مجلة الرسالة/العدد 969/الثورة المصرية

مجلة الرسالة/العدد 969/الثورة المصرية

ملاحظات: بتاريخ: 28 - 01 - 1952


11 - الثورة المصرية 1919

للأستاذ أبو الفتوح عطيفة

من 15 - 29 ديسمبر 1951:

لا تزال معركة التحرير على أشدها الحرب سجالاً بين المصريين والإنجليز، وقد أقضت أعمال الفدائيين الباسلة مضاجع الإنجليز، وأصبحت قواتهم خائفة تترقب الموت في كل حين وفي كل لحظة.

وفي 18 ديسمبر 1951 اجتمع محمد صلاح الدين باشا وزير خارجية مصر بمستر إيدن وزير خارجية بريطانيا في باريس لحل المسألة المصرية ولكن الاجتماع لم يسفر عن أي نجاح. وقد طلب إيدن إلى صلاح الدين باشا أن تتخذ الحكومة المصرية فوراً إجراءات لوقف حوادث القتال وتهيئة الجد للدخول في مفاوضات، فأجابه وزير الخارجية المصرية قائلاً إن جلاء القوات الإنجليزية هو الأجراء الوحيد الذي يكفل الهدوء والسلام في منطقة القنال والطريقة الوحيدة لتحسين العلاقات بين البلدان.

وسأل إيدن صلاح الدين باشا: هل لدى الحكومة المصرية مقترحات جديدة، فقال له وزير المصري (إن مطالب مصر تتركز في الجلاء الشامل الناجز ووحدة وادي النيل تحت التاج المصري) وأعلن أنه (لا مفاوضة إلا بعد الجلاء).

ولم يوافق إيدن صلاح الدين وهكذا فشل الاجتماع وعاد إيدن أدراجه إلى لندن.

وقد واصل الإنجليز عدوانهم في منطقة القنال، وقد واصلت قوات الفدائيين نضالها ضدهم فنسفوا قطاراً حربياً بريطانيا قرب السويس وآخر عند أبي سلطان وقد دمروا الخط الحديدي من ميناء الأدبية إلى معسكرات أكثر من مرة وكذلك نسفوا أنابيب المياه في كفر عبده وهي التي خرب الإنجليز هذا الحي من أجلها.

أسوأ عيد ميلاد

أقبل عيد الميلاد عبد السلام كما هو مفروض، ولكنه أقبل في هذا العام على الجنود الإنجليز في منطقة القتال وهم يقتلون ويقتلون. وقد أفزع نشاط الفدائيين المصريين الإنجليز مما أضطر قائدهم أرسكين إلى أن يذيع على القوات البريطانية نداء بمناسبة عيد الميلاد استحثهم فيه ألا يشغلهم العيد عن مباشرة أعمالهم والقيام بما يضطلعون به من أعباء والمحافظة على سمعة بريطانيا (؟؟) والحذر من أعمال الفدائيين.

وجاء في النداء أن بريطانيا نجتاز الآن أزمة عصيبة غير أنها ترجو أن تمر بسلام وأن تصل إلى حل سليم لتسوية الخلافات بين الحكومتين المصرية والبريطانية.

وجاء عيد الميلاد فكان أسود عيد في حياة الجند الإنجليز في منطقة القنال، فقد اشتد نشاط الفدائيين في جميع أنحاء تلك المنطقة ونسفوا محطة الكهرباء في الفردان وأنابيب المياه في البلاح وقطعوا خطوط التليفون في أكثر من موضع وهاجموا الإنجليز في أكثر من مكان. وهكذا كان عيد السلام في هذا العام أسوأ عيد على المغتصبين البريطانيين.

كلم اللسان:

في يوم 13 ديسمبر 1951 استقبل معالي عبد الفتاح حسن باشا وزير الشئون الاجتماعية سعادة عبد السلام الشاذلي باشا وجرت بينهما مناقشة حول استيلاء الحكومة على نادي الجزيرة ودافع الوزير عن وجهة نظر الحكومة.

قال عبد السلام باشا للوزير: كان يجب عليك أن ترجع لوزراء الشئون السابقين لتستشيرهم قبل أن تقدم مثل هذا الاقتراح فإننا نعرف هذا النادي (الإنجليزي) ويظهر أنك لا تعرفه ولعلك لم تزره.

فقال عبد الفتاح باشا: لقد استشرت ضميري وراعيت في الاقتراح ما يقتضيه صالح بلادي دون أي اعتبار.

واحتدت المنافسة وقال الشاذلي باشا: إن قرار مجلس الوزراء بتخصيص أراضي نادي الجزيرة للمنفعة العامة هو جريمة.

