مجلة الرسالة/العدد 921/ومضات من الحجاز

مجلة الرسالة/العدد 921/ومضات من الحجاز

ملاحظات: بتاريخ: 26 - 02 - 1951



للأستاذ حمدي الحسيني

نزل القرآن الكريم على رسول الله صلوات الله عليه والعرب سادرون في مهاوي الضلال، مهددون بالفناء والاضمحلال، غرائز النضال والغلبة في نفوسهم هامدة خامدة، ورغباتهم في الحرية والاستقلال مكبوتة محتجزة. فدعاهم رسول الله إلى الهدى ودفعهم إلى العزة والكرامة، وأمرهم بالنضال في سبيل الحرية والاستقلال، فوقعت المعركة الكبرى بين الحياة والموت، فعبأ رسول الله كل جزء حي من الأمة لمقاومة الموت، وساق كل أنواع القوة لدفع الفناء، وكان الشعر القوى في هذه المعركة المقدسة سيفاً من السيوف المشهرة في وجوه المشركين، وقد عمل هذا السيف ما عمل هذا السيف ما عمله الحسام في أيدي الأبطال في ميادين القتال، وظل شعر القوة كذلك في الحجاز حتى تصدعت الوحدة العربية وتضعضعت القوة الإسلامية، وانتقل الحكم الإسلامي من الحجاز إلى الشام، ومن بغداد إلى الآستانة، فأفتقر الحجاز من القوة ومن شعر القوة، ومن الحياة ومن شعر الحياة حتى أصبح:

كقفر أفاء الموت فيه ظلالة ... فأوحش حتى ما تصر جنادبه

وظل كذلك حتى أعلن الدستور العثماني فأخذ يتحرك تحركاً بطيئاً ويتماثل للنهوض تماثلاً ضعيفاً غلى أن شبت نار الثورة العربية فيه، فأصبح الحجاز علماً في رأسه نار، ترنو إليه عيون العرب، وتتوافد غليه رجال الأدب، فأوجد هذا الاحتكاك حياة في الحجاز وحركة أخذت تنمو وتتسع حتى رأينا في صميمها حركة أدبية فنية نشيطة تندفع نحو النور وتتواثب نحو الحياة والحرية بقوة لا تلبث أن تصبح كافية لتحقيق الغاية والوصول غلى الهدف إن شاء الله. وإليكم الطلائع التي تطمئن لها نفوس العرب على أعز قطر من أقطار العرب.

السيد أحمد إبراهيم الغزاوي: ولد بمكة وتلقى علومه فيها ثم اشتغل بالوظائف في حكومة الملك حسين ثم في الحكومة الحاضرة وقد حاز لقب شاعر الملك عبد العزيز آل سعود المعظم. نظم قصيدة بمناسبة الحلف العربي الذي تم بين المملكة العربية السعودية ومملكة اليمن بعد تلك الحرب الطاحنة التي جرت بين القطرين الشقيقين منذ ست عشرة سنة. وفي القصيدة ألم لما وقع بين المملكتين العربيتين من خصام وامتشاق حسام، وفيها رضى عن النتيجة التي انجلى عنها ذلك الخصام وهي الحلف بين المملكتين. وقد أعجبنا في القصيدة روح الإخاء والمودة التي تقام عليها الوحدة العربية بين العرب؛ فترى الشاعر بعد أن يشيد بقوة ابن السعود العسكرية ويعتز بها يقول:

أفأنا إلى صلح تمهد بعدما ... أفاء بنو أعمامنا للأواصر

وتلك المنى لولا المنايا تقدمت ... فأنعم بهم من كل باد وحاضر

هم الجيرة الأدنون واللحمة التي ... لها الحسب الوضاح عرف الأزهر

وهم دمنا الغالي وأعصاب مجدنا ... وأعضاؤنا في كل ماض وحاضر

فقل لذوي الأحقاد هذا نتاجكم ... فهل كان إلا غصة في الحناجر

سعيتم فأخفقتم وبؤتم بإثمكم ... وبؤنا بحلف كامتزاج العناصر

واسمعه الآن يخاطب الشرق العربي:

