مجلة الرسالة/العدد 966/الكتلة الإسلامية والسلام العالمي

مجلة الرسالة/العدد 966/الكتلة الإسلامية والسلام العالمي

مجلة الرسالة - العدد 966
الكتلة الإسلامية والسلام العالمي
ملاحظات: بتاريخ: 07 - 01 - 1952



للأستاذ أبو الفتوح عطيفة

تحتل البلاد الإسلامية بقعة كبيرة من سطح الكرة الرضية فهي تمتد من بلاد الصين شرقا إلى المحيط الأطلنطي غربا وتضم بين دفتيها، الباكستان وأفغانستان وإيران والعراق وسوريا ولبنان وفلسطين وشرق الأردن والمملكة السعودية العربية واليمن وعدن وعمان والكويت والبحرين - ولنخرج من حسابنا تركيا لأنها قد أخرجت نفسها من مجموعة الشعوب الإسلامية وآثرت الانضمام إلى الدول الغربية - ويضاف إلى هذه المجموعة السابقة من الدول الآسيوية أندنوسيا.

هذا في أسيا أما في أفريقيا فتوجد مصر والسودان وليبيا وتونس والجزائر ومراكش وبلاد الصومال.

وسكان العالم الإسلامي يزيد تعدادهم على أربعمائة مليون من الأنفس وهو عدد يزيد على عدد سكان القارة الأوربية بأسرها وهو عدد له خطره وقيمته.

وفي العصر الحاضر أنقسم العالم إلى كتلتين: إحداهما شرقية تتزعمها روسيا وتدين بالشيوعية، والأخرى غربية وتتزعمها إنجلترا وأمريكا وفرنسا وتدين بالديمقراطية والاشتراكية. وبين النقطتين نزاع ونضال. صحيح أنه في سنة 1941 أي في خلال الحرب العالمية الثانية اتفقت الكتلتان فتحالفتا للقضاء على عدوتهما المشتركة ألمانيا، فلما قضى الأمر وانتهت الحرب بانتصارهما أعتقد الناس أن العالم سينعم بفترة من السلام عقب هذه الحرب الضروس، ولكن خاب أملهم، فسرعان ما شب النضال وقامت الحرب بين حلفاء الأمس، ويتجلى هذا النزاع واضحا جليا في الخلافات المستمرة بين روسيا وبين إنجلترا وأمريكا في هيئة الأمم المتحدة وفي مجلس الأمن وكذلك في الحرب القائمة في كوريا.

ولعلك تسألني ما سر هذا النزاع وهذا النضال بين الكتلتين وما سببه؟ وأنا أجيبك في صراحة أن كلا من الكتلتين تبغي السيادة على العالم. وهذا يدفعنا على أن نبحث موقف العالم الإسلامي إزاء الكتلتين، والسياسة التي يجب أن تسير عليها شعوبه، ولكن يجدر بنا قبل ذلك أن نحاول معرفة سياسة الكتلتين إزاء الشرق الأوسط، أو الوطن الإسلامي.

أن كلا من الكتلتين تبغي السيادة على العالم الإسلامي وأكثر من هذا أن دول الكتلة الغربية تسيطر فعلا على الدول الإسلامية: ففرنسا تحتل تونس والجزائر ومراكش، وتسوم أهلها الخسف والعذاب. وبلغ من ظلم فرنسا وقسوتها في الجزائر أن حرمت تدريس اللغة العربية والدين بمدارسها، بل زادت فانتهكت الأعراض، وحاولت خلق أمة جديدة تختلط فيها الأنساب وتضيع الجنسيات، ولكن طاش سهمها وخاب رجاؤها.

وقد حاولت مصر فتح فاروق الأول للدراسات الإسلامية بمدينة الجزائر، ولكن فرنسا لم توافق. وقد رد على ذلك معالي الوزير الحر والأديب العالم الدكتور طه حسين باشا فأمر بوقف نشاط الهيئات العلمية والأثرية الفرنسية في مصر، وهو عمل نحمده لهذا الوزير الخطير.

