مجلة الرسالة/العدد 981/الأدب والفن في أسبوع

مجلة الرسالة/العدد 981/الأدب والفن في أسبوع

مجلة الرسالة - العدد 981
الأدب والفن في أسبوع
ملاحظات: بتاريخ: 21 - 04 - 1952



للأستاذ عباس خضر

تأبين الدكتور زكي مبارك:

أقامت نقابة الصحفيين يوم الجمعة الماضي حفلا لتأبين فقيد الأدب والصحافة الدكتور زكي مبارك، وقد توالي الخطباء والشعراء في هذا الحفل، فوفوا الفقيد حقه من الرثاء ودراسته حياته وأدبه. ويعتبر مجموع الكلمات التي لقيت كتابا عن (زكي مبارك) لا بأس به، وتحسن النقابة صنعا لو أنها قامت بطبعه ونشره.

كانت كلمة الأستاذ حافظ محمود - على إيجازها - وافية، وأفاض الأستاذ محمد عبد القادر حمزة في محاضرة التي تناول فيها جوانب مختلفة من شخصية الفقيد وأدبه، وكان الأستاذ مظهر سعيد - كعادته - مجليا في الخطابة، وكان ختام كلمته رائعاً إذ قال: كنت واحداً ممن اكتووا بنار الدكتور زكي مبارك، وقد أشبعني شتماً، ثم مات وبيننا عداوة، وقد سمعتم رأيي فيه، والفضل ما شهدت به الأعداء.

وتحدث الأستاذ حسين كامل عن جهاد الفقيد في القضية العربية فقال إنه من أوائل من نادوا بالوحدة بين الناطقين بالضاد.

وتطلعت الأنظار حين وقفت الآنسة زينب الحكيم. . . ترى ماذا عن زكي والدعوة إلى أخذها بالعنف. . ولكن الآنسة زينب جازت الفقيد إحسانا بإساءة، ومما قالته أن الدكتور زكي مبارك كان خفيفا على قلوب النساء سواء في عدواته ومناصرته. . . ولعل هذا من مصداق رأيه في النساء من حيث إنهن إنما يسكن بالشدة!

أما الدكتور منصور فهمي باشا فقد كان الحاضرون يتوقعون منه - باعتباره عضوا في مجمع اللغة وعميدا سابقا للداب - أن يكون على وفاق مع سيبويه. .

وقد ألقى الأستاذ محمد مصطفى حمام قصيدة جيدة تميزت بالانطباق على شخصية الدكتور زكي مبارك، مطلعها:

عابد الحسن هل جفا محرابه ... مدمن العشق هل سلا أحبابه؟

ومنها:

الخطيب المبين أفحمه المو ... ت وألغى بيانه وخطابه الجريء المغاضب الصعب قد أو ... دى فلن يملك العدا إغضابه

وهب الله للصدور صفاء ... وتولى حسابهم وحسابه

حول تقدم الشاعرين الفائزين في مسابقة المجمع اللغوي

أتيت في الأسبوع الأسبق بخلاصة الكلمة التي ألقاها الأستاذ عباس محمود العقاد في تقديم الشاعرين الفائزين بجائزتي الشعر لهذا العالم في مجموع الأول للغة العربية. وقد عني الأستاذ في تلك ببحث أسباب الأزمة الشعرية في الغرب وما أدت إليه من قيام (الاستفزازيين) في الشعر وفي سائر الفنون، الذين فقدوا روح النضال ووجهوا همهم إلى تحدي المثل والمناهج والأهداف.

وقد لوحظ أن ذلك البحث استغرق جل عناية الأستاذ، فلم يظفر الفائزان منه إلا بسير من القول تطرق إليه بقوله إن حالة الاجتماع عندنا تختلف عن حالة البلاد الغربية، فلم تصل فنونا إلى ما وصلت إليه الفنون في الغرب من الحيرة والانقطاع عن المثل، واتخذ الديوانين الفائزين يا لجائزتين شاهدا على ذلك. وهنا موطن الملاحظة الثانية، وهي وهن العلاقة الموضوع الذي ظفر بأكبر الجهد وبين الديوانين اللذين طفا عليهما ذلك الموضوع وكانا أحق بالنظر والدروس في مناسبة إجازتهما.

كنا نتوقع أن يحدثنا الأستاذ عن شعر كل من الديوانين، معرفا أو ناقدا، وبين لنا خصائص كل منهما على حدة، ولم استحق الأستاذ إبراهيم نجا الجائزة الأولى، ولم استحق الأستاذ خالد الجرنوسي الجائزة الثانية.

حقا أن الأستاذ العقاد جرى أن يكون لكلمته في مثل هذه المناسبة موضوع عام، وأذكر كلمته في مسابقة من مسابقات المجمع السالفة، إذ أجرى الكلام فيها على المذهبين الشعريين: الاتباعي والابتداعي، وطبق ذلك على الشعراء الفائزين إذ ذاك وهم الأستاذة محمود غنيم ومحمد الأسمر ومحمود عماد.

