مجلة الرسالة/العدد 984/الباكستان

5 - الباكستان الحياة الاقتصادية للأستاذ أبو الفتوح عطيفة الوضع الجغرافي: أرى لزاماً علي قبل أن أتحدث عن الحياة الاقتصادية أن أتناول في كثير من الإيجاز الوضع الجغرافي للباكستان. ذلك أن الحياة الاقتصادية هي أولا وقبل كل شيء من إملاء الجغرافيا، فالعوامل الجغرافية تحتم على قوم أن يكونوا زراعاً وتحتم على آخرين أن يكونوا صناعاً أو تجارا أو رعاة. من أجل هذا أرى من الواجب علي أن أتحدث عن الطبيعة الجغرافية للباكستان حتى نستطيع فهم حياتها الاقتصادية. تتكون الباكستان من وحدتين جغرافيتين: باكستان الشرقية وباكستان الغربية، والإقليمان منفصلان يبعدان عن بعضهما بنحو ألف ميل تقريباً. فأما الباكستان الشرقية فتقع بين خطي عرض 20 , 45 درجة شمالا و26 , 30 درجة شمالا وبين خطي طول 88 درجة شرقاً و92 , 30 درجة شرقاً وتبلغ مساحتها 53 , 920 ميلا مربعاً وعدد سكانها 42 , 120 , 000 نسمة. وتشمل الباكستان الشرقية قسما من السهل الذي ينساب فيه نهرا براهما بترا والكنج وتضم القسم الأكبر من دلتا الكنج، ويوجد في شمالها الشرقي بعض بقاع جبلية هي أجزاء من شرق جبال الهملايا التي تقع في شمال الهند. أما مناخها فموسمي حار في الصيف إذ تبلغ درجة الحرارة نحو 83 درجة فهرنهيت ويسقط المطر غزيرا في الفترة من منتصف مارس إلى نهاية أكتوبر وذلك بتأثير الرياح الموسمية الجنوبية الغربية، وأما الشتاء فدفئ إذ تبلغ الحرارة نحو 64 درجة فهرنهيت ولكنه جاف لأن الرياح التي تهب في هذا الفصل تكون الرياح الموسمية الشمالية الشرقية. وهي رياح جافة لأنها تهب من داخل القارة. أما باكستان الغربية فتقع بين خطي عرض 24 درجة شمالا و37 شمالا وبين خطي طول 61 درجة شرقاً و75 شرقاً وتبلغ مساحتها 310 , 298 ميلا مربعاً وعدد سكانها 33 , 570 , 000 نسمة. ولكن أراضي الباكستان الغربية ليست سهولا منبسطة مثل أراضي الباكستان الشرقية بل إن طبيعتها تتباين تبايناً كبيرا، فنجد القسم الشمالي وإقليم بلوخستان جبليا مرتفعا بينما نجد إقليم البنجاب وإقليم السند والإقليم الصحراوي أرضاً سهلة منبسطة. والمناخ في الباكستان الغربية متباين أيضاً والتباين واضح جدا في توزيع المطر. فالمطر يسقط غزيرا في المنطقة الشمالية صيفا وسببه الرياح الموسمية، ويقل نوعا في إقليم البنجاب ولكنه يندر في الإقليم الصحراوي وفي بلوخستان. وأما الشتاء فيغلب فيه الجفاف ولكن تسقط بعض الأمطار في إقليم البنجاب شتاء بسبب وصول أعاصير الرياح العكسية إلى هناك. وأما من حيث الحرارة فالمناخ متطرف: فدرجة الحرارة في يناير تصل نهارا إلى 75 درجة ف ولكنها تهبط ليلا إلى درجة التجمد، وأما في الصيف فتتراوح نهارا بين 90ف، 120ف ولكنها تقل عن ذلك كثيرا أثناء الليل. وتوزيع المطر هام جدا، ذلك لأن حياة النبات تتوقف على الماء فإذا غزر المطر كثف النبات، وإذا انعدم المطر انعدم الإنبات. والباكستان الشرقية غنية بأمطارها وأنهارها، فمتوسط سقوط المطر من 70 بوصة إلى 400 بوصة ويجري بها نهر الكنج وفروع دلتاه المتعددة ورافده البرهمابترا. وأما باكستان الغربية فيجري بها نهر السند وفروعه الخمسة، ونظرا لجفاف المناطق الدنيا من حوض السند كانت لمشروعات الري في تلك المنطقة أهمية عظيمة إذ أنه يتوقف عليها تقدم هذه المنطقة إلى حد كبير. ويجدر بي قبل أن أنتهي من هذه المقدمة الجغرافية أن أشير إلى أن الباكستان قد ظلمت تماما في تنفيذ مشروع التقسيم فقد أخذت منها كلكتا وهي أكبر ميناء في مصب الكنج، وقد أخذت منها دلهي لأنها اتخذت عاصمة للهندستان، وكذلك أعطيت بمباي للهندستان فأصبحت العاصمة والموانئ الرئيسية في حوزتها. وأكثر من هذا لقد رفضت الهندستان أن يسلم للباكستان نصيبها من الأموال المضروبة حتى تعجز عن دفع مرتبات موظفيها ويعمها الاضطراب والفوضى فتختنق الدولة الوليدة. ومع هذا كله رضي المسلمون. ألم يصبح لهم وطن مستقل يعيشون فيه أحرارا، أجل أنه وطن فقير ولكن الله أغناه من فضله. الزراعة: الباكستان دولة زراعية وتعتبر الزراعة المهنة الرئيسية لسكانها؛ إذ أن 80 % من السكان يشتغلون بالزراعة. وتقدر مساحة الأراضي الزراعية بحوالي 54 مليون فدان وهناك أرض بور يمكن إصلاحها تقدر مساحتها بحوالي 14 مليون فدان. ولما كانت كمية المطر في باكستان