مجلة الرسالة/العدد 979/الباكستان

مجلة الرسالة/العدد 979/الباكستان

ملاحظات: بتاريخ: 07 - 04 - 1952


2 - الباكستان

السياسة الخارجية

للأستاذ أبو الفتوح عطيفة

(إن وحدة العالم الإسلامي هي أحد الأركان الأساسية التي تقوم

عليها سياسة باكستان.)

محمد ظفر الله خان وزير الخارجية

كراتشي - القاهرة

في هاتين المدينتين تتركز السياسة الخارجية للدول الإسلامية ففي القاهرة تقوم الجامعة العربية وفي كراجي (كراتشي) تقوم حركة الجامعة الإسلامية

وقد كان من المفهوم أنه لا يوجد تضارب بين الفكرتين بل كان مفروضا أن تحول الجامعة العربية إلى وحدة إسلامية أمر سهل ميسور ولا غبار عليه، ولكن بعض التصريحات التي صدرت في القاهرة أخيرا أشعرتنا بأن هناك خلافا في وجهات النظر حول الفكرتين، فالجامعة العربية تقوم على أساس العنصرية وعلى أساس من المصالح المتبادلة بين الدول العربية، لا على أساس طائفي أو ديني، بهذا صرح سعادة الأمين العام وقال أنه يعارض فكرة إنشاء الجامعة الإسلامية لأنها تكون مؤسسة دينية طائفية تقف في سبيلها كل الهيئات غير الإسلامية، كما أنها تغضب الهند والفلبين وهما تتعاونان مع الجامعة العربية

وأنا أرى أنه إن كان المقصود بالهيئات غير الإسلامية اليهود المقيمين بإسرائيل فإن هؤلاء سيغضبون حقا لقيام الوحدة الإسلامية، أما إن كان المقصود المسيحيين واليهود المقيمين بسائر الدول الإسلامية فهؤلاء لن يغضبوا لأنهم عاشوا آلاف السنين مع إخوانهم المسلمين جنبا إلى جنب، تظلهم راية الإسلام ويتمتعون في كنفه بالآمن والسلام، وتلك الحقوق التي كفلها لهم الإسلام

وأعترف بأنني قد حاولت جاهدا أن أفهم سر ما نزل بعرب فلسطين من بلاء وتشريد ونهب وسفك دماء وهتك أعراض، وقد تمخضت هذه الجرائم عن قيام دولة إسرائيل فلم أجد سببا لكل هذا التعصب الصهيونيين الديني

وإنني أضع أمام القراء صورة لما نزل بالمسلمين في القارة الهندية من أذى وبلاء مما دفعهم إلى الاستماتة في سبيل إقامة دولة ينعمون في ظلها بالآمن والطمأنينة والحرية، وقد كلل الله جهودهم بالنجاح. فأقاموا دولة الباكستان فكانت لهم دار آمن وسلام. ألم يكن الهندوكيون يعملون على تمجيس المسلمين أو إفنائهم؟

وهاأنذا أقص على حضرات القراء بعض ما وقع في الهند عند تنفيذ مشروع التقسيم:

في 1947 أعلن تقسم الهند إلى دولتين: الهندستان والباكستان، فماذا فعل الهندوس؟ انطلقوا يقتلون الأبرياء من المسلمين وكانت دلهي عاصمة الهند نفسها مسرحا لآلاف من الجرائم المروعة ذهب ضحيتها آلاف من المسلمين الأبرياء

وأشهد معي وقارن: لقد هاجر من الباكستان كثيرون من الهندوس والسيخ آمنين مطمئنين يحملون معهم أموالهم وأثاثهم ومتاعهم وكان عدد المهاجرين منهم ما يلي:

427 , 000 بالسيارات

1 , 362 , 000 بالسكك الحديد

849 , 000 بالعجلات التي تجرها الحيوانات

133 , 000 بالبواخر

27 , 500 بالطائرات

أما المهاجرين من المسلمون فكانت قصة هجرتهم إلى الباكستان مأساة: لقد أخرجوا من أرضهم وبيوتهم وأموالهم تحت وابل من الرصاص والنيران. وقد هاجر معظمهم سيرا على الأقدام فلم يصل إلا أقلهم، أما معظمهم فقد مات في أثناء الطريق من البرد والحر والجوع والإعياء وكثيرون اغتيلوا أو ماتوا غرقا في الأنهار

وقد ظن بعضهم أنهم محظوظون حينما أتيح لهم الانتقال بالسيارات والقطر الحديدية ولكن خاب ظنهم. لقد كانوا معرضين في كل محطة وقف بها القطار إلى هجمات السيخ والهندوس، ولقد كانت السيارات أو القطر تصل فعلا إلى حدود الباكستان ولكنها كانت تصل فارغة أو مملوءة بالجثث وبالمشوهين فقط!!!

