مجلة الرسالة/العدد 924/البريد الأدبي
مجلة الرسالة/العدد 924/البريد الأدبي
اليوبيل الذهبي لعبده الحمولي
لما كانت الذكرى تنفع المؤمنين وكان يوبيل عبده الحمولي الذهبي
سيقع في 12 مايو المقبل (لمرور خمسين سنة على وفاته) رفعت إلى
الأعتاب الملكية وإلى وزير المعارف اقتراحا بإقامة مهرجان ليوبيله
الذهبي بدار الأوبرا الملكية تحت رعاية جلالة الملك ويخصص دخله
لمبرة الأميرة فريال وجمعية الإسعاف العمومية أسوة بمهرجاني شوبان
وفردي اللذين أقامتهما لهما وزارة المعارف لمناسبة عيديهما الخمسيني
الذهبي
على أن الغرض الذي نزعت إليه من وضعي (كتاب الموسيقى الشرقية والغناء العربي ونظرة الخديوي إسماعيل للفنون الجميلة وحياة عبده الحمولي) في أربعة أجزاء هو التصدي لصون الموسسيقى الشرقية من أيدي التلاعب والضياع ورد غارة العجمة عنها والاحتفاظ بطابعها الشرقي
ولا أحسب إسماعيل العظيم قد اختص عبده الحمولي بالبعثات المتوالية إلى الأستانة إلا تقديرا لمواهبه الفنية من سلامة الذوق وسعة التصرف فضلا عن الابتكار والإلهام والوحي وهو فوق التخت
والذي حداني إلى طلب إقامة المهرجان ليس تكريمه وذكراه فحسب بل إعطاء صورة صحيحة لأنغامه الساحرة وتلاحينه المنسجمة وأدواره المتدامجة التي بها هز مناكب الأهلين وحبب إليهم الجمال وجعلهم يتذوقون الفن الرفيع
ولما كان العاهل العظيم قد شمل بعنايته الموسيقى الشرقية وهيأ لعبده أسباب النجاح فوضع الأصول والقواعد لها وكان المغفور له الملك فؤاد ناسجا على منوال والده قد أنشأ لها معهدا أغدق عليه من ماله الشيء الكثير وعقد مؤتمرا موسيقيا سنة 1932 بدار الأوبرا حيث اعترف أحد علماء الموسيقى الغربية المنتدب بأن الموسيقى العربية قد غذت الموسيقى الغربية منذ ألف سنة فلا عجب أن ينال مقترحي من معالي وزير المعارف ما يستحقه من العناية والله ولي التوفيق
قسطندي رزق
الجواهري يطرد من لبنان
لا أظن أحدا في البلاد العربية لا يعرف شاعر العراق الكبير محمد مهدي الجواهري هذا الشاعر الذي يقول فيه المرحوم الرصافي:
بك الشعر لا بي أصبح اليوم زاهرا ... وقد كنت قبل اليوم مثلك شاعرا
فأنت الذي ألقت مقاليد أمرها ... إليك القوافي شردا ونوافرا
هذا الشاعر الذي يعطيك صورة صادقة للعراق السياسي والاجتماعي في الثلاثين سنة الأخيرة بما يتاح لك أن تقرأه من دواوينه المتعددة، ويهزك بقصائده عن سوريا ولبنان ومصر وفلسطين وسائر البلاد العربية بل هو أكبر داعية لمصائف لبنان وصيف لبنان الجميل في قصائده الكثيرة وهو القائل في (زحلة):
يوم من العمر في واديك معدود ... مستوحشات به أيامي السود
وفي شاغور حمانا:
شاغور حمانا ولم ير جنة ... من لم يشاهد مرة حمانا
وفي (بكفية):
أرجعي ما استطعت لي من شباب ... يا سهولا تدثرت بالهضاب
وهو الشاعر العراقي الوحيد الذي استقبل رئيس جمهورية لبنان الحالي بقصيدة رائعة عند زيارته العراق قبل سنوات. . وبعد هذا ينذر الجواهري بمغادرة لبنان في ظرف أربع وعشرين ساعة!! لماذا؟ لأنه ألقى قصيدة في تأبين عبد الحميد كرمي الذي توفي أخيرا. وقد استقبل أدباء لبنان هذه القصيدة بما يستحقه شاعر العراق وأضافوا إلى تقديرهم الشاعر في كل مناسبة يزور بها لبنان تقديرا آخر
هذا إجراء آلمني لأنه بادرة خطيرة إزاء حرية الفكر والشعور، وحينئذ لا يأمن أديب أو شاعر على نفسه في أي بلد عربي ما لم يسكت على مضض أو يؤمن برسالة الاستعمار.
