مجلة الرسالة/العدد 963/الأدب والفن في أسبوع

مجلة الرسالة/العدد 963/الأدب والفنّ في أسبوع

مجلة الرسالة - العدد 963
الأدب والفنّ في أسبوع
ملاحظات: بتاريخ: 17 - 12 - 1951



للأستاذ عباس خضر

أصبح الشعب حرا في اختيار اللغة الأجنبية الأولى:

كتبت بعدد (الرسالة) الصادر في 5 نوفمبر الماضي تحت عنوان (اللغة الأجنبية الأولى) أنه لم يعد يليق بنا أن نظل خاضعين لحكم الاستعمار في فرض لغته علينا - دون غيرها - لغة أجنبية أولى.

وقد ردد هذه الدعوة بعض الزملاء، وارتفع صوت أحد النواب في البرلمان يقول: لماذا تبقى اللغة الإنجليزية لغة أجنبية أولى في بلادنا؟

وفي الأسبوع الماضي نشرت الصحف قرار معالي وزير معالي الدكتور طه حسين باشا وزير المعارف، الذي يقضى بأن تدرس في المدارس اللغات الفرنسية والإنجليزية والإيطالية والإلمانية، على أن تكون إحدى اللغتين الأوليين أصلية وإحدى اللغات الأخرى إضافية. ومعنى هذا القرار أن يختار الطالب اللغة الأجنبية الأصلية التي يريد أن يدرسها من بين اثنتين: الفرنسية والإنجليزية، ثم تبقى واحدة منهما تضم إلى الإيطالية والألمانية على أن يختار الطالب واحدة من الثلاث لغة إضافة. والغرض من هذا أن يكون الشعب حرا في اختيار اللغة التي يتعلمها أصلية أو إضافية، فإذا أجمع على اختيار الفرنسية دون الإنجليزية لغة أصلية فقد حرر نفسه من ربقة الاستعمار اللغوي، وقد يجمع أيضا على نبذ الإنجليزية لغة إضافية، والمهم - على أي حال - هي أن تجلى لغة أعدائنا الذين يسفكون دماءنا عن المكانة التي احتلها في مصر باحتلالهم إياها.

وقد تسأل: لماذا لم يصدر الوزير قرارا يقضى نصه بإلغاء تعليم الإنجليزية كلغة أصلية؟ خطر لي هذا السؤال أول، ثم تأملت القرار الذي صدر وقارنت بينه وبين ما يرمى إليه السؤال،

فألقيت القرار يؤدى إلى النتيجة المطلوبة، ويمتاز بأنه يتيح الفرصة للشعب نفسه أن يكون حرا في اختيار ما يريد، وخاصة أن هناك من يجادلون في هذا الموضوع، فليكن الأمر إذن للشعب، يتعلم اللغة التي يريدها.

وأنا أتوكل على الله وأحرص على تجنب لغة المجرمين السفاكين الأدنياء.

مسرحية (دنشواي الحمراء)

قدمت فرقة المسرح المصري الحديث هذه المسرحية الوطنية الجديدة على مسرح حديقة الأزبكية ابتداء من أول ديسمبر الحالي. وهى من تأليف الأستاذ خليل الرحمي وإخراج الأستاذ زكى طليمات.

تخيل كاتب المسرحية أسرة تعيش اليوم في الإسماعيلية وقد عاشتحيث نشأت بدنشواى منذ خمس وأربعين سنة حين ارتكب الإنجليز جريمتهم المنكرة سنة1906

تظهر الأسرة على المسرح في المنظر الأول بمدينة الإسماعيلية، الأب الموتور في دنشواى يشجع ابنه الفدائي بالإسماعيلية، والأم تجزع من مخاطرات ابنها وتلوم زوجها على تشجيعه، فيذكرها الزوج بما جرى لهما في دنشواى ومن فقداه من أهلهما تحت مشانق الإنجليز هناك. وتعود بنا المناظر التالية إلى دنشواى فتعرض الحادث الذي يلعن به التاريخ طغاة الإنجليز، وتنتهي هذه المناظر بفرار الشاب عبد الرزاق (الذي هو الآن أب في الإسماعيلية) من وجه (العدالة) البريطانية التي كانت تنصب المشانق في القرية قبل صدور الحكم في القضية! وتهرب معه رزقة (الأم) ثم يتزوجان في الإسماعيلية ويقيمان فيها. وتعود بنا المسرحية إلى (دنشواى الجديدة) حيث نرى الشاب الوعي الجديد ينتقم لأسلافه في دنشواى القديمة بنسف معسكرات الإنجليز والنيل منهم ما استطاع إلى ذلك سبيلا.

