مجلة الرسالة/العدد 972/الكتب
مجلة الرسالة/العدد 972/الكُتُب
محمد رسول الله
تأليف مولاي محمد علي
تعريب مصطفى فهمي وعبد الحميد جودة السحار
للأستاذ محمد محمود زيتون
الكاتبون في السيرة النبوية في العصر الحديث على ثلاث فرق: فريق خصوم الإسلام من الغربيين، وفريقان من المسلمين أحدهما مقلد والآخر مجدد.
أما الخصوم فقد أخذتهم روعة السيرة فعكفوا على دراستها يبتغون إحصاء المآخذ على الإسلام وترويجها في أوساطهم، وقلما يعترف أحدهم بمواطن العزة والفخار في تراثنا، لأنهم يخشون انهيار ما يستمسكون به من مبادئ واهية، إذا هي قيست بالصروح العالية التي أقامها الإسلام.
وهؤلاء - على خصومتهم الظاهرة - لم يكن بمكنة بعضهم أن يغمط الحق - لأنهم وهم المبشرون بحرية البحث، والمنهج الموضوعي، يخشون أن يتناقضوا مع أنفسهم حين تزل أقلامهم إلى مزالق التعصب الوخيم، ومع ذلك فهم طالما يلبسون الحق بالباطل ابتغاء الفتنة.
وهذا الفريق كان - ولا يزال - خطراً على الدعوة للإسلام في الغرب. حتى لقد وقع فلاسفة القانون ومنهم منتسيكو في أخطاء جسيمة، نتيجة للاستقراء العاجز، الذي قدمه لهم شركاؤهم في الإفك والتضليل.
والفريق الثاني من كتاب السيرة هم أصحاب المدرسة التقليدية أو بتعبير آخر هم الذين يؤمنون إيمان العجائز يصدقون كل ما ورد في السير، فلا يفرقون بين الغث والسمين، أو بين الأصيل والدخيل، فجاءوا بموجزات لا يكلفون أنفسهم فيها عناء التمييز، ولا يسعون إلى البحث وفق منهج خاص، وهؤلاء لا قيامة لهم في موازين النقد، ولا سيما في انحدارهم وراء المتواتر من الأنباء غير ملتفتين إلى الإسرائيليات المدسوسة في السير، والإسلام منها بريء.
والفريق الأخير هو المدرسة التجديدية التي أصحابها من المسلمين المثقفين الآخذين من الطريف والتليد على السواء، وهؤلاء هم طلائع الأغيار على تراثنا المجيد الذين سارعوا إلى رد المضللين إلى جادة الصواب في رفق المؤمن وتؤدة العالم. وهذا الفريق هو الذي يعور كتيبة الثقافة الإسلامية التي جندت رجالا يحجزون الفتنة في أقماع السمسم كلما أطلت بقرنيها.
وهم - لاختلاف مشاريعهم الثقافية - يختلفون منهاجا وأسلوبا، ومن هنا تكون الطاقة الثقافية مميزة للواحد منهم عن الآخر، ومن وراء ذلك كله تتوفر لدى القارئ ذخيرة قيمة من المعلومات فضلا عن الأثر الموصول بين المؤلف والمطلع.
وفي الرعيل الأول من هذا الفريق مولاي محمد علي رئيس الرابطة الأحمدية لإشاعة الإسلام بلاهور مؤلف كتاب (محمد رسول الله) الذي اضطلع بنقله عن الإنجليزية الأستاذان مصطفى فهمي وعبد الحميد السحار.
ونحن إذ نقدم هذا الكتاب القيم إلى القراء على صفحات الرسالة الغراء يلزمنا التنويه بفضل المؤلف والمترجمين جمعيا.
وليس من شك في أن علماء الباكستان يعلون علوا كبيرا في مباحثهم الإسلامية التي يطلعون بها على العالم بين الفينة والفينة، وهذا مولاي محمد علي يسير في كتابه هذا في فلك فريد سواء في طاقته العلمية أو المنهجية، فهو - على خلاف المؤلفين في السيرة - يصدر عن ذخيرة وفيرة من الاطلاعات والبراهين، فجاء كتابه هذا ثمرة طيبة لمجهود عميق دقيق على سعة في الأفق، وتسلسل في الاستدلال، واعتزاز في الرأي في غير اغترار، وبشخصية عاملة ناقدة.
