مجلة الرسالة/العدد 952/الولايات المتحدة الأمريكية

مجلة الرسالة/العدد 952/الولايات المتحدة الأمريكية

مجلة الرسالة - العدد 952
الولايات المتحدة الأمريكية
ملاحظات: بتاريخ: 01 - 10 - 1951



للأستاذ أبو الفتوح عطيفة

- 4 -

حكومة فدرائية

نحن شعب الولايات المتحدة، رغبة منا في اتحاد أكمل، وفي إقامة العدالة، وكفالة الطمأنينة الداخلية، وتهيئة وسائل الدفاع المشتركة، ورعاية الخير العام، وضمان بركات الحرية لنا ولذريتنا، رسمنا وقررنا هذا الدستور للولايات المتحدة الأمريكية.

من ديباجة الدستور 1787

في 1774 ثارت المستعمرات الأمريكية على إنجلترا، ثم أعلنت استقلالها 1776، وأجتمع مؤتمر يمثل الولايات الثلاث عشرة لوضع دستور للدولة الجديدة، وقد ثار نقاش عنيف بين مندوبي الولايات وذلك بسبب تضارب مصالح سكان الولايات ونزعاتهم ورغباتهم ومذاهبهم الدينية وحرصهم على حريتهم الفردية وعلى استقلال ولاياتهم المختلفة. ولكن المندوبين أظهروا صبراً وتحملوا جهداً حتى وضعوا دستوراً يحقق لسكان الولايات حرياتهم الفردية وسعادتهم، ويكفل قيام حكومة مركزية أو اتحادية (فدرائية) تدافع عن سلامة الولايات وترد عنها أي عدوان خارجي، وتحقق السلام الداخلي وتقيم العدالة وتصون الحرية وتنهض بشؤون الولايات الاقتصادية.

وتم بذلك وضع نظام حكومي جديد في نوعه فترك للولايات الحكم الذاتي وقامت حكومة مركزية ساهمت فيها الولايات جميعاً، وهذه هي أهم المبادئ التي تضمنها الدستور الجديد:

أولاً: إن الناس جميعاً متساوون في الحقوق والواجبات ولهم الحق في الحياة والحرية.

ثانياً: إن الحكومة ما وجدت إلا برضى الشعب ولخدمة الشعب، وموظفوها يختارون بالاقتراع العلني تلبية لإرادة أكثرية الشعب.

ثالثاً: إن الحكومة التي لا تعمل وفق رغبات الشعب والتي لا تحرص على تحقيق سعادة الشعب، ولا تحافظ على حقوق الأفراد وحرياتهم يجب أن تزول ويجب أن يقيم الشعب مكانها حكومة تخدم مصالحه وتحرص على حقوقه، وإن خير حكومة لهي حكومة تنتخب بواسطة الشعب ومنه وتعمل لمصلحته وبرضاه وهذه هي الحكومة الديمقراطية الحقة.

ويلاحظ أن هذه المبادئ كانت تعتبر ثورة على أنظمة الحكم القائمة وقتذاك. ذلك أن الدول التي كانت قائمة في أوربا وفي غيرها من بلاد العالم - ما عدا بريطانيا - كان نظام الحكم فيها نظاماً استبدادياً رجعياً يقوم لمصلحة بعض الطبقات فتنعم بينما تشقى أغلبية الشعب التي كانت محرومة من حرياتها وكافة حقوقها وعليها أن تشقى وأن تعمل لإسعاد فئة قليلة مترفة من الشعب، وكان ذلك من أهم أسباب الثورة الفرنسية الكبرى (1789) التي قلبت نظام الحكم في فرنسا وأقامت الحريات لأول مرة في أوربا في تأريخها الحديث.

رابعاً: تقرر أن يترك لكل ولاية حكمها الذاتي وأن تتمتع بحق السيادة، ولا تتدخل الحكومة الاتحادية في حقوق الولاية الخاصة.

خامساً: تقرر أن تنشأ حكومة اتحادية أو فدرائية للولايات جميعاً، ولكن ما مدى سلطتها وما مدى حقوقها وكيف تتكون؟ كانت كل ولاية حريصة على حريتها وعلى عدم الحد من سيادتها، ولكن من جهة أخرى لم تكن الولايات آمنة من غزو الدول الأخرى، وما من ولاية كانت قوية إلى حد يمكنها من حماية تجارتها الخارجية، وكانت الولايات في حاجة ماسة إلى شبكة من الطرق لأجل التجارة والنقد والبريد. وإذن فلتقم الحكومة الاتحادية لتتكفل تحقيق هذه المصالح المشتركة للولايات جميعاً. وقد وضح الدستور نظامها وسلطاتها ووافقت عليه الولايات المختلفة، وأصبحت أمريكا أرض الحرية فهرع إليها المعذبون والمضطهدون من سكان القارة الأوربية.

سادساً: تقرر أن تكون الدولة الجديدة جمهورية، وقد اختير جورج واشنطن زعيم حركة الاستقلال فكان أول رئيس للجمهورية ثم أعيد انتخابه للمرة الثانية، ولكنه رفض أن يرشح نفسه مرة ثالثة خوفاً من أن يصبح ذلك قاعدة، وربما تمكن أحد الرؤساء الذين يتجدد انتخابهم من قلب هذا النظام الجمهوري إلى نظام ملكي، وهذا يدل على تمكن النظام الجديد من نفس الشعب الأمريكي.