وهكذا سقط الرجل: ورد عبد الفتاح باشا على الشاذلي باشا قائلاً: (أنا لا أسمح لك بهذا الكلام فإن إلغاء ناد إنجليزي ليس الجريمة وإنما الجريمة ما ترتكبه أنت الآن من دفاع عن هذا النادي الإنجليزي).

دولة جديدة:

في الساعة العاشرة والنصف من صباح 24 ديسمبر 1951 أعلن استقلال ليبيا واعتلاء الملك إدريس السنوسي عرش الدولة الاتحادية الجديدة التي تتألف من برقة وطرابلس وفزان.

ونحن نهنئ الدولة الجديدة باستقلالها ونهنئ العالم الإسلامي بها، ونرجو أن نتمكن في القريب العاجل من تحطيم قيود استقلالها والانضمام إلى الكتلة الإسلامية الحرة لأن هذه الكتلة هي التي ستبعث الأمن والسلام إلى هذا العالم المضطرب.

26 ديسمبر

قام الفدائيين بأعنف هجوم على المعسكرات البريطانية، فدمروا شبكة الخطوط البريطانية بلغم زنته 72 كيلو جراماً ونسفوا أنابيب محطة المياه والطريق الحربي الممتد من ميناء الأدبية إلى معسكرات. وقد انتابت أرسكين موجات من الفزع والهلع فهدد بحشد جميع القوات التي تحت إمرته لسحق كتائب الفدائيين في القنال.

وقد شاهدت القاهرة والإسكندرية مظاهرات قام بها الطلبة واستخدم البوليس في قمعها الرش والقنابل المسيلة للدموع وأغلقت الجامعات الثلاث والمدارس الثانوية.

وقبل أن أختم كلمتي هذه عن معركة التحرير الحالية أحب أن أقول لمواطني: احذروا الفرقة والانقسام فإن عدونا يتربص بنا، وما دامت كلمتنا متحدة متفقة فسيضطر العدو إلى الاستجابة لمطالبنا. أما إن تفرقنا فستذهب ريحنا ونضيع جهودنا. والله أسأل أن يوفقنا إلى ما فيه خير بلادنا.

أبريل 9191

في 7 أبريل أعلن المندوب السامي الإفراج عن سعد وصحبه فامتلأت قلوب المصريين فرحاً وعمتهم الغبطة وقامت المظاهرات في القاهرة والأقاليم تعلن ابتهاج مصر وفرحها. واشترك في هذه المظاهرات ألوف من المصريين من جميع الطبقات؛ وكانت دار سعد وجهة الجميع.

وقد شارك النشالون الأمة في شعورها فأعلنوا تأمينا للناس على جيوبهم امتناعهم عن العمل ثلاثة أيام سويا!!

وقد قامت في 8 إبريل مظاهرة كبرى اشترك فيها العلماء والقسس والطلبة والضباط المصريون وأعضاء الجمعية التشريعية ومشايخ العربان والتجار والأعيان والقضاة والأطباء والموظفون والعمال، وكان يعقب مواكب هذه الطوائف مركبات تحمل سيدات من أرقى العائلات.

ولكن الإنجليز لم يتركوا الأمة في فرحها بل تحرش الجند بالمتظاهرين وأطلقوا عليهم الرصاص فسقط منهم أربعة شهداء.

وقد أعترف المندوب السامي بخروج الإنجليز عن حدهم وأعلن أسفه لما حدث منهم.

وفي 9 إبريل أقيم احتفالاً عظيم بتشييع جنازات الشهداء اشترك فيه ألوف من جميع الطبقات وكان هتافهم (لتحيى ضحايا الحرية).

واستمر عدوان الإنجليز قائماً وكان لهم في كل يوم ضحايا وشهداء.

وزارة رشدي باشا

ظلت مصر وزارة منذ ديسمبر 1918 وفي 9 إبريل 1919 شكلت وزارة رشدي باشا الثانية واشترك فيها عدلي يكن باشا وعبد الخالق ثروت باشا ويوسف وهبه باشا.

وقد طلب ضباط البوليس والجيش المصري أن يعهد إليهم بالمحافظة على الأمن والنظام ولكن لم يلب الطلب.

تأليف الوفد الرسمي

في 10 إبريل اعتز الوفد ماليا إذ تبرع له بدراوي عاشور باشا بمبلغ عشرة آلاف جنيه والأمير يوسف كمال بألفين وانهالت عليه التبرعات من جميع الطبقات والطوائف وجمعت له الأموال الطائلة.

وفي 11 إبريل تألف الوفد الرسمي من: سعد زغلول. علي شعراوي. إسماعيل صدقي. حمد الباسل. محمد محمود. عبد العزيز فهمي. أحمد لطفي السيد. مصطفى النحاس. حافظ عفيفي. حسين واصف. محمود أبو النصر. محمد عبد الخالق مدكور.

