مجلة الرسالة/العدد 964/حديث الذباب

مجلة الرسالة/العدد 964/حديث الذباب

ملاحظات: بتاريخ: 24 - 12 - 1951



للأستاذ محمد أحمد علي صالح

روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: (إذا سقط الذباب في إناء أحدكم فليغمسه كله ثم ليطرحه فإن في أحد جناحيه شفاء وفي الآخر داء) أجاب بعض الأطباء بمجلة (الدكتور) عدد فبراير سنة 1949 (بأن هذا الحديث مكذوب وكلام لا يصح أن ينسب إلى النبي مهما كانت قيمة راويه، ولا الكتاب الذي وجد فيه) ومن هذا التاريخ واليت البحث للحصول على ما يؤيد هذا الحديث من الناحية الطبية، حتى أصدرت مجلة (لواء الإسلام) عدد سبتمبر سنة 1951 فتوى بأن هذا الحديث صحيح من ناحية السند، وذكرت الطرق التي ورد بها هذا الحديث، وبهذه المناسبة نشرت بمجلة لواء الإسلام عدد أكتوبر سنة 1951 ذلك البحث الطبي نقلا عن (المجلة التجارية الطبية الإنجليزية) عدد 1037 سنة 1947 ما نص ترجمته: (أطعم الذباب من زرع ميكروب بعض الأمراض، وبعد حين من الزمن، ماتت تلك الجراثيم، واختفى أثرها، وتكونت في الذباب مادة مفترسة للجراثيم تسمى (بكتريوفاج) ولو عملت خلاصة من الذباب في محلول ملحي لاحتوت على (البكتريوفاج) التي يمكنها إبادة أربعة أنواع من الجراثيم المولدة للأمراض، ولاحتوت تلك الخلاصة أيضاً على مادة خلاف البكتريوفاج نافعة، ضد أربعة أنواع أخرى من الجراثيم - وقد برهن على ذلك الأستاذ الدكتور (دريل) مندوب الصحة البحرية والكوربنتينات المصرية في الهند للبحث عن ظهور الكوليرا بها، وأنجح الطرق لمقاومتها، وقدم تقريرا مفصلا في ديسمبر سنة 1927 عما أجراه مع زملائه من الأبحاث الفنية والتجارب العلمية، فقد ذكر في تقريره أن (البكتريوفاج) أجسام حية صغيرة جدا أمكن تكوينها ورؤيتها بترسيب ذرات الفضة عليها، وأنه حصل على البكتريوفاج وتمكن من زرعه وتنميته وإذابته في الماء، وأعطى محلوله المرضي بنسب مخصوصة. وبزيادة الجرعات وتنظيم تناولها كان المريض ينال الشفاء في يومين أو ثلاثة، وأثبت أن الذباب يؤدي عملية أخرى عظيمة من نوع ما تقدم، ولكن لا أرى من المناسب ذكرها الآن - وأجريت مثل تجارب الأستاذ (دريل) في البرازيل عن الدوسنتاريا الحادة، واستعمل البكتريوفاج في إيطاليا في علاج الحمى التيفودية، وكذلك ضد جراثيم الاسنا فيلوكدك فافار) وبناء على ذلك قلت: إن هذا الحديث معجزة للنبي حيث أثبته الطب الحديث بعد أربعة عشر قرنا - وقلت: إن من كتب بتكذيب الحديث يجهل الناحية الطبية - وأثبت في هذا المقال درجة أبي هريرة راوي هذا الحديث عن رسول الله، وحرص الإمام البخاري صاحب (كتاب البخاري) الذي ذكر فيه هذا الحديث على الأحاديث النبوية. وقد علق على هذا البحث الطبي الدكتور (نجيب بك قناوي) بعدد نوفمبر سنة 1951 من مجلة (لواء الإسلام) مثبتا لوجود (البكتريوفاج) في الذباب حيث قال بالحرف الواحد: (إنما أود أن أبين باختصار جدا أن مادة (البكتريوفاج) هذه ليست قاصرة على الذباب فحسب، بل يمكن استخلاصها من كل مكان وحيوان، فهي موجودة بكثرة في براز الفراخ وبعض الطيور والحيوانات الأخرى، ومنها الإنسان وحتى الماء والهواء) ثم ذكر مسائل دينية يطلب الإجابة عليها من العلماء الشرعيين، وأورد عبارة عن (المنار) تتعلق بحديث الذباب؛ ثم ختم عزته تعليقه بشكري على هذا البحث في تمحيص حديث الذباب، خصوصا من الوجهة الطبية: (فإنه قرب إلينا نحن الأطباء بحث مادة (البكتريوفاج) في الذباب، ولذا فإني شرعت من اليوم مع بعض زملائي البكتريولوجيين في إجراء بحوث عملية مختلفة على الذباب والبكتريوفاج أي ملتهم الجراثيم سأنشرها عند ظهور نتيجتها، لعلها تبين بطريق أوضح سر معنى حديث الذباب. ومهما قمنا من أعمال وبحوث فما زلنا عند قوله تعالى: (وما أوتيتم من العلم إلا قليلا). وقد رددت على أسئلته الدينية فلم تنشرها لواء الإسلام - ثم عاد طبيبنا الأول فكتب في مجلة الدكتور عدد أكتوبر سنة 1951 ضد هذا الحديث - كما عاود الكتابة في عدد نوفمبر سنة 951 من هذه المجلة أيضاً وأيده في ذلك ثمانية من الأطباء المحترمين في هذا العدد بالذات - ونظرا لما ورد في مقالات الطبيب الأول وفي بعض المقالات الثانية حينما أرادوا معالجة (حديث الذباب) أوقعوا أنفسهم في مضاعفات دينية اتسع عليهم فيها الجرح، فذكروا أحاديث مكذوبة نسبوها إلى رسول الله، وفسر بعضهم آيات قرآنية على غير ما أريد منها، وتقولوا على فقهاء الدين وبعض العلماء الإجلاء ما لم يقولوه ورددت على هؤلاء الأطباء التسعة، وطلبت من مجلة الدكتور نشره في المكان الذي نشرت فيه مقالات الأطباء الثمانية ليطلع القراء الكرام عليه كما أطلعوا على هذه المقالات المذكورة، تمشيا مع حرية النشر، وبسط الآراء لجمهور القراء، ووقوفهم على الحقيقة، وتصحيحا للأخطاء الدينية التي وردت في مقالاتهم خشية أن يعتقد بصحتها لا دراية له بهذه المسائل. وبكل أسف لم تنشر هذه المجلة الرد بحجة (أنني تهجمت على الأطباء، وأن الرأيين نشرا على الجمهور: رأى المؤيدين للحديث، ورأى الأطباء المخالفين. فعلى كل إنسان أن يختار بين أبي هريرة، وبين شتى الأمراض التي ينقلها الذباب)