ولكن الأستاذ الكبير هذه المرة أتى بموضوع لم يطبق نتيجته على الشعر الشاعرين الفائزين؛ ويخيل إلى أنه فعل ذلك تخلصا من الجرح الذي يتمثل في عدم انطباق هذا الشعر على مذهبه المعروف الذي يجعل القيمة الأولى للشعر فيما يتضمنه من (فكرة) ولهذا اختار منه - للاستشهاد - ما يلائم هذا المذهب.

وماذا يقول من يتحدث عن الشعر إبراهيم نجا إن لم يكن في مقدمة ما يقول، ما يمتاز به هذا الشاعر من الروح الشعرية الرفافة والتعبير البين عن الوجدان الصادق؟ ومن هنا - فيما يبدو لي - يتلمس العذر لصاحب المذهب الفكري في تجنب الحديث التفصيلي في هذا المضمار.

مسرحية (كدب في كدب)

قدمت فرقة المسرح المصري الحديث أخيراً على مسرح الأوبرا الملكية، مسرحية جديدة للأستاذ محمود تيمور بك عنوانها (كدب في كدب) وقد قام بإخراجها الأستاذ زكي طليمات مدير الفرقة.

تعرض المسرحية أشخاصاً يعيشون في بيئة (أرستقراطية)

فهذا (كريم بك) شاب وسيم يستهلك ثروته الكبيرة الموروثة في المقامرة على سباق الخيل، ويأتي في ذلك بضروب من السفه والتبذير والإتلاف حتى ينتهي به الأمر إلى الإفلاس، ويلتقي في خلال ذلك بالفتاة الجميلة (كريمة) التي تتبناها وتكلفها امرأة غنية هي (شقيقة هانم) ويبدي كل من الفتى والفتاة استخفافا بالآخر أول الأمر، ثم يزين لهما المحيطون بهما أن يتزوجا، فيقال لكريم بك إنك على وشك الإفلاس وهذه فتاة غنية، ويقال لكريمة شبه ذلك، فيصطنعان الحب ويتزوجان.

و (نصار بك) زوج شقيقة هانم رجل وضيع النفس يطمع في مال زوجته وقد تزوجها من أجل ذلك، ومن أغراضه أن يستأثر بهذا المال دون (كريمة) ثم يتظاهر بالعطف على الفتاة طمعا فيها. . فتجاريه أولا لتكشفه ثم تصده وتزجره، فيتمادى في خطته لحرمانها كل شيء.

و (نبيه بك) عمدة إحدى القرى يغشى مجتمعات القاهرة الراقية، يتطرف ويتأنق محاولا أن يبدو مثل أفراد هذه المجتمعات، ويوجه اهتمامه إلى (كريمة) رغبة في زواجها، ويحاول صديقه (نصار بك) أن يعاونه على ذلك، ثم ينتهي الأمر بهذين الصديقين إلى السجن لتلاعب في بعض الوثائق.

و (فواز بك) رجل سرى متزن حصيف خرجته تجارب العمر الطويل، يعمل على التوفيق بين أشخاص الرواية وخاصة (كريم) و (كريمة) على أساس فلسفته التي استفادها من الحياة، وهي أن الإنسان لا بد له من الكذب والنفاق ليساير الناس ويواكب الحياة، فحين تنكشف حقيقة كل منهما للآخر فتبين إفلاس الغنى، وتنجلي ظروف الفتاة بذهاب الثروة التي كانت تظاهر بها، ويعرف كل منهما أن صاحبه كان يكذبه ويخدعه - يقوم فواز بك بهمته في إقناعها بأن ما كان منهما لا بأس به ولا ينبغي أن يؤدي إلى القطيعة بينهما ويخلي لهما المكان ليتفاهما. فيتفاهما عملا بفلسفة فواز بك، بل هما أكثر من ذلك يشعران بانتهائهما إلى تبادل شعور المودة، فيحمدان الكذب الذي تبادلاه أول الأمر إذ كانت نتيجته الحب. . . وتلتقي فلقتا الستار وهما في جحيم من القبل. . .

هل لهذه المسرحية موضوع؟ لا أريد أن أجرم بشيء من ذلك. يخيل إلى أولا أنها (رد فعل) للفن الوعظي الصارخ الذي يشتمل على الخطب ويعتمد على التأثير بالافتعال والمفاجآت.

وتيمور قصاص هادئ يرقب الحياة في سكون ونفاذ، ويتمثل ذلك على أكمله في هذه المسرحية التي يقدم بها أشخاصا ينتزعهم من الحياة كما هم ويدفع بهم إلى المسرح ليأتوا من الأفعال والأقوال ما يأتون في الحياة، وأحسب أن شخصية (فواز بك) تعكس بعض صفات المؤلف نفسه. .