ويبلغ به الحرص على دفع فرية إلى حد الاستباق إلى تكذيب واقعة تاريخية أجمع عليها المؤلفون الأولون في السيرة، فيتهجم على الواقعة، ويمضي في الإلحاح على زحزحتها بكافة البراهين المنطقية والأسانيد الصحيحة حتى يخرج من المعركة ظافرا، فيشعر القارئ البريء بأنه قد نجا من فتنة ووهم وضلال، ما كان لينجو منها لولا هذا الصراع الفكري العنيف الذي قام به المؤلف البطل.
تابعت المؤلف في جميع فصول الكتاب، فوجدته قد نأى بقلمه عن الاستدراكات والاستطرادات التي تعوق عن الهدف، وتشتت الذهن، وبذلك لم يكن من طائفة المقلدين الذين يقعون في أخطاء المؤلفين القدامى.
ومما حرص عليه مولاي محمد علي تجنب كثرة الردود على الخصوم في ثنايا الفصول، ولكنه اضطر في أكثر من مناسبة إلى إزهاق باطل شائع في أذهان الأوروبيين وهو أن الإسلام لم ينتصر إلا بالسيف، فكان لا بد من تحين كل فرصة لدحض هذه الدعوى وإبطالها بالحكمة والموعظة الحسنة، ويمتاز أيضاً بسعة اطلاع جعلته يعقد مقارنات بين ما ورد في التوراة والإنجيل وبين ما تحقق منهما من نبوءات بمحمد الرسول الغازي، ولذا فهو يعمل على تجميع الخطوط الرئيسية حول حادث ما.
ولقد تجلت مزاياه الثقافية، وحججه البارعة في (غزوات النبي) و (دعوى المثلة الكاذبة) و (مميزات النبي الصالح). ففي هذه الفصول بنوع خاص، ارتفع مولاي محمد علي من المستوى العادي في تحليل الجهاد في الإسلام، ونفى نفيا حاسما حوادث اغتيال قيل إن النبي هو الآمر بها، وأجمعت عليها روايات الثقات، كما استبعد فكرة (العزل) عن نساء السبي، وفي هذا كله يصدر عن (ذوق إسلامي) مرهف مؤيد بالمنطق الثابت والسند الصحيح؛ تبرئة للنبي مما قد يعلق بالوهم من شبهة، لو تركت قد تنقلب مع التبرير إلى شريعة.
وفي الحق أن الأستاذ السحار وزميله قد خدما الثقافة الإسلامية أجل خدمة بترجمتهما هذا الكتاب القيم الذي سد نقصا كبيرا في المكتبة العربية المعاصرة، وذلك لاختيارهما في هذه الترجمة أسلوبا سهلا يتمشى مع سهولة الأداء التي حالفت المؤلف في هذا الكتاب.
ومن دواعي التوفيق إلى هذه الترجمة الدقيقة الرشيقة أن الأستاذ السحار أديب إسلامي مطبوع؛ فهو مؤلف ومترجم ومؤرخ وناقد وقاص. وله في كل مجال من ذلك مكان مرموق وهو - بالاشتراك مع محمد فرج - مترجم كتاب (الرسول) لمؤلفه بودلي الذي يعد من الفريق الأول، ثم أن الأستاذ السحار هو مؤلف هذا الكتاب القيم (المسيح عيسى بن مريم) الذي نأمل أن نقدمه للقراء قريبا.
لقد أفاد السحار حقا من اطلاعه على أمهات كتب السيرة فكان تعاونه مع زميله صادقا ودقيقا في ترجمتهما كتاب (محمد رسول الله) ومما يجدر بنا التنويه عنه قول النبي يعاتب الأنصار بعد غزوة حنين (أوجدتم يا معشر الأنصار في العلالة من الدنيا. . . ص166 وصحتها لعاعة (بفتح اللام والعينين) وذاك كما ورد في سيرة ابن هشام وسيرة السهيلي، وهو يفسرها بأنها بقلة خضراء ناعمة. وقد شبه بها زهرة الدنيا وزينتها.
