بمهنة التدريس في الجامعة فؤاد، لا يكاد يكف عن الشكوى مما يلقاه من جهل الطلبة بفنون العلم وشئون الحياة، ولا يكاد ينتهي من سرد الأدلة وضرب الأمثال وهو يحدثني عن طلبة الجامعة، هؤلاء الذين صدموه بالواقع المر بعد أن عاد إليهم دكتورا من جامعة باريس. . ويخبط الصديق كفا يكف وهو ينظر إلى ثائرا ويقول: يا أخي أقسم لك أنني كنت أعرف أسرة فرنسية صديقة، وما من أزور فيها هذه الأسرة إلا وتقع عيناي على منظر فريد، منظر الخادمة وبين يديها كتاب مفتوح، لا تكاد تلقي به إلا إذا دعيت لمطلب من مطالب البيت أو أمر من أمور المائدة. . وإذا حدثتك عن شغف الخادمة بالقراءة وولعها بالاطلاع، فلست بحاجة إلى أن أحدثك عن ثقافة السادة فهي في غنى عن كل حديث الخادمات في فرنسا يقرأن، وطلبة الجامعة في مصر لا يقرئون. . ألا تعذرني إذا ما ضقت ذرعا بمكاني في كلية الآداب؟!

لقد عذرته بالطبع. . ويقي أن يعذرني الأديب الفاضل إذا ما أرجأت طبع كتبي حتى تحدث المعجزة الثانية، وهي أن نرفع وزارة المالية هذه الحواجز السخيفة التي تحول بين الكتاب المصري وبين البلاد العربية. . إن الكاتب الذي يعتمد على مصر وحدها في توزيع كتبه يجب أن يكون من الأثرياء، ليستطيع أن يتحمل الخسارة المادية وهو يواجه أزمة القراء! أما عن بعض الكتب التي تباع بأكثر من ثمنها المحدد فهي ظاهرة لم أسمع بها من قبل. لقد كنت أفهم مثلاً أن يسلك الناشرون هذا الطريق إذا ما ساعدهم الجمهور القارئ وأقبل على آثار الكتاب، أما لن يلجأ إلى هذه الوسيلة وقراؤنا (الأفاضل) يؤثرون عصير البرتقال على عصارة الأذهان، فهذا هو الغباء الذي يفوق كل غباء!!

وللأديب المناوي أصدق الشكر على كريم تقديره، وأخلص التهنئة على أن دراسة الأدب في حياته لم تشغله عنها دراسته الاقتصاد!

من حقيبة البريد:

بين يدي كثير من الشعر، وكثبر من النثر، وكثير من الأسئلة التي تدور في محيط الأدب والفن وأستعرض هذا الفيض من الرسائل لأقول لحضرات الشعراء والكتاب والسائلين، إن (الرسالة) لن تحجم عن نشر ما يستحق أن ينشر، وإذا كان هناك شئ من الإرجاء فمرده إلى كثيرة ما يصلنا من نفحات الأقلام، ولن تغلق الرسالة أبوابها يوما في وجه أصحاب المواهب والملكات. . أما هؤلاء الذين يبعثون إلى بأسئلتهم الأدبية، فموعدي معهم في الأعداد المقبلة إن شاء الله.

أنور المعداوي.