مجلة الرسالة/العدد 946/الكتب
مجلة الرسالة/العدد 946/الكتب
عرض ونقد:
العقل المؤمن
تأليف الأستاذ عبد المنعم محمد خلاف
للأستاذ بركات
- 1 -
ذلك - أيها القارئون - قبس له وهج ونور، إلى على نفسه الكاتب - أن يقف به لا يريم، في معتنق الدروب، وملتقى السبل. يجمع السارين السكارى على حجة الله، وصيحة الكون، ويود في إخلاص لو تنشق له كل نفس ليواقف أصل الفطرة وروح الطفولة، ومنطق البراءة (إن الإسلام دين الطبيعة، ولو لم يكن دينا موحى به لكهان المذهب العقلي الفلسفي الوحيد الذي يحب اتباعه وحمل العقل عليه لاحترام النفس، والاحتفاء بالحياة العاجلة والاطمئنان إلى المصير السعيد). . وإن طوفة تعطف بالمرء على كل فصل في رفقة الأستاذ عبد المنعم خلاف - لكفيلة باستقرار وجدانه، وهدوء نفسه
لقد سحق القلق قلوبا حتى ذرها رمادا فيالهواء، ومن هنا ضاقت مسارح الإنسانية بين فكي القنوط، وصار الأمل كله قارا على مرتكز بعيد في أغوار المستقبل هو: الإنسان الكامل، وبين يدي ذلك اليأس الكافر هوت قيمة الفرد وصار معبرا وطريقا إلى الغائب المنشود، وكأنه مسمار في باب، أو خيط في ثوب، ولكن العقل المؤمن بسناه النافذ يكشف الغمة، ويطارد تلك الظلمات (تقول بعض الفلسفات إن الحل لهذه المشكلة هو في القول بالامتداد المستمر في الأفراد الآتية من النوع. فالكمال الذي ينشده الأفراد يحلمون به سيتحقق في أنوع. وكان الإنسانية في خيال هؤلاء هي المعنى الواحد في الأفراد. أما أجسام الأفراد فهي أثواب تنضوها الإنسانية في الأجيال المتعاقبة وتلقيها جثثا ميتة على طريقها إلى غايتها. . . ولكن في هذه الفلسفة إهدار تاما للفرد وارتدادا بالإنسانية إلى أفق واطئ جدا هو أفق النبات والبذور، دع عنك أفق الحيوان، ونظرة واحدة إلى إخراج الأفراد من الأرحام بصور متعددة الوجود وشكول مختلفة في العقول والنفوس - وهذا في الإنسان فقط - تحملك على الجزم والاعتقاد بان القصد في الطبيعة متجه إلى خلق الفرد بالذات، وإحساسه على انفراد بالحياة التي فيه هو، وأنه مخاطب وحده مباشرة من خالق الوجود) وهكذا نصل إلى المنتهى فنجد الفلسفات الداكنة قد دقت بالطارق حتى سادت الأرض وجملة مل يمكن أن يقال عن كتاب (العقل المؤمن) هو أنه استجابة صادقة لقول الخالق الأعظم. . (قل انظروا ماذا في السموات والأرض) ورحمة الله على أبي اسحق فقد قال.
ولله في كل تحريكة ... وفي كل تسكينه شاهد
وفي كل شيء له أية ... تدل على أنه واحد
- 2 -
بقيت كلمة. .
يقرر المؤلف وهو مندفع في غمرة الحماس (أن الإنسانية القديمة أصدق من الحديثة إحساسا، وأحياء شعورا. . حين شغلتها المسألة الدينية في جميع مواقفها، وجعلتها تنشئ شؤونها المادية، ومعها شعورها الديني) وكلما يعلم أن الدين في معتقد الأقدمين غفلة وذل، ولعل الهرم أعظم برهان يقدم دليلا وشاهد إثبات على هوان الرعية وتجبر الرعاة، وتواضع الشعب وسطوة الحاكم، وكان كل ذلك باسم الدين ولخير عندي أن يتمرد (إنشتين) أبو الذرة فيقول: (ما هو الله؟. . سؤال ليس له معنى) من أن توصر أجيال السالفين بالأديان في خدمة الكهنة والمتألهين
وفي مكان آخر بعد الذي مضى يقول (وقد كانت عقول قدمائنا حتى عقول بعض الأنبياء لا تدرك عمل الله سبحانه في التكوين والإحياء وتتوهمه سبحانه خاضعا في عمله للوسائط والأدوات والكيفيات المادية) ولعل الكاتب الكريم لا يخالفني في أن النبي هو الصورة المثلى للأيمان، وهو العبقري شاذ في الطبيعة يستند في تفوقه الإلهامي إلى الوحي، وفي قدرتها الخارقة إلى المعجزة وما يحمله عرض المؤلف من معاني هو كل ما يأتي النبي لهدمه وطرده من عقول أمته. وإذا كان المؤلف قد أتى بطائفة من آيات القرآن المحكمات فرجاؤنا أن يبحث لها عن تفسير غير تفسيره يكن أسلم
وكتاب اليوم هو الأخ الثاني لسفر تقدمه وأحدث ضجة كنا نتبعها بشغف في سنة1946 وكلاهما على يسير صراط واحد نحو أساس روحي للحضارة المادية. . وسيتلوهما ثلاثة ينتظمها المنهاج، والذي أبديت في سالف القول لا ينال من هذا الكتاب القيم وفي اعتقادي إني في صدر ملاق المؤلف رحبة فسيحة للرأي فيها مكان وسلامي عليه
بركات