مجلة الرسالة/العدد 981/غبار حول الكتلة الإسلامية!

مجلة الرسالة/العدد 981/غبار حول الكتلة الإسلامية!

مجلة الرسالة - العدد 981
غبار حول الكتلة الإسلامية!
ملاحظات: بتاريخ: 21 - 04 - 1952


للأستاذ سيد قطب

يجب أن يتوقع الدعاة إلى الكتلة الإسلامية غبارا كثيرا يثأر حولهم، وحول الفكرة ذاتها، غبارا من نواحي شتى: في الداخل وفي الخارج، بطرف مباشر وغير مباشر، تصريحاً وتلميحاً، من قريب ومن بعيد، عن طريق بعض السلطات وبعض العناصر وبعض الجماعات. . .

يجب أن يتوقعوا هذا كله منذ اليوم، لأن الدعوة إلى الكتلة الإسلامية مرادفة للدعوة إلى البعث الإسلامي آت لا ريب فيه؛ ولكن المعرضين والمناوئين لهذا البعث لن يستلموا بسرعة، ولن يسلوا عن طواعية. أنهم سيقاومون هذا البعث لن يستسلموا بسرعة، وأن يسلوا عن طواعية. أنهم سيقامون هذا سيقاومون هذا البعث إلى آخر لحظة، ويستخدمون جميع الوسائل، ومن بين هذه الوسائل تخويف المسلمين أنفسهم من هذا البعث آخر لحظة، وسيستخدمون جميع الوسائل، ومن بين هذه الوسائل تخويف المسلمين أنفسهم من هذا البعث أو إثارة مخاوفهم وشكوكهم حول الدعوة وحول الدعاة!

إن البعث الإسلامي آت لا محالة، لأنه حركة طبيعية غير مصطنعة. حركة تجيء في أوانها، ولم يكن مستطاعا أن تجيء قبل هذه الأوان. . ولقد حاولنا الكثيرون من قبل منذ أيام جمال الدين الأفغاني بل قبله، ولكنها لم تتم، لأنها في ذاك الوقت كانت دعوة رواد سابقين لزمانهم والمقتضيات هذا الزمان. أما اليوم فهي دعوة أوانها بعد أن تهيأت لها معظم الأسباب.

لقد انتهى العالم إلى كتلتين اثنتين قائمتين بالفعل، تتنازعان فيما بينهما على أرض الكتلة الثالثة ومواردها. كذلك انتهى عهد النوم والخمود الذي كانت تعانيه الكتلة الثالثة، وقامت شعوبها بلا استثناء تتملص من البراثن الاستعمار. ومهما تكن تلك البراثن من الشراسة والقوة، فإن تملص الفريسة وحده يكفي لإثبات البعث الجديد. .

ولقد آتت الحضارة الغربية أقصى ثمراتها. وبدا عليها الإفلاس. وبدأت البشرية تتلفت إلى منفذ - كما كانت تتلفت قبيل مولد الإسلام - والمذهب الشيوعي في الجانب الشرقي هو بدوره مذهب مادي كالحضارة الغربية، لا يختلف في طبيعة الحضارة المادية الغربية. وه مذهب تعسفي الفطرة البشرية ويعيش على كبتها وكبحتها بقوة الحديد والنار. فهو مذهب ضد الطبيعة البشرية؛ فمن المحال أن تطمئن إليه الإنسانية. . لقد تندفع إليه فرارا من نار الاستغلال الرأسمالي والطغيان الاستعماري. . ولكنه مجرد اندفاع اضطراري؛ كالمستجير من الرمضاء بالنار كما يقولون في الأمثال.

ويبقى النظام الاجتماعي الإسلامي وحده، يحمي البشرية من طغيان الاستعمار، دون أن يكبت الفطرة البشرية، ويحكمها والنار. .

وهذا ما يجعل البعث الإسلامي حركة كونية، حركة إنسانية. حركة طبيعية. . وهذا ما يجعله ضرورة لا لتخليص الرقعة الإسلامية وحدها من شر الاستعمار، ووقايتها في الوقت ذاته من شر الشيوعية، بل لتخليص البشرية كلها من المأزق الذي صارت إليه، ومن القلق الذي تعانيه، ومن الخواء الذي انتهت إليه حضارته الغرب بعد ثلاثمائة عام!

ولكن هذا كله ليس معناه أن حركة البعث الإسلامي ستلقي ترحيباً من الكتلة الشرقية أو الكتلة الغربية، أو إسنادهما وعملائهما ودعاتهما في الوطن الإسلامي. . وإذن فسيثور كثير. وقد بدت طلائعه من نواحي شتى. وفي صور شتى. وبوسائل شتى. .

اخذ بعضهم يثير الريب والشكوك، مدعياً أن الإنجليز أو الأمريكان هم الذين يخلقون حركة التكتل الإسلامية ليقفوا بها في وجه الشيوعية. .

وفي ذات الوقت أخذوا يثيرون المخاوف من رد الفعل في العالم المسيحي أي الكتلة الغربية - إذا التكتل العالم الإسلامي!!!

وهكذا في وقت واحد، يكون العالم المسيحي هو الذي يخلق حركة التكتل الإسلامي، ويكون هو نفسه الذي يكره حركة التكتل الإسلامي!!!

