مجلة الرسالة/العدد 958/تعقيبات

مجلة الرسالة/العدد 958/تعقيبات

ملاحظات: بتاريخ: 12 - 11 - 1951



للأستاذ أنور المعداوي

رسالة من الهند:

أنا يا سيدي واحد من المعجبين بك، وإني لأخشى أن يخذلني القلم إذا ما حاولت أن أعبر عن هذا الإعجاب الذي أخذ يشتد على مر الزمن وينمو في نفسي ويترعرع. وهل في ذلك غرابة وأنت الذي تتحفنا على الرسالة بين حين وآخر بروائع من الأدب الحديث؟

وكيف نستطيع أن ننسى (التعقيبات) التي تشرف بها - كما أعتقد - من ربوة عالية على ما يستجد في الأدب العربي، وتزنه بموازين عادلة وتميز بين غثه وسمينه! إنني لأبارك فيك روحك الوثابه يا سيدي، وأسأل الله أن يكثر من أمثالك في هذا الجيل العربي الحديث!

إن (الرسالة) الغراء هي مدرستي الأولى التي استطعت بفضلها العميم أن أتفهم الأدب الخالد وأتذوق روائعه وأنا في هذا البلد الأجنبي. . وبفضل (الرسالة) استطعت أيضاً أن أكتب مقالات متنوعة وقصصاً قصيرة. ولما لم يكن لي حظ من التعليم العربي العالي ولم أتخرج على أيدي أساتذة عرب، فإني لم أجد في نفسي الشجاعة الكافية لكي أنشر تلك المقالات التي كتبتها، بل ظلت حبيسة في الأوراق المتناثرة بين ثنايا مكتبي هنا وهناك، حتى خطر لي أن أرسل شيئاً منها إليك لأعرف قيمته وأطلع على رأيك الحكيم فيه. وسوف تجد ضمن هذه الرسالة مقالاً تحت عنوان (العالم المرائي) فإذا رأيت أنه صالح للنشر على صفحات (الرسالة) فافعل، وإلا فأرجو أن تطلعني على رأيك في المقال وماذا ينقصه ليكون صالحاً للنشر!

وإنني إذا أختتم هذه الكلمة أتوسل إليك أن تسدي إلي من نصائحك الغالية على صفحات (الرسالة) ما يعينني على تحسين كتابتي لأنني لم أتخط العشرين، ولا يزال أمامي متسع من الوقت لكي أحاول إصلاح كتابتي وجعل موادها مقبولة لدى الأوساط الأدبية. . ولك مني خالص الشكر وأصدق التمنيات

(بومباي - الهند)

أحمد علي عوبس شاب لم يتخط العشرين من عمره، يعيش في بلد غريب، ويتلقى دروس الأدب والفن عن مدرسة (الرسالة). . ومن قال إن المدارس والجامعات تخرج الأدباء وتصنع المثقفين؟!

ما أكثر الأدباء الذين صنعوا أنفسهم بأنفسهم وما أكثر الذين استمدوا الثقافة من جهودهم الذاتية. . ومن هنا كان سروري الذي لا يحد وأنا أقرأ هذه الرسالة فألمح وثبات الطموح تطالع عيني من وراء السطور!

إن الطموح وحده كفيل بتحقيق الهدف وبلوغ الغاية في كل ميدان من ميادين النشاط الإنساني. . كفيل بأن يجعل من الخطوة المتعثرة وثبة بعيدة المدى على مر الزمن ومضي الأيام! ولهذا أحب أن أطمئن الأديب الفاضل على مستقبله الأدبي، مادام الطموح هو الرائد الأول الذي يأخذ بيده ويسدد خطاه ويهديه إلى معالم الطريق. . ولا يزال أمامه متسع من الوقت كما يقول، ليبلغ في ميدان الأدب هدفه المرجو وغايته المنشودة، وليحقق لنفسه ما يتطلع إليه أمثاله من الطامحين!