على كل حال فإن الاطلاع على الأصول العربية قد مكن من تفادي مواطن الإعراب والتورط فجاءت الترجمة سهلة مستساغة تستحق التهنئة الصادقة، أما لجنة النشر للجامعيين فقد استفتحت بهذا الكتاب عهدا جديدا من دارها الجديدة (دار مصر للطباعة) فجاء الكتاب في حجم مقبول اجتمعت فيه عوامل الذوق من طبع وبساطة وإتقان مع هنات مطبعية لا تذكر.
محمد محمود زيتون
القطر الجزائري
للأستاذ كمال دسوقي
لا أعرف كتابا مصورا ظهر في العصر الحديث للدعاية لقضية وطنية أجمل ولا أبلغ في الدلالة على هذه الدعاية الطيبة من كتاب (القطر الجزائري) الذي أصدره مكتب الاستعلامات والوثائق بديوان الحاكم العام الجزائري؛ والذي أطرف ما فيه صدوره عن دار بابا علي الجزائرية وطبعه بالمطابع الباكونية الجزائرية أيضا.
فهذا الكتاب صور حية ناطقة بل هاتفة وصارخة بجمال هذه البلاد وروعة معالمها وآثارها الطبيعية والفنية بما لا يحتاج معه القارئ في غمرة إعجابه ودهشته إلى بيان من البيانات المكتوبة معها باللغات الفرنسية والعربية والإنجليزية والإسبانية؛ فحيوية الصور ودقة اختيارها وعرضها تغني عن بيانها وتسترعي النظر والانتباه قبل أن تثير اللغات المكتوبة فضول القراءة.
أقول ذلك وقد سبق لي أن زرت أقطارا أوربية كثيرة فطوفت بأشهر مدنها وألممت بصور دعاياتها التي توزعها متفرقة أو في كتالوجات ونشرات؛ مجانا وبالثمن. . . فحتى فرنسا ذاتها - التي هي أكثر الدول الأوربية اهتماما باستخراج صور جذابة لمعالم القرى والربوع المختلفة فيها لا أستطيع أن أقول إني عثرت فيها على مجلد كهذا. . على أنه لا غرو أن تبز الجزائر هذه الدولة في إتقان الدعاية لنفسها! فإنها تحتاج من هذه الناحية لما قد لا تحتاجه تلك الدول التي تدعو لقضية استقلال بل تدعو للسياحة! وإليك البيان:
الكتاب مقسم إلى فصول تتصدرها عنواناتها بالفرنسية، وتعلو هذه العنوانات رسوم تخطيطية بارعة ترمز لمدلول محتوياتها، وهذه الفصول مرتبة ترتيبا منطقيا بحيث تتناول أولا: البلدة بمعالمها الجغرافية: شواطئها وصخورها، وسهولها ووديانها، جبالها ووهادها وكثبانها، وجناتها الزراعية وحيوانها. . .
ثم يأتي القسم الثاني في أهل البلاد وسكانها؛ وهنا تدرس بالصور كثرة سكان مدينة الجزائر البالغين 450 ألف نسمة كما تدرس أزياؤهم شيوخاً وشباناً - أطفالا، ونساء؛ وموظفين وأجانب، أعرابا ورعاة وغير ذلك من جنود وراقصين وموسيقيين وحراس ورجال دين. . . لوحات رائعة معظمها من المتحف الوطني للفنون الجميلة بالجزائر.
أما حياة السكان فلها قسم خاص بعد ذلك. وهنا مقارنة طريفة بين الجزائر القديمة والجزائر الحديثة بعمائرها الشاهقة وشوارعها الكبيرة وأحيائها الجديدة وفيلاتها الحديثة والعربية الطراز والميناء والمحطة التجارية. . . ومدن قسطنطينة وسكيكدة وغرداية. . . فأهم منشآت المدينة الجزائرية من مساكن للعمال إلى مستشفيات ودور إسعاف ومراكز نقل الدم - إلى مدارس ومراكز للحياة الإدارية (دار الحكومة) والنيابة (المجلس الجزائري) فمساجد وكنائس وأضرحة ومقاهي. . . مظاهر تدعو للإعجاب بحضارة هذه البلاد المادية ورقيها وتقدمها.