وفي 11 إبريل سافر باقي أعضاء الوفد وهم الذين كانوا بمصر إلى باريس لينضموا إلى سعد وزملائه الذين كانوا في المنفى، ومرة أخرى خرجت مصر بأسرها لتودع أبناءها المسافرين للدفاع عن قضيتها، نعم خرجت مصر لتعبر عن شعورها وعن آمالها فكان أروع توديع.

وفي 12 إبريل ألفت اللجنة المركزية للوفد بمصر، وكان لهذه اللجنة شأنها وخطرها فقد تولت قيادة الثورة بمصر وكانت تمد أعضاء الوفد بباريس بما يحتاجونه إليه من معلومات.

استمر الإنجليز في طغيانهم ومن أمثلة ذلك ما حدث في صفط الملوك بمديرية البحيرة في مساء 12 إبريل. وكانت دورية بريطانية تمر بالقرية فزعمت أنها سمعت طلقاً نارياً أطلق عليها. وكان رد الإنجليز محاصرة القرية وإخراج جميع رجالها ثم اقتادوهم تحت جنح الظلام إلى المحطة. وهناك جردوا من ملابسهم إلا ما يستر العورة وأخذوا واحداً بعد الآخر إلى كشك المحطة. كان الواحد يؤمر بإدخال رأسه في شباك صرف التذاكر، ويقبض بعض الجند على رأس الرجل من الداخل بينما يلهب آخرون ظهر الرجل بالكرباج من الخارج.

وفي قنا ألقى قائد الجيش أمراً يقضي بإلزام جميع المصريين بتحية كل ضابط بريطاني يمر بالشوارع وقوفاً والتسليم عليه سلاماً عسكرياً، ولكن رفض القضاء وأعضاء النيابة الأمر وأبلغوا العدل أنهم سيلزمون منازلهم حتى لا يؤدوا مثل هذه التحية إلى الضباط الإنجليز. وقد كان موقفهم مدعاة لإلغاء هذا الأمر.

وفي 10 إبريل شكل الموظفون لجنة للنظر في الموقف وقررت الإضراب حتى تجاب المطالب الآتية:

1: أن تصرح الوزارة بصفة الوفد الرسمية.

2: أن تشكيل الوزارة لا يفيد الاعتراف بالحماية.

3: إلغاء الأحكام العرفية وسحب الجنود الإنجليز من الشارع، وقد قبلت الحكومة أكثر الطلبات ولكن المندوب السامي لم يوافق.

ولما لم تجب المطالب الموظفون، وقد حاول رشدي باشا تسكين ثائرة الأمة فأصدر منشوراً يدعوها إلى الهدوء والسكينة ويطلب إلى الموظفين العودة إلى أعمالهم حتى تسير دفة الحكم.

ولكن المنشور لم يشر بتاتاً إلى مطالب الأمة ولذلك لم ينفذه الموظفون وواصلوا إضرابهم. وقد هددهم رشدي باشا في منشور آخر بتاريخ 15 إبريل ولكنهم لم يأبهوا لتهديده.

وقد ادعت الصحف الأجنبية أن هذه الحركة تقوم بها قلة من المصريين هم طائفة الموظفين وكان الرد على ذلك اجتماع أكثر من 80 ألفاً من جميع طبقات الأمة في الأزهر برياسة الشيخ الأكبر محمد بخيت وفيه تقررت مشاركة جميع الطوائف للموظفين في الامتناع عن العمل حتى تجاب المطالب.

وقد أضربت جميع الطوائف في اليوم التالي فأصبحت المدينة وكأن ليس بها أحد. وقد اشترك الكناسون في الإضراب فامتلأت القاهرة بالقاذورات.

وقد قرر الطلبة تأليف بوليس وطني ولكن الحكومة قررت منعه، وكانت لجنة الوفد المركزية تواصل أعمالها بهمة ونشاط وتجمع التبرعات التي أقبل الناس عليها إقبالاً عظيماً ولكن هذا العمل لم يرق في عين الإنجليز فأصدر المندوب السامي أمراً حظر فيه جميع هذه التبرعات.

وفي 20 إبريل جاء عيد الفصح فتجلت الوحدة المصرية قوية رائعة فقد توجه المسلمون إلى دور إخوانهم الأقباط مهنئين بالعيد ورد الأقباط الزيارة لإخوانهم في المساجد.

ولم تستطع وزارة رشدي تسير دفة الأمور في مصر وظلت الأحوال مضطربة والأمة ثائرة. واضطر رشدي باشا إزاء ذلك إلى الاستقالة 21 إبريل.

وكان عمر وزارته تلك اثني عشر يوماً.

أبو الفتوح عطيفة