مجلة الرسالة/العدد 993/إندونيسيا

4 - إندونيسيا مجلة الرسالة/العدد 993/إندونيسيا الحياة الاقتصادية للأستاذ أبو الفتوح عطيفة. الاقتصاد والاستعمار. لاشك أن الدافع الأول إلى الاستعمار هو العامل الاقتصادي. فالدول الاستعمارية إنما تقصد بوضع يدها على المستعمرات إلى أن تضمن لنفسها إنتاج هذه البلاد سواء أكان زراعيا أم حيوانيا ام معدنيا، كما تضمن أن تكون هذه المستعمرات أسواقا لتصريف مصنوعاتها. وكل هذا يحقق رفاهية الشعب المستمر ورخاءه، وهكذا يسعد بعض الشعوب ويشقى البعض الآخر تلك هي قصة الاستعمار منذ نشأته، وستظل كذلك ما بقي! أنه الدليل الحي على ظلم الإنسان للإنسان وجشعه وطمعه وأنانيته. ولم تختلف قصة الاستعمار الهولندي لإندونيسيا عن غيرها من القصص، فقد ظل الهولنديون يدأبون على وضع يدهم على منتجات إندونيسيا وخيراتها وأرضها وعلى تسخير الإندونيسيين في العمل والإنتاج حتى تم لهم ذلك، فأصبحوا يسيطرون تماماً على الاقتصاد الإندنوسي وجنت هولندا (بقالة أوربا) وشعبها من وراء ذلك أرباحاً طائلة وسعد الهولنديين بينما كان الإندونيسيون لا يجدون القوت! وكثيراً ما أستخدم الهولنديون القسوة في دفع الإندونيسيين إلى العمل، ولما وجهه إليهم اللوم قالوا إنا نفعل ذلك لأن فيه صلاح الإندونيسيين وهذا هو الاستعمار: شر وبلاء وفقر ومذله! وقد كانت الشركة الهولندية الشرقية أول محتكر لإندونيسيا ولكن منذ 1870 سمح للرأسماليين الهولنديين باستثمار أموالهم في إندونيسيا فامتلأت البلاد بشركاتهم ومؤسساتهم، وعاد الربح الوفير على الشركات الهولندية والهولنديين راع الدول الكبرى ما تجنيه هولندا من أرباح فطلبت أن تسمح لرعاياها باستثمار رؤوس أموالهم في إندونيسيا، واضطرت هولندا إلى اتباع سياسة (الباب المفتوح) فتدفقت رؤوس الأموال الأجنبية من هولندا وإنجليزية وأمريكية وفرنسية وألمانيا ويابانية على إندونيسيا وقال المستعمرون انهم يعملون على إنماء ثروة إندونيسيا. ربما كان صحيحاً، ولكن هل أدى ذلك إلى تحسين حال الإندونيسيين ورفاهيتهم؟ والجواب على ذلك: لا صحيح أن إندونيسيا قد أصبحت قطرا غنيا عظيم الإنتاج يمج بالمصانع والبنوك، وتنتشر فيه الطرق الحديدية والسيارات، وتكثر بموانيه السفن والبواخر، ولكن الشعب الإندونيسي كان ينظر إلى تلك الثروة بكل حسرة لما أصابه من الحرمان والفقر المدقع. يقول الأستاذ (هلفرسن) الهولندي عندما ودع إندونيسيا: آه يا إندونيسيا الغنية. . . ولكن شعبك في عوز وفقر مدقع! ويقول الدكتور ليفرت (إن الأجور التي يتقاضاها العمال الإندونيسيون لا تزيد عما يسد الرمق). على أن هذا البؤس كان مما دفع الإندونيسيين إلى أن ينهضوا والى أن يحاولوا رفع هذا الضغط الاقتصادي عن كاهلهم والى أن يعملوا على تحسين حالتهم الاقتصادية، وفي النهاية إلى أن يعملوا على تحرير وطنهم من ربقة المستمر وإعادة الاستقلال إليه. وهكذا استيقظت إندونيسيا من سباتها وكانت الشركة التجارية الإندونيسية التي تأسست 1909 أول حجر في هذا البناء الشامخ أصبحت الجمعيات والأحزاب الإندونيسية تعني بالتحرر الاقتصادي للإندونيسيين كما تعني بالتحرر السياسي ومن ثم كثرت الشركات الوطنية التجارية والصناعية وفي 1938 تأسست شركة (الملاحة والتجارة) للجمعية المحمدية، وقد كانت تهتم بتيسير نقل الحجاج إلى مكة، وساعدت كثيراً على تقدم حركة النقل التجاري الإندونيسية. ثم أنشئ (البنك الإسلامي) تحت إشراف الجمعية المحمدية وبمجهود المرحوم الدكتور ستدمو قام في سورابايا (البنك الإندونيسي الوطني). وهكذا سارت حركة التحرير الاقتصادي جنبا الجنب مع حركة التحرير