وتحتل إنجلترا ليبيا، وبرغم أن استقلال ليبيا قد أعلن فإن إنجلتراوأمريكا وفرنسا تحاول أن تبقي قوات احتلالها في ليبيا إلى ما لا نهاية.

وفي مصر والسودان ترفض إنجلترا الجلاء وتقف حائلا أمام وحدة مصر والسودان، وهي وحدة تبررها العوامل الدينية واللغوية والجغرافية والتاريخية والاقتصادية، ولا غرابة في هذا فأن إنجلترا التي تسمى بالوقيعة لإفساد اتحاد أبناء البيت الواحد، لا تتعفف عن الواقعية بين أبناء الشمال وأبناء الجنوب من سكان وادي النيل.

وإن إنجلترا وأمريكا هما الدولتين اللتين ارتكبتا أبشع جريمة في القرن العشرين، إذ مكنتا لإسرائيل أن تقوم وسط العالم العربي لتهدد أمنه وسلامته. وفي سبيل ذلك شردت الدولتان مليونا من العرب، وأخرجتاهم من ديارهم وأوطانهم، وألقي بهم في العراء في البادية قفر حيث كتب عليهم أن يقيموا ليكونوا شاهدا على ظلم الإنسان للإنسان، ودليلا على أن الأمة التي تتهاون في شأنها ستلقي نفس المصير ونفس الهوان. ولكن ليعلم الناس جميعا أن الأمة الإسلامية لن يهدأ لها بال حتى يرد العرب إلى أوطانهم.

وتحتل إنجلترا شرق الأردن وعدن وعدة سلطنات على البحر العربي، وبينها وبين سلطنة عمان وإمارة البحرين وإمارة الكويت معاهدات تحالف!

وبين إنجلترا والعراق معاهدة تبيح لإنجلترا أن تنزل قواتها في أرض العراق إذا تعرض العراق لخطر أجنبي، وهذا الخطر لن يأتي إلا من جانب روسيا.

وكانت إنجلترا إلى وقت قريب تسيطر على البترول الإيراني وتجني من ذلك أرباحا طائلة بلغت قيمتها 1950 115 مليونا من الجنيهات، ولكن إيران أممت بترولها وطردت الإنجليز من بلادها، ومع هذا فلم تسكت إنجلترا بل عمدت إلى شن حرب اقتصادية على إيران.

والباكستان تدخل في نطاق الكومنولت أو مجموعة الشعوب البريطانية وهي بهذا الوضع مرتبطة بالسياسة البريطانية الخارجية والاقتصادية.

وقد ألقت أمريكا أخيرا بدلوها في الدلاء، والاستعمار الأمريكي استعمار اقتصادي؛ ولاستعمار الاقتصادي من أشد أنواع الاستعمار فتكا بالشعوب. وهي لهذا تحاول أن تسيطر اقتصاديا على شعوب الشرق الأوسط. وقد أخذت من الحكومة العربية السعودية امتيازا باستخراج البترول من المنطقة الظهران الواقعة على الخليج الفارسي.

وهكذا نرى أن الدول الغربية تسيطر فعلا على العالم الإسلامي رغم كثرة عدد سكانه ورغم رخائه وكثرة موارده، تدعى دول الكتلة الغربية أنها لا تريد بدول الشرق الأوسط شرا وتبرر احتلالها لكثير من بقاعه بأنها تحميه من خطر الروسي. وتذهب إنجلترا في تبرير احتلالها لمنطقة قنال السويس إلى أن مصر قلب العالم الإسلامي وأنها ستكون هدفا للغزو الروسي

هذا هو موقف دول الكتلة الغربية من العالم الإسلامي. أما روسيا فأنها تحاول السيطرة على العالم وهي لهذا تحاول أن تزلزل الأرض تحت أقدام الكتلة الغربية وتعمد إلى إقامة روابط الود مع دول الشرق الأوسط. وتفزع الدول الغربية وتشفق على دول العالم الإسلامي من الوقوع في برائن الشيوعية وهي إنما تخاف على نفسها وتشفق على سيادتها.