والقصة خيالها طريف، وهى ترمى إلى عرض الفظائع الإنجليزية في مصر وتصوير الروح المصرية إزاءها وإبراز الجهود الوطنية ولإيحاء بكل ذلك إلى مواصلة الجهاد لتحرير البلاد. وقد نجحت في كل ذلك نجاحا أعتقد أن أكثر الفضل فيه يرجع إلى الإخراج، فقد تجلى المذهب الإيحائي الذي يجرى عليه الأستاذ زكى طليمات، وقد بدا ذلك في تنسيق التمثيل وفي المناظر وخاصة منظر المشنقة ولون حبلها الدموي وحلوكة قوائمها والجو المحيط بها.

وقد برع في التمثيل نعيمة وصفى التي مثلت دور الأم (رزقة) وبلغت القمة في موقفها على الباب الذي اختبأ بداخله عبد الرازق هربا من رجال الادارة، وهى تحمل فأسا تريد أن تنقض به. . كانت تمثل الجزع والشجاعة في آن واحد! وكانت زهرة العلا موفقة كل التوفيق في تمثيل خطيبة الشاب الفدائي بل في تمثيل الفتاة الفدائية.

أما عبد الغنى قمر فكان كعهدنا به في تصوير شخصيات معينة وإبراز سماتها في خفة وظرف، فقد مثل فقيها ضريرا في دنشواي فكان صورة حية لهذا الطراز في القرى.

ومثل عبد الرحيم الزرقاني عمدة دنشواى، وأشعر أن كلمة (مثل) هنا غير دقيقة فقد كان هو العمدة نفسه. وألاحظ أن للأستاذ الزرقاني عجيبة في الاندماج بدوره.

وأجاد عدلي كاسب في تمثيل المستشار الإنجليزي المحقق في دنشواي، فكان مثالا للغطرسة والبرود السكسوني البغيض.

وكان نبيل الألفي في دور الشاب الفدائي يحتاج إلى قوة تعبيرية أكثر مما بدا منه، وكذلك محمود عزمي في دور (عبد الرازق)، مع انهما بطلا الكفاح في المسرحية. وفي رأيي أن دور الشاب أليق بصلاح سرحان الذي عرفناه بالإجادة في أدوار الحماسة والحب.

الشعر الغنائي

على أثر ما كتبته منذ أسابيع تحت عنوان (الفن للفن) في مناقشة الصديق الكريم الأستاذ عبد القادر رشيد الناصري، تلقيت منه رسالة ضافية عاود النقاش بها فيما تناولت هذه الكلمة. وتشتمل هذه الرسالة على موضوعين أعرض أحدهما في هذا العدد، وهو الغناء. في الشعر العربي، والموضوع الثاني خاص بالشعبية في الأدب. وقد أثار فيما أثاره (أدب المناسبات) وأراني مضطرا لأرجائه إلى فرصة مقبلة لطول الكلام عليه، كما يعبر مؤلفو الكتب الأزهرية القديمة.

يقول الأستاذ الناصري بعد التحية والأعراب عن عدم ضيقه بما كتبت والارتياح إلى تهيئة الفرصة للمناقشة (وها أنا أهتبل هذه الفرصة لأقدم لك الدليل على أنني لم أكن المجتنى ولكنك تسرعت فكتبت دون أن تفهم مرادي، وهاك ما أنا أبغيه: قلت في معرض الحديث عن الشعر الشعبي إنه لم يجد شاعر غنائيا منذ زمان امرئ القيس حتى الآن إلا المرحوم على محمود طه، فأجبتني بقولك: ما أبقيت إذن للشعر العربي؟ هل أنا في حاجة إلى أن أقول لك إن الشعر العربي في مجموعه غنائي من امرئ القيس إلى الناصري ماذا أقول لك يا سيدي؟ أتظن أن ما حواه كتاب الأغاني من الشعر المغنى يصلح للغناء؟ إذن لماذا لا يستطيع المغنون المبدعون الآن الشدو بما قاله الأولون؟ أليس هذا دليلا على أن أوزان الشعر الماضية لم تكن تصلح مادة للغناء حاليا؟ ولو أن شعراء الأندلس كانوا يعرفون أن الأوزان القديمة تصلح للغناء في زمانهم لما استنبطوا الموشحات، وأنت أدرى بلا شك بما وصل إليه شعراء الأندلس من التفنن في الأوزان والخروج عن قواعد العروض. فهل بعد هذا يجوز قولك أن الشعر العربي من امرئ القيس إلى الناصري غنائي؟ أنا أعيذك يا سيدي من هذه الطرقة. . مع العلم بأن الشعر العربي عرف كل ألوان الشعر الأشعر الملاحم والمسرحيات، غير أنه وقف حائرا أمام الغناء حتى جاء على محمود طه)