وفيما يلي وصف لتوزيع السلطات الثلاث في الحكومة الفدرائية:

أولاً: السلطة التشريعية:

تقرر أن تكون في يد الكونجرس (البرلمان) وهو يتألف من مجلسين: أ: مجلس الشيوخ ويتكون من 96 شيخاً باعتبار شيخين عن كل ولاية صغيرة كانت أو كبيرة، ومدة عضويته ست سنوات ويسقط ثلثه كل عامين حتى يكون دائم التجدد مع مجلس النواب. وأعضاؤه جميعاً منتخبون ويشترط ألا تقل سن الشيخ عن ثلاثين سنة عند انتخابه.

ب: مجلس النواب: وعدد أعضائه 435 نائباً، وترسل كل ولاية نواباً عنها إلى المجلس حسب تعداد سكانها، فكلما زاد عدد سكانها زاد عدد نوابها في مجلس النواب، ولا بد أن يمثل الولاية نائب على الأقل. ومدة عضوية المجلس سنتان، ويشترط ألا تقل سن العضو عن 25 عاماً عند انتخابه. وينتخب المجلس رئيسه، أما رئيس مجلس الشيوخ فهو نائب رئيس الجمهورية.

ويجتمع المجلسان في مقرهما بمدينة واشنطن وهي عاصمة الولايات المتحدة.

السلطات المخولة للمجلسين:

للكونجرس سلطة فرض الضرائب على الدخل وجبايتها، وعقد القروض ووضع قوانين وأنظمة للتجارة بين الولايات ومع البلاد الأجنبية، وضرب العملة، ووضع قوانين الجنسية، وإعلان الحرب والتجنيد والإنفاق على الجيش وتجهيز الأسطول وسن لوائح وقوانين للجيش والبحرية والتعاون مع الولايات على تنظيم قوة الجيش والأسطول وإنشاء مكاتب وطرق البريد الخ.

وبحسب الدستور لمجلس الشيوخ وحده السلطات الآتية:

1 - يستطيع مجلس الشيوخ عدم الموافقة على اختيار رئيس الجمهورية للموظفين في كثير من الوظائف المهمة.

2 - لمجلس الشيوخ أن يوافق بأغلبية ثلثيه على أي معاهدة تعقدها الولايات المتحدة حتى تصبح نافذة.

3 - لمجلس الشيوخ الحق في محاكمة المتهمين من أعضاء الكونجرس، ولمجلس النواب السلطة الوحيدة في اتهام أي موظف مدني في الولايات المتحدة بإساءة التصرف بحيث تقتضي العدالة عزله ويحاكم أمام مجلس الشيوخ.

وأما مجلس النواب فقد منحه الدستور سلطة واسعة في جمع المال للدولة، فجميع القوانين الخاصة بإيرادات الدولة يجب أن تقرر أولاً في مجلس النواب قبل أن يعمل مجلس الشيوخ بمقتضاها. والسبب في ذلك أن مجلس النواب أكثر تمثيلاً للولايات، فالولايات الكبرى لها عدد كبير من النواب وهي تدفع قسطاً أكثر من إيرادات الدولة، وعلى هذا وجب أن تكون سلطة مجلس النواب في الناحية المالية واسعة.

ومجلس الشيوخ يستطيع أن يدخل تعديلات على أي قانون، وإذا اختلف المجلسان تعين لجنة من أعضاء المجلسين لحسم الخلاف.

وعند افتتاح كل كونجرس جديد يجتمع أعضاء كل حزب سياسي ممثل في مجلس الشيوخ وينتخبون زعيماً لهم ويعينون شيوخاً آخرين أعواناً له وكذلك في مجلس النواب. ويختار هؤلاء الزعماء بحسب تقاليد الحزب السياسي ويقومون بدور كبير في سن القوانين بمقتضى الدستور.

الأحزاب السياسية:

يوجد في الولايات المتحدة حزبان سياسيان كبيران هما:

1 - الحزب الديمقراطي: وهو من أقدم الأحزاب إن لم يكن أقدمها؛ ويؤمن أتباعه بسيادة الديمقراطية سيادة تامة ويعتبر منذ نشأته حامي الحرية والمدافع عن حقوق الإنسان.

1 - الحزب الجمهوري: وكان يسمى في أول الأمر الحزب الفيدرالي أو الاتحادي، وكان يدعو إلى قيام حكومة اتحادية قوية والى أن يمنح الأغنياء امتيازات معينة والى استئثارهم بالحكم. وقد نجح الديمقراطيون في تحقيق أهدافهم واستأثروا بالحكم سنوات طويلة حتى أقاموا في أمريكا حكومة جمهورية ديمقراطية.

على أن هذا الحزب الجمهوري كان من البداية حزباً وطنياً، وكان حزب رجال الأعمال ومن أشهر رجاله إبراهام لنكولن أعظم رؤساء الولايات المتحدة في القرن التاسع عشر والذي كان له الفضل الأكبر في تحرير العبيد بأمريكا وفي المحافظة على وحدة واتحاد الولايات الأمريكية 1860 - 1864.

ومنذ عام 1932 نجح الديمقراطيون في الفوز برئاسة الجمهورية الأمريكية.

للكلام صلة أبو الفتوح عطيفة