وهنا يجب علينا أن نوضح حقيقة موقف الكتلة الإسلامية إزاء الكتلتين. لقد ضاق العالم العربي ذرعا بسيادة الدول الغربية عليه وهو لا يريد منها إلا أن تذهب غير مأسوف عليها وأن تتركه حرا وهي سترغم على ذلك إرغاما بالطرق السلمية إن أمكن وبالكفاح والجلاء إن لم تجد الطرق السليمة.

أما روسيا فليست خطرا على العالم الإسلامي لا، هذا العالم غني بمبادئه عن المبادئ روسيا الشيوعية، وقد كفل له الإسلام سلامته وسعادته.

فالإسلام يأمر المسلمين بأداء زكاة أموالهم وردها على فقرائهم (خذ من أموالهم صدقة تزكيهم وتطهرهم بها) (وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم)

وأني أحب أن أضرب لناس المثل الآتي ليتبينوا أن الشيوعية ليست خطرا مطلقا على المسلمين.

كلنا يعلم أن قريشا رفضت أن تعتنق الإسلام وحاولت أن تفتن المسلمين الأوائل عن دينهم وأن تردهم إلى شركها وكفرها بالتعذيب والتهديد وغير ذلك من الوسائل ولكنهم صبروا على الأذى والعدوان واستعذبوا ما لاقوا من هوان في سبيل دينهم. واضطروا أخيرا أن يهجروا أوطانهم وأن يهاجروا إلى المدينة فرارا بدينهم وتركوا ديارهم وأموالهم.

ويروي صاحب السيرة أن صهيب بن سنان حين أراد الهجرة قال له كفار قريش: أتيتنا صعلوكا حقيرا فكثر مالك عندنا وبلغت الذي بلغت، ثم تريد أن تخرج بمالك ونفسك، والله لا يكون ذلك! فقال لهم صهيب: أرأيتم إن جعلت لكم مالي أتخلون سبيلي؟ قالوا: نعم قال: فإني جعلت لكم مالي قال: فبلغ ذلك رسول الله فقال: ربح صهيب! ربح صهيب!

وهكذا ذهب المهاجرون إلى المدينة وقد تركوا أموالهم وديارهم بمكة. ماذا فعل الرسول الكريم؛ آخى بين المهاجرين والأنصار. وماذا فعل الأنصار؟ نزل كل منهم على نصف ما يملك لأخيه المهاجر. وما أظن أن في التاريخ الحديث بمبادئه الشيوعية والاشتراكية أروع من هذا المثال.

والإسلام دين الديمقراطية: كان النبي يشور أصحابه دائما (وأمرهم شورى بينهم)، وكان الرسول لا يقضي أمرا دون مشورة. أنظر إليه صلوات الله عليه قبيل غزوة بدر وقد أتخذ مكانا فجاءه الحباب بن المنذر وقال: يا رسول الله، أرأيت هذا المنزل، أمنزل أنزله الله ليس لنا أن نتقدم ولا نتأخر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال: بل هو الرأي والحرب والمكيدة.

فقال: يا رسول الله فأن هذا ليس بمنزل فنهض بالناس حتى نأتي أدنى ما من القوم فتنزله ثم نغور ما ورائه من القلب ثم نبني عليه حوضا فنملؤه ماء ثم نقاتل القوم فنشرب ولا يشربون.

فقال الرسول: لقد أشرت بالرأي. ونفذ ما أشار به الحباب والأمثلة على ديمقراطية الرسول كثيرة لا يحصيها العد.