واستمر المسلمون يهجرون الهندستان بالملايين، تاركين وراءهم أموالهم وأملاكهم هاربين بإيمانهم لا يبالون بما ينتظرهم في الطريق من المخاطر والعدوان وزادهم الله هدى وإيمانا، لقد كان أحدهم إذا بلغ حدود الدولة الإسلامية فقيرا مشوها عاجزا فما هو إلا أن تطأ قدماه أرض الوطن حتى يسجد لله شكرا. لقد اصبح للمسلمين دار أمان في أرض الهند!

لماذا نزل هذا البلاء بالباكستانيين؟ ألم يكن كل ذنبهم أنهم مسلمون؟

الجامعة الإسلامية قائمة سواء أراد الأعداء أم لم يريدوا قال محمد ظفر الله خان (ونحن المسلمين لا نحمل أي نيات عدائية ضد أي أمة أو أمم، ولسنا نرغب إلا أن نحيا حياة حرة كريمة، وأن تنهض في الاتجاه الذي نعتقد أنه الحق، وأن نستغل مواردنا الأدبية والمادية لخدمة شعوبنا ولخدمة الإنسانية بحيث نسهم بنصيبنا في إقرار السلام وإشاعة حسن النية في جميع ربوع العالم!)

المؤتمر الإسلامي

أنعقد هذا المؤتمر وهو يمثل الشعوب الإسلامية في كراتشي وكان يرأسه سماحة السيد محمد أمين الحسيني مفتى فلسطين وقد اتخذ المؤتمر القرارات آلاتية - وهي خاصة فلسطين: بما أن قضية فلسطين هي قضية إسلامية عامة لصلتها الوثيقة بمصالح المسلمين فإن مجلس المؤتمر يقرر ما يلي:

1: مطالبة جميع الدول والشعوب الإسلامية بتأييد قضية فلسطين ودفع الخطر المحدق بالمسجد الأقصى والعمل على إنقاذ هذه البلاد المقدسة من أيدي المعتدين

2: إعادة اللاجئين إلى أراضيهم وأملاكهم وفقا لقرار هيئة الأمم المتحدة

3: استعادة مئات من المساجد والمعابد التي استولى عليها اليهود والأوقاف الإسلامية والمقابر وسائر الأملاك، واحترام الملكية الشخصية وحفظها لأصحاب كما ينص على ذلك القانون الدولي

4: معارضة كل صلح أو تسوية مع اليهود

5: يدعو المؤتمر جميع المسلمين حكومات وشعوبا إلى مقاطعة ما يسمى (دولة إسرائيل) مقاطعة عامة شاملة في كل النواحي الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، كما يدعو إلى مقاطعة اليهود حيث كانوا في أقطار العالم، وتجنب التعامل معهم إلى أن يتحقق زوال خطرهم على فلسطين والبلاد الإسلامية كافة، وتكليف اللجنة التنفيذية بتشكيل مكتب خاص لتحقيق ذلك بالوسائل العملية

ونحن نرجو أن توضع هذه القرارات موضع التنفيذ فإن العبرة بذلك لا بكتابتها على الورق

مؤتمر كراتشي:

وجهت باكستان الدعوة إلى الدول الإسلامية للاشتراك في هذا المؤتمر الذي ينتظر عقده في النصف الثاني من شهر أبريل، ومهمته بحث المسائل الهامة المشتركة وإقامة نظام استشاري بين الدول الإسلامية مما يساعد على إقامة تعاون أوثق بينها الأمر الذي فيه مصلحتها

يتضح من كل ما سبق أن الباكستان تتجه في سياستها الخارجية إلى إقامة تعاون وثيق بينها وبين الدول العربية، وإلى هذا يشير معالي ظفر الله خان بقوله: أن وحدة العالم الإسلامي هي أحد أركان الأساسية التي يقوم عليها سياسة الباكستان

