مجلة الرسالة/العدد 991/نساء عرفن في زمن النبي

مجلة الرسالة/العدد 991/نساء عرفن في زمن النبي

مجلة الرسالة - العدد 991
نساء عرفن في زمن النبي
ملاحظات: بتاريخ: 30 - 06 - 1952



للأستاذ ناصر سعد

بقية ما نشر في العدد الماضي

ومن هؤلاء النسوة هذه المرأة الفذة أم عمارة نسبية بنت كعب العامر قلبها بالإيمان وحب الله ورسوله والدين الحنيف ذهبت هي وابناها عبد الله وحبيب من زيد بن عاصم وزوجها غزية بن عمرو فاشتركوا مع المسلمين في وقعة أحد وشدت نسيبة ثيابها على وسطها تسقي الجرحى. ولما انهزم المسلمون أتت النبي وصارت بين يديه تدافع هي وذووها عنه بالسيف والقوس، ولما جاء ابن قميئة المشرك يريد قتل النبي (ص) كانت أم عمارة مع من اعترضوه وردوه فضربها على عاتقها ضربة مبرحة - قيل وقد أصيبت أم عمارة هذه ذلك اليوم باثني عشر جرحاً سيف أو رمح أو سهم. ويكفيها فخرا أن الرسول أثنى عليها وقال: - (لمقام نسيبة بنت كعب اليوم خير من مقام فلان وفلان، ما ألتفت يميناً ولا شمالاً إلا وأنا أراها تقاتل دوني) وهكذا كانت المرأة المسلمة عامرا قلبها بالإيمان لا فرق بينها وبين الرجل أن سلما وإن حربا. وكم فضل النبي من أمثال نسيبة على الرجال عندما كان يتكلم السيف والرمح! فأين المسلمات اليوم من أخواتهن في ذلك العصر؟

وهذه رفيدة أو - كعيبة - بنت سعد بن سعد الأسلمية التي بنت خيمة في مسجد النبي في غزوة الخندق وعرفت الخيمة باسمها، كانت تأتي بالجرحى إلى خيمتها فتعالجهم وتخدمهم تصلح من شانهم. كانت كرئيسة ممرضات تدير مستشفاها ذاك. . فما أعظمها من امرأة بارة بإخوانها المسلمين المحاربين وما أرحمها بهم، تسهر وتنصب في توفير العلاج وتدبير الراحة لهم! ومثل هذه المرأة يجب أن تكون قدوة للمرأة الحديثة التي يجب أن تهزها الغيرة على الوطن والإيمان بحبه فتنخرط في سلك المتطوعات المرهفات عن الجنود في سوح الوغى، والمرأة الغربية وإن كانت قد غزت نساء العصر الحديث في هذا المضمار فالعربية قد سبقتها بأشواط وأشواط منذ أقدم الأزمان.

ومنهن بنانة امرأة الحكم القرطي كان زوجها اليهودي من ألد أعداء النبي (ص) فهو بعد العهود ولمواثيق التي أبرمت بين النبي واليهود في المدينة حرض امرأته تلك، إذ أشار عليها بان تلقي رحى من حصن الزبير بن طابا اليهودي على جماعة من المسلمين كانو يستظلون بفيئه فشدخ رأس خلاد بن سويد فأمر النبي بقتلها وقتل كل من أنبت من ذكور اليهود، هذه المرأة كان عملها هذا من جملة ما أقلق بال النبي وأدى إعلانه الحرب على اليهود الذين نقضوا العهود فاستحقوا غضب الله ورسوله.

ومنهم أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط أسلمت بمكة وهي شابة لم تتزوج بعد، وكانت تخرج ببادية لها بها أهل ثم تعود لبيت أبيها، فلما اشتاقت إلى اللحاق بالمهاجرين في المدينة خرجت على عادتها كأنها تريد أهلها بالبادية فرأت راكبا حكت له أمرها وشوقها إلى معقل المسلمين فأركبها بعيره وسار بها حتى أوصلها المدينة فدخلت على أم سلمة زوج النبي (ص) فأخبرتها بما جرى لها خائفة من أن يردها النبي لقومها حسب شروطه وعهوده مع أهل مكة قبل الفتح وكانت قريش قد نقضتا مرارا فلما رآها النبي رحب فيها ثم نزل بها من القرآن آية الممتحنة (يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار) ولما جاءها أخواها الوليد وعمارة ابنا عقبة لم يعطها النبي إياهما مستندا على نقض قريش العهود فبقيت أم كلثوم في مكة حتى تزوجها فيما بعد زيد بن حارثة.

ومنهن أميمة بنت بشر الأنصاري زوجة حسان بن الدحداح القرشي المشرك المعادي لرسول الله (ص) لما رأت أن عز الإسلام ارتفع وأن أهلها أسلموا بالمدينة وهي في مكة مع زوجها فرت منه وأتت المدينة مشتاقة إلى الإسلام فلما وصلت هم النبي بأن يردها إلى زوجها لولا نزول آية الممتحنة تلك التي نزلت بحق أم كلثوم بنت عقبة التي مر ذكرها فزوجها الرسول ابن حنيف فولدت له عبد الله بن سهل.

وهذه زينب ابنة الحارث أخت مرحب الفتاة اليهودية التي حفزها البغض والحقد والطلب بالثأر فعملت شاة وسمتها وأتت رحل النبي عندما كان بخيبر فلما جاء النبي رحله قدمت الشاة له وهو لا يعرفها فجلس هو وأصحابه ليأكلوا فمد يده الشريفة إلى ذراع الشاة فأخذها شيئا منه فلما مضغه وابتلعه وعرف ما به أمر من كانوا معه بالكف عن الأكل وقال: - (كفوا أيديكم فإن هذه ذراع تخبرني أنها مسمومة) ولما مات بشر بن البراء من السم أمر النبي بإحضار زينب وقال لها: - (سممت الشاة؟) قالت: - (من أخبرك؟) قال: - (الذراع) قالت: - (نعم) قال: - (فما حملك على ذلك؟) قالت: - (قتلت أبي وعمي وزوجتي ونلت من قومي ما نلت فقلت أن كان نبيا فستخبره الشاة وإن كان ملكا استرحنا منه) فقتلها النبي. قيل ولما مرض مرضه الأخير (ص) قال: - (ما زالت أكلة خيبر يصيبني منها عداد حتى كان أوان أن تقطع أبهري) وقبضه ربه إليه متأثرا من ذلك السم. كتبنا إليك هذا أيتها المرأة المسلمة كي تتخلقي بأخلاق الخيرات المسلمات اللواتي كن يغمر الإيمان قلوبهن فضحين لدينهن كل غال ورخيص.

ناصر سعد