الغربية لا تكفي حاجات الزراعة فقد أقامت الباكستان نظاما للري لا يضاهيه إلا نظام الري في الولايات المتحدة الأمريكية. إن نهر السند وفروعه تنبع جميعا من جبال همالايا ثم تنحدر جنوبا فوق السهول الفسيحة ثم تلتقي جميعا فتؤلف نهرا هائلا هو نهر السند الذي يجري جنوبا نحو ألفي ميل حتى يصب في البحر العربي. ومما لا يحتمل شكا أن هذا يلقي بكميات وافرة من مائه في البحر فعمد الباكستانيون إلى استغلال هذه المياه في ري جزء من الأراضي الواسعة الصالحة للزراعة في بلادهم، وتحقيقا لهذه الفكرة شقت قنوات حتى تصل المياه إلى الأراضي التي لم تكن لتبلغها وأقيمت السدود لحجز المياه للانتفاع بها في الري وفي توليد الكهرباء. ومن أكبر مشروعات الري في الباكستان الغربية سد سكر المقام على نهر السند قرب مدينة سكر في حوض السند الأدنى ويبلغ طوله حوالي الميل وهو أكبر سد في آسيا وتروى مياهه نحو ستة ملايين من الأفدنة، وتبلغ جملة الأراضي التي تروى بالقنوات نحو 23 مليون فدان؛ وهناك مشروعات لإحياء ستة ملايين فدان من الأراضي البور وجعلها صالحة للزراعة. ويمكن تقسيم غلات الباكستان الزراعية إلى قسمين: غلات تستهلك في الداخل وغلات تصدر إلى الخارج، فأما غلات النوع الأول فأهمها الأرز والقمح وهما الطعام الأساسي للسكان؛ وتخصص مساحة ثلاثة أخماس مساحة الأراضي الزراعية لهذين المحصولين، ويزرع الأرز في باكستان الشرقية أما القمح فيزرع معظمه في باكستان الغربية. وأهم الغلات بعد ذلك الشعير والذرة والقصب والسمسم والكتان. وأما الغلات التجارية فأهمها: الجوت: ويزرع في باكستان الشرقية وتنتج الباكستان منه 80 % من المحصول العالمي، ومعظم مصانع الجوت قائمة في كلكتا ولذلك فبعد التقسيم اضطرت الهندستان إلى استيراد الجوت من الباكستان، وتعمل الباكستان جاهدة على إقامة مصانع لصناعة الجوت في داخل بلادها، وتبلغ مساحة الأراضي التي تزرع الجوت مليوني فدان ويقدر المحصول بحوالي 6 , 800 , 000 بالة (البالة=400 رطل). القطن: يزرع معظمه في باكستان الغربية وتقدر مساحة الأراضي المزروعة قطنا بحوالي 2 , 704 , 000 فدان والمحصول بحوالي مليوني بالة، ونوع القطن جيد. الشاي: يعتبر إحدى السلع الهامة التي تصدرها باكستان الشرقية إذ تقدر الكمية التي تنتجها سنويا بحوالي 45 مليون رطل يصدر 70 % منها إلى الخارج. التبغ: ويزرع منه في باكستان 33 , 7 % من مجموع إنتاج الهند، وجملة الأراضي المزروعة في باكستان 308700 ومجموع الإنتاج 156300 طنا. التجارة: تعتبر الباكستان أهم دول العالم إنتاجا للجوت وتنتج 10 % من محصول القطن العالمي وكميات كبيرة من الصوف وتكون صادرات الباكستان من الجوت والقطن والصوف 90 % من صادراتها. وتصدر الباكستان أيضاً كميات وافرة من الشاي وبذرة القطن والتبغ والجلود والسمك المجفف والملح الصخري وبعض المصنوعات مثل الأدوات الرياضية والآلات الجراحية. وتنتج الباكستان كميات كبيرة من القمح تكفي حاجة سكانها وتفيض ويصدر الفائض وقدره نحو نصف مليون طن إلى الدول الأجنبية وخاصة إنجلترا. أما أهم واردات الباكستان فهو الآلات الصناعية والمواد المصنوعة مثل المنسوجات القطنية والغزل والخيوط القطنية والآلات ومصانع الغزل والسيارات والمصنوعات الحديدية والمواد الكيماوية والأدوية والعقاقير والورق وتكون الآلات الصناعية والمواد المصنوعة 77 % من مجموع واردات الباكستان. وبريطانيا أولى الدول تجارة مع الباكستان وتليها الولايات المتحدة والهندستان وجنوب أفريقيا وبلجيكا وإيطاليا وفرنسا واليابان وهولندا والاتحاد السوفيتي ومصر. وقد صادفت التجارة صعاباً عند بدء الاستقلال بسبب هجرة التجار الهندوس إلى الهندستان ولكن التجار المسلمين سرعان ما ملئوا الفراغ فتنشطت التجارة وتضاعفت حركة التوريد والتصدير. كراتشي: أهم موانئ باكستان الغربية إذ أنها تقع عند مصب نهر السند ومن ثم كانت منفذه التجاري وهي عاصمة دولة الباكستان، وقد تقدمت بعد 1947 (تاريخ الاستقلال) تقدماً كبيرا. ويكفي لإثبات ذلك أن نذكر أن عدد سكانها كان 450 , 000 نسمة فبلغ الآن 1 , 118 , 000 نسمة. وأما الباكستان الشرقية فقد حرمت من مينائها الطبيعي كلكتا، وأهم موانيها الآن شيتا جونج وهي تتقدم بسرعة لأن تجارة باكستان الشرقية تحولت إليها. للبحث صلة أبو الفتوح عطيفة.