وأقول للأستاذ الصديق: أنني لم أفهم غير مراده، ولو أنني لم (أتسرع) ومكثت أتأمل كلامه إلى الآن لما خرجت منه إلا بأن الشعر العربي لم يعثر على شاعر عربي غنائي بعد امرئ القيس إلا على محمود طه. . فإذا كان هذا غير المراد فما هو المراد إذن. .؟

وأراد الأستاذ الناصري أن يدلل على ما قال، فتساءل عما حواه كتاب الأغاني من شعر مغنى: هل يصلح للغناء! وأقول نعم قد فعلا وإلا ما غنى. وهل ينفى صلاحه للغناء أن المغنين الحاليين لايغنونه؟! وهل هم لا يغنونه؟ ألم يسمع الأستاذ الأغانى المختارة من الشعر العربي - الذي عاش أصحابه بين امرئ القيس وعلى طه - يغنيها عبد الوهاب وأم كلثوم وغيرهما ومن هذه الأغاني قصائد شوقي التي قيلت فيما بين امرئ القيس وعلى طه. .

ولست أدرى لماذا اختار الأستاذ امرأ القيس دون سائر الشعراء في عصره وما بعده! وماذا يجعل شعر امرئ القيس غنائيا وشعر بن أبي ربيعة مثلا غير غنائي. .؟

ويقول إن الأوزان الماضية لا تصلح للغناء الآن. وأنا أسأله: ألست تنظم على هذه الأوزان؟ وأنت باعترافك الشاعر الغنائي الثالث في الشعر العربي بعد امرئ القيس وعلى طه، بل (أنتم الثلاثة) شعركم على هذه الأوزان، فكيفتطيع الغناء في شعركم وتستعصي عليه في شعر غيركم. .؟

وكيف علمت أن شعراء الأندلس استحدثوا الموشحات لعدم مطاوعة الأوزان القديمة للغناء؟ أو لم يغن الأندلسيون شعرا على تلك الأوزان؟

ثم تقول - يا صديقي - أن الشعر العربي عرف كل ألوان الشعر إلا شعر الملاحم والمسرحيات وإلا الشعر الغنائي. . . فقل لي بالله: ما هي الألوان التي تعنى أن الشعر العربي عرفها إذا كانت كل هذه مستثنيات منها. .؟ نعم انه لم يعرف الملاحم والمسرحيات، أما الشعر الغنائي فإن شعراء العرب لم يعرفوا غيره. وقد جاريتك فيما سبق على اعتبار أن الشعر الغنائي هو ما غني فعلا أو ما يصلح للتلحين والتطريب، والآن حان لنا أن ننتقل إلى ما قرره علماء الأدب المحدثون، وهو أن الشعر إما قصصي أو تمثيلي أو غنائى، ويقصد بالنوع الثالث ما يقول الشعراء تعبيرا عن خوالج النفوس كأنهم يتغنون بها، والشعر العربي كله من هذا القبيل وعلى هذا المعنى سمى الأستاذ محمود حسن إسماعيل أحد دواوينه (هكذا أغنى) والله أعلم. .

قد لا يكون

تلقيت رسالة من الأديب الفطن أحمد مختار عمر الطالب بمعهد القاهرة الديني، عقب على ما كتبته في العدد الأسبق من الرسالة بعنوان (إنه لحن فصيح) فأعرب عن ارتياحه إليه، ثم أبدى الملاحظتين الآتيتين:

1 - ويعترض الأستاذ بربري على الدكتور طه حسين لإتيانه بـ (لا) بعد (قد). ومع أن ذلك المنع في (قد) تحقيقية كانت أم تقريبية أم تقليلية فأنى لا أجد وجها لهذا المنع مع (قد) التقليلية بعد قول ابن مالك:

ولا ضطرار أو تناسب صرف ... ذو المنع والمصروف قد لا ينصرف

وبعد قول ابن هشام في كتابه المغنى: (يتعين مرادفة هل لقد إذا دخلت عليها الهمزة ولا تتعين لذلك إذا لم تدخل عليها بل قد تأتى لذلك. . وقد لا تأتى له.

2 - وأما إنكاره على الدكتور طه حسين قوله (سوف لا يكون) فالذي أفهمه أن الاعتراض - إن وجد - إنما يكون على الفصل بين سوف وفعلها لا على نفى المسوف بها، وحتى هذا لا أرى ما يبرره، كيف فصل الشاعر بينها وبين فعلها في قوله:

وما أدري وسوف إخال أدرى أقوم آل حصن أم نساء

عباس خضر