مجلة الرسالة/العدد 92/البريد الأدبي

مجلة الرسالة/العدد 92/البريد الأدبي

مجلة الرسالة - العدد 92
البريد الأدبي
ملاحظات: بتاريخ: 08 - 04 - 1935



كلود فارير عضو الأكاديمية الفرنسية

في 28 مارس جرى في الأكاديمية الفرنسية انتخاب طال انتظاره على كراسيها الخالية؛ فانتخب ثلاثة من الأعلام الأحياء مكان ثلاثة من الأعلام الذاهبين؛ هم كلود فارير مكان لوي بارتو، وجاك بانفيل مكان بوانكاريه، وأندره بليسور مكان الأب بريمون. والثلاثة من أقطاب الكتابة والأدب، فإن كلود فارير قصصي كبير، وجاك بانفيل مؤرخ وصحفي بارع، وأندره بليسور مؤرخ ورحالة وصحفي كبير اشتغل حينا سكرتيرا لتحرير مجلة (العالمين) الشهيرة. ولكن أشد الخالدين الجدد اتصالا بالأدب هو بلا ريب كلود فارير

وكلود فارير ضابط بحري سابق؛ وكان مدى أعوام طويلة زميلا لبيير لوثي وصديقه الحميم؛ وقد تأثر بحياة البحر كما تأثر بها لوثي؛ وتأثر بعبقرية صديقه واتجاهه الأدبي. ولما توفى لوثي سنة 1923 استمر فارير يحمل رسالته وينهج نهجه، فيؤثر البحر ورجاله، والمواني وأحياءها ومنتدياتها بكتابته؛ ولبث مثل لوثي يهيم بالمناظر والبيئات والشخصيات الغريبة

وكان أول ظفر أدبي لكلود فارير في سنة 1903 إذ صدر كتابه الشهير (خان الأفيون) وهو مجموعة قصص وصور تمثل حياة المدمنين في الشرق الأقصى؛ وكان فارير يومئذ ضابطا برتبة ملازم في إحدى الدارعات الحربية؛ وفي سنة 1905، أخرج قصته الكبيرة: (المتحضرون)، فنال بها جائزة أكاديمية (جونكور)، وذاع اسمه بين أقطاب الأدب، وبعد ذلك استمر فارير في الكتابة وإخراج القصص الصغيرة والكبيرة، ومن قصصه الكبيرة: (الرجل الذي قتل)، وهي على ما يرى بعض النقدة أعظم قصة لفارير، ومنها: (الحرب) و (منزل الأحياء) و (الآلهة الأخيرة) و (المحكوم عليهم بالإعدام) و (الرجال الجدد) وغيرها؛ وله عدة مجموعات من القصص الصغيرة أشهرها: (سبع عشرة أقصوصة بحرية) و (أحمد باشا جمال الدين) و (قصص الأباعد والأقارب) و (أربع عشرة أقصوصة عسكرية) وغيرها. ولفارير قطع مسرحية أيضا منها (توما لا نليه) و (قبيل الحرب)

وكلود فارير مثل صديقه بيير لوثي من أقطاب المذهب الابتداعي (الرومانتيزم) وقد تأثر مثل لوثي بأميل زولا. وقد كتب فارير مثل لوثي أيضا كثيرا عن تركيا والمجتمع الترك وخلاله متأثرا في ذلك بسحره الشرقي القديم. وقد كان مثل لوثي يدافع عن تركيا القديمة، ويحاول أن يخرج أبدع صورها للغرب، وما زال فارير متعلقا بهذا السحر الشرقي القديم، يأسف لما حل بتركيا القديمة من تبدل وتطور، ويرثي هذا المجتمع القديم الساحر، بقصوره الشاهقة، ونسائه المحجبة، وبذخه وبهائه، ولا يرى في تركيا الحديثة سوى صورة ممسوخة لا هي استبقت القديم، ولا بلغت في الحديث شيئا. ولفارير عدة كتب وقصص عن تركيا في آخر عصور السلاطين