يا شرق حسبك مالقيت من عنت ... أفق فإنك بعد اليوم مقتحم

شمر ذيولك وانهض لا تكن خولاً ... ولا يصدك عن درك العلا حمم

وواصل السعي في التعليم مقتبساً ... خير الفنون وإلا مضك الألم

وارهف عزائم من أبنائك اتكأوا ... على الأرائك يعلو فوقها القتم

السيد أحمد قنديل: ولد بجدة وتعلم في مدارسها ثم اشتغل فيها بالتعليم والصحافة، وهو شاعر من شعراء القوة يدعو إلى الانطلاق من قيود الخضوع للقديم البالي وينادي بالحرية والنظام.

جاهر برأيك في الحياة ولا تخف ... غراً تذرع بالسفاهة أو حسود

وانهج إلى المثل الشريف فحبذا ... المثل الشريف العتيد

واسلك سبيلك كيفما تختاره ... مادمت مصطحباً به الرأي السديد

فإذا سلمت به فأنت موفق ... وإذا عثرت فمن عثارك تستفيد

والفوز في شتى المواقف حافز ... للمرء داعيه إلى شرف المزيد

واسمعه الآن يخاطب الشعب هذا الخطاب الرصين الخالي من العنجهية والغطرسة:

لسنا من المجد في أعلى منارته ... أو في الطريق قطعاً منه ما عظما لكنما نحن شعب يرتجي أملاً ... ضخماً وأرقى أماني الشعب ما ضخما

ومن رجا وسعى في الجد متشحاً ... بالصبر مدرعاً نال المنى نعما

السيد حسين السراج: ولد بالطائف وتلقى علومه الابتدائية بمكة ثم رحل إلى شرق الأردن حيث أخذ علومه الثانوية ثم التحق بالجامعة الأمريكية في بيروت؛ وهو شاعر من شعراء الحجاز الناهضين للكفاح في سبيل الحياة، اسمعه يخاطب الشباب:

يا شباب البلاد كونوا جميعاً ... أخوة عصبة جهاراً وسرا

ثابروا في جهادكم وأعدوا ... خلقاً باسلاً وعزماً وصبرا

حققوا الظن فالأماني سبيل ... من يغامر أتته طوعاً وقهرا

يا شباباً عليه تبنى الأماني ... أشحذ العزم فالمصائب تترى

واصل السير فالحياة نضال ... تبتغي قوة وحزماً وخبرا

السيد عبد الوهاب آشي: ولد بمكة وتعلم فيها؛ ثم اشتغل فيها بالتعليم والصحافة وقد اعتقل على أثر حادثة ابن رفادة، ونفي إلى نجد وهو من شعراء الحجاز الذين يحملون روحاً قوية وثابة.

ويح الجبان إذا استطا ... رلهيب قاصمة الظهور

يدع الديار بلاقعاً ... والحر في قيد الأسير

والموت خير للفتى ... تحت المناصل والقتير

من ذلة تدع الأبي ... مطية العسف المرير

واسمعه يخاطب رفيقاً له:

فانتض العزم وامتط الجد والبس ... مطرف البأس كي تجوس الحنادق

إن في هذه الحياة مجالاً ... لمريد الحياة جم الطرائق

جولة ثم جولة يتجلى ... لك في ذا الجهاد صدق الأصادق

لك مني الثبات يوم تعد ... العزم للكد في مجال البوائق

نقصد المجد لا الونى ينقض العهد ... ولا العاديات تغري المواثق

إن سبق العزوم غذ يتصدى ... للعلا دونه تقذى السوابق

كل شيء وإن تسامى منالاً ... هين إن عني الهمام المسابق وخذ هذين البيتين القويين من قصيدة قوية للسيد عبد الله عمر بالخير أحد شعراء الحجاز:

الملك يخطب بالصوارم والقنا ... لا الكتب تخطبه ولا الأقلام

والحق يعطي للقوى ومن يكن ... غراً فإن الفاتكين قيام

حمدي الحسيني