السياسي، وفي 1945 تحقق استقلال إندونيسيا ونحن نرجو لشعبها الرفاهية والقوة في ظل الاستقلال قصة جوز الهند: شجرة جوز الهندي زينة المناطق الحارة وحلية المناظر الطبيعية في الغابة، تمتاز بارتفاع هامتها وباعتدال جذعها النحيل وبتجرد ساقها من كل فرع أو غصن، وتتوج هامتها أوراقها الوارفة تتموج في الفضاء تحت ضربات الرياح فيسمع لحركاتها صوت يشبه حفيف أجنحة الحمائم الطائرة. وإندونيسيا من أكثر الدول إنتاجاً لجوز الهند فهي تنتج 25 % من المحصول العالمي وتصدر منه ما يزيد على 500 , 000 طن سنوياً. وللجوز الهندي منافع جمة: فبداخله شراب لذيذ الطعم ويحيط به لب ناصع البياض هو غذاء شهي. وللجوز الهندي غلاف صلب يمكن استخدامه كوعاء وتغطيه ألياف يمكن صناعة الحبال منها وكذلك تستخدم في صباغة الأكلمة والمكانس أما السعف والأوراق فتستخدم وقودا وأما الجذع فيعتبر من أقوى خشب العمارة ويتخذ لبناء البيوت والجسور. ولشجرة الجوز الهند قصة طريفة ترويها الأساطير الإندونيسية. زعموا أنه كان يعيش في إندونيسيا في قديم الزمان ملك عظيم الشأن يخضع لسلطانه جميع الملوك المعاصرين. وكان لهذا الملك طاهيه قديرة تتفنن في صناعة الأطعمة الشهية والمأكولات اللذيذة ولا يفوقها أحد في براعتها أو مهارتها. وكان الملك فخوراً بها مزهواً في براعتها ويشملها دائماً بعطفه ورعايته وهدايا وجوائزه. ولقدرتها الفائقة بعث الملوك بطهاتهم إلى قصر الملك ليأخذوا عن الطاهية فنها ولكنهم لم يستطيعوا الوصول إلى السر وظل فنها قاصراً عليها. وذات يوم كانت الطاهية مشغولة بطعام الملك فغافلها أحد ندمائه ودخل المطبخ خلسة واختفى في ركن من أركانه وظل يراقبها لكي يقف على سرها. وكانت الطاهية تحمل على ذراعها طفلها الرضيع، وسرعان ما وقف النديم مبهوتاً مدهوشاً. لقد رأى الطاهية تحلب من ثديها لبنا صبته في الإناء الذي يفور فيه الطعام المهيأ للملك. عرف النديم السر فتسلل من مخبئه وذهب تواً إلى الملك وأوقعه على الأمر. ثار الملك وغضب على طاهيته التي تجرأت على أن تطعمه من لبن ثديها القذر، ولم ير سوى الموت عقاباً لها على جريمتها، وأمر بتنفيذ حكم الإعدام فوراً ولم يشفع لديه بكاؤها ولا توسلاتها. عرفت المسكينة أنها هالكة لا محالة فدعت الإله في ضراعة أن يحمى طفلها الوحيد بعد موتها وسألته أن يرد جسمها بعد دفنه إلى شيء يستطيع أن يقوم لأبنها ولأعقابه بأجل الخدمات ودفنت جثتها في موضع بداخل الغابة، ولم تمض أيام على موت الطاهية حتى شوهد فوق قبرها نبات ينمو ويترعرع في سرعة مدهشة، وما لبث أن أصبح شجرة عالية ذات ثمار كبيرة مستديرة أن الوجود قد أنشق عن أول شجرة للجوز الهندي أو النارجيل لقد تحقق جميع ما طلبته الطاهية: أن جسمها قد تحول إلى شجرة جمة المنافع، فثمرها عظيمة، في جوفها ماء ليس كالمياه تجده نقياً صافياً فيه حلاوة الرحيق وأنفاس النبيذ لذة للشاربين ومطفئا لأوار الظامئين. كم من مسافر أطفأ ظمأه شراب جوز الهند وكم من جائع ناله الشبع من لب جوز الهند. وكم للجوز الهندي من فوائد (راجع ما سبق) وهكذا استجاب الإله لدعاء الطاهية فصنع من جسمها شجرة عظيمة النفع وأحفادها. وتمضي الأسطورة فتقول: أن روح الطاهية تطوف بأشجار النارجيل ليلا تودع أحفادها وكأنها تقول نم أيها الطفل الحبيب نم فأن أعمالي قد انتهت وقد أجهدت أنت نفسك كثيراً في اللعب والنهار قد ولى وبلغ نهايته والليل قد أرخى سدوله فنم أيها الطفل العزيز نم وأغمض جفونك أيها الحبيب وخذ قسطك من الراحة كيما تشب قوياً مفتولا وأتخذ من صدري فراشا وثيرا وأغمض جفونك أيها الحبيب للبحث بقية أبو الفتوح عطيفة