إبراهيم الوائلي
في لغة (أكلوني البراغيث):
كلف أخي الأصغر بكتابة موضوع إنشائي يصف فيه حياة الفلاحين فافتتحه بقوله (يعيشون الفلاحون) وهذه عبارة صحيحة فصيحة على ما سأبينه بعد - ولكن مدرس الإنشاء أبى إلا أن يعدها من الأغاليط. ولعل الذي دفعه إلى هذا ما توهمه - ويتوهمه كثير من الناس - من خطأ مثل هذا التركيب
وقبل أن أتكلم في الموضوع أحب أن أوجه نظر القارئ إلى أن لغة (أكلوني البراغيث) هذه لغة جماعة من العرب بأعيانهم - يقال: هم طييء، ويقال: هم أزدشنوءة - وهذه الجماعة تجيز أن يؤتى في الفعل إذا أسند إلى اسم ظاهر - مثنى أو مجموع - بعلامة تدل على التثنية أو الجمع فتقول (قاما الرجلان) و (قاموا الرجال) و (قمن النسوة) فتكون الألف والواو والنون حروفا دالة على التثنية والجمع كما تدل التاء في (قامت سعاد) على التأنيث
وللنحويين في هذه اللغة رأيان: رأي يقول بصحتها وفصاحتها ويبيح استعمالها، ورأي يقول وضعفها وينكر استعمالها. والسبب في ضعفها عند من رأي ذلك هو الإتيان بعلامات التثنية والجمع بدون حاجة إليها
وقد نص على صحتها العالم الجليل (الألوسي) في تفسيره (روح المعاني) عند شرح قوله تعالى (وأسروا النجوى الذين ظلموا) فقال ما نصه:
(قال أبو عبيده والأخفش وغيرهما هو - أي لفظ الذين - فاعل أسروا والواو حرف دال على الجمعية كواو (القائمون) وكتاء (قامت) وهذا على لغة (أكلوني البراغيث) وهي لغة حسنة كما نص (أبو حيان) وليست شاذة كما زعمه بعضهم)
ويكفي دليلا على صحتها قوله تعالى (ثم عموا وصموا كثير منهم) وقوله (وأسروا النجوى الذين ظلموا) وما جاء في حديث وائل بن حجر (ووقعتا ركبتاه قبل أن تقعا كفاه) وقوله (يخرجن العواتق ذوات الخدور)
وقول الشاعر:
نتج الربيع محاسنا ... ألقمنها غر السحائب يلومونني في اشتراء النخيل ... أهلي فكلهم يعذل
رأين الغواني الشيب لاح بعارض ... فأعرضن عني بالخدود النواضر
نصروك قومي فاعتززت بنصرهم ... ولو أنهم خذلوك كنت ذليلا
فأدركنه خالاته فخذلته ... ألا إن عرق السوء لا بد مدرك
نسيا حاتم وأوس لدن فأ ... ضنت عطاياك يا ابن عبد العزيز
وأحقرهم وأهونهم عليه ... وإن كانا له نسب وخير
تولى قتال المارقين بنفسه ... وقد أسلماه مبعد وحميم
إلى غير ذلك من الشواهد التي تقطع بصحة تلك اللغة
هذا وقد اتفق النحويون على صحة هذا التركيب إذا جعلت الفعل مسندا إلى المتصل به - من الألف والواو والنون - وجعلت الظاهر بدلا من الضمير أو مبتدأ - والخبر مقدما - والى ذلك يشير ابن مالك بقوله:
وقد يقال سعدا وسعدوا ... والفعل للظاهر بعد مسند
فمعنى البيت انه فقد يؤتى في الفعل بعلامة تدل على التثنية أو الجمع إذا أسند إلى اسم ظاهر مثنى أو مجموع وهذا قليل. وإنما يكون كذلك إذا أسندت الفعل إلى الظاهر؛ وأما إذا أسندته إلى المتصل به - من الألف والواو والنون - فلا يكون ذلك قليلا
فعلى هذا وسواء اعتبرنا لغة (أكلوني البراغيث) لغة صحيحة أم ضعيفة فالتركيب صحيح فصيح لا غبار عليه ولا مانع من استعماله خصوصا وأن في استعماله تيسيرا كبيرا لقواعد اللغة العربية
أحمد مختار عمر
الطالب بمعهد القاهرة الديني الثانوي
من حديث الشعر
قرأت مقال (من حديث الشعر) المنشور في العدد (923) من مجلة الرسالة، ولقد كان الأولى أن يكون كتابا خاصا لأستاذ الجامعة المذكور، لا أن يطلع به كاتبه على قراء الرسالة فيقتضي منهم وقتا وجهدا ثم لا يظفرون من بطائل. وأشهد لقد حاولت أن أخرج منه برأي جديد يستحق النظر والدراسة ولكن يدي أطبقت على الماء حين أيقنت أن صاحبه يدعو الناس إلى الكفر بالشعر ورسالته في الحياة، ويدعو الشعراء إلى نبذ الشعر والعزوف عن قرضه، مناشدهم أن يكتفوا بالكتابة العقلية، فإنه هو كان (شاعرا) إبان حياته الأدبية، ثم لما نضج لم يتسع شعره لأفكاره فتركه واعتبره ديدن الأمم البدائية. ويقول بالحرف الواحد (فهنيئا لمصر أن يضمحل فيها الشعر ويقل الشعراء)، ربما كان ذلك نوعا من الغرور الذي يداخل الإنسان في كل ما تتناول يده، فإن هو رضي عن شيء أفرط في حبه والدعاية له، وإن صدف عنه نبذه ودعا إلى نبذه ما استطاع. والذي أعرفه عن الأستاذ بسيوني أنه كان يعتبر شعره تنزيلا من التنزيل، ثم إذ نكص على عقبيه، وطلق الشعر لأنه (نضج) بدأ يحمل على الشعر وأهله.