ومرة يأتي الغبار من جهة الهند، ومرة يجيء من ناحية لبنان، ومرة يجيء من فرنسا، ومرة يتبع من الأرض المصرية. . والصحافة المصرية المأجورة لأفلام المخابرات البريطانية والأمريكية تنفذ تعليمات هذا الأفلام. . وعملاء الشيوعية ينثرون الريب والشكوك في كل مكان. .

كل هذا يجب أن يكون متوقعا. ويجب مع ذلك أن تسير الدعوة إلى الكتلة الإسلامية في طريقها لا تحفل هذا الغبار. وأن تسير الاستعدادات العلمية في طريقها بضغط الشعوب الإسلامية والعناصر الواعية فيها بصفة خاصة، فلا تترك للحكومات، كما تركت جامعة الدول العربية للأهواء!

انه لا خطر على حركة البعث الإسلامية أن يستغلها الاستعمار - كما حدث أحياناً لجامعة الدول العربية - لأن طبيعة الجامعة الإسلامية غير طبيعة الجامعة العربية.

إن الجامعة العربية حركة قومية عنصرية بعيدة عن الروح والضمير، حركة الجامعة الإسلامية حركة عقيدة وبعث روحي شامل. . فإذا جاز لعملاء الاستعمار أن يوجهوا الجامعة العربية أو يعرقلوها، فإن الجامعة الإسلامية سوف تستعصي على التوجيه.

إن حركة التكتل الإسلامي لن تتم لأن بضعة حكام من كل دولة سيجتمعون ويتآمرون! بل إنها ستتم لأن حركة وعي إسلامي ستعمر القلوب والإسلامية فهي بطبيعتها تأبى أن تسخر لأعدائها. إن الإسلام عقيدة استعلاء، فمن المحال أن تخضعأو تذل. إنها تقبل الخضوع يوم تكون هامدة خامدة، فأما حين تستيقظ فلا.

وإذن فلا خوف من استغلال هذه اليقظة لحساب الاستعمار والاستعمار يدرك هذا، ويثير الغبار حول الحركة الإسلامية، لأن تبلورها وبروزها هو النذير الأكبر تقلص ظله البغيض.

هذه الحقائق يجب أن تعرفها الشعوب الإسلامية، وأن تنفض عنها الغبار الذي يثيره أعداؤنا من الجانبين، ويسخرون له أقلاماً وصحفاً وألسنة، تعيش في صميم الوطن الإسلامي!.

وبعض الذين تخب الاستعمار الغربي أفئدتهم، فأفئدتهم هواء، يرتجفون من الذعر أن تثير الدعوة الإسلامية ثائرة العالم الغربي والعالم الهندي!. . كأن هذا العالم أو ذاك قد سالم المسلمين في يوم من الأيام، أو انه يسالمهم الآن!.

إن فظائع وشناعات ترتكب كل يوم ضد المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها. والأقليات الإسلامية في بعض البلاد تباد إبادة منظمة، وتضطهد بنفس الأساليب التي اتبعتها محاكم التفتيش الإسبانية أو أشد. .

وعلى ذكر الأسبان ها نحن أولاء نراهم يقومون بدور السمسار للكتلة الغربية في العالم الإسلامية وترى بعض رجالاتنا مع الأسف الشديد يقومون لهم بدو السمسار كذلك!.

أن أسبانيا في هذه الأيام ود العالم الإسلامي. وهي في ذات الوقت تسوى حسابها مع أمريكا!

ربما يقول الوقت بعضهم: أترى؟ أليس هذا دليلا على أن قيام الكتلة الإسلامية هو من وحي السياسة الاستعمارية؟

انه حق يراد به باطل! يجب أن نفرق بين البواعث الطبيعية لقيام الكتلة الإسلامية، وبين محاولة أن يستغل هذه الحركة الطبيعية.

إن قيام الكتلة الإسلامية اليوم، على أساس النظام الاجتماعي الإسلامي، وعلى أساس تحكيم الشريعة الإسلامي، في أساس تحكيم الشريعة الإسلامية في الحياة. . هو حركة طبيعية لا بد منها كما أسلفنا. . أما محاولة الاستعمار أن يستغل لحسابه هذه الكتلة الناشئة فهي محاولة مصطنعة يمكن القضاء عليها.

وإذن فلندع لقيام الكتلة الإسلامية، على أساس النظام الاجتماعي الإسلامي، لا على أساس أتفاقات دبلوماسية بين بعض السياسيين - على طريقة جامعة الدول العربية! - وليكن همنا أن ننشر حركة إسلامية حقيقي بين الشعوب. وهذا هو الضمان لاستقلال هذه الكتلة عن الاستعمار، وقيامها على أساس مكافحة الاستعمار.

وحين يقوم العالم الإسلامي على أساس النظام الاجتماعي الإسلامي؛ فانه سيكون في حصانة من الشيوعية، بل سيكون بدء تحطيم الكتلة الشيوعية، والنظام الشيوعي. .

هذه حقيقة واضحة تحب أن ننفض عنها الغبار؛ ونعرضها ناصعة للأنظار والأفكار. . .

سيد قطب