مجلة الرسالة/العدد 988/خواطر مسجوعة

مجلة الرسالة/العدد 988/خواطر مسجوعة



الصوم سمو بالإنسانية

للأستاذ حامد بدر

الصوم سمو بالإنسانية: وتحرر من الحيوانية؛ فإن الشبع يدني الآدميين من البهائم، ويقلل الفرق بينهم وبين السوائم؛ والصوم يبعد أولئك عن أولئك، ويدني الأناسي من الملائكة

والصوم تعذيب، لكنه تأديب وتعذيب؛ يقهر الطغاة، وينشر المساواة؛ فالمحروم فيك كالمالك، لا فرق بين هذا وذلك

والصوم حرمان، لكنه إذعان وإيمان؛ فلا يكون ظمأ وجوعاً، قبل أن يكون إنابة إلى الله ورجوعا

شرع ليألف الصائم الزهادة، ويفقه حقيقة الورع والعبادة، فيقنع بما يكفيه مختارا، بعد أن أقنع إجبارا. ويرحم الفقير والمسكين، ويقدم من أيام الدنيا ليوم الدين، تاركا ما فضل لغيره، مشركا المحروم في خيره. ذاكرا أن ما عنده إلى نفاد، وأن البر والتقوى هما خير الزاد

ولا صوم لمن أمسك فكيه عن الطحن، ولم يمسك ما بينهما عن الطعن؛ أو صام عن الزاد، ولم يصم عن إيذاء العباد، فتناثر عابه، وتكاثر سبابه، واشتد هجره، ونفد صبره

فإن من لم يتق راضيا، ولم يبلغ مرضاة ربه متفانيا، ذهب صومه ضحية ثورته، وتلاشى ربحه أمام خسارته، وسبقه الحيوان الذي يصوم الأيام في صبر ودعة، ويصل في صومه الليل والنهار من غير بعبعة. يطوي البيد طويا، ويطأ الرمضاء صاديا راضيا

والصوم سر بين العبد ومولاه، لا يطلع على حقيقته إلاه. تبيت ناويا، وتصبح طاويا، زاهدا في مطعمك ومشربك، من فجرك حتى مغربك، كلما ألح الظمأ والسف عليك، والزاد في متناول يديك، قال الضمير: أمسك، واحكم نفسك بنفسك، وأذقها الحرمان، من آن إلى آن؛ لا تخضع لها دهراً، وتحرر في العالم شهرا. وتب إلى الله نصوحا، واخشع له جسدا وروحا. فإن أعز أهل العزة ذليل بين يدي الله. وأذل أهل الذل ذليل بين يدي هواه!

حامد بد