وفي الوقت ذاته تقوم روابط الصداقة بين الباكستان وبريطانيا. والواقع أن ظروف الباكستان الجغرافية هي التي أملت عليها هذه السياسة. فالباكستان تجاور الهند من ناحية، وهي قريبة من روسيا وأملاكها الآسيوية من ناحية أخرى. فقد كان عداء الهندوس للمسلمين من أبناء الباكستان مما دفع الباكستانيين إلى محاولة إيجاد الجامعة الإسلامية (والمؤمنون أخوة) بنص القرآن الكريم. كما إن الخطر الروسي أدى إلى قيام روابط الصداقة بينهم وبين بريطانيا، ولا تنس أن بريطانيا كانت تحكم الهند إلى وقت حد قريب، وأنها تزعم استقلال القارة الهندية ما تزال تسيطر على أسواقها التجارية، فإن بريطانيا حريصة تماما على تجارة الهند

حيدر آباد - كشمير

ولايتان من ولايات القارة الهندية قامت بسببهما مشكلتان بين الهندوستان والباكستان

وحيدر آباد مقاطعة في هضبة الركن؛ وهي أكبر إمارات الهند وأغناها، إذ تبلغ مساحتها 350 , 000 كيلو متر مربع، وعدد سكانها نحو سبعة عشر مليونا من الأنفس منهم نحو مليونين من المسلمين وهم أقلية. وكان يحكمها نظام حيدر آباد، وكان من أغنى أغنياء العالم ولما قامت دولتا الهندستان والباكستان اختار نظام حيدر آباد وهو مسلم أن تظل بلاده مستقلة، ولكن الهندستان لم تقنع بذلك. وفي 1948 ساقت الجيوش إلى الولاية واحتلتها بدعوى إن أغلبية السكان من الهندوس!!

وأما كشمير فهي مقاطعة جبلية في شمال الباكستان الغربية، وفيها توجد منابع السند، ومن ثم كانت أهميتها بالنسبة لباكستان كأهمية السودان بالنسبة إلى مصر. يضاف إلى ذلك 93 % من سكان مسلمون. وتجاورها من الشرق مقاطعة جمو، وهي كذلك مقاطعة إسلامية؛ إذ إن 62 % من سكانها مسلمون أيضا

وكان يحكم كشمير منذ 1846 أمير هندوسي اشتراها من شركة الهند الشرقية البريطانية. وتبلغ مساحتها نحو 84 , 000 ميل مربع، وعدد سكانها أربعة ملايين

وفي 1947 تم تقسيم القارة الهندية إلى دولتين: الهندستان والباكستان، وكان من الضروري أن تنظم كشمير إلى الباكستان لأن معظم سكانها من المسلمين (وقد رأينا إن الهندستان ضمت حيدر آباد بحجة أن أغلبية السكان من الهندوس)، ولكن الهندستان لجأت إلى سياسة العسف فعملت على دفع حاكم كشمير الهندوسي إلى إقامة حكم إرهابي عنيف مما يؤدي إلى إفناء المسلمين أو هجرتهم، وشجعت هجرة الهندوس إليها حتى تصبح الأغلبية، لهم وبدأت الحركة في جمو، ففي مقاطعة دوغرا قتل 237 , 000 من المسلمين على يد قوات المهراجا نفسه، وكان يساعدها جماعات منظمة من السيخ والهندوس. وقد أدت هذه الحوادث فعلا إلى إفناء ثلثي المسلمين في مقاطعة جمو مما بدل نسبة السكان والهندوس فيها

إزاء هذه الحوادث قام رجال القبائل في كشمير لنجدة إخوانهم وانتصروا على جيوش المهراجا، وأقاموا حكومة وطنية هي حكومة (كشمير الحرة) أو (أزاد كشمير)

استنجد المهراجا بالهندستان فبعثت إليه بجنودها ودباباتها وطياراتها، وتقدمت الباكستان تدافع عن أهل كشمير المسلمين، وبدأت مشكلة كشمير تهدد السلام العالمي، وتدخلت هيئة الأمم المتحدة لتحل القضية حلا (عادلا) فوقف القتال عند احتفاظ القوات الهندية بجزء كبير من مقاطعة جمو وسيطرة حكومة (كشمير الحرة) على سائر المقاطعة. وهكذا انتصر رجال القبائل الشجعان على جيشي المهراجا والهندستان. وما تزال القضية منظورة أمام هيئة الأمم المتحدة

وموقف الهندستان في هذه القضية عجيب. لقد ضمت حيدر آباد لأن معظم سكانها من الهندوس، وهي تعارض في ضم كشمير إلى الباكستان مع أن أغلب السكان من المسلمين. إن غايتها واضحة. إن استيلاءها على كشمير خطر دائم يهدد الباكستان

سهو

جاء في المقال الأول عن الباكستان أن مساحتها 360 مليون كيلو متر مربع، وصحتها 360 , 000 ميلاً مربعاً ولذا لزم التنويه

أبو الفتوح عطيفة