وأما أسلوب فارير فهو ساحر، وهو أقرب إلى البساطة وعدم التكلف، وهو أشبه الأساليب بأسلوب جي دي موباسان، ومع هذه البساطة الجمة تراه ينفث المتاع والسحر في قارئه. ثم هو أسلوب مكشوف في بعض النواحي، بمعنى أن فارير يذهب في التصوير والوصف إلى حدود لا يبلغها الكثيرون، وأشد ما تبدو براعة فارير في وصف حياة المواني الكبيرة، وما يقع في منتدياتها وبؤرها السرية من أنواع الخلاعة والتهتك وصنوف الانحلال الأخلاقي والاجتماعي، فهو يصف لنا مقاهي الأفيون والحشيش في ثغور الشرق، وحياة البؤر والمواخير السرية في أمريكا وفي الهند الغربية، ويصف لنا عادات رجال البحر في السفينة وفي الميناء عند الجد وعند الهزل، ويصف حياة البغايا في الموانئ، ومجتمع السفلة والأوغاد؛ وكل ما يتعلق بهذه الحياة المثيرة التي لا يدرك أغوارها إلا رجل مثل فارير طاف العالم وثغوره، ونفذ إلى أعماق هذه الحياة بصورة عملية

وقد انقطع فاير إلى الأدب منذ أعوام طويلة؛ وهو اليوم يعمل في الصحافة إلى جان كتابة القصص، وينشر في الصحف الفرنسية، ولا سيما جريدة (الجورنال) مقالات طريفة ساحرة في مختلف الموضوعات والصور

ومما يذكر في حياة فارير الفياضة بالسياحة والمخاطر، أنه كان إلى جانب مسيو دومير رئيس الجمهورية الفرنسية السابق حينما اغتاله القاتل جور جولف برصاصة، وحاول فارير إنقاذه، فأصابته في ذراعه رصاصة من القاتل ألزمته فراشه مدى حين

صاحب الجائزة في المسابقة الأدبية

صديق العزيز صاحب الرسالة

تحية وسلاما. أما بعد. فقد زعم علماء النفس - والنفس أمارة بالسوء - أن ارتكب جرما مرة نازعته غريزته إلى ارتكابه مرة أخرى. ومهما حاول الشقي أن يتوب ويرجع، فان جوارحه تتحرك، وأعضاءه تتدافع نحو تلك الجريمة، رغم كل مقاومة

والجريمة التي نحن في حديثها الآن هي ترجمة الشعر بالشعر. جريمة قديمة أليمة. ولها في صفحات الأجرام الأدبي أصول عريقة عميقة. والذين ارتكبوها وأمعنوا في ارتكابها، كان نصيبهم عادة الإعدام الأدبي مدى الحياة

ولقد كنت تبت من تلك الجريمة - أو خيل إلي أني تبت - حتى قرأت - وأنا أقضي عيد الفطر تحت شمس أسوان المشرقة - تلك القصيدة البديعة التي نظمتها كاتبتنا البارعة الآنسة مي، فنازعتني النفس اللجوج، إلى أن أكسر التوبة، وتقوضت صروح المقاومة أمام ذلك الشعر المغري والمعاني الساحرة. وسهلت الشاعرة أمامنا الصعاب بترجمة نثرية قربت البعيد، ومهدت العسير، فما شككت في أن كل أديب في الأقطار العربية سيندفع بالرغم منه إلى ترجمة تلك القصيدة

أما أني لم أرسل مع الترجمة اسما، بل وحاولت إخفاء خطي، فهل ينتظر من مرتكب الجريمة الاعتراف الصريح، وهل يستغرب منه أن يخفي معالمها جهد طاقته؟

والآن وقد نجحت المجازفة، فلا بأس عليك من إرسال الجائزة. فان دراهم الأدباء حلال للأدباء. ولا أشك في أن أصدقائي الأدباء سيلحون في أن تنفق تلك الدرهم، في وليمة أدبية تعد لهم. وهم يزعمون أن خير الطعام ما جاء من طريق مسابقة أدبية. ولقد أحاول إفهام هؤلاء أن الأفضل أن يشتري بالدرهم سفر قيم يكتب في أوله حديث الجائزة، من أجل الذكرى والتاريخ. وما أظنهم ممن يجدي فيهم الإقناع. وإليك التحية الخالصة من أخيك