الشعر جهل وسذاجة! من يقول هذا! ومن ذا الذي تطوع له بنفسه أن يتناول أمير الشعراء بأنه كان في شعره ينزع منزع الجهل والسذاجة؟ إن شوقي أن في شعره مؤرخا وعالما وفي النهاية (شاعرا). . ثم هو في الثلاثة سابق لا يلحق. . . وإذا تصفحت ديوانه ولو بالنظر العابر علمت إنه مرجع من مراجع التاريخ، فما تكاد تخلو قصيدة من قصائده من الحديث عنه. . وحتى رجل الشارع يدرك ذلك بما تغنيه أم كلثوم من فرائده. أنا أعلم أنه ربما فزع كثير غيري ثائرين على هذا المقال الذي لا تشفع له حرية الرأي، ولا أن الرسالة منبر حر يعنو لكل قائل وخطيب، فالقراء في غنى عن مثل هذه الآراء (المتعبة) التي قد يقصد صاحبها من ورائها الشهرة عن طريق الكتابة والردود والتعقيبات
محمد محمد الابشيهي
مدرس بمدرسة بسيون الإبتدائية
من حديث الشعر أيضاً
قرأت هذا المقال الذي كتبه الأستاذ (كمال بسيوني) فأعجبت به - شهد الله - لما فيه من تلك الصراحة التي نشرها الكاتب على الناس، غير عابئ بما قد يناله من ورائها من عنت أهل العنت، ولو أصحاب الكلام المقفى، وأرباب القريض. . .
ولست أزعم لنفسي الحق في أن أجرد قلمي لمساجلة الأستاذ النقاش فيما ذهب إليه من رأي، وما ركن إليه من منطق قد يعوزه الدليل، وتنقصه القوة؛ أقول لا أريد هذا خشية أن أتهم بانتسابي إلى الحرم الشعري المقدس، وأنا منه قصي بعيد. .!
وإنما أحب أن أقول للأستاذ الفاضل: لو زخر الشعر بالحقائق العلمية والنظريات الفلسفية، وترك هذه الصبغة التي فطر الله النفوس عليها أما كان يأتي يوم نشكو فيه مر الشكوى، لهذا الجمود المطبق، والفلسفة العميقة المضنية! بل أين كان يجد المكروب اللاغب المكدود نسمة الراحة إلا في روضة الشعر، وتحت أفنانه المتفطرة؟ والإنسان بطبعه يرى في الشيء الرتيب تفاهة الطعم، وقلة الغنم!
لعل الأديب الفاضل يرى لنا من هذا الأمر مخرجا، أو يهدينا إلى ما يرضي العقل، ويثلج الوجدان. . .، وله مني تحية عطرة ملؤها التقدير الصادق
إسكندرية
صبري حسن الباقوري
الدخان في الشعر:
كتب الأستاذ محمد طاهر بن عبد القادر الكردي، الخطاط، بالمعارف العامة بمكة المكرمة رسالة لطيفة مما قاله الأدباء والظرفاء في الشاي والقهوة والدخان؛ ونبه على ثلاث رسائل مطبوعات في هذا الشان
واسم الرسالة (أدبيات، الشاي، والقهوة، والدخان)
والرسالة تباع في إدارة الطباعة المنيرية بالأزهر
ومنها في الدخان، قال الشهاب الخفاجي
إذا شرب الدخان فلا تلمنا ... وجد بالصفو يا روض الأماني
تريد مهذبا من غير ذنب ... وهل عود يفوح بلا دخان
وقد عارضه السيد محمد الشهير بالحميدي بقوله
إذا شرب الدخان فلا تلمني ... على لومي لأبناء الزمان
أريد مهذباً من غير ذنب ... كريح المسك فاح بلا دخان
سليم سالم شراب