وتقوم اقتصاديات هذه البلاد وأعمال أهلها في المقام الأول على الزراعة؛ زراعة الحبوب فالكروم والموالح والتمر (النخيل) والتين (الذي هو ثالث صادرات البلاد في الأهمية) والزيتون
. . . التي يتقدم إنتاجها بفعل الآلات الحديثة وتقوم عليها صناعات العصير والتجفيف لما يتبقى من الاستهلاك والتصدير.
وفي البلاد جهود لتحسين القروي والتدريب الزراعي واختزان الحبوب للاحتياط بواسطة هيئات وجمعيات ومصالح تعمل على مغالبة الطبيعة والانتفاع بمواردها من تربة وخزانات ومساقط (متحدرات) ومصبات وآبار لري النخيل حيث لا يوجد الماء. كما تقوم بها مشروعات للطاقة الكهربائية وتوليدها والطاقة الذرية مما يضاعف في تقدم البلاد الصناعي - إذ توجد فعلا مصانع هائلة للخزف والسيلولوز والزجاج ومصانع النسيج اليدوية والميكانيكية وعصير البرتقال والفواكه المجففة. . . كما أن من الثروات الاقتصادية الهامة عدا صيد الأسماك الحديد والفحم والفوسفات التي يتقدم استخراجها تقدماً كبيراً. . . عدا صناعات محلية ويدوية مختلفة يحترفها الأهلون.
وميناء الجزائر أهم مرافئ التبادل التجاري الجزائري. وإلى جانبية يوجد مواني وهران وعنابة (بوك) وسكيكدة (فيلييفل) وأرزيو بأرصفتها ومراسيها واستعدادات التفريغ والشحن والتصدير والاستيراد الهائلة. أما في الداخل فتوجد شبكة من السكك الحديدية للقطارات السريعة ذات القاطرات الكهربائية التي تشق البلاد بين المدن والقرى وعبر الجسور الحديثة الفولاذية فوق الوديان؛ كما توجد مطارات أهمها الميزون بلانش والمطار الصحراوي بورقلة ?.
والبلاد غنية بآثارها الرومانية والفينيقية والإسلامية في مختلف القرى القائمة أو المهجورة، ولذا نجد متحف الإتنوجرافيا وما قبل التاريخ يعرض في روعته ومحتوياته نماذج كثيرة من هذه الفنون إلى جانب ما يعرضه المتحف الوطني للفنون الجميلة من اللوحات الحديثة لرسامين عالميين وفرنسيين ورد كثير منها في الكتاب بلونه شاهداً على عظمة الفن الجزائري لدى المواطنين والأجانب الذين يفدون إليها مصورين ورسامين ونحاتين وسينمائيين في ضيافة العبد اللطيف مثلا أو لتصوير أفلامهم في هذه الطبيعة الجميلة.
والنهضة التعليمية سائرة في طريق التقدم. فثمة مدارس قروية وبدوية بسيطة إلى جانب مدارس الأطفال والابتدائي والزراعي والصناعي والليسيه الثانوية داخلية وخارجية للبنين والبنات - كما توجد جامعة الجزائر التي تستقبل خمسة آلاف طالب موزعين على مختلف الكليات بين صالات ومعامل وحدائق ومكتبات. .
وبعد هذا لا يلزمك أن أحدثك عن الفصل الأخير من هذا المجلد القيم عن (السياحة) فإن بعض ما ذكرت كفيل بتشويقي وتشويقك لزيارة هذه البلاد.
وعليك بعد هذا الإعجاب أن تقف وتفكر غير طويل لتدرك أن الفرنسيين حكام هذه البلاد قد تفننوا في إخراج هذا المجلد ليثبتوا به أمام الأمم المتحدة وقبل أن تتقدم الجزائر بدورها بطلب الاستقلال والتحرر - يثبتون به نهضتهم بهذه البلاد - التي قد تكون نهضة حقيقة ولكنها لا تعفيهم من أنهم محتلون غاصبون. . . فهي تقدم هذا الدليل المادي لعصابة الأمم المتحدة حتى لا يؤاخذ عليها ما أخذ على غيرها في استعمارها لدول أخرى من أنها لا تعمل على النهوض بها ورفاهية شعبها.
هذه هي الفكرة التي يجب ألا تغيب عن ذهن أي معجب بهذا الكتاب.
كمال دسوقي