وأستمع إلى قول أبو بكر الصديق حين بويع بالخلافة: أيها الناس إني وليت عليكم ولست بخيركم، فأن كنت على حق فأعينوني، وأن كنت على باطل فقوموني. (الخليفة يطلب من الرعية ان تقومه!! أرأيت أروع من هذا مثالا في الديمقراطية؟)

والإسلام دين المساواة والحرية. (أن أكرمكم عند الله اتقاكم) والرسول يقول (لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى)

والإسلام دين العمل. (إن الذين أمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا) (والعصر أن الإنسان لفي خسر، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر)

والإسلام دين التعاطف والتواد والتراحم. أستمع إلى قول رسول الله (المؤمن للمؤمن كالبنيان شيد بعضه بعضا) وقوله (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا أشتكى منه عضو تداعى له سائر أعضائه بالسهر والحمى)

والإسلام دين العزة يأبى على اتباعه الذلة (والله العزة لرسوله وللمؤمنين)، وهو لهذا يأمر اتباعه دائما بالجهاد:

(يا أيها الذين أمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب ألم، تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلك خير لكم إن كنتم تعلمون) (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة) (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة) (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون).

وقد أقام الإسلام فيما مضى أمة سادت الدنيا وكانت أقوى أمم الأرض جميعا، وكانت دول الغرب جميعا ترهبها وتخشى بأسها. وقد بلغ من اتساع رقعتها وامتداد مساحتها أن كان الخليفة هارون الرشيد ينظر إلى السحابة ويقول (أمطري حيث شئت يأتني خراجك.)

وهكذا نجد إن العالم الإسلامي غني بمبادئه الإسلامية عن الكتلة الشرقية وعن الكتلة الغربية. وهنا حقيقة أحب أن أذكرها وهي أن العالم أجمع يجب أن يتعاون في النهضة العلمية التي تهدف إلى خير الإنسان. وعلى الشرقيين أن ينهضوا علميا حتى يلحقوا بالغرب؛ فإن الغرب لم يسد ولم يتفوق إلا بالعلم. ولذا أرى واجبا على أهل الشرق أن يدرسوا علوم الغرب وأن يحاول علماؤهم القيام بنصيبهم في حمل أعباء النهضة العلمية. وليس في هذا ضير فهذه الحضارة التي يفخر بها الغرب إنما هي مأخوذة في أساسها عن حضارة العرب.

ولقد كان قيام الكتلة الإسلامية حلما من أحلام الكتاب والساسة والمفكرين؛ ولكنها قد أخذت تصبح أمرا واقعا، فقد كان قيام الجامعة العربية في مارس 1944 النواة الأولى لها، ثم زاد شأنها ووضح أمرها حين زار الدكتور محمد مصدق رئيس الوزارة الإيرانية مصر منذ عهد قريب وأعلن قيام التعاون بين الدول الإسلامية وعلى رأسها مصر وإيران.

وقد تجلى شأن الكتلة الإسلامية واضحا حين وقفت مجموعة الشعوب الإسلامية بجانب مصر في نضالها ضد المغتصبين من البريطانيين. وقد قامت الباكستان بمجهود يذكر فيشكر.

أن قيام الكتلة الإسلامية كفيل بتحقيق السلام العالمي، فإن بلادها غنية بالمواد الخام والمواد الغذائية. وهي أغنى مناطق العالم طرا بالبترول؛ وإن كل نقطة من البترول تعادل قطرة من الدم، وإلى هذا يرجع تسابق الدول الغربية إلى احتكار موارد البترول في الشرق الأوسط. وسيمنع قيام هذه الكتلة اشتعال نيران الحرب بين الكتلتين، لأن قيامها سيوجد توازنا دوليا بينهما فإن انضمامهما لإحدى الكتلتين سيكفل انتصارها وإذن تحجم الكتلة الأخرى عن الدخول في صراع حربي مع الكتلتين الأخريين.

وبهذا ستكون بالكتلة الإسلامية هي الميزان الدولي إن شاء الله.

أبو الفتوح عطيفة