وإذا كان الأديب الفاضل يسألني شيئا من النصح أو شيئا من التوجيه، فإنني أحب له أن يكثر من القراءة في الأدب العربي قديمه وحديثه، وأن يتزود من الثقافة الغربية ما شاء له التزود والاطلاع. . أما الأدب العربي فجدير بأن يصقل من قلمه أداة التعبير، وأما الأدب الغربي فخليق بأن يلهب في نفسه شعلة التفكير، وكلا السلاحين من ألزم الأمور لكل أديب يريد أن يقتحم المعركة وهو ثابت القدم مطمئن إلى النهاية!

هذا هو ما أنصح به الأديب الفاضل على صفحات (الرسالة) أما بقية النصائح فسأبعث بها إليه في رسالة خاصة، بعد أن يطلعني على نماذج من آثاره القلمية في محيط أدب القصة القصيرة. . عندئذ أستطيع أن أوافيه برأيي حول ما ينقصه من وسائل الأداء الفني، حتى يستطيع مع الجهد والمثابرة أن يبلغ مرحلة النضج والأصالة، ويواجه مشكلة النشر وقد اكتملت بين يديه الأدوات، ولست بذلك أريد أن أثبط من عزيمته أو أحد من طموحه، وإنما أريد له أن يبدأ حياته الأدبية وهو واثق من نفسه مطمئن إلى مصيره، وإن مقاله الذي بعث به إلي ليضع البذرة الأولى في تربة الأمل المرجو إن شاء الله!

معالي وزير المعارف وقضية الأدباء: من حق وزير المعارف علي أن أشكره. . لقد تفضل معاليه فأمر بنقل الأستاذ السيد أحمد صقر من مدرسة كوم امبو الابتدائية بالصعيد، إلى مدرسة الأمير فاروق الثانوية بالقاهرة. ولقد صدر هذا الأمر عقب ظهور عدد (الرسالة) الذي أثرت على صفحاته مشكلة الأديب الصديق، فكان لذلك وقعه الجميل على نفسي ونفوس الأدباء! هذا حق، ومن الحق أيضاً أن أقول إن معالي الوزير قد حل مشكلة هذا الأديب حلاً جزئياً لا يرضي العدالة المطلقة التي أنتظرها من رجل مثله؛ رجل يفهم حق الفهم واجب الدولة نحو الأدب، ويدرك كل الإدراك أثر وضع الأدباء في أماكنهم ليقوموا بواجبهم نحو الدولة!

إننا نريد أن يوضع كل أديب في مكانه، حتى نتيح للمواهب أن تحلق في جوها الطبيعي وتعمل في ميدانها الأصيل. . وأنا أعرف أن معالي الدكتور طه حسين باشا يعطف كل العطف على التراث العربي القديم، وألمس أن نشر هذا التراث نشراً علمياً سليما يحفظ له هيبته من أثر المتطفلين عليه، جدير بأن يحتل من نفسه كل عناية وتقدير. . ولهذا طالبت ومازلت أطالب، بأن يأخذ الأستاذ صقر مكانه في تلك الإدارة التي أنشئت لهذا الغرض بوزارة المعارف، ثم أغلقت منها الأبواب في انتظار الطارقين! وإذا شاء وزير المعارف أن يقبل مني رجاء اليوم ورجاء الأمس، فإني أؤكد لمعاليه أن وزارة المعارف لن تخسر شيئاً حين يحذف اسم هذا الأديب من قوائم التعليم، لأنها ستكسب كثيراً حين تنتفع بجهوده في خدمة التراث العربي القديم!!

وليست المشكلة هي مشكلة الأستاذ صقر وحده، فلا يزال هناك أدباء ينتظرون عطف وزير المعارف على حقوقهم المهضومة. . وإنه ليسعدني أن يتفضل معاليه فيطلب إلي أن أقدم إليه أسماءهم وأن أقص عليه أنباءهم، لأنني لا أحب أن يكون هناك أديب واحد يشعر أنه مظلوم في عهد طه حسين!!

أنور المعداوي