قلت لعل الأمر انتهى إلى هذا الحد وأقفل باب الكتابة في هذا الحديث، ولكن عاود طبيبنا الأول الكتابة في هذا الموضوع للمرة الثالثة غير الأولى وأباحت له المحلة ذاتها النشر بعد ما منعت ردنا على الأطباء الثمانية فقال في عدد ديسمبر سنة 1951: (فالبخاري رحمه الله مظلوم، ولا ذنب عليه، ولم تميز فراسته ما خفي بين طياته (أي الحديث) من شر وعبث بالصحة، وبهذا الدين الحنيف، ولا لوم على البخاري فقد وثق بإنسان فدس عليه هذا الحديث - ولو كان البخاري في زمانه يعلم مضار الذباب التي أثبتها العلم والطب، لاستحى من تدوين هذا الحديث المزعوم مهما كان مركز راويه) ثم تكلم على حديث الآحاد، وحمل حديث تلقيح النخل على غير ما يراد منه

فهل تسمح لنا (مجلة الرسالة الغراء) وتسعفنا ببسط ردودنا على هذه المقالات على صفحاتها وهي المنبر الحر الذي لا يخشى في الحق لومة لائم، وأنها عودتنا والقراء أن نقرأ لها البحوث الدينية والعلمية والأدبية والآراء الحرة حتى تخلص البخاري من هذا الوصف الذي لا يتناسب مع مركزه؟

(يتبع)

محمد أحمد علي صالح

من علماء الأزهر