محمد عوص محمد

الجيزة في 3 أبريل سنة 1935

يجمالبون المثال

الأديب الفاضل زكي شنوده جندي: - شبرا

قرأت ملاحظتك الطيبة على أسطورة يجماليون المثال (الرسالة - العدد 90). والحقيقة أن هذه الأساطير قد تناولتها يد التبديل والتحوير طيلة العصور السحيقة التي مرت بها. وأكبر ظني أن الإغريق لم يكن لهم من أسطورة يجالبون المثال إلا ما لخصته أنا؛ لأني أعتمد فيما أكتب على أوثق المصادر التي لا يمكن أن يعتورها الشك، أما بقية الأسطورة التي أشرت أنت إليها فهي، كما أذكر، من ابتكار الكاتب القصصي الفذ ج برنردشو في قصته الخالدة (يجماليون)، وقد استمد الأديب الأيرلندي الكبير مادة قصته من الأسطورة اليونانية، وزاد عليها هذه الزيادة التي لاحظتها، لأنها بذلك، في نظره، تكتمل ما أحببته أنت لها من الرونق والكمال؛ وأحسبك في غنى عن أن أذكر لك، أن هذه الأساطير الجميلة كانت أبدا، ولا تزال، مصدر الإلهام للشعراء في الغرب الحديث، وهذا جون كيتس في قصيدته أنديميون، قد بدل في الأسطورة الإغريقية وحور، مع ذاك زادها جمالا وكمالا؛ وكذلك فعل شلي في (أدونيس) التي بكى فيها كيتس

ومع ذاك، فأنا و (الرسالة)، إذا منحتني هذا الحق، نشكرك

د. خ

الاحتفال الألفي بذكرى المتنبي

علمنا أن لجنة تألفت في دمشق لوضع برنامج شامل للاحتفال الألفي بذكرى وفاة أبي الطيب المتنبي، وستدعو إلى الاشتراك في هذا الاحتفال جميع البلدان العربية. ويقال إن سلسلة هذه الاحتفالات ستبدأ في رمضان القادم

مصير اياصوفيا

لن يجد الذين يزورون استانبول من المسلمين في (اياصوفيا) مسجدا تؤدى فيه الصلاة كما كان حتى العام الماضي. ولكن (اياصوفيا) أنبل الآثار الرومانية في (قسطنطينية) قد حول الآن إلى متحف قومي تنفيذا للقرار الذي اتخذته الجمهورية في هذا الشأن، يزوره الجمهور مقابل أحد عشر قرشا تركيا (نحو قرش صاغ) وقد رفع من ساحاته الأثاث والرياش وكراسي المصاحف، وأرسلت طنافسه إلى مساجد أخرى في أدرنة. وظهرت في ساحته المنطقة القديمة التي كان يؤمها عباد الصور في القرن الثامن الميلادي؛ ولكن ترك المحراب ومنبر المؤذن والمصابيح البرنزية الكبرى (القناديل) وسلالها البيزنطية؛ وترك أيضا المنبر السلطاني الذي أقامه السلطان أحمد الثالث، واللوحتان اللتان كتبهما الخطاط التركي الشهير تقنج زاده إبراهيم في سنة 1642

وستنقل التحف الرومانية والبيزنطية إلى (اياصوفيا) عما قريب؛ وبذلك ترفع عن المسجد صفته الدينية التي أسبغت عليه منذ فتح قسطنطينية سنة 1453م

جائزة مينيرفا

من أنباء باريس أن جائزة مينيرفا الشهيرة قد منحت إلى مدام كلير سانت سولين؛ من أجل روايتها المسماة (نهار) وقد فازت بها دون عدة من الكتاب المنافسين. ومدام سانت سولين روائية فرنسية شابة، تلقت تربية عالية وتخرجت في جامعة باريس، وهي تكتب منذ أعوام كتابة الهواة لا المحترفين ولم تنشر سوى قليل مما كتبت، ويقال إنها أحرقت من تأليفها عدة قصص لم ترها جديرة بالنشر، وهي من عشاق القرية والغابة والمناظر الريفية، وقد لفت فوزها بهذه الجائزة الأدبية الشهيرة الأنظار إليها، وبدأت الصحف والمجلات تتناول حياتها وجهودها الأدبية بالنقد والتعليق