والمسرحية ليس فيها صراع، فلا يأتي شوق المشاهد وتتبعه لما يجري فيها - لا يأتي ذلك من أحدث يتوق إلى أن يعرف كيف ينتهي، وإنما يجتذب المشاهد عرض التصرفات التي يراهامطابقة لما يجري في المجتمع، وطلاوة الحوار وما فيه من دعابات وإشارات إلى حقائق في النفوس الإنسانية.

وإذا كان لا بد من تلمس الموضوع فلا أجده إلا في هذه الفلسفة الواقعية التي تنطبق بها أفعال الأشخاص وأقوالهم، وكأنهم يقولون: ها نحن أولاء ناس من الناس نفعل ما تسوق إليه دوافعنا البشرية ولا يغنينا أن توصف أعمالنا بخير أو شر.

وكأني بالمؤلف يقول: إلى متى نظل نكذب ولا نستطيع أن نعيش بغير كذب، وليقل من يقول على المنابر، وليكتب من يكتب على الأوراق، في فوائد الصدق ومضار الكذب، ما يشاء، ولنقصد نحن إلى الواقع، وهذه هي نتيجة الكذب. . . الحب. . .

ومن مظاهر التوفيق في إخراج المسرحية ما قام به مخرجها الأستاذ زكي طليمات من أنواع التعبير عن طريق المناظر والأضواء المطابقة والموحية، ويسترعي انتباهي دائماً في إخراج الأستاذ زكي طليمات حسن تنسيق المجموعات الصامتة وإحكام حركاتها ليحيل صمتها إلى نطق. . . ومن تلك المظاهر أيضاً حسن إعداد الممثلين الممثلات وإسناد الأدوار الملائمة إليهم واستنباط كفاياتهم الكامنة. هذا ولست أدري لماذا جعل نور الدمرداش في دور كريم بك يستمر في حالة عصبية من أول الرواية إلى آخرها، والمفروض في هذا الدور أن يكون صاحبه الشاب المتلاف مرحا طروبا. نعم قد يبتئس في بعض الأحيان لما يطرأ من سوء الحال، ولكنه لم يكن على ما ينبغي في عدة مواقف كانت يتطلب التلطف والمرح.

وألاحظ في تمثيل هذا الشاب (نور الدمرداش) أنه هو تقريبا في أدواره بالروايات المختلفة، فهو يكرر نفسه كما يقولون وتماثله في ذلك الفتاة (زهرة العلي) التي قامت بدور (كريمة) فالشبان لا تكفي وسلمتهما، بل لا بد لهما من التنويع والتجرد من السمة الواحدة.

وقد قام عبد الرحيم الزرقاني بدور فواز بك فأجاد بالاندماج في الشخصية المرسومة، وبراعة الاندماج من مميزات الأستاذ الزرقاني.

وكان أحمد الجزيري، الذي مثل سكرتير كريم بك، عصب الفكاهة في هذه الرواية، وقد وفق في دوره كل التوفيق، وكذلك علي كاسب الذي صور شخصية (العمدة) وما لا بسها من مفرقات فأجاد في ذلك.

أما سميحة أبواب فقد لاحظت أنها تقدمت تقدماً كبيراً، فقامت بدور (أرتست الحرب) خير قيام.

في ذكرى ابن سينا:

كان الدكتور محمد يوسف موسى من أنشط أعضاء اللجنة التي ألفت في الإدارة الثقافية بجامعة الدول العربية للإعداد للاحتفال بذكرى ابن سينا، فقد قام بستة بحوت في نواح مختلفة لصاحب الذكرى، منها بحث موضوعة (الناحية الاجتماعية والسياسية في فلسفة ابن سينا) وهو بحث قيم تناول فيه بالعرض والتحليل آراء ابن سينا في مسائل الاجتماع والسياسة، وعرض لما يمكن أن يطبق منها في العصر الحاضر. وقد قام المعهد الفرنسي في القاهرة بنشر هذا البحث باللغتين العربية والفرنسية.

وكان المفروض أن يكون الدكتور موسى بين أعضاء وفد مصر في المهرجان الذي أقيم ببغداد، ولذلك دهشنا رأيناه بالقاهرة في وقت انعقاد ذلك المعرجان. والذي حدث أن جميع أعضاء اللجنة سافروا إلى بغداد بصفات مختلفة، ممثلين للجامعات والهيئات العلمية والجامعات العربية. أما الدكتور موسى فقد أهمل إهمالا لا أجد له وصفا أخف من أنه غير لائق، فهو من أستاذة جامعة فؤاد الأول، ومن أبناء الأزهر، وكان أستاذا به، فكان يمكن اختياره ممثلا للجامعة أو للأزهر، ولم يكن أقل من أن يختار في وفد الجامعة العربية، وقد كان بين المندوبين من هو أقل منه نشاطا في هذه الذكرى، بل من لم يكن له نشاط